د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة في 4 مايو 2023

 هذا عنوان لمسلسل تلفزيوني تم عرضه في النصف الثاني من شهر رمضان لهذا العام 1444ه/ 2023م، وقد أثار هذا المسلسل قضية جد هامة في قانون الأحوال الشخصية المصري، وهي وصاية الجد على أولاد أولاده القصر وعلى مالهم مع وجود الأم، وبذلك أصبحت زوجة الابن المتوفى تحت وصاية والد زوجها هي ونصيبها التي ورثته من زوجها( الثُمن)، إن كان ما تركه عقارًا أو عقارات أو شركة أو شركات، أو مركب صيد أو مراكب، أو سيارة أجرة أو سيارات ومُلغيًا دور الأم تمامًا في الولاية على أولادها القُصر، والولاية على نصيبها من ميراثها من زوجها،  ولا تكون الأم وصية على أولادها القُصر إلّا  بعد وفاة الجد طبقًا لقانون الأحوال الشخصية المصري مالم ينازعها ذكر من العصبة مثل العم.

وعند رجوعنا إلى الوصاية في المذاهب الأربعة نجد:

ورد في “بدائع الصنائع”(حنفي(5/155):” وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء: الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه ، ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصي القاضي، وإنّما تثبت الولاية على هذا الترتيب;لأنّ الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم, والنظر على هذا الترتيب، وليس لمن سوى هؤلاء من الأم والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على الصغير في ماله; لأنّ الأخ والعم قاصرا الشفقة، وفي التصرفات تجري جنايات لا يهتم لها إلا ذو الشفقة الوافرة, والأم وإن كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال”.

وورد في “الشرح الكبير مع الدسوقي”(مالكي) (3/299):”والولي على الصغير: الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب ، ثم يلي الأب وصيه فوصي الوصي ثم يلي الوصي حاكم أو من يقيمه “

وذهب الشافعية في نهاية المحتاج في قولٍ لهم إنّ الوصاية للأب ثمّ وصيّه، ثمّ للجدّ، ثمّ وصيه، لكنّ الأم تُقدّم على وصيهما، وذلك لكمال شفقتها عليه، وفي قولٍ آخرٍ للشافعية؛ أنّه لا تلي الأم الأبَ والجدّ في الولاية

وورد في  كشاف القناع” للبهوتي (3/446)(حنبلي) : ” وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكر أو أنثى لأب ثم بعد الأب لوصيه العدل ثم إن لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودًا وفقد شيئًا من الصفات المعتبرة فيه ثبتت الولاية عليهما للحاكم لأنّ الولاية انقطعت من جهة الأب فتكون للحاكم، لأنّه ولي من لا ولي له، فيقم الحاكم أمينا في النظر لليتيم والمجنون، والجد والأخ والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم”.

  فالملاحظ أنّ هذه آراء فقهاء لا سند لها من القرآن والسنة، حرمت المرأة من حق الوصاية على أولادها لتأثرهم بالموروثات الثقافية والاجتماعية لمجتمعاتهم في جاهليتها، ولم يتحرّروا منها بعد رغم أنّ الله جل شأنه أعطى للمرأة حق الولاية في قولها تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ..ٌ)[التوبة:71] أمّا القول إنّه لا ولاية لامرأة استنادًا على حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ” لن يفلح قوم ولو أمرهم لامرأة”، فهو حديث أحاد لا يؤخذ به في الأحكام، وراويه لا تقبل روايته، لأنّه طبّق عليه  حد القذف، ولم يتم

  أمّا قول الأحناف: لكن ليس لها أي للأم كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال، قول مردود، فلو كانت النساء قاصرات عقول لما ساوى الخالق بينهن وبين الرجال في الحدود والقصاص والعقوبات التي أسقطها عن القاصر والمعتوه والمجنون، أمّا الاستناد على حديث:” النساء ناقصات عقل ودين”، فهو حديث مخالف لما جاء في القرآن الكريم، فلا يؤخذ به؛ إذ كيف تكون ناقصة عقل وهي كاملة الأهلية ولم يسقط عنها حدًا أو عقوبة لقصور عقلها كما تسقط عن القُصّر والمعاتيه والمجانين، كما مُنحت حق رواية الحديث المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ولم توصف راوية للحديث بالخلط أو التدليس أو الوهم، كما وصف كثير من رواة الحديث من الرجال، بل أعطاها الله جل شأنه حق البيعة وجعل بيعتها منفصلة عن بيعة الرجل، بل جعل بيعة الرجال مبنية على آية البيعة رقم 12 من سورة الممتحنة التي جاء فيها الخطاب للنساء(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) إلى قوله (فَبَايِعْهُنَّ)وكذلك منحها حقي الولاية والشورى مثلها مثل الرجل:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر)(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) [الشورى:42](فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران: 159]وقد أشاد الله جل شأنه بملكة سبأ:(قالت يَا أَيُّها المَلأُ أفْتُوُنِيِ فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُون.قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمْرُ إليكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُريِن)[النمل:32-33] وسيدنا عمر بن الخطّاب ولّى ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها على وقف أوقفه، كما ولى الشفاء من بني عدي على مراقبة الأسواق، وكانت أول مستشار في الإسلام أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، فقد استشارها الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الوحي، كما أخذ بمشورة أم سلمة رضي الله عنها في أمر من أمور المسلمين عندما رفض الصحابة رضوان عليهم التحلل من الإحرام بموجب صلح الحديبية، كما نجد مفتيات في مقدمتهن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها التي كانت تُفتي في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكانت تستدرك على كبار الصحابة، كما أخذت منها ربع الأحكام الفقهية، كما كانت تُفتي أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحرث، وأم عيسى بنت إبراهيم بن إسحاق الحربي توفيت  سنة 328هـ .[انظر:البغدادي.تاريخ بغداد. ابن كثير. البداية والنهاية. ابن الجوزي. المنتظم  ابن الجوزي. صفوة الصفوة]وكذلك أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل المحاملي توفيت سنة 377هـ، وكانت عالمة فاصلة وفقيهة متفقهة في المذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.[أنظر تأريخ بغداد للخطيب البغدادي، وصفوة الصفوة لابن الجوزي، والمنتظم لابن الجوزي، وطبقات الشافعية لجمال الدين الأسنوي، وشذرات الذهب لابن العماد، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي، ومرآة الجنان لليافعي]

