خاص بالمدوّنة

حجاب
المرأة المسلمة بين جواز كشف الوجه ووجوب تغطيته! (4)

د.
سهيلة زين العابدين حمّاد

الأحد 3/1/2016م

بيّنتُ في
الحلقات الثلاث الماضية أدلة الفئة الأولى التي تقول  بإباحة كشف المرأة لوجهها بناءً على آيات قرآنية
قطعية الدلالة وأحاديث نبوية صحيحة تتوافق مع  ما جاء في تلك الآيات القرآنية وواقع المرأة
المسلمة في عصر الرسالة ، وفي هذه الحلقة سأتطرق إلى الفئة الثانية التي  ترى “أنَّ إقرار القرآن للخمار أي غطاء
الرأس لا يعني فرضه ،وإنّما يعني تقبله من مجتمع يأخذ به الإسلام ،ويعد جزءًا لا
يتجزأ من الزي هذا المجتمع ،في هذا الوقت ، فهو لم يبدعه ،ولم يفرضه” [1]

 وعندما يتحفظ القرآن على هذه الزينة ( إلاَّ ما
ظهر منها) ، إنَّه يسمح بما يمكن للزي أن يظهر من هذه الزينة ،

دون
تحديد بشعر أو وجه ،
أو كفيْن ، وهو إلى حد ما قريب من الذين
يقولون بكشف الوجه والكفين ،ولكنه مع هذا يتسع لأكثر منها لأنَّه يتبع الزي ، وما
يسمح بظهوره ، وما لا يسمح بظهوره ،فقد يسمح لظهور الشعر ،وما من زينة ، لأنَّ
الآية ـ وإن أقَّرت الخمار ، فإنَّها لم تأمر به ـ والإقرار هو إقرار بعادة ،
والعادة تختلف عن الحق ، لأنَّ العادة تتفاوت وتختلف ، ولكن الحق واحد ، وقد تحتمل
العادة تعرية الشعر، لأنَّه لصيق بالوجه ، والذراعين لأنَّهما لصيقين بالكفين ، بل
يمكن أكثر من ذلك اعتبار تعبير ( إلاَّ ما ظهر منها ) ، كل ما لم يأمر القرآن
بستره ، وهو لم يأمر صراحة إلاَّ بستر فتحة الصدر ،وإدناء الثوب . ” [2]

