سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة يوم السبت الموافق 15/12/2018


 توقفت
في الحلقة الماضية عند بيان تعارض أحاديث حرق الذين لم يصلوا صلاة الجماعة في
المسجد مع أحاديث فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد، وهي:

      حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:”صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته
وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا.”[أخرجه البخاري، في صحيحه، في كتاب الأذان، باب
فضل صلاة الجماعة،1/131، رقم 647]
 فأبو هريرة راو أحاديث حرق من
لا يصلون الجماعة في المسجد، قد روى هذا الحديث الذي يجيز صلاة الفرد في بيته.
     فأبو
هريرة راو أحاديث حرق من لا يصلون الجماعة في المسجد روى هذا الحديث الذي يجيز
صلاة الفرد في بيته.
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال:”صلاة الجماعة أفضل من صلاة
الفرد بسبع وعشرين درجة”
[أخرجه البخاري، في صحيحه، في كتاب الأذان، باب
وجوب صلاة الجماعة، 1/131، رقم 645، ومسلم، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب
فضْل صلاة الْجماعة، وبيان التشْديد في التخلف عنْها،1/450 رقم 650، واللفظ له،
أما لفظ البخاري: تفضل بدلًا من أفضل.]
فهذان الحديثان أخرجهما أيضًا البخاري
في صحيحه وأخرج مسلم حديث ابن عمر في صحيحه، وهما أخرجا حديثا الحرق لمن لم يحضر
صلاة الجماعة في المسجد، فكيف هذا التعارض؟
      أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن يُقدم على هذا، وهو الذي وصفه
الله جل شأنه(وبالمؤمنين رؤوف رحيم) وصلاة الجماعة في المسجد مستحبة، فهو لم ينكر
على الذيْن صليا في رحلهما، ولو سلّمنا جدلًا بصحة الحديثيْن  كيف يحرق في بيته من تخلّف عن صلاة الجماعة في
المسجد؟ كيف تعيش أسرته من بعده،
وقد
مات معيلها حرقًا،
وحرق
بيتهم، فيبقون بالا معيل ولا مأوى، وقد يُحرق مَن في ببيته جميعًا معه، وهذا كله يتنافى
مع قيم ومبادئ وإنسانية الإسلام. وكيف يُحرق وقد يكون قد صلى جمعة مع أهل بيته؟ أو
يكون مريضًا لا يقوى على الخروج، ثمّ أنّ عليه الصلاة والسلام عندما مرض لم يصل
بالمسجد، وقال لعائشة رضي الله عنها”
مروا
أبا بكر فليصل بالنّاس”، وهو القائل “صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته
في بيته، وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا”، وفي رواية “سبعًا وعشرين
ضعفًا”
      لو كانا حديثا الحرق صحيحيْن لأخذ بهما الأئمة الثلاث السابقون للإمام
أحمد(أبو حنيفة، مالك، الشافعي) الذين لم يوجبوا صلاة الجماعة، فكيف صلاتها في المسجد؟
     
تناقض الإمام ابن تيمية الذي يرى بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة في
المسجد في حين أجاز  لمن يخشى على ماله
الفساد من أصحاب الصنائع وبعض المهن الجمع، والجمع لا يكون إلّا في صلاة الفرد.
     
لم يقع اتفاق على وجوب صلاة الجماعة.
     
لو كانت صلاة الفرد باطلة لم يفاضل
بينهما؛ إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل
.
     
إنّ هذيْن الحديثيْن يسيئان إلى الإسلام،
ويصورناه دين عنف وإرهاب، ويُكره الناس على عبادة
خالقهم، ولو أخذ بهما  الدواعش وحرقوا
الناس في بيوتهم لتخلفهم عن صلاة الجماعة في المسجد، عندئذ ماذا سيقول فقهاء الحنابلة،
وماذا سيقول الذين يكفرّون من يقول بعدم صحة بعض أحاديث الصحيحيْن كأحاديث حرق
المتخلفين عن صلاة الجماعة في المسجد؟
والأسئلة التي تطرح نفسها:
·      
هل صلاة الجماعة في المساجد لم تكن واجبة على الأعيان إلّا في القرن
الثالث الهجري زمن الإمام أحمد بن محمد بن
حنبل
(164-241هـ/ 780-855م، وكان المسلمون منذ عهد الرسول صلى
الله عليه وسلم إلى زمن الإمام أحمد لم يلتزموا بصلاة الجماعة في المسجد؟
·       هل كان المسلمون مخالفون لدينهم قبل
الأئمة الأربعة، حتى نُلزم باتباع أحدهم، ونأخذ بأحكامه بما فيها من أخطاء
ومخالفات واضحة وصريحة للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، كما رأينا في حكم
الحنابلة علي وجوب صلاة الجماعة في المساجد، فتتعطّل الحياة تمامًا في دولة
بكاملها أثناء الصلوات الخمس، ويُساق الذين لم يُغلقوا محلاتهم التجارية في أوقات
الصلاة  إلى السجن، ويوضع الشمع الأحمر على
محلاتهم التجارية، ممّا يُسيء  إلى الإسلام،
ويُصرف النّاس عن الصلاة، أو يُصلّون بالإكراه، والإسلام ليس دين  إجبار؛ لذا قال تعالى:(لا إكراه في الدين)فلماذا
نُكره الناس على الصلاة، التي لا تقبل ممن صلّاها مُكرهًا؟
 لماذا لا نأخذ بالأيسر في
الدين طبقًا للكتاب والسنة الصحيحة الفعلية والقولية دون التقيد بالالتزام بمذهب
معيّن، فمضى قرن بعد ظهور الإسلام، ولم يكن لهذه المذاهب وجود، فكيف سيّر المسلمون
أمورهم بلا تلك المذاهب؟ 
المصدر : جريدة المدينة https://www.al-madina.com/article/604190

Leave a Reply