سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر يوم السبت الموافق 22/12/2018

 ليس بغريب عن الإسلام أن
يُبيح الغناء والموسيقى ،لأنّه دين الفطرة، والموسيقى والغناء من الأمور الفطرية
التي فطر الله النّاس عليها، بدليل أنّ كل الأمم والشعوب في كل الأزمان والأمصار
لها تراث غنائي وموسيقي،

فنظرةُ الإسلام 
إلى الإنسان نظرةً شامله لم تقم على التجزئة، وإنّما على التوازن. الإنسان
في الإسلام مادة وروح، فهو مزيج من قبضة من طين الأرض ونفحة من روح الله امتزج
الاثنان في كيان واحد مترابط رغم اختلافهما، ويوضح هذا قوله تعالى في سورة ص (إِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإذا سويته
ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)[71-72] وقد تعامل الإسلام مع الإنسان وفق هذه
النظرة ووضح تعاليمه له موازنًا فيها بين المادة والروح، فلا يبخس للجسد حقًا  ليوفي حقوق الروح فيحرم المباح، ولا يبخس للروح
حقا ليوفي حقوق الجسد فيبيح المحرمات (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ
اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص:77]  وهنا
تتجلى معجزة الإسلام في مراعاته لطبيعة الإنسان؛ إذ وازن بين رغباته الحيوانية
وسموه الملائكي، فالإنسان في نظر الإسلام من حيث طبيعته موحد بين النواحي المادية
والروحية والحاجات النفسية، فلا يجزّءه، فيؤمن بحيوانية الإنسان أي ماديته
كالداروينية التي نشأت عنها المذاهب المادية كالماركسية والفرويدية، ولا يؤمن
برهبانية الإنسان كالبوذية والهندوكية، يقول تعالى :(وَرَهْبَانِيَّةً
ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)[الحديد: 27]، ولكنه وزان بين متطلباته
المادية والروحية،   فهو يسمو بالنفس
الإنسانية، وعواطفها إلى مراتب عليا من الطهر والعفاف، دون أن يجردها من روحانيتها
أومن  ماديتها بتنظيمها وتوجيهها الوجهة
الصحيحة دون أن تنحرف، أو
تفقد صفتها الإنسانية وجمالها الذي تستمده 
من جمال الكون وإبداع خلقه الذي يفجِّر طاقات الإبداع فيها، ومن نظرة
الإسلام للجمال الذي يشمل الإنسان والحياة وكل ما في هذا الكون، فأباح ممارسة
الفنون لمن أودع الله من خلقه المواهب الفنية على اختلافها من شعر وأدب وموسيقى
ولحن وغناء ورسم و..الخ، وأباح التذّوق والاستمتاع بها لخلقه أجمعين.  هذا ولا تقتصر نظرة الإسلام إلى الإنسان من حيث
طبيعته ومكوناته، وإنّما تمتد إلى كينونته ودوره في هذه الحياة فالإنسان في القرآن
مخلوق مكلف ذو رسالة هي الاستخلاف(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖقَالَ
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة:30]. فكيف يستطيع الإنسان أن يقوم
بمهمة الاستخلاف وإعمار الكون، دون أن يُلبِّي حاجات النفس من الترويح  والترفيه؟ فقد روى مسلم عن أبي عثمان النهدي عن
حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر
فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال:
قلت: نكون عند رسول الله صلى عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين،
فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات
فنسينا كثيرًا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى
دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : “وما ذاك؟.” قلت: يا رسول الله نكون عندك
تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج
والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” والذي
نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على
فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات.”   والذي يستوقف ذوو فكر وبصيرة كيف يترك المحرّمون للغناء والموسيقى الحديثان الواردان في صحيح
البخاري وهما حديث الرُّبيع بنت معوذ، وحديث عائشة رضي الله عنها عن غناء
الجاريتيْن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستنكره ويستدلون بحديث هشام بن
عمّا
ر؟

للحديث صلة.
المصدر : جريدة المدينة https://www.al-madina.com/article/605405

Leave a Reply