   وينضم الدكتور محمد شحرور  إلى رأي الأستاذ جمال البنا ،فيقول : ”
… إنَّ اللباس والحجاب عند المرأة ليس تكليفًا شرعيًا بقدر ما هو سلوك تقتضيه
الحياة الاجتماعية والبيئة ،يتغيَّر بتغيرها ،ومن هنا فقد فرَّق العرب ،قبل البعثة
المحمدية وأثناءها وبعدها ، بين لباس الحرة ، ولباس الأَمَة ،فلباس الحُرَّة
العربية هو لباس خديجة ( رضي الله عنها ) التي تزوجها النبي ـ صلى الله عليه وسلم
ـ قبل البعثة ،غطاء للرأس يقي من الحر ، ويجمع الشعر أن يتبعثر، وثوب طويل يستر
القسم الأسفل من الجسد لعدم وجود ألبسة داخلية وقتها، وفضفاض يسمح لها بحرية
الحركة في أعمالها وتحركاتها داخل البيت وخارجه ،ولم يكن في الثوب فتحات، أو جيوب
إلاَّ فتحة في الصدر ، تبدو منها نُهود المرأة 
حين تنحني إلى الأمام ،وهو الجيب الذي ضربت عليه المرأة المؤمنة خمارها حين
نزلت آية النور (31) . ولم يكن لباس الرجل يختلف من هذه الزاوية البيئية
الاجتماعية عن لباس المرأة ،فقد كان يُغطي رأسه من الحَرِّ ، ويلبس ثوبًا طويلًا
كيلا تظهر عورته حين يقعد لعدم وجود ألبسة داخلية وقتها ،بالإضافة إلى لحية كان
يطلقها الرجل ،حتى لا يُعاب قومه .”[3]  ويُضيف قائلًا عن الآية (59) من سورة الأحزاب
عن إدناء النساء لجلالبيهن : ” … فهي آية تعليم ، وليست آية تشريع ،هذا من
ناحية أخرى فقد فهمت الآية في المدينة فهمًا مرحليًا ، فارتبطت بعدم تعرض المؤمنات
للأذى من قبل بعض السفهاء ، أثناء الذهاب لقضاء حاجاتهن ، وقد زالت هذه الشروط
والدواعي الآن تمامًا ، لأنَّ آلية تطبيق هذه الآية لا تعتبر أبدية ، وهذه الآية
تعلم المؤمنات اللباس الخارجي حصرًا ، أو لباس الخروج إلى المجتمع ، وهو ما سمَّاه
بالجلباب ،فالجلباب جاء من الأصل ” جلب ” ، وهذا الفعل في اللسان العربي
له أصلان أحدهما الإتيان بالشيء من موضع إلى موضع ،والآخر الشيء يغشي ،ويغطي شيئًا
آخر ، فالجلبة هي القشرة التي تغطي الجرح عندما يبرأ ويندمل ،وقبل أن يبدأ الجرح
بالإندمال نضع له رباطاً من القماش المعقم لتحميه من الأذى الخارجي ، ومن هنا جاء
الجلباب للحماية ،وهو اللباس الخارجي الذي يمكن أن يكون بنطالًا وقميصًا، أو
تايوراً ، أو روبًا ، أو مانطو ،كل هذا الملابس تدخل تحت بند الجلابيب .” [4]،ثُمَّ
يستطرد قائلًا: ” وبما أنَّ هذه الآية للتعليم لا للتشريع ،فقد وضع السبب
،وهو المعرفة والأذى ،فعلى المرأة المؤمنة تعليمًا لا تشريعًا أن تغطي من جسدها
التي إذا ظهرت تسبب لها الأذى.” [المرجع السابق : ص 373.]

   ثُمَّ يتطرق إلى لباس الأَمَة ، ويقول إنّ
هناك فارقًا بين لباس الحــــرائر والإمــــاء ، وأنَّ عـمر بن الخطاب ـ رضي الله
عنه ـ قد أخذ إجراءات احترازية للحيلولة دون الخلط بين الحرائر والإماء ، فلم يكن
يسمح للجواري بالخروج على هيئة الحرائر” [المرجع السابق : ص 356.]

  ويُضيف قائلاً لو ألقينا نظرة على كتاب الفقه
الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي في باب حد العورة نجده يذكر أنّ الأئمة
اتفقوا على أنَّ عورة الأمة هي عورة الرجل ” ، ويضيف الدكتور شحرور قائلًا:
” ويلحق الشافعية عورة الأمة بالرجل بجامع أنّ رأس كل منهما ليس بعورة
،ولأنَّ الرأس والذراع ممَّا تدعو الحاجة إلى كشفه.” [5]

  ومن
هنا نجد الدكتور شحرور يستدل بهذا على كشف المرأة لرأسها وذراعيها وساقيها ،
لأنَّه يقول الأمَة “امرأة” فما يُحرَّم على المرأة يُحرَّم عليها ،وما
يُباح لها يُباح للأمة .

   وللأسف الشديد
نجد المفسرين فسروا قوله تعالى : ( ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذيْن ) أي ليتميزن
الحرائر عن الإماء ،وأنَّ إدناء الجلابيب خاص بالنساء الحرائر.