أمّا عن تقصان دين النساء، فكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إنّّ ناقصات دين لأنّهن لا يصلين ولا يصمن في رمضان فترتي الحيض والنفاس، وهو يعلم أنّه محرّم عليهن إلى أن يطهرن ؟

 أمّا ضعفه من حيث الإسناد، فلا داعي لذكره مادام متنه مخالفًا للقرآن الكريم، والسنة الفعلية الصحيحة،  فيلاحظ  الضعف الواضح في الحفظ فلم يحفظ زيد الزمن فطر أم أضحى أم كلاهما؟

وهكذا نجد ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق مثلها مثل الرجل يدل على كمال أهليتها، وأُعطيت حق الولاية على غيرها وأنّها أهل للوصاية على أولادها القُصّر، وأنّ آراء فقهاء المذاهب الأربعة لا سند لها من القرآن والسنة الصحيحة، فهي مبنية على موروثاتهم الفكرية والثقافية لمجتمعاتهم في جاهليتها، لأنّها لا تتفق مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، والغريب أنّهم يحرمون الأم  من حق الوصاية على أولادها القُصّر  وأموالهم، ومنهم الشافعي وابن حنبل كانا يتيمي الأب، وأمهما ربّتهما وعلّمتهما، وكلاهما تلقى العلم من السيدة نفيسة ابنة الإمام الحسن بن زيد بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي عنهما،

وممّا يُثير الدهشة والاستغراب أنّ من العلماء والفقهاء منذ القرون الهجرية الأولى إلى زمننا هذا يُصِّرون على انتقاص المرأة وأهليتها، مع أنّ التي ربتهم أمهاتهم، ومنهم علّمنه وأجزنه نساء على مر العصور، وممّا يثير الدهشة والاستغراب أكثر أنّ معظم واضعي قوانين ومدوّنات الأحوال الشخصية في زمننا هذا نقلوا تلك الآراء وردّدوها دون أن يقرأوا الآيات القرآنية التي تؤكد على كمال أهلية المرأة، ويتأكدون من صحة الأحاديث التي تنتقص من أهليتها، ودون أن يقرأوا السيرة النبوية وتاريخ الحضارة الإسلامية وما حققته المرأة من إنجازات في مختلف المجالات، ودون أن ينظروا إلى الواقع المعاش، وقد أصبحت المرأة العالمة، والباحثة والمفكرة والأديبة  والطبيبة والفقيهة والباحثة ,والمحامية والأستاذة الجامعية والمعلمة  والحاكمة ورئيسة دولة ورئيسة حكومة ووزيرة وسفيرة، وسيدة أعمال تدير شركات ومصانع، فقد غدت مُؤهلَّةً لتولي كبار المهام ألا تؤتمن على أولادها القًصر وأموالهم؟

  هذا وعند رجوعي إلى قوانين ومدوّنات الأحوال الشخصية في عالمنا العربي وجدتُ معظمها أبعد الأم عن الوصاية على أولادها القصر بعد وفاة أبيهم مع أنّها أحرص الناس جمعيهم على مصلحة ومال أولادها، أليست هي أحق الناس بالصحبة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟

وبعض تلك المدونات  أعطى للجد حق الوصاية، وبعضها الآخر أعطى للقاضي تعيين الوصي، وبعضهم أعطى للأم حق الوصاية على أولادها القصر إذا عيّنها الأب، وأحيي المشرعيْن المغربي والتونسي الذْين أعطيا الأولوية للأم في الوصاية للأم بل نجد المشرع التونسي جعل الأم متساوية في الولاية على أولادها مع الأب، ولستً أدري كيف يُقدم الجد في الوصاية، بينما تُحرم الأم منها مع أنّ أولاد ابنه المتوفى لا يرثونه إن كان له ولد ذكر أو أولاد على قيد الحياة، ولا تكون الولاية للأم التي يرثونها في كل الأحوال؟  

   فالذي أرجوه من المشرعين واضعي قوانين وأنظمة ومدونات الأحوال الشخصية في عالمينا العربي والإسلامي الذين استبعدوا الأم من الوصاية على أولادها القُصر، ولم يعطوها الأولوية في الوصاية مع الأب أن يعيدوا النظر في حرمانها من حق الوصاية على أولادها، ويعطوها الأولوية في الوصاية كاملة على أولادها القصر بما فيها الولاية على أموالهم مباشرة بعد وفاة الأب ، ومادامت أحق الناس بالصحبة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أليست أحق الناس بالوصاية على أولادها القُصّر؟

Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/837167/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B5%D8%A7%D9%8A%D8%A9

Leave a Reply