د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة في 23 فبراير عام 2030م

في الجزء الأول من هذا المقال تحدثتُ عن دور المرأة في تأسيس الدولة السعودية الأولى ، مع التوقف عند تجاهل المؤرخيْن ابن بشر وابن غنّام لهذا الدور بصورة عامة.

 أمّا عن دور المرأة في الدولة السعودية الثانية، فمن النساء اللواتي كان لهن دور بارز :الجوهرة بنت فيصل بن تركي آل سعود، جدها من جهة أمها؛ الشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر أبرز علماء نجد في القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، وأمها سارة تزوج بها الإمام فيصل بن تركي بعد عودته من مصر عام 1259هـ/1843م خلال تواجده في سدوس قبل دخوله إلى الرياض، وقد أنجبت له مجموعة من الأبناء لهم البقاء إلا الجوهرة. وقد اختلفت الروايات في تحديد ميلادها منهم ما بين عام (1267 إلى 1270ه، الموافق 1851- 1854م)، وقد حظيت الجوهرة بعناية والدها مما أثر ذلك على شخصيتها؛ حيث ألّمت بالتاريخ والسير وحفظ القرآن الكريم ومعرفة الاستنباطات الفقهية والسنة النبوية والحرص على جمع الكتب ووقفها في سبيل العلم على سبيل المثال نسخة من كتاب “حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح” لأبن القيم الجوزيه، وقد دون عليه النص التالي:”أوقفته الفقيرة إلى الله سبحانه الجوهرة بنت الإمام فيصل بن تركي على ما ينتفع به من المسلمين لوجه الله تعالى.(فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.)وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.جرى ذلك في 1318هـ.”

 وتزوجت من طلال بن عبد الله بن رشيد أمير حائل خلال الفترة من 1262هـ/1847م إلى 1283هـ/1866م، ولم تنجب له أبناء ، وبعد وفاته تزوجت مرة أخرى من سعود بن جلوي بن تركي، وقد شهدت الصراع بين أخوتها بعد وفاة والدها عام 1282هـ/1865م؛ فعملت على غرس العزيمة في النفوس؛ فكانت تُرسخ في نفس الملك عبدالعزيز ركائز الحكم حيث كانت تردد على مسامعة:”لا تكون عظمة بيت ابن سعود غاية مساعيك، إن عليك أن تجاهد لعظمة الإسلام، إنّ قومك لفي أمس الحاجة إلى قائد يرشدهم إلى طريق النبي الكريم، وإنك أنت ستكون ذلك القائد”.

 وكان لها دوربعد معركة المليداء عام 1380هـ/1891م؛ إذ آثرت الجوهرة البقاء في الرياض على مغادرتها إلى الكويت، وخلال الفترة كانت تقيم معها ابنة أخيها سارة بنت الإمام عبد الله بن فيصل؛ فتولت رعايتها، وقد تزوجها الملك عبد العزيز أثناء قدومه إلى الرياض عام 1318هـ/1901م

كان منزلها مفتوحًا  لأفراد أسرة والدتها؛ فعندما أصيب عبد الرحمن بن معمر في هجوم عبد العزيز بن متعب بن رشيد على الرياض عام 1321هـ/1903م قصد منزلها بحكم أنّه من أخوالها آل معمر، وقد أوكل إليها الملك عبد العزيز مهمة تثقيف النساء في قصره، وتعليمهن التنشئة الإسلامية الصحيحة اتجاه العائلة وتربية الأطفال، وكان لخبرتها، وسعة إدراكها يستشيرها الملك عبد العزيز في تدبير شؤون البلاد، وقد توفيت عام 1354ه/1935م.

   وهكذا نجد المرأة في الجزيرة العربية رغم الجهل المدقع الذي كانت غارقة فيه، ورغم إهمال المجتمع لها وحرمانها من كثير من حقوقها الشرعية، ومن حرية إبداء الرأي.. رغم كل هذا، استطاعت بفطرتها السليمة وبصيرتها النافذة أن تسهم في بناء الكيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي  لمجتمعها وتوحيده تحت راية واحدة بعدما ما كان عبارة عن إمارات صغيرة مبعثرة ومتناحرة، كما نجد كان لها دور كبير في البادية؛ إذ نجد أنّ معظم الصناعات اليدوية في البادية كانت النساء يقمن بها مثل صناعة الخيام وبيوت الشعر والسجاد والخرج الذي يوضع على ظهر الإبل، وجميعها تصنع من شعر الحيوانات مثل الأغنام، وكذلك صناعة الخوص من سعف النخيل،  ومن الأعمال التي تقوم بها المرأة في البادية جمع الحطب والعشب ورعي الأغنام وورود الآبار لإحضار الماء، وصناعة السمن البلدي والزبدة من حليب الغنم  بالإضافة إلى أعمالها المنزلية.