  ولعل في قول صاحب المغني الذي سأورده رد على ما
ذكره الدكتور المهندس محمد شحرور : ” وسوى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة
لقوله تعالى : ( ولا يُبْدِين زينتهن) ، ولأنَّ العلة في تحريم النظر الخوف من
الفتنة ، والفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة والأمة ،فإنَّ الحرية حكم لا يؤثر في
الأمر الطبيعي ، وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ،ويوجب الفرق بينهما ، وإن لم
يفترقا فيما ذكروه افترقا في الحرمة ، وفي مسألة 
الستر لكن الأمة إن كانت الأمَة جميلة يخاف الفتنة بها حرَّم النظر إليها
كما يحرم النظر إلى الغلام الذي تخشى الفتنة بالنظر إليه ، قال أحمد في الأمة إذا
كانت جميلة تنتقب ، ولا ينظر إلى المملوكة كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل..[6]

  أمَّا ما ذكره عن
سيدنا عمر والأمة فقد كانت متلثمة متشبهة بالحرائر   فضربها بالدرة ، وقال يا لكاع تشتبهين بالحرائر
، وذلك لأنَّها قد تتصرف تصرفًا غير لائق ، ويحسبها الناس أنَّها من الحرائر ،
ولكن عندما تكشف وجهها ، إن أتت بأي تصرف سيُنسب لها وحدها ، ولا يُنسب
لغيرها  ، وروى أبو حفص بإسناده أنَّ عمر
كان لا يدع أَمَةً تقنع في خلافته ، وقال إنَّما القناع للحرائر ، ولو كان مظهر
ذلك منها محرماً لم يمنع من ستره ، بل أمر به ، وقد روى أنس” أنَّ النبي صلى
الله عليه وسلم ، لما أخذ صفية ، قال الناس لا ندري أجعلها أم المؤمنين أمْ أُم
ولد ، فقالوا إنَّ حجبها ،فهي أم المؤمنين ،وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما ركب
وطأ لها خلفه ، ومد الحجاب بينه وبين الناس “متفق عليه. وهذا دليل على أنَّ
عدم حجب الإماء كان مستفيضاً بينهم مشهوراً .

فهذا قول
مردود، فالمحرّم على الحرة محرّم على الأمة. فكلاهما أنثى ، والقرآن لم يخصص
الحرائر في الحجاب دون الإماء،
ورواية أنس ، وما ورد في
صحيح البخاري عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية رضي الله عنها،
روايات موضوعة؛ إذ كيف يتزوجها، ويدخل عليها ولم تمض شهور العدة؛ فقد قتل زوجها
كنانة بن ربيع النضيري في غزوة خيبر، فكيف يدخل عليها للتأكد من خلو رحمها من حمل؟

فهذه روايات موضوعة ليبيحوا لأنفسهم التسري بالإيماء ؛ فالقرآن لم يُبح ذلك بل
نص في آيات قطعية الدلالة على الزواج من الإماء ، ولا يمكن يخالف الرسول صلى الله
عليه وسلم ما أمر به خالقه:(
وَأَنكِحُوا
الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)
[7]( وإمائكم معطوفة على الأيامى، أي وانكحوا الأيامى وإمائكم، فأين معنى
التسري بالإماء؟

    فبموجب
هذه الآية لا تتم علاقة جنسية بين الأمة ومالكها إلّا بعقد زواج برضاها، ودفع مهر
لها، ومهرها عتقها، كما قال عليه الصلاة والسلام، فالزواج من الإماء من تضييق
الإسلام لدائرة الرق.

استرقاق الأسرى والسبايا والتسري بالإماء والجواري من صنع الأمويين، ومن بعدهم
العباسيين، ثم العثمانيين ليبحوا لأنفسهم ما حرّمه الله عليهم، فما تذكره تلك
الكتب عن التسري بالإماء والسبايا يتناقض مع حياته عليه الصلاة والسلام في بيته،
التي نقل لنا كتاب السيرة أنفسهم أدق تفاصيلها، كما لا يتفق مع حياة الخلفاء
الراشدين، وسائر صحابته رضوان الله عليهم، بل الصديق رضي الله عنه كان يشتري
العبيد والإماء من كفار قريش  ليعتقهم
ويخلصهم من تعذيب مسترقيهم لهم،
أمّا ما روى في سنن البيهقي وفي إرواء العليل، وفي المبسوط
للسرخسي، وغيرها أنّ لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه إماء يخدمن الضيفان كاشفات
الرؤوس مضطربات الثدي، فهي روايات موضوعة لا تتفق مع شخصيته رضوان الله عليه، وهو
القائل:” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”، فعمر بن
الخطاب لم تكن له إلّا زوجة واحدة بعد إسلامه هي أم كلثوم حفيدة رسول الله صلى
الله عليه وسلم، إذ طلق زوجاته الثلاث اللاتي تزوجهن في الجاهلية لرفضهن الدخول في
الإسلام امتثالًا لقوله تعالى(ولا تُمْسِكوا بعصم
الكوافر)[8]

