خاص بمدونة الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد

القوامة والنشوز(1)

   د. سهيلة زين
العابدين حمّاد

الأحد 17/ 1/ 2016م

 

 

 

 

  
المتمعن في كتب التفسير والفقه لبعض المفسرين والفقهاء يجد للأسف الشديد
التعامل السائد مع المرأة بدونية وانتقاص يتنافيان تماماً مع نظرة الإسلام للمرأة
التي كلها تكريم وتقدير وإعلاء لشأنها ،فالله جلَّ شأنه جعلها في مرتبة متساوية مع
شقيقها الرجل ،ولكن نجد الإمام   ابن كثير( ت : 774هـ)
يضع المرأة في مرتبة دون الرجل عند تفسيره لقوله تعالى :
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلى
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضِ وَبَمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهمْ
فيقول :”
 يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء) أي
الرجل قيِّم على المرأة ،أي هو رئيسها وكبيرها ،والحاكم عليها ومؤدبها إذا أعوجّت
. وهنا حوّل معنى قوّام إلى قيّم ، وهناك فرق بين المعنيين، فالقوّام هو السيد
الآمر، أمّا  القوّام
فهو القائم بشؤون من هو قوّام عليهم، وتلبية احتياجاتهم، كما جاء في لسان العرب،
والقوامة من حق من تتوفر فيه شرطيها، وهما الأهلية والإنفاق، توضحه
الآية(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى
بَعْضِ وَبَمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهمْ﴾ فقوله الرجال تشمل الذكور والإناث،
ففي اللغة يُقال على المرأة “رجلة”، فقد وُصفت السيدة عائشة رضي الله
عنها بأنّها ” رجلة في الحديث”، وقوله(بما فضّل الله بعضهم على بعض)أي
أنّ مصلحة الأسرة تقضي أن يتولى القوامة الأفضل بين الزوجين، فليس كل رجل الأفضل
في القوامة، فقد يكون معتوهًا، أو مختل عقليًا، أو مدمنًا للمخدرات، أو مغتصبًا
لعرض إحدى محارمه، أو.. فكيف تكون له قيادة الأسرة؟ والشرط الثاني الإنفاق،
فالقوّام لابد أن يتولى الإنفاق على من هو قوّام عليهم، والقوامة شورية تقوم على
اتفاق الزوجيْن في اتخاذ القرار، فمثلًا قرار فطام الطفل قبل إتمامه حولين كاملين
لا يكون إلَّا باتفاقهما(فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور)

 ويفسر ابن كثير قوله تعالى (بما فضَّل بعضهم على
بعض ) أي لأنَّ الرجال أفضل من النساء , الرجل خيــــر من الــمـــرأة، ولهذا كانت
النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم ” لن
يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ” رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن
أبيه [1]،وكذا
منصب القضاء، وغير ذلك .

    ويقول ابن
القيم:” والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهي تحت سلطانه، وحكمها شبه
الأسير.” فبموجب هذا المفهوم الخاطئ للقوامة، صيغت الأنظمة والقوانين في
البلاد العربية، وأعطت للزوج حق منع زوجته من الدراسة والعمل والسفر[2].

   ويفسر
قوله تعالى : ( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور والنفقات والكلف التي
أوجبها الله عليهم لهن ،في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،فالرجل أفضل من
المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها ، كما قال
تعالى : ( وللرجال عليهن درجة )

ويفسر قوله تعالى : ( واللاتي تخافون نُشوزهن ) أي والنساء اللاتي
تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن ، والنشوز : هو الارتفاع ،فالمرأة الناشز : هي
المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المُعرضة عنه ،المُبغضة له ،فمتى ظهر منها
إمارات النشوز فليعظها ، وليخوفها عقاب الله في عصيانه ،فإنَّ الله قد أوجب حق
الزوج عليها وطاعته ،وحرَّم عليها معصيته ، لما له عليها من الفضل والإفضال ، وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجدَ لأحد
لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها.”
[3]

ولقد رجعتُ إلى تفسير هذه الآيات للطبري ( ت 310هـ ) ، فيقول 🙁
الرجال قوامون على النساء : الرجال أهل قيام على النساء في تأديبهن والأخذ على
أيديهن ، فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم .

ويفسر(بما فضَّل الله بعضهم على بعض) : يعني بما فضل الله به الرجال
على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن ، وإنفاقهم عليهن أموالهم ، وكفايتهم إياهن
مؤنهن ،وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ، ولذلك صاروا قوَّامين عليهن ،
نافذي الأمر عليهن ،فيما جعل الله إليهم من أمورهن.[4]

ويفسر قوله تعالى : ( واللاتي تخافون نُشوزهنّ) فإنه يعني : استعلاءهن
على أزواجهن ، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن ، والخلاف عليهم فيما لزمهن
طاعتهم فيه بغضاً منهن ، وإعراضاً عنهم .
[5]

ويقول ابن كثير في السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنَّه قال
:” يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه ، قال ” أن تطعمها إذا طعمت
وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلاَّ في البيت
“وقوله:( واضربوهن) أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ، ولا بالهجران فلكم أن
تضربوهن ضرباً غير مبرح .