  أمّا وضع المرأة في المناطق الزراعية، فلم يكن أقل شأناً فقد كانت المرأة تعمل مع الرجل في الحقل وتشاركه في أعمال الفلاحة وغيرها، عدا تلك النشاطات التي تتطلب قوة جسدية لا تتناسب مع طبيعتها كامرأة.

   وعلى الساحل الشرقي للخليج العربي في المنطقة الشرقية كانت مهنة الغوص لصيد اللؤلؤ من أهم مهن الخليج العربي قبل اكتشاف النفط، فكانت  زوجة الغواص تسهم بدور إيجابي فعلي في حياة أسرتها ومجتمعها الصغير، فهي بسبب حاجتها وندرة مصادر الدخل كانت تساعد زوجها في العمل، وإلى جانب قيامها بأعمالها المنزلية تقوم ببعض الأعمال التي تدر عليها ربحًا كأن تقوم بخياطة الملابس لنساء الحي، أو المتاجرة بسلع بسيطة أو تقوم بتربية الماشية والأغنام، فقد كانت عائلة البحار المشتغل بالغوص تعاني الكثير بسبب غيابه في موسم الغوص الذي يمتد لعدة أشهر، فهي التي ترعى شؤون العائلة وتدبر أمورها المعاشية، فرحيل رب الأسرة وغيره من رجالها البالغين يلقي على عاتق الزوجة مسؤوليات جديدة، فكونها رب الأسرة المؤقت يجعلها تلتزم بمهام جديدة تنطوي على قدر كبير من مسؤولية اتخاذ القرارات التي كانت وقفًا على الرجل، وهذا يجعل الزوجة أثناء غياب زوجها في مرتبة اجتماعية متساوية على الأقل مع مرتبة الابن الأكبر في الأسرة من حيث السلطة ضمن العائلة، إضافة إلى  تحملها التضحية عندما يقع زوجها أو عائلتها في الديون.

   كما كان لها دور كبير في بناء النهضة التعليمية والعلمية والاجتماعية في دور توحيد المملكة العربية السعودية، فلقد مر تعليم الفتاة في المدارس بطورين الطور الأول: التعليم الأهلي ومراحله، والطور الثاني: التعليم الحكومي ومراحله. ويبدو أنّ تاريخ التعليم بشكل عام وتعليم المرأة بشكل خاص يسير خطوة بخطوة مع تأسيس الدولة التي كانت في طور التثبيت، فبعد دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة اجتمع بعلمائها وعقد معهم لقاءًا لبحث مسألة التعليم ونشره بين الناس والتوسع فيه. وكان من نتاج ذلك نشأة مديرية المعارف عام 1344هـ، وبذل وضع الملك عبد العزيز يرحمه الله الأسس الرئيسية لأول مؤسسة تعليمية حديثة في البلاد وكانت تلك المؤسسة البذرة الأولى للتعليم الحكومي المنظم وبدأت مدارس البنين في الانتشار في عدد من مدن المملكة .

وبدأت المرحلة الانتقالية أيضًا لتعليم المرأة تأخذ طريقها نحو الأمام حيث بدأت تتأسس مدارس أهلية منذ عام 1348هـ وتحول عدد من الكتاتيب إلى مدارس تتبع منهج مديرية المعارف، وقد بلغ عدد تلك المدارس قبل نشأة الرئاسة العامة أكثر من 46 مدرسة أهلية موزعة على مدن المملكة.[د. سعود العنيزي: تاريخ تعليم المرأة في العهد السعودي وتطوره.]

 وقد خصصت بعض المدارس قسمًا للبنات منذ سنة1358هـ/1940م .ونظرًا لقلة الإقبال على تعليم الفتيات أغلق هذا القسم عام 1370 هـ/1951م.

 هذا ويعود تعليم للمرأة الرسمي إلى عام(1379ه)1959(م) حين أقرت الدولة حق التعليم للفتاة وذلك بعد عشرين عامًا من إتاحته للبنين.

