ترجمة فضيلة الحافظ والعالم العلّامة الإمام الشيخ زين العابدين محمد محمد صالح إبراهيم محمد صالح محمد سعيد عبد الحفيظ حمّاد عبد الحفيظ آل حمّاد(1311-1395ه)نسبه

هو زين العابدين بن محمد بن محمد صالح  بن إبراهيم بن محمد صالح بن  محمد سعيد بن عبد الحفيظ بن حمّاد بن عبد الحفيظ بن الملّا عبد الله المُحدِّث الشهير ابن عبد الرحمن ، والملّا عبد الله أحد أجداد الملا عبد الرحيم المعروف ب ” بابو ميان الصِّدِّيقي”، والذي ينتهي نسبه  إلى عبد الرحمن بن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،ومثبتُ هذا في سجلات انتساب قضاة المحاكم الشرعية في عهد الملك  عبد العزيز آل سعود ـــ  عندما كان ابنه الأمير فيصل نائبه في الحجاز ـــ  للقاضي بالمحكمة المستعجلة بجدة الشيخ  عمر بن محمد صالح حمّاد عم والدي رحمه الله برقم 164مجلد 16 تاريخ 1367 ه، آخر تدقيق 1377ه.” وأم الشيخ زين العابدين هي السيدة حفصة بنت عبد القادر بن مصطفى إلياس.ولد الشيخ زين العابدين حمّاد عام 1311هـ بالمدينة المنورة، وتربى في بيت علم ودين وفقه ، وعز ورفاه ،وتوفي في اليوم الثامن والعشرين من شهر شوال عام 1395هـ

بعد معاناة من مرض الفشل الكلوي،ودفن بالبقيع بالمدينة المنورة عن عمر يقارب الأربعة والثمانين عامًا.هذا وممّا يجدر ذكره يوجد في قدم والدي رحمه الله أثر لدغة الثعبان المتوارث في ذرية الصديق رضي الله عنه

تحصيله العلمي وإمامته المصلين في التراويح بالحرم النبوي الشريف في سن 12 سنة


قضى جُلّ حياته في خدمة الإسلام ونشر الدعوة، حيث حفظ القرآن الكريم وهو في سن التاسعة من عمره، واستطاع أن يؤم الناس في صلاة التراويح بالمسجد النبوي الشريف وهو في سن الثانية عشرة من عمره، وقد حفظ القرآن على القراءات السبع، وكان فقيهًا ومحدثًا وعالمًا بالتاريخ، فقد كان فقيهًا ملمًا بالمذاهب الفقهية الأربعة ،  وكان على مذهب الإمام أبي حنيفة، وقد تتلمذ على عدة مشايخ في المسجد النبوي الشريف، منهم فضيلة الشيخ عبدالقادر بري، وفضيلة الشيخ صالح بري، وفضيلة الشيخ إبراهيم بن عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بري ، وفضيلة الشيخ عارف بري ، وفضيلة الشيخ ملا سفر، وفضيلة الشيخ عبدالجليل مدني، وفضيلة الشيخ زين العابدين مدني، وفضيلة الشيخ عبدالعزيز مدني، وفضيلة الشيخ عبدالقادر شلبي، وفضيلة الشيخ أحمد بساطي، وفضيلة الشيخ عبد الباقي الهندي، وفضيلة الشيخ أحمد كماخي، وفضيلة الشيخ عمر كردي، وفضيلة الشيخ السيد زكي برزنجي. وهؤلاء هم أشهر علماء المدينة في تلك الفترة.

كان والدي رحمه الله الإمام والخطيب الرابع عشر والأخير   المسجد  النبوي الشريف من آل حمّاد، وكان  يتلو القرآن الكريم بصوت حنون ومُريح . وحتى عام 1364ه كان إمامًا وخطيبًا بالمسجد النبوي الشريف، فقد روى لي الرّيِّس عمر عبد الكريم أسعد عثمان حمّاد أنّه صلى صلاة التراويح مع جده لأمه الشيخ معتوق بري في المسجد النبوي الشريف خلف والدي رحمه الله عندما كان إمامًا وخطيبًا، وكان سن  الرّيِّس عمر عبد الكريم حمّاد آنذاك حوالي أربعة أعوام ، فهو من مواليد عام 1360ه، واستمر والدي رحمه الله في إمامة وخطابة المسجد النبوي الشريف إلى أن أصدر الملك عبد العزيز  قرار توحيد الإمامة والخطابة في المسجد النبوي الشريف ؛ إذ كانت الصلاة الواحدة تقام أربع مرات، وينتصب لكل إقامة إمام مذهب من المذاهب الأربعة، ويصلي أتباع كل مذهب على الأغلب وراء إمام مذهبهم، فيصلي الشافعي، ثم الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، في كل الصلوات ماعدا المغرب، يصلونه جميعّا في وقت واحد نظرا لضيق الوقت”.

   وطبقًا للمصادر من مطبوعات ومخطوطات التي تمكنّت من الوصول إليها والاطلاع عليها, فإنّ إمامة وخطابة آل حمّاد بالمسجد النبوي الشريف متوارثة  أبًا عن جد حتى تصل إلى جدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، والذي أعطاه حق الإمامة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما مرض قال عليه أفضل الصلاة والسلام : ” مروا أبا بكر فيصل بالناس” ، ويُصرف لآل حماد  من وقف الأئمة والخطباء.

نشاطه الدعوي

نشط في عمله الدعوي مثل أجداده وأبيه وأعمامه ليبلغ علمه لأكبر عدد ممكن من الناس، وقضى ثلاثين عامًا متفرقة في الدعوة إلى الإسلام في بلادي الهند والسند، وتحفيظ المسلمين منهم القرآن الكريم، وتعليمهم أمور دينهم متنقلًا في ربوع شبه القارة الهندية  من غربها إلى جنوبها إلى شرقها، وقد أسلم على يده عدد كبير .