  وهنا نجد ابن كثير يورد
رواية تناقض ما أورده بشأن أسباب نزول آية القوامة ، عن أبي الحسن البصري أنّه
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو أنَّ زوجها لطمها ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ” القصاص” ،فأنزل الله عزّ وجل ( الرجال قوَّامون
على النساء) ،فرجعت بغير قصاص. [6]

فنجده هنا أعطى للقوامة معنى القهر والضرب والاستعباد ،كما نجده يزعم
بأنّ الله أقر ضرب الزوجة ، وأقر ضرب الوجه ،في حين نجد الرسول صلى الله عليه وسلم
ينهى عن ضرب الوجه ، فكيف ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر أقرَّه الخالق؟

وهل يُعقل أنَّ الله يقر ضرب الزوج لزوجه ، وهو القائل : ( ولهن مثل
الذي عليهن )، وقوله:( هُنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن)[7]
، وقوله : ( وعاشروهن بالمعروف ) ، وقوله ( إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ؟

  وليقر ابن كثير ضرب الزوجة
نجده يستدل بحديث ضعيف ,وهو : ” لا تسأل الرجل فيما ضرب زوجته”.

وقد ضعّفه الألباني .[8]

فنجد هنا تضارب في المعنى ،وفي الأحاديث التي أستدل بها ، وفيها خلط
بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة، كما نجد الطبري  يورد حديثاً مرسلاً [9]،وهو
: ” اضربوهن إذا عصيْنكم في المعروف ضرباً غير مبرح ” فهذا الحديث مرسل
عن عكرمة ،ورواه السيوطي في الدرر المنثور ،ولم بنسبه لغير الطبري.[10]

ثم نجده يذكر سبب نزول هذه الآية ، ويورد حديث عباس بن أبي طالب ، قال
حدثنا يحي بن أبي بكير عن شبل قال : ” سمعت أبا فزعة يحدث عن عمرو بن دينار
عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه : أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال : ما
حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : ” يطعمها ويكسوها ، ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا
يهجر في البيت ” [11]

واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران ، فالجمهور على أنّه ترك
الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية ، وهو من الهجران وهو البعد ، وظاهره
أنّه لا يضاجعها . وقيل المعنى يضاجعها ويوليها ظهره ، وقيل يمتنع من جماعها ،
وقيل يجامعها ولا يكلمها ، وقيل واهجروهن مشتق من الهجر بضم الهاء وهو الكلام
القبيح أي أغلظوا لهن في القول ، وقيل مشتق من الهجار وهو الحبل الذي يشد به
البعير يقال هجر البعير أي ربطه ، فالمعنى أوثقوهن في البيوت واضربوهن،
قاله الطبري وقواه ، واستدل له ووهاه
ابن العربي فأجاد .

 هل يُعقل أنّ الله يقول أوثقوا
نساءكم في البيوت واضربوهن ؟

هل هذا يتفق مع الأسس التي تقوم عليها الحياة الزوجية ،وهي السكن والمودة
والرحمة؟

هل يتفق مع العشرة بالمعروف ( وعاشروهن بالمعروف)؟

هل يتفق مع قوله تعالى ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)؟

نلاحظ هنا أنَّ الإمام الطبري 
لا يختلف كثيراً عن ابن كثير ، وإن كان أخف وطأة منه ، وذلك لأنَّه نسبياً
أقرب لعصر النبوة من الإمام  ابن كثير الذي
عاش فترة التراجع الحضاري التي مرَّت بالأمة ، فتأثر بالفكر السائد في عصره،  فكلمة ” عوان” التي وصف الرسول صلى
الله عليه وسلم بها النساء ، والتي تعني في لسان العرب : النَّصَف والوسط” أي
الخيار ، وتعني ذات المعنى في موسوعات مصطلحات الفنون  .. قد أصبحت تعني ـ في عصر التراجع الحضاري ـ
أنَّ المرأة أسيرة لدى الرجال ، وأنَّ النساء أسيرات عند الرجال … وأنَّ القوامة
هي لون من ألوان القهر لأولئك النساء الأسيرات ! حتى وجدنا إمامًا مثل ابن القيِّم
يعبر عن واقع عصره ـ العصر المملوكي [12]ـ
فيقول هذا الكلام الغريب العجيب : ” إنَّ السيد قاهر لمملوكه ،حاكم عليه
،مالك له ، والزوج قاهر لزوجته ،حاكم عليها ،وهي تحت سلطانه ،وحكمه شبه
الأسير”.[13]