 وقد أسهمت المرأة السعودية في النهضتين التعلمية والعلمية، من خلال إنشاء كتاتيب البنات، ثم المدارس الأهلية:

  1. المدارس الأهلية بجدة، وكانت المدرسة النصيفية للبنات تعد حجر الزاوية لتاريخ تعليم الفتاة السعودية، كونها أول مدرسة نظامية للبنات أنشئت في السعودية، وكانت عام 1375ه، وتم افتتاحها عام 1376هـ/واستمرت طوال 68 سنة الماضية تؤدي رسالتها التنويرية، وبعد قرابة ستة أشهر تم افتتاح مدرسة دار الحنان الابتدائية التي أسستها الملكة عفّت  ومدرسة الثقافة الشعبية الابتدائية.
  2. المدارس الأهلية بالرياض، فقد أسست مدارس التربية الإسلامية  صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة بنت فيصل بنت عبد العزيز عام 1384 هـ 1964 م منذ ما يقرب 60 عامًا، تتميز مدارس التربية الإسلامية بتفوق طلابها وطالباتها في الدراسة الجامعية والحياة العملية؛ إذ تقلد معظم خريجيها وخريجاتها مناصب قيادية في مجالات الطب والأدب والتعليم والإعلام، وتبوأت خريجاتها المراكز الأولى في اختبار الثانوية العامة ونلن شهادات تقدير حكومية، وبلغ عدد خريجات مدارس التربية الإسلامية منذ التأسيس وحتى عام 2015م (3288) طالبة .وتنفرد مدارس التربية الإسلامية عن مثيلاتها من المدارس بتبنيها لبرامج تقدير الذات ومهارات الحياة وكذلك التحدث باللغة العربية الفصحى داخل أسوار المدرسة .
  3. المدارس الأهلية للبنات بالمدينة المنورة، ففي حوالي عام 1379ه  رأي بعض الشباب الجامعيين من أبناء المدينة المنورة ضرورة فتح مدرسة خاصة لتعليم البنات بالمدينة المنورة، ففتحوا مدرسة ابتدائية للبنات في الساحة، وعيّنوا عليها الأستاذة عُبيدة الأيوبي ــ رحمها الله ــ مديرة لها، وكانت من بنات المدينة المنورة تعلّمت في سوريا، وعادت إلى المدينة، واستقدموا معلمات من مصر للتدريس في هذه المدرسة،وكان في هذه الفترة عاد إلى المدينة المنورة الأستاذتان زينب وزبيدة سالم أبو عوف بعدما أتممن دراستهن الثانوية في الأردن، وفتحتا مدرسة ابتدائية للبنات، كما فتحت الأستاذة سعاد (مصرية) مدرسة ثالثة للبنات، فأصبح بذلك (5) مدراس ابتدائية  خاصة للبنات بالمدينة المنورة مع مدرستي الأستاذة شرف علمي رحمها الله  التي كان كانت كُتّابًا يُعلِّم القراءة والكتابة، وحولته إلى مدرسة استفادت من وجود الأستاذة خيرية الزهاوي من العراق التي كانت تُدرس فيها، ومدرسات أخريات، وكذلك مدرسة الأستاذة زينب مغربل رحمها الله، وكل هذه المدارس اندمجت في المدرسة الابتدائية الأولى  للبنات التي افتتحتها الرئاسة العامة للبنات ـــــ باستثناء مدرسة الأستاذة شرف علمي التي أصبحت مديرة لمدرستها بأمر من الملك فيصل رحمه الله ـــــ وعُيّنت الأستاذة عبيدة مديرة للمدرسة، والأستاذات زينب أبو عوف وزبيدة أبو عوف وسعاد( المصرية) مدرسات بالمدرسة، والأستاذة زينب مغربل مراقبة.

   وبالرغم أنّ التعليم الرسمي للبنات بدأ في مملكتنا الحبيبة 1379/ 1959م، إلّا أنّنا نجد من الفتيات السعوديات من تخرّجن من الجامعات قبل هذا التاريخ، وهذا يعني أنّ من بناتنا من جاهدوا وتعبوا في سبيل التحصيل العلمي خارج المملكة وأهاليهن الذين لم يبخلوا على تعليم بناتهم رغم ضخامة تكاليفه، وكنّ هؤلاء  اللبنة الأولى في بناء الدولة ووضع أسسها الراسخة.

البريد الالكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com

رابطل المقال :

https://www.al-madina.com/article/828758/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-2

Leave a Reply