كما حفظ القرآن على يده عدد كبير من أبناء الهند، وقضى سنوات متقطعة بلغت في مجموعها ثلاثين عامًا  في بلادي الهند والسند لنشر الإسلام، وتعليم المسلمين أمور دينهم وتحفيظهم القرآن الكريم؛ حيث كان يستقل قاربًا صغيرًا  لكي يُعلِّمَ المسلمين أمور دينهم، وقد درس عليه عدد كبير من أبناء تلك البلاد، فكان يتنقل من قرية إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد، حتى أنّه في بعض الأحيان كان يأكل الطعام مستخدمًا ورق الموز بدلًا من الآنية، ويستخدم صحون الطين لوضع شوربة العدس أو العدس فيها، وكان يقضي أيامًا طوال في ظروف صعبة يتحمل فيها مشاقًا جسيمة من أجل أن يعلم أهالي تلك البلاد التي كانت تفتقر إلى علوم الحديث والفقه وتفسير القرآن، وكان رحمه الله مجيدًا لهذه العلوم، مع أنّه نشأ وتربي في بيت عز ورفاه ، ففي بيت أبيه كان يكثر  الخدم فوالده الشيخ محمد حمّاد إلى جانب كونه عالمًا وفقيهًا حافظًا لكتاب الله ، وإمامًا وخطيباً ومدرسًا بالمسجد النبوي وأديبًا وشاعرًا ، كان  من  أعيان المدينة المنورة ، ومن كبار رجال الدولة العثمانية ، وقائم مقام ، ثريًا لديه ممتلكات عقارية كثيرة، ومع هذا كان جمّ التواضع ، فهاهو يأكل الطعام في صحون من ورق الموز ، أو من الطين، ومرّت عليه أيام كثيرة قاسية ، متحملًا كل ذلك في سبيل نشر الإسلام.

إضافة إلى إجادته للغة العربية وعلى الأخص علم النحو، حيث كان يحفظ ألفية ابن مالك ويعرف شرحها بإتقان؛ إذ درس شرح ابن عقيل، ومعظم شروح ألفية ابن مالك، كما كان عالمًا بالتاريخ أيضًا وعلم الرياضيات  وكان يحل  ذهنيًا مسائل الجبر ذات مجهولين وثلاث مجاهل، وكانت لديه معرفة  بعلم تفسير الرؤيا المنامية .

مناظراته مع علماء الهند

وقد حدثت له عدة مجادلات ومناقشات بين علماء تلك المناطق حتى أنّه في أحد الأيام سئل سؤالًا عن فتوى أفتاها على أي أساس بنى عليها فتواه ، وكان نسي الحديث الذي بنى عليه الفتوى ومن أي مصدر استقاه وأخذ يطالع في المكتبة التي كانت معه في  يخته الذي كان عبارة عن سكن له ومكتبة وقاعة للدروس، فأخذ يفتش بين الكتب فلم يجد ذلك الحديث حتى أتاه النوم ونام ، ورأى والده في المنام يقول له: يا عابدين إنّ الحديث في حاشية  ابن عابدين في صفحة كذا في مجلد كذا، فقام من النوم وبحث عن الحديث فوجده كما قال له والده في المنام، فحمد الله على هذا النصر الذي أيده الله به لأنّه كان في موقف جد خطير، ذلك لأنّ أبناء البنغال إذا حدثت بين العلماء مناقشة ولم يستطع العالم أن يثبت رأيه بدليل نصي من القرآن أو السنة يضربونه بالنعل؛ لذا كان موقفه صعبًا جدًا ولكن الله أراد له التوفيق واستطاع أن يثبت فتواه بحديث نبوي.

 كان جُلّ همه هو نشر الإسلام  والعلم بين أبناء المسلمين في القارة الهندية، فتنقل بين القارة الهندية واشتهر اسمه هناك، وكان إذا أفتى بالفتوى وختم عليها بخاتمه  تصبح عامة على معظم أبناء المسلمين في القارة الهندية.

وكان طلبته من جميع أنحاء الهند يتوافدون عليه في مواسم الحج، وكان يستضيف بعضهم  في داره ولا يأخذ منهم أجرًا ، بل كان يطعمهم طوال مدة سكناهم، إلى جانب استضافته لكبار العلماء والشخصيات المسلمة .

رفضه ولاية القضاء

عرض عليه القضاء في العهد السعودي عدة مرات ورفضه لقوله صلى الله عليه:” قاض في الجنة وقاضيان في النار” فكان يخشى أن يكون أحد القاضييْن الذيْن في النار، وقد سمعته يقول هذا لأمي ــ رحمها الله ـــــ   وهو يخبرها برفضه القضاء بعد انصراف الذين عرضوه عليه، وكنتُ معه في حقول الفلفل عندما تمّ عرض القضاء عليه ، ولكن كنتُ بعيدة عنهم لما أسمع ما قالوه ، وكنت وقتها طفلة صغيرة لم أتجاوز الثامنة بعد. وعدتُ معه بعد انصرافهم إلى ديوان البركة ، وحدّث أمي ــــ رحمها الله ــــــ عن عرض القضاء عليه ، واعتذاره.

عمله بالتجارة والزراعة

  إلى جانب عمله كإمام وخطيب بالمسجد النبوي ونشاطه الدعوي في بلادي الهند والسند، وجهده في نشر الإسلام وتعليم مسلمي الهند والسند أمور دينهم وتحفيظهم القرآن الكريم كان ملمًا بجميع أحكام التجويد تطبيقًا وشرحًا، كما كان ملمًا بالمذاهب الأربعة، وكان يمارس الإفتاء، والفتوى المختومة بختمه تأخذ بها جميع المناطق الإسلامية في بلادي الهند والسند ، وكان يُتقن الأردية.

  هذا ونشاطه لم يقتصر على النشاط الديني والدعوي والفكري والعلمي فقط ، وإنّما يمتد إلى  النشاط الاقتصادي؛ فكان يمارس التجارة فترة إقامته بالهند ليلبي بها احتياجاته فيها ؛ إذا كان أحد تجّار الأقمشة في المدينة المنورة، وكانت له دكّانًا في السويقة يبيع فيه أقمشة، وكانت دكّانه مجاورة لدكان جدي لأمي الشيخ يوسف حمزة عثمان عبد الجوّاد الذي كانت تربطهما قرابة من جهة الأم، وقد تعرّف على والدي عن قرب، وعرف حسن خلقه، فعندما تقدّم والدي لخطبة أمي رحمها الله ـ وافق جدي رغم فارق السن بينه وبين والدتي، وكان في البداية خالي  صلاح الدين عبد الجوّاد معارضًا زواج أبي من أخته بهيجة لفارق السن، لكن جدّي ـــ رحمه الله ـــ أصر على تزويجها منه، وتمّ الزواج ، وأراد خالي صلاح السفر إلى الهند للتجارة، وكان لا يعرف الهند، ولا يعرف أية لغة من لغاتها ، ولمّا كان والدي يعرف بلاد الهند جيدًا، ويتكلّم الأردية طلب من والدي مرافقته في رحلته إلى الهند، فوافق أبي ـــ رحمه الله ـــ وترك أمي حاملًا في أخي سامي في بيت أبيها، وسافر مع خالي، وكان ما يكسبه والدي في تجارته  في الهند يتقاسمه مع خالي ، فأَكْبَر خالي  هذا من أبي، وعرف سمو خلقه وطيب عشرته، ورُقي سلوكه ، فأصبح والدي من أقرب  النّاس إلى قلبه وأحبّهم إليه ، ومحط ثقته،

 وعاد والدي مع خالي صلاح رحمهما إلى المدينة، وكان أخي سامي في السنتيْن من عمره، وكانت تلك الرحلة هي الرحلة الأخيرة  لأبي  لبلاد الهند؛ إذ استقر بالمدينة المنورة لرعاية ولده ومن  سيأتيه من أولاد.