   والإمام ابن كثير عاش في
العصر المملوكي ،وتأثره بالفكر السائد في عصره الذي غلب عليه في تفسيره ، فجعله
يفسر آيتي القوامة والنشوز بما يناقض ما جاء في القرآن الكريم من مساواة المرأة
بالرجل في الإنسانية ، فقوله الرجل أفضل من المرأة يتناقض مع عدل الله في خلقه ،
ومع قوله تعالى :
﴿  يا أَيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكًمُ
الَّذِي حَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
[14]

  وقوله جل شأنه :  ﴿   يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
 ،فجعل هنا مقياس الأفضلية التقوى ، وليس
الذكورة.

 وقوله صلى الله عليه وسلم :
” إنَّما النساء شقائق الرجال”  
، وقوله صلى الله عليه وسلم ” أيها الناس إنَّ ربكم واحد ، وأباكم
واحد، كلكم لآدم ، وآدم من تراب ،وليس لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا
لأحمر على أبيض ، ولا لأبيض على أحمر فضل إلاَّ بالتقوى ، ألا هل بلغت ؟ ! اللهم
فاشهد .ألا فيبلغ الشاهد منكم الغائب “ 

للحديث صلة.

Suhaila_hammad@hotmail.com

 


[1] . هذا الحديث رواية مفردة لا
يؤخذ بها ، وراويها لا يؤخذ بروايته لأنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه طبّق عليه
حدّ القذف ، ولم يتب ، فلا تُقبل شهادته ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً
وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾[ النور : 4]
ورواية الحديث شهادة على شرع الله ، وعلى
رسوله صلى الله عليه وسلّم.
[2] . إلّا
أنّنا نجد بعض الدول العربية تحرّرت من هذا المفهوم الخاطئ، فأصدرت المحكمة
الدستورية العليا بمصر عام(2000م)حكمًا بسقوط المادة(3)من القرار رقم3937)لسنة(1996)الذي
كان يشترط لمنح جواز سفر للزوجة موافقة زوجها على سفرها للخارج والغاء هذه
الموافقة بإقرار من الزوج. وفي20/10/2009مأصدرت المحكمة الدستورية في الكويت
قراراً بمنح النساء حقّ الحصول على جوازات سفر، وحق السفر من دون موافقة مسبقة من
أزواجهن، وقالت المحكمة إنّ طلب موافقة الزوج على منح زوجته جواز سفر كانت
تشكل” خرقا لضمانات الحرية والمساواة بين الجنسين اللتين يكفلهما
الدستور.” كما حكمت المحكمة: بعدم دستورية الفقرة(1)من المادة(15)من القانون
رقم(11)لسنة(1962)في شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم(105)لسنة(1994)،وذلك
فيما تضمنته من النص على أنّه لا يجوز منح الزوجة جواز سفر مستقل إلّا بموافقة
الزوج. فمتى يتحرر واضعو الأنظمة والقوانين في بلادنا من المفاهيم الخاطئة للولاية
والوصاية والقوامة، ويعطون البالغة الرشيدة حق استخراج وتجديد بطاقة أحوالها وجواز
سفرها، ومنحها حق الدراسة والعمل والسفر بدون إذن أحد.
[3] -ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ،1/503، الطبعة
التاسعة ،1417هـ 21997م، دار المعرفة ،بيروت ــــ لبنان.
[4] – ابن جرير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي
القرآن ،4/ 82،طبعة بدون رقم ، 1415هـ- 1995م ، دار الفكر ،بيروت ـ لبنان
[5] – المرجع السابق :4/88.
[6] 
تفسير ابن كثير : ص 502
[7] – البقرة : 187.
[8] – الألباني : ضعيف سنن أبي داود ،
[9] . المرسل:
هو الحديث الذي سقط من سنده الصحابي مثاله قول:
سعيد
بن المسيب
وأمثاله من التابعين، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم، بحذف الصحابي الذي روى عنه، والحديث المرسل من أنواع الحديث
الضعيف.
 
[10] – تفسير الطبري : تخريج صدقي جميل عطار ،هامش
4/95.
[11] – صحيح الجامع ( 3149)،
[12] – دولة المماليك البحرية ( 648 – 784 هـ / 1250
– 1382 م ) المماليك الجراكســة ( 784 – 923 هـ / 1382 – 1517 م )القرطبي عصر
الموحدين (514 – 668 هـ) وهو العصر الذي عاش فيه القرطبى فترة من حياته أيام إن
كان بالأندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر .
[13] -د. محمد عمارة : التحرير الإسلامي للمرأة ،ص
119،الطبعة الأولى ،1421هـ ـ 2002م ،دار الشروق ،القاهرة ـ مصر.
[14] – النساء : 1.

Leave a Reply