سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة يوم
السبت الموافق 25/ 7/ 2020م
بيّنتُ
في الحلقة الماضية أنّ القرآن الكريم هو المقصود في قوله تعالى:(وَمَا يَنْطِقُ
عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) فالقرآن الكريم
هو وحده الموحى به معنى ولفظًا، ولا مثيل له، وما ورد في الحديث إن كان المقصود”ومثله معه” في الحديث: “أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ”، فهذا يعني الآتي:
1.
أنّ
القرآن ليس بمعجز فإنّ البشر أتوا بمثل ما في أيدينا من أحاديث، ولكنهم إلى اليوم
لم يستطيعوا أن يأتوا بآية مثل القرآن، ولن يستطيعوا ذلك، فقد قال سبحانه وتعالى:(فإن
لم تفعلوا ولن تفعلوا) وهذا لا يحتاج إلى مزيد بيان. و إن كان المقصود“ومثله معه”
من جنس القرآن فأيضًا باطل، فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وأهل السنة يؤمنون بأنّ القرآن كلام الله فكيف يكون شيء
مثله؟ إنّه يُخالف قوله تعالى:(قُلْ
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)،
فكيف يكون وحيان لرسول واحد، هما القرآن والسنة، فإن كانت السنة وحيًا كالقرآن، ما
هي كيفية هذا الوحي؟ الوحي مباشرة من الله جل جلاله إلى رسول الله دون مبّلغ عنه
كما في القرآن الكريم، فإن كان جبريل عليه السلام، هو مبلغ وحي الله بالقرآن
الكريم والسنة للرسول صلى الله عليه وسلّم – كما يقول البعض- فلا حاجة للرواة، كما هي الحال في القرآن.
2.
إن
كانت السنة وحيًا كالقرآن ب لم أجد تفسيرًا لوجود هذا الكم الكبير من الرواة، وهذا
الكم الكبير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والشاذة والمفردة وأحاديث الأحاد،
ووجود عدة طرق للحديث الواحد، ويختلف معظمها في بعض الكلمات، وبعضها مخالف للقرآن
الكريم، وبعضها المرسل، وبعضها المضطرب، والرواة الذين منهم المدلس، ومنهم المتروك
أو المجهول، ومنهم الذي يكذب، أو يخطئ، أو يخلط، أو له أوهام، فطالما هو وحي من عند الله كالقرآن، فيأتي النص
كما أُوحي به مثل القرآن، ما حاجتنا إلى كل هؤلاء الرواة، وأنواع الحديث؟
3.
وإن كان اجتهاده عليه الصلاة والسلام وحيًا من
الله لما عوتب على بعض اجتهاداته، مثل:
·
(يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات
أَزْوَاجِكَ)
·
(
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ
أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)
·
(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)
·
(مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ)،
·
(مَا
كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ،
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ)
·
(أَمَّا
مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى،
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى.)
4.
إن
كانت السنة وحيًا من الله كالقرآن لما كان عليه الصلاة والسلام يستشير زوجاته
وصحابته رضوان الله عليهن أجمعين، عملًا بقوله تعالى:(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران 159]
5.
إن
كانت السنة كالقرآن وحيًا من الله، لما جاء قوله تعالى على لسان نبيه الكريم:(قُل
لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚوَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 188].
6.
ولو
كانت السنة وحيًا كالقرآن لما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم” أنتم أدرى
بشؤون دنياكم”.
أمّا حديث حسّان بن عطية
التي استشهد به معدو منهج الثقافة الإسلامية في إحدى جامعاتنا على أنّ السنة وحي
من الله كالقرآن الذي نصّه:” كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن”[الدرامي في
سننه]،فكيف يؤخذ بهذا الحديث وراويه(حسّان بن عطية) مطعون في عقيدته؛ إذ كان من
القدريين كما جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي، والقدريون هم الذين ينفُون قدر
الله تعالى، ويقولون: إنّ الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، ويجعلون العبد خالقَ
فِعل نفسه، ويقولون: إنّ الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، ونجده وضع الوحي
بالسنة عن طريق جبريل عليه السلام مثل القرآن، أي جعل السنة في مرتبة القرآن بالوحي
الجلي: وهو ما يلقيه مَلَك الوحي المرسل من الله تعالى إلى رسول الله، فيراه متمثلًا
بصورة رجل أو غير متمثل، ويسمعه منه أو يعيه بقلبه. ووحي القرآن كلّه من هذا
القبيل، قال تعالى:(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ)[الشعراء:194]
الملاحظ على معدي مناهج
الثقافة الإسلامية في جامعتنا دفاعهم عن السنة النبوية ضد إنكار ما سموا بالقرآنين للسنة دفعهم إلى
جعل السنة في مرتبة واحدة من القرآن من حيث الوحي، وأنّ جبريل عليه السلام كان
ينزل بوحي السنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينزل بالقرآن مستندين بذلك
على روايات موضوعة من قبل أحد القدريين، وهم بهذا يُثيرون الشكوك حول صحة القرآن،
وأزليته، وحفظه في اللوح المحفوظ طالما هو والسنة في مرتبة واحدة!!!
للحديث صلة.
Suhaila_hammad@hotmail.com