   هذا وقد ترك والدي تجارة القماش، وعمل في تجارة المواد الغذائية.

 أمّا خالي صلاح عمل بالتجارة في جدة ، وأنشأ التوكيلات العمومية للآلات ، وأصبح من كبار التجار في المملكة العربية السعودية.

   كان  والدي ـــ رحمه الله ـــ يعشق الزراعة عشقًا ورثه من والده رحمه الله، وكان مهتمًا بها في بستان الفيروزية لتظل كما كانت في حياة أبيه، وكان توجد نخلة(روتانا) طويلة بارتفاع قصر الفيروزية، وكان يقول لي ولأخواتي هذه النخلة زرعتها مع أبي رحمه الله. وكان والدي يُنفق أي مال يكسبه على تحسين تربة الفيروزية .

  وفي الفيروزية  أنواع عديدة من التمر: روتانا وسكرية وحلوة وحليّة وبرني، وغيرها ، ورمّان وتين ، وتين برشومي،  وسدرة (نِبِق) وليمون، ودبّاء وفلفل رومي، وفلفل حار، وعُصْفُر، وقطن، وكزبرة خضراء وبقدونس، وبصل أخضر، ونعناع مديني وحساوي( المغربي)، ولمّام ودوش ( بردكاش يدخل في صناعة بعض الأدوية )، كما كان يزرع البرسيم علف الحيوانات، إضافة إلى زراعة شجر الورد والفل، وتمر حِنّة (فاغية كما يُطلق عليها أهل المدينة) وكان والدي رحمه الله يحرص على زراعتها في الأحواض المقابلة لديوان والبركة، وكنا عندما نستيقظ صباحًا نشم روائح الورد والفل والفاغية.

كان أهل المدينة المنورة يضعون في الشاي واحد من هؤلاء: الدوش ، أو اللمّام ، أو النعناع بنوعيه  مديني أومغربي ، أو الورد، ويضعون النعناع المغربي ( الحساوي)في الشّاي الأخضر.

 الدليل والنقيب الشيخ زين العابدين محمد حمّاد

كان لدى آل حمّاد تقريرًا من حجاج من القارة الهندية، وكانوا يوفرون للحجاج الهنود من الهند ( البنغال على الخصوص) ما يحتاجونه من خدمات أثناء إقامتهم في المدينة المنورة من مقدمهم المدينة المنورة إلى مغادرتهم لها، يقابله الخدمات التي يقدمهم المُطوفِّين في مكة المكرمة لحجاج بيت الحرام من مقدمهم إلى مكة إلى مغادرتهم لها بعد أدائهم مناسك الحج أو العمرة.

وكانت أمي ـــ رحمها الله ـــ  تساعده على ذلك الاحسان لحجاج بيت الله الحرام القادمين إليه من شبه القارة الهندية؛ إذ كانت تقوم بإعداد الطعام، وعندما سافر إلى الهند بعد زواجه منها بأشهر بصحبة أخيها الشيخ صلاح الدين عبد الجوّاد أقامت في بيت أبيها فترة تواجده بالهند التي قاربت  الثلاث سنوات حيث كانت سفراته إلى الهند تستغرق عدة سنوات، والثلاثين سنة التي قضاها في الهند لم تكن متواصلة، وإنّما كانت متقطعة حيث كان يسافر سنوات عديدة ثم يعود إلى المدينة، ويستقر في المدينة سنوات ثم يكر راجعًا إلى الهند، وهكذا فإنّ عدد السنين التي قضاها في الهند حسب ما قاله لنا نحن أبناؤه  حوالي ثلاثين سنة.

حرصه على العدل

رغم تعدد سفراته إلى الهند ، وقد تستغرق  رحلته فيها ثلاث سنوات ، ومع هذا لم يتزوّج في الهند، ولم يُعدِّد  في المدينة المنورة رغم مرض والدتي ، وكان يقول لنا إنّ الله جل شأنه لم يُطْلِق للرجل التعدد، فقد قيّده بالعدل الذي يصعب تحقيقه، والذي لا يعدل يُبعث يوم القيامة وشقّه الأيسر أعرج . فوالدي رحمه الله كان يخشى الظلم، ويتحرى العدل ويحرص عليه ؛ لذا رفض القضاء، ولم يُعدِّد، وكان يتحرى العدل في تعامله معنا نحن أولاده ، فلم يُفضل ولده الوحيد( شقيقنا سامي رحمه الله ) علينا نحن بناته، وكان يقول لنا :” الرسول صلى الله عليه وسلم حثّنا على العدل بين أولادنا ، ولا  نُفرِّق  بينهم ولا بقبلة.”

نقيب هيئة الأدلاء  بالانتخاب

قضى حياته في المدينة المنورة في خدمة حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان لأسرته تقرير حجاج من الهند، فكان آل حمّاد رجالهم ونساءهم أدلّاء يُقابله المطوّفون والمُطوّفات في مكة المكرّمة، وقد تمسك والدي رحمه الله بهذه المهنة وكان أحد أعضاء هيئة الأدلاء بالمدينة المنورة، وقد أنتخب بعدد كبير من الأصوات ليكون نقيبًا لهيئة الأدلاء ، وقد استلم والدي رحمه الله خطابًا من الشيخ عبد الوهاب بافقيه رئيس هيئة الأدلاء ــآنذاك ـــ عدد81 وبتاريخ 22/ 10/ 1373ه يخبره بقرار تعيينه، ويطلب منه مباشرة عمله، وهذا نص الخطاب :”

 بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة الفاضل الشيخ عابدين حمّاد  الموقر

بعد التحية. نفيدكم أنّه بناءً لحوزكم أكثرية الأصوات في انتخاب أعضاء هيئة الأدلاء بالمدينة فقد صدر أمر سمو سيدي نائب رئيس مجلس الوزراء المعظّم أيّده الله الموجّه إلى سعادة المشرف العام للحج والإذاعة  برقم 241 في 4/ 8/ 1373ه، والمُبّلّغ إلينا من مقام الأمارة الجليلة لعدد 1125في 10/9/ 1373ه بالموافقة السامية على تعيينكم فنبلغكم وذلك لمباشرة أعمال الوظيفة المنوطة بكم بكل جد ونشاط كما هو المأمول فيكم ودمتم.

