Home » السنة في مرتبة القرآن في مناهج الثقافة الإسلامية في بعض جامعاتنا(1)
سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 18/7/ 2020م
ما من شك فإنّ السنة النبوية هي المصدر الثاني
للتشريع في الإسلام، ولكن ما تواجهه من هجمات شرسة تُشكِّك في صحتها، حتى أنّ
بعضهم استبعدوا السنة، واكتفوا بالقرآن، وهم مَنْ أُطلق عليهم القرآنيون، دفع
بالعض دفاعًا عن السنة النبوية بجعلهم السنة النبوية في مرتبة القرآن الكريم،
ومن
هؤلاء معدو مناهج الثقافة الإسلامية في جامعاتنا، ففي كتابيْن من كتب الثقافة
الإسلامية المقررة في جامعتيْن من جامعاتنا استوقفني الاستدلال بآية(وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4]على أنّها السنة
هي المقصودة في الآية الكريمة، ولتأكيد هذا القول جاء الاستدلال بحديث “عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا
يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ
فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ
فَحَرِّمُوهُ”[سنن أبي داود.(4604)]
وهنا أود توضيح الآتي:
أولًا:
هذه الآية المقصود بها القرآن الكريم، وليس السنة النبوية، فلا
يستقيم معنى الآيتان إلّا بقراءة ما قبلهما وما بعدهما، فلنقرأها(وَالنَّجْمِ
إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى.
إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى.فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ
أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا
رَأَى.)[النجم:1-11] فالآيات 5-10تتحدّث
عن الخالق جلّ شأنه فهو شديد القُوى(ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالأُفُقِ
الأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى.فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى.)
هذه السورة تتحدّث عن القرآن الكريم وحادثة المعراج،
ولم تتحدّث عن السنة النبوية، ويؤيد هذا قوله تعالى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)
يقول الطبري في تفسير هذه الآية:”يقول تعالى ذكره: عَلَّم محمدًا صلى الله
عليه وسلم هذا القرآن جبريلُ عليه السلام” فهنا الإمام الطبري يقرر أنّ آية(إِنْ
هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) المقصود بها القرآن الكريم، وليست السُنّة كما يقول
مؤلفيْ الكتابيْن المقرريْن الذيْن نحن بصددهما، وقال ابن كثير في تفسير(علّمه شديد
القُوى) هو جبريل عليه السلام.
وقال
البغوي في تفسيره لهذه الآية:” وقال آخرون: ثم دنا الرب عزّ وجل من محمد صلى
الله عليه وسلم فتدلى، فقرب منه حتى كان
قاب قوسيْن أو أدنى. وروينا في قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن أنس: ودنا
الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. وهذه رواية ابن سلمة عن ابن
عباس،” والتدلي” هو النزول إلى الشيء حتى يقرب منه. وقال فضيلة الشيخ
الشعراوي تدنى أي اقترب، وفسّر قوله تعالى:(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)أي ما
كذب الفؤاد ما رأى الله ببصيرته، أي بقلبه عندما اقترب منه، وليس ببصره، فهذا الآية تتحدّث عن رؤيا النبي صلى الله
عليه وسلم لله عزّ وجل بقلبه عندما اقترب منه وهو بالأفق الأعلى.
وهذه
السورة تُؤكد بًطلان قصة الغرانيق التي هي من وضع الزنادقة، وللأسف
أوردها ابن سعد في طبقاته:” عن محمد بن عمر قال: حدثني يونس بن محمد بن خضالة
الظفري عن أبيه، قال: حدثني كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال : رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه كفا عنه، فجلس خاليًا فتمنى فقال: “ليته
لا تنزل على شيء ينفرهم عني” وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، ودنا
منهم ودنوا منه، فجلس يومًا مجلس في ناد
من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم “والنجم إذا هوى” حتى إذا بلغ
“أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى” ألقى الشيطان كلمتين على
لسانه” تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترجى”، فتكلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بهما، ثم مضى وقرأ السورة كلها وسجد القوم جميعًا ورفع الوليد بن
المغيرة ترابًا على جبهته فسجد عليه.
هذه الرواية من وضع الزنادقة، التي لا تتفق مع
جوهر الإسلام، وأصل عقيدته وأساسها، ويكذِّبها قوله تعالى:(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)
ولستً أدرى كيف أوردها ابن سعد في طبقاته، رغم
مخالفتها للقرآن الكريم من حيث المتن، وضعفها ضعفًا جيدًا من حيث الإسناد، لأنّ محمد بن عمر هو الواقدي، قال عنه ابن حجر
في التقريب “متروك مع سعة علمه”، وشيخه في الإسناد الأول يونس بن محمد،
ووالده محمد بن خضالة، ولا توجد لهما ترجمة وأوردها ابن أبى حاتم ولم يذكر فيهما
جرحًا ولا تعديلًا، وفي إسناده كثير بن زيد وهو الأسلمي الذي مختلف فيه، وقال
الحافظ “صدوق يخطئ”[الألباني: نصب المجانيق، ص 16] ثم هو مرسل، فإنّ
المطلب بن عبد الله بن حنطب كثير التدليس والإرسال، كما جاء في التقريب، ولذلك قال
القرطبي بعد أن ساق الرواية الثانية، وحكى عن النحاسي تضعيفهما، “قال النحاسي:
هذا حديث منكر منقطع ولا سيما من حديث الواقدي.”
أما
الطبري فللأسف قد أخرجها في تاريخه وتفسير.[انظر تفسير الطبري لآية 52 من سورة الحج]