كان هذا قبل إنشاء وزارة الحج  والأوقاف التي أُنشئت عام 1381هـ، وكان أوّل وزير للحج معالي الشيخ حسين عرب ، ثمّ معالي الشيخ محمد عمر توفيق ( وزير الحج والأوقاف بالإنابة) عام 1383هـ، ثم السيد حسن كتبي عام 1393هـ ، ثمّ تولى الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع عام 1395هـ ، وهو عام وفاة والدي رحمه الله.

وبرقم (5) وتاريخ 6/ 1/ 1374ه، تسلّم والدي رحمه الله خطابًا من رئيس هيئة الأدلاء الشيخ عبد الوهاب فقيه هذا نصّه : ” حضرة المكرّم الشيخ زين العابدين حمّاد    الموقر

بعد التحية . نفيدكم بأنّه أفادتنا مديرية الحج بمذكرتنا عدد 347/ 283/ 3 في 6/12/ 373 بأنّه صدر موافقة مقام نائب سمو سيدي رئيس مجلس الوزراء رقم 2353في 20/11/ 73 على تعيينكم نقيبًا لهيئة الأدلاء بالمدينة المنورة فلاعتماد إنفاذ موجبه والقيام بالعمل بكل جد ونشاط كما هو المأمول فيكم والباري يرعاكم .”

وبموجب تولي والدي رحمه الله منصب نقيب لهيئة الأدلاء أصبح وكلاء الحجاج بمدينة الحجاج بجدة على تواصل معه بشأن الحجاج، فهذا خطاب صادر من مكتب صالح بسيوني وأبنائه وكيل الحجاج بمدينة الحجاج بجدة بتاريخ 5/ 12/ 1375ه ينص على الآتي: ” حضرة المكرم نقيب وكلاء الهند والباكستان    المحترم ……بعد التحية . نلاحظ هنا أنّ أصبح مسمى الجهة المشرفة على الحج ” مديرية الحج ” ، في حين كان المسّمى عام 1373هـ  ” المشرف على الحج والإذاعة”. نلاحظ كتابة هذا الخطاب بالآلة الكاتبة بينما كان الخطابان السابقان بخط اليد.

أنّ الحاج الموضح أعلاه(بهادر ولومكم بلده لكمه بور المطوف عبد الهادي سندر مظفري) كان جوازه مع جماعته الذين توجهوا إلى مكة وبقي هو بدون جواز أرجو التكرم بالتصديق على الورقة لأجل مروره من الطرق لإلحاقه بجماعته ولكم الشكر والتحية.

” حضرة المكرّم الدليل الشيخ زين العابدين حمّاد   الموقر

بناء على الأمر السامي المبلّغ إلينا من سعادة مدير الحج العام بخطابه عدد 5367ـــــ3 في 26 ــــ 8 ــــ 1378 القاضي باتخاذ سجلات خاصة بقيد أسماء الحجاج الوافدين . نلاحظ إليكم وأرقام بطاقاتهم وأسماء مطوفوهم بمكة ووكلائهم بجدة وواسطة قدومهم وجهة نزولهم وتاريخ دخولهم المملكة وتاريخ وصولهم المدينة ومغادرتهم لها، والملاحظات عن المتوفين أو المصابين بأمراض مختلفة ورفع بيان لهيئة الأدلاء في نهاية كل موسم بذلك، فترجو الهيئة اعتماد ما ذكر أعلاه باتخاذ السجل ـــ المذكور اعتبارّا من أوّل موسم عام 78 الذي بدأ فعلّا وتقبّلو تحياتنا.

فقد سخّر والدي رحمه الله وقته وصحته لخدمة حجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأخص الحجاج التابعين لآل حماد.

تفاعل والدي مع قضايا الأمة العربية

أولًا : تبرّع والدي لأسر ضحايا شهداء بورسعيد عام 1376ه/1956م

وجدتُ بين أوراق والدي رحمه الله سند استلام تبرّع لصالح أسر شهداء بورسعيد عام 1376ه/ 1956م، ولهذا دلالتان:

أولهما : أنّ المملكة العربية السعودية قد دعّمت أخواننا وأشقاءنا المصريين في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر ( بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) لتأميمها قناة السويس ، ففتحت  المملكة باب التبرّع لصالح أسر شهداء بورسعيد، وممّا يجدر ذكره أنّ الملك سلمان والملك فهد والأمير تركي قد تطوّعوا للقتال في حرب بورسعيد عام 1376ه/1956م ، وهذه الصورة توثِّق هذا الحدث العظيم الذي يدّل على وطنية أولاد الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم في سبيل عزة واستقلال بلد عربي شقيق( مصر الغالية). وهذا يعطي دلالة ثالثة على أنّ المملكة قد فتحت باب التطوع للقتال في بورسعيد. فقد كانت مشاركة المملكة العربية السعودية ودعمها في صد العدوان الثلاثي أثره الكبير على المصريين، حيث قال حينها الرئيس جمال عبد الناصر(رحمه الله)  في خطابه الشهير بجامع الأزهر يوم الأربعاء :” اتصل بى الملك سعود تليفونيًا وقال لي: “إنّ جيش المملكة السعودية تحت تصرف مصر، وأموال المملكة تحت تصرف مصر، وأنّ السعودية مستعدة تعمل أي شيء وإحنا نطلب منهم هذا.

ثانيهما: متابعة والدي رحمه الله لما يدور في العالم من أحداث، وتفاعله مع القضايا العربية ، ولديه حس وطني قوي للوقوف إلى جانب أشقائنا العرب.

ثانيًا : تبرّع والدي لدعم منكوبي الجزائر عام 1376ه/ 1956م

وجدتُ بين أوراق والدي رحمه الله سند تبرع آخر، وهذه المرأة لدعم منكوبي الجزائر تجاوبًا منه لحملة التبرعات التي دعا إليها الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله ، ورأس لجنتها الرئيسية الأمير سلمان بن عبد العزيز( الملك سلمان حاليًا)

لقد ساندت المملكة العربية السعودية ثورة أول نوفمبر ضد الاستعمار الفرنسي من بداية انطلاقها ؛ حيث كانت من الدول التي رفعت تحدي الدفاع عن القضية في أروقة الأمم المتحدة ،فكان أول دعم سياسي علني  بواسطة ممثلها في نيويورك بتاريخ 5 (يناير) 1955 وذلك بعد شهرين من اندلاع ثورة أول نوفمبر. وعملت المملكة العربية السعودية  جاهدة من أجل نصرة القضية الجزائرية ، حيث استطاعت اقناع 14 دولة افريقية  وآسيوية من الدول المشاركة في الجمعية العامة  للأمم المتحدة من أجل دعم طلب إدراج القضية الجزائرية  في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما دعت الكتلة الآفروأسيوية للعمل من أجل دعم القضية الجزائرية ما جعل الأمم المتحدة تدرجها مبدئيًا تحت ضغط الأغلبية، ما جعل فرنسا تستنكر الموقف السعودي وتنسحب من الجمعية .

احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م . وقد قاوم الشعب الجزائري الاحتلال الفرنسي ، وقدّم مليون شهيد في سبيل الاستقلال.

رئاسة الأمير سلمان اللجنة الرئيسة لجمع التبرعات للجزائر عام 1956م

بعد حملة الدعم الواضح للقضية الجزائرية من طرف المملكة اتهمت فرنسا السعودية أنّها دولة شيوعية لدعما للقضية الجزائرية والتي كانت تعتبرها قضية داخلية، كما اتهمت كل من مصر والسعودية سنة 1956 بتزويد الثورة بالأسلحة، من جهتها واصلت السعودية دعم الجزائر ماديًا، حيث زار وفد من حزب جبهة التحرير السعودية من أجل طلب الدعم المادي ؛ حيث استقبل الوفد الملك  سعود بن عبد العزيز ووقف بنفسه على مطالبهم وأعلن اكتتابًا شعبيًا من أجل جمع التبرعات،  وقرر هذا الأخير أن يفتتح الاكتتاب بمبلغ مليون فرنك، حيث كان الملك سلمان بن عبد العزيز الملك الحالي للسعودية رئيس اللجنة الرئيسية لجمع التبرعات من أجل الجزائر سنة 1956.

وقطعت  المملكة العربية السعودية علاقاتها مع فرنسا حيث صرح الملك سعود في خطاب ألقاه نقلته الاذاعة  » لن تعيد  المملكة العربية السعودية علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا إلا بعد استقلال الجزائر » مؤكدًا أنّه سيبقى دائمًا السند المتين للثورة الجزائرية ،كما جعلت السعودية حج عام 1957 تحت شعار « الجزائر » للترويج للقضية الجزائرية .كما كان أول اعتراف من طرف المملكة العربية السعودية بالحكومة المؤقتة سنة 1958م ليأتي الاعتراف الرسمي في يونيه 1962.

الملك سلمان رجل المواقف الحاسمة الداعمة لأشقائنا العرب

يُبيِّن هذان الحدثان  أنّ الملك سلمان تجده في أي مكان يتطلبه دعم إخوتنا العرب والوقوف معهم في محنهم وأزماتهم، وها هو يتطوع للقتال مع الجيش المصري لصد العدوان الثلاثي على مصر عام 1376/ 1956م إثر تأميم مصر لقناة السويس، وفي نفس العام نجده أيضًا يرأس اللجنة الرئيسية لجمع تبرعات لدعم الشعب الجزائري تلبية لطلب وفد جبهة التحرير الجزائرية الذي قدم إلى المملكة العربية السعودية ، وطلبه دعمًا ماديًا لكفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي.

علاقة والدي رحمه الله بأسرته وأقاربه وأرحامه

 

تواضعه

   كان والدي رحمه الله متواضعًا، التواضع كلّه، فهو عاش في عزِّ ورفاه، وفي قصر كبير يمتلئ بالخدم، وكان والده من أعيان المدينة وقائم مقام وكان له موكب كبير يرافقه في تنقلاته، ولكن لم أسمع أبي قط يحدثنا عن هذا كله ، وإنّما أمي رحمها الله هي التي قالت لنا هذا، وكان من شدة تواضعه يساعد  العاملات في البستان في أعمالهن، كنّا نطلق عليهن(موّانات) فكان والدي يقوم بنفسه يحش البرسيم والبقدونس، وربط حزمه بخوص النخل، وكنتُ أنا وأختيْ سميحة وسهام نعمل معه، بل كان والدي رحمه الله يطهو لنا الطعام عندما كنّا نذهب إلى المدرسة فترة  سفر أمي رحمها الله مع أخي سامي وأختي عرينة للعلاج  في القاهرة  وكان يجيد الطهي، وكان من شدة تواضعه، وهو ابن العز، يجلس في غرفة الخزّان في بيتنا( ارتفاع سقفها حوالي مترًا واحدًا )  في أبي ذر في أيام موسم الحج ، يراقب تدفق الماء إليه حتى يمتلئ الخزّان ليطمئن على توفر ماء لوضوء الحجاج لصلاة الفجر، وقد رأيته مرّة في الليل والنّاس نيام ،  وهو في غرفة الخزّان والعَرق يتصبّب منه، فسألته عن سبب وجوده، فقال أريد أن أطمئن على توفر الماء للحجاج عندما يستيقظون للوضوء لصلاة الفجر، فطلبتُ منه أن يذهب إلى غرفته لينام، وظللتُ مكانه أرقبُ امتلاء الخزّان.

ومن شدة تواضعه أنّه كان يظل ينتظرني أنا وأختي سهام عند باب لجنة الامتحانات سني دراستنا بجامعة الرياض بالانتساب  في الحر الشديد ما يقارب الأربع ساعات ليصحبنا إلى مقر إقامتنا بالفندق حرصًا منه على وقتيْنا؛ إذ كان يخشى إن عاد إلى الفندق تأخذه سِنَةٌ من النوم ، ويتأخر علينا بعد انتهائنا من الامتحان.

ومن تواضعه، وحبّه كسب الأجر والثواب من عند الله ذهابه بنفسه للجهات المًتبرع لها ليسلمها بنفسه المبالغ التي تبرع بها بعض الأفراد من الباكستان الذين يُرسلون إليه تبرعاتهم .

هذا ولم يكن والدي رحمه الله متواضعًا فقط ، وإنّما كان راقيًا الرُّقي كله في تعامله، وكان لسانه لا ينطق إلّا طيبًا، فإن كنّا  نحن بناته لم يرفع صوته علينا، ولم يضربنا قط ، ولم يشتمنا، ولم أسمعه يقول كلامًا نابيًا أو يسب أو يشتم، ولم يُفضل أخونا علينا، بل كان يستشيرنا في أمور الأسرة ، وفيما يُعطيه لأخينا، ولذلك كان محبوبًا من الجميع وعلاقاته بأقربائه وأرحامه علاقات ود ومحبة واحترام، وبعد مضي 47 عامًا على وفاته  عندما فتحتُ صندوقيه وحقيبته الجلدية الصغيرة ـــ التي أئتمنني عليها جميعها ــــ بحثًا عن وثائق ومعلومات عن العائلة عندما عزمتُ تأليف هذا الكتاب وجدتُ كمًا كبيرًا من رسائل من عمتي نفيسة ـــ رحمها الله ــــ عندما كانت في العراق، ومن ابن أخيه السيد محمد على بن محمد صالح بن محمد حمّاد، ومن ابن أخته آمنة السيد أحمد عادل بسنوي، ومن أخوالي شفيق وأسعد وصلاح الدين يوسف حمزة عبد الجوّاد، ومن السيد حمزة بن خالي أسعد، ومن زوج خالتي ذكية _ رحمها الله _ السيد عبد الحفيظ عبد الجوّاد، ومن زوج خالتي نائلة السيد هاشم نجدي رحمهم الله، كما وجدت عشرات الخطابات بالأردية من تلامذته في الباكستان والهند ، وعشرات الوصولات لبرقيات مرسلة لأخوالي أو لعم شهاب عبد الجوّاد أخو عم عبد الحفيظ(زوج خالتي زكية)رحمهم الله جميعهم، والشيخ محمود رضا زينل( من الأرحام)، ووجدت معها نص برقية تهنئة بعيد الفطر المبارك، فكان رحمه الله حريصًا على تهنئة الأقارب والأرحام برقيًا، وسيلة التهنئة آنذاك.

من أوراق أبي رحمه الله في صندوقيه الحديديْن

هذا ومن ضمن الأوراق التي وجدتها في صندوقي  أبي الحديديْن:

  1. هذه الدعوة لوالدي من السفير الأندونيسي للتعارف وتناول طعام السحور عام 1388ه / 1958م. هذه نصها:” يتشرف أمين عزيز سفير الجمهورية الأندونسية لدى المملكة العربية السعودية بدعوة الشيخ زين العابدين حمّاد للتعارف وتناول طعام السحور إلى بيت أندونيسيا عمارة دندراوي باب المجيدي يوم الخميس 22/ 9/ 1388ه الموافق 12/12/ 1968م. الرجاء التفضل بالرد.

بطاقة دعوة من منطقة المدينة التعليمة لمشاهدة المهرجان الرياضي الختامي لمدارسها لعام 76 في تمام الساعة العاشرة عصرًا ( بالتوقيت الغروبي الذي كان توقيت المدينة المنورة المعمول به ) يوم الخميس الموافق 12/ 8/ 1376 على ملاعب الثكنات العسكرية بسلطانة ، ولكم التحية.

هذه الدعوة تُبيِّن لنا أنّه كانت مديرية التعليم بوزارة المعارف بالمدينة المنورة تقيم مهرجانات رياضية سنوية في ختام الأعوام الدراسية، والتي افتقدناها فيما بعد.

كانت وزارة المعارف  مستأجرة حوش المعهد العلمي بالمدينة  من وقف جدي محمد حمّاد، فوجدّتُ بين أوراق أبي ـــ رحمه الله ـــ  خطابًا من مدير تعليم المدينة بتاريخ 21/ 4/ 1376ه يطلب من ناظر وقف جدي محمد حمّاد  ( والدي الشيخ زين العابدين حمّاد ) برفع جدار سور الحوش(الفناء) ـ  حتى لا يتمكن أحد من عبوره ، حفاظًا على محتويات المعهد، وهذه صورة الخطاب

برفع جدار سور الحوش(الفناء) للمعهد العلمي بالمدينة المنورة

  1. سند تبرّع بعشرة ريال لعمارة مبنى دار الأيتام بالمدينة المنورة يعود إلى عام (1377ه) الموجودة صورته بالخلف، والمتبرع شخص من الباكستان بواسطة والدي الشيخ زين العابدين حمّاد.

  2. سند تبرع لمدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالمسجد النبوي الشريف من باكستان الشرقي بواسطة والدي رحمة الله. وهذان السندان لهما دلالاتهما ، ألخصها في التالي:

  • أنّ والدي رحمه الله قد تبّنى الدعوة للتبرّع لعمارة مبنى دار الأيتام بالمدينة المنورة بين تلامذته في الباكستان.

  • ثقة المتبرعين في أمانة والدي رحمه الله أن يُسلم ما يحوّلونه له من تبرعات للجهة المُتبرّعين لها.

  • حرْص والدي رحمه الله ذكر اسم المتبرّع واسم بلده للجنة استلام التبرعات، وتسجيل ذلك في سند التبرّع .

رمضان المعظّم في حياة والدي رحمه الله

كان الشيخ زين العابدين محمد حمّاد في شبابه يختم في كل ليلة مصحفًا كاملًا في التراويح ، وبهذا فإنّ  ه كان يختم ثلاثين مصحفًا في كل رمضان، ولما تقدمت به السن أخذ يقصر في صلاة التراويح رويدًا رويدا حتى أضحى يصلي ويختم مصحفًا واحدًا في رمضان، إلّا أنّ القرآن دائمًا على شفتيه، فهو لا يفارقه ليل نهار، فكان يقرأ  القرآن نظرًا يوميًا   ساعات طويلة  حتى لا يتفلت منه ، وليكسب أجر النظر إلى القرآن الكريم .

الأب العالم المعلِّم

كانت لأبي رحمه جلسات علم وتعليم معنا نحن بناته في التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي واللغة العربية وقواعدها ، وكان يصحبنا إلى مواقع المعارك التي دارت بين الرسول صلى الله عليه ومشركي مكة وأحزابهم في أحد، والخندق ، وبدر ونحن في طريقنا إلى جدة. وكان يشرح لنا عند موقعة أحد  كيف خالف الرماة  تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوه لجمع المغانم ، فباغتهم خالد بن الوليد (كان ذلك قبل إسلامه) ، وتغيّر مجرى المعركة ، وتحوّل النصر إلى هزيمة ، وحدّثنا عن شهداء أحد وكيف أكلت هند بنت عتبة من كبد سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه (سيد الشهداء) .

أمّا الخندق، فقد كان يحكي لنا قصة المساجد السبعة ، وقصة حفر الخندق ، وبدر ونحن في طريقنا إلى جدة، وشرح لنا على أرض الواقع كيف دارت تلك المعارك ، كما كان يصحبنا إلى خط سكة حديد الحجاز ليشرح خط سير سكة الحديد في المدينة .

كما كان يحكي لنا قصة السلطان محمود الغزنوي الذي كان معجبًا به، والمصحف الذي كتبه بماء الذهب، كما كان يسألنا في الإعراب، ومن أسئلته في الإعراب  التي أتذكرها ” أكلتُ السمكةّ حتى رأسُها، وحتى رأسَها، وحتى رأسِها) فماهي حالات “حتى ” في هذه المسألة؟

فهنا ثلاث أوجه لِ” حتّى”

الوجه الأول : الرفع على اعتبار أنّها ” ابتدائية” ، فيكون الاسم التالي لها مرفوعًا على أنّه مبتدأ،  وخبره محذوف . والتقدير : حتى رأسُها مأكول.

الوجه الثاني : ” النصب” على أنّ ( حتّى) عاطفة بمعنى ( الواو) فتعطف الرأس على ( السمكة)  المنصوبة قبلها والمعطوف على المنصوب منصوب ، والمعنى هنا أكلتُ السمكةّ ورأسَها.

الوجه الثالث: الخفض على اعتبار أن (حتى) حرف جر؛ بمعنى (إلى) أي إلى رأسها.

كما كان يسألنا في القرآن الكريم مثل هذا السؤال : كم في القرآن الكريم ( خالدين فيها ) و( خالدين فيها أبدا)؟

خِفّة ظل والدي رحمه الله

كان الشيخ زين العابدين خفيف الظل يحب البهجة والسرور، فكان إذا جلس في مجلس لا يُمل مجلسه، فتجده تارة يتجه إلى الوعظ، وتارة يتجه إلى الإرشاد، وتارة يتجه إلى التعريف بكتاب الله، وتارة يتجه إلى النكتة الظريفة البريئة، وكان معروفًا بين أصحابه بالفوازير، وكان معظمها يدور حول القرآن الكريم، كما كانت لديه فوازير مسلية لا يمل الفرد من سماعها، ومن أحاجيه شعر الألغاز، مثل : جعلتُ قولي نُصحًا لحالي احذف اللاميْن تفهم سؤالي”  حلّه ” جُعْتُ قوي ” حذف اللام الأولى : لام ” جعلتُ صارت “جُعْتُ” واللام الثانية في ” قولي” عند حذفها تصبح ” قوي ” فصارت :” جُعْتُ قوي”

كما كانت بعض أحاجيه تتصل بالحساب وبعضها في اختبارات في الذكاء، وكان رحمه الله كثير البر والإحسان محبًا للخير، ساعيًا فيه ، وإليه بنفسه، مُحبًا للإصلاح بين الناس.

الشيخ زين العابدين محمد حمّاد الأب

وكان محبوبًا بين من يعرفونه وعلى الأخص بيننا نحن أولاده؛ إذ اعتنى بتعليمنا وعلمّنا  القرآن الكريم ، وجدّ في تعليمنا نحن بناته حتى أنهى معظمنا دراسته الجامعية، وقد أنهى أخونا الأكبر سامي دراسته الجامعية ، واتجه إلى  كتابة المقالات وتأليف الكتب ، وأصدر موسوعة الإدارة في الإسلام من ثلاثة عشر مجلدًا ، ومؤلفات أخرى ، وأسس دارًا للنشر ومكتبة لبيع الكتب، أمّا نحن بناته (سميحة وسهام وسهيلة)  فقد فتح لنا مدرسة منزلية خاصة في المرحلتيْن المتوسطة والثانوية ؛ إذ كان ثلاثتنا  في سنة دراسية واحدة، وأحضر لنا أساتذة لتدريسنا كل المواد لعدم وجود مدرسة متوسطة في المدينة عند حصولنا على الابتدائية والتي أُفتتحت في العام التالي من حصولنا على الابتدائية، ولكن لحرصه على أن لا تفوتنا سنة دراسية واحدة تكلّف كل هذه النفقات، وبعد حصولنا على الثانوية تزوجتْ أختي الكبرى سميحة ، وأكملتْ دراستها الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، أمّا أنا وأختي  سهام (رحمها الله )  فقد انتسبنا لجامعة الملك سعود بالرياض، وكان يسافر معنا إلى الرياض أثناء الامتحانات، ويذهب بنفسه إلى بيوت بعض الطلبة المنتظمين ليأخذ منهم المحاضرات ويصوّرها، ويعيدها إليهم ، فأشفق عليه بعضهم،  وقالوا له نحن نأت إليك وليس أنت، وصاروا بالفعل يأتون إليه  في الفندق، ومعهم المحاضرات، وكان وقتها في الثمانين من عمره، وكان يُحضر لنا أشهي أنواع  الطعام من السوق لأنّ طعام الفندق لم تستسيغه معدتينا، وكان  يصرف على تعليمنا  بسخاء. وكان ينتظرنا عند باب لجنة الامتحانات حوالي  أربع ساعات ( مدة الامتحان كانت ثلاث ساعات) ليعود معنا إلى الفندق حرصًا منه على وقتيْنا ، فكان يخشى أنّه إذا عاد إلى الفندق أن تأخذه سِنَة من النوم فيتأخر علينا ، وأتممنا دراستنا الجامعية، وكان قد أخبرنا والدنا إذا رغبنا في إكمال دراساتنا العليا في الخارج حتى لو أردنا إتمامها في سويسرا ، فلن يتأخر عن ذلك ، ولكن أنا وأختي سهام ( رحمها الله) فضّلنا أن نبقى مع  والدينا لرعايتهما على أن نسافر لإكمال دراساتنا العليا.

 ثم التحقنا فيما بعد بقسم الدراسات العليا بكلية الدراسات الإنسانية ـــ بنات ـــ بجامعة الأزهر، وقد أصدرت  أختي سهام قبل وفاتها بأيام كتابًا اليكترونيًا بعنوان “أبجديات القضية الفلسطينية،” أمّا أنا فقد ألّفتُ  146 مؤلفًا صدر منها 22، مؤلفًا في التاريخ والأدب والنقد ومختلف القضايا الحقوقية والاجتماعية والسياسية والإعلامية، وأسهمتُ في وضع نظرية التصور الإسلامي في النقد الأدبي، كما أسهمتُ في تصويب الخطاب الإسلامي المُفسّر من قبل البشر، ومن قبل أسهمتُ في تأسيس مدارس تحفيظ القرآن الكريم النسوية بالمدينة المنورة وخرّجت عشرات  الحافظات لكتاب الله .

أمّا أختي الصغرى عرينة فقد أتمّت دراستها الثانوية لأنّها لم ُتفتح كلية للبنات بالمدينة المنورة، ولم تتمكّن من الانتساب لأنّها لم تتعوّد على الدراسة المنزلية من جهة ، وصحة الوالد لم تعُد تسمح له بمرافقتها إلى الرياض لأداء الامتحان، وتزوّجت وتفرّغت لتربية بنتيها.            

 هذا ولا يمكن إغفال دور أمي ـــــــ رحمها الله ـــ في تعليمنا؛ إذ حرصت مع  والدي على تعليمنا  ، بل كانت لها المبادرة  بإلحاق أختي  الكبرييْن(سميحة وسهام)  بمدرسة خاصة قبل افتتاح المدارس الحكومية.

كما أنّ ابنه الوحيد أخي  سامي  ـــ رحمه الله ـــ حينما حصل على البكالوريوس  وأراد أن يعمل  في المدينة فلم يجد مجالًا فقال له: أعمل حيث شئت، وحدث أن توظف بمؤسسة الخطوط السعودية ، ومكث بها قرابة ست سنوات، وحينما استقال وأراد أن يعمل في شركة أرامكو استأذن والدي فقال له : اذهب وتوظف وفقك الله، وحدث أنّ  أخي رأى والدي يومًا يحمل زنبيل لوازم البيت اليومية من لحم وخضار على غير عادته ؛ إذ كان يرسلها مع أحد الحمّال الذين يتواجدون في سوق الخضار لحمل زنابيل المقاضي ، وحدث أن سقط الزنبيل من يده وتبعثر اللحم والخضار على الأرض، وكان ذلك نتيجة لضعفه وارتجاف يده، فقال له  أخي سامي : يا والدي كيف تقول لي اذهب وفقك الله وأنت في أمس الحاجة إليّ، فلماذا لم تطلب مني أن أبقى معك؟ فرد عليه قائلًا: إذا أردت أن تمكث، فسيكون باختيارك وهذا ما أتمناه ، ولكن لا أريد أن أجبرك. فقال له أخي  متسائلًا: لماذا يا والدي لم تجبرني، فقال له: غدًا إذا مت ستقول أبي هو الذي أجبرني أن أمكث في المدينة، ولو أطلق لي الفرص لكنت اليوم في المنصب الفلاني أو المنصب الفلاني، فلا أريد أن أكون حجر عثرة أمامك.

فقال له أخي  : لا أريد أن أكون في  منصب كبير أو وزير وإنّما أريد أن آخذ رضاك.

فقال له أبي : إذا أردت أن تبقى فابق.! فآثر أخي المكوث والبقاء معه .

لقد أوردتُ هاتيْن  القصتيْن  التي تُبيِّن  كيف آثر أبي  رحمه الله تعليمنا على راحته، ولم يبخل علينا لا بماله ولا بصحته، فقد  كان في سن متأخرة، وكان ضعيفًا لا تساعده صحته على السفر خارج المدينة، خاصة أنّه كان في آخر حياته لا يريد السفر خارج المدينة لأنّه يريد أن يموت فيها، كان يسافر معنا إلى الرياض حوالي شهريْن كل عام، لأنّنا كنا نسافر إليها قبل أكثر من شهر من موعد الامتحان لتأخر وصول المحاضرات إلينا في المدينة، إضافة أنّه كانت مدة الامتحان ثلاث أسابيع.

 كما آثر مستقبل ابنه الوحيد سامي على نفسه فتركه يتوظف حيث يشاء بالرغم من أنّه في أمس الحاجة إليه، لذا فوالدي ـــ  رحمه الله ــــ  كان أبًا عطوفًا رحيمًا محبًا لأبنائه منكرًا لذاته أمام مصالحهم، والحقيقة وبلا مبالغة إنّ والدي نموذج مثالي نادر الوجود في زمنه فكيف لا يكون كذلك ، وكان والده رحمه الله عطوفًا عليه محبًا له آثر حياة ابنه على حياته.

يحكي لنا والدي  ـــ رحمه الله ـــ  أنّه سافر مع أبيه فضيلة الشيخ المرحوم محمد حماد إلى الشام أيام سفر برلك، وحدث أن مرض أبي  بحمى التيفود، وأحضر له والده طبيبًا لكي يعالجه، وحينما حضر الطبيب قال له إنّ الحمى شديدة، ولا يمكن علاجه لأنّه سيموت قريبًا، فما كاد أن يسمع والده بهذا الخبر إلا وتوجه إلى القبلة وأخذ يصلي ويدعو الله ويقول: يا رب إنّي وهبت عمري لولدي، يا رب لا أريد أن أعيش وابني الحافظ العالم يموت أمامي، إنّي وهبتُ عمري إليه.

وكان الشيخ زين العابدين في غيبوبة لا يفيق  إلاّ القليل، وقد سمع دعاء أبيه، وبعد ساعات أفاق الشيخ زين العابدين وطلب الطعام فأكل وشفي، وبعدها بأيام توفي والده الشيخ محمد حماد في مدينة دمشق، ودفن بمقابر المهاجرين فيها، وكان يقول الشيخ زين العابدين رحمه الله “أنا عايش بعمر والدي”.

من هنا نجد أنّ المرحوم محمد حمّاد كان عطوفًا شغوفًا على أولاده  منكرًا لذاته أمام مصلحة أبنائه؛ إذ آثر حياة ابنه على حياته، وبالتالي كان ابنه مثله تمامًا، حريصًا على تربية أولاده والتفاني في ذلك.

حياته الاجتماعية

تزوج في أول حياته من ابنة عمه السيدة/  فاطمة ابنة الشيخ عمر حماد، وأنجب منها عمر، وخديجة، وحسين، ومديحة، وتوفيت زوجته ، كما توفي ألادها على أثر مرض معد، ثم تزوج من السيدة بهيجة بنت يوسف بن حمزة عثمان عبد الجواد، وأنجب منها سامي، وفؤاد( توفي رضيعًا)  وسميحة، وسهام، وسهيلة، وعرينة.

رحم الله المرحوم فضيلة الشيخ محمد حمّاد حيث كان معروفًا في المدينة من كبار علمائها، ومن أئمة وخطباء المسجد النبوي الشريف، ومدرسًا به، ومن كبار أثرياء المدينة وأعيانها،  ورحم الله فضيلة الشيخ زين العابدين حماد وأسكنهما فسيح جناته. إنه سميع مجيب. ورحم الله زوجته الفاضلة السيدة بهيجة يوسف حمزة عثمان عبد الجواد التي كانت مثالًا للمرأة الصالحة االتي تفانت هي الأخرى في تربية أولادها، وكانت مثال الأم الحنونة الشفوقة بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معانٍ.