وفي عهده وقعت في الأسر شاه زنان بنت يزدجرد بن أنوشروان أميرة فارسية، واسمها يعني  باللغة العربية “ملكة النساء”ولقبت بـ
“سلافة” وهي ابنة آخر أكاسرة الفرس. بعد انتصار الجيوش العربية على
الجيوش الفارسية في الفتوح الإسلامية، وقد زوّجها الفاروق رضي الله عنه للحسين بن علي بن أبي طالب باختيارها هي؛
إذ قيل لها:” من تختارين من خطّابك؟” فاختارت الحسين رضي الله عنه،
وأنجب منها ابنه علي زين العابدين
، فلم يأخذها الخطاب رضي الله عنه لنفسه
ليتسرى بها، ممّا يؤكد وضع تلك الروايات المنسوبة لصحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن السبايا والتسري بهن.

والذي أود الإشارة إليه أنّ صحة الرواية
لا تقاس بمدى صدق وحسن حفظ رواتها فقط، وإنّما تقاس أيضًا بسلامة المتن، وتوافقه
مع القرآن الكريم والسنة الفعلية، ومع شخصية المنسوب إليه فعلها، أو قولها.

  وهكذا نجد هذه الفئة تريد عولمة الدين ، وتفسر
القرآن الكريم طبقاً للأهواء ،فهي أفرطت في معنى حجاب المرأة ،وذهبت به بعيدًا عن
سياق آيات الحجاب والأحاديث النبوية ، فلا يوجد حديث نبوي واحد يشير إلى أنّ امرأة
كشفت عن رأسها ، ويدحض مزاعم هذه الفئة عقاب الله لآدم وحواء بالعرى لعصيانهما أمر
ربهما وأكلهما من الشجرة المحرمة، وما جاء 
في الإصحاح الخامس عشر في سفر العدد ، نص يبين أنَّ المرأة اليهودية كانت
تلتزم بالحجاب ،فتغطي رأسها ، ولا تمشي حاسرة الرأس ، وهذا يؤكد أنَّ غطاء رأس
المرأة من الحجاب ، وأنَّه واجب على المرأة في كل الأديان السماوية .

    أمَّا عن
الأَمَة وعورتها ،وما ذكره بعض الفقهاء عن كشفها لرأسها وساقيها وذراعيها ،فهذه
اجتهادات منهم ، لم تستند على نص من القرآن أو السنة ،وللأسف الشديد أنَّ الدكتور
شحرور ،والأستاذ جمال البنا استغلا هذه الاجتهادات في تبرير وصف حجاب المرأة بكشف
الرأس والذراعين والساقيْن ، وممَّا يؤسف له حقاً أنَّ هناك من النساء من خلعن
حجابهن وكشفن رؤوسهن وأذرعهن  بعدما سمعن
في قناة فضائية حوارًا للدكتور محمد شحرور حول مفهومه للحجاب ، واستشهاده بحادثة
سيدنا عمر والأَمة خلاف ما حدثت ؛إذ لم يبيْن أنَّها كانت مُقَنَّعَة ونهاها سيدنا
عمر عن لبس القناع ، ولكن الدكتور شحرور 
ذكر أنَّه أمرها أن تكشف عن رأسها!

    فالذي أريد قوله هنا إنّ تشدد المتشددين في
حجاب المرأة المسلمة ،وإلزامها بتغطية الوجه ولبس القفازين ، ووضع العباءة على
رأسها ، وإلزام المرأة بالقرار في بيتها ،واعتباره هو الأصل ، وتحريم عليها ما
أباحه الله لها تحت باب سد الذرائع ودرأ الفتن ، هو الذي مكَّن هؤلاء من إقناع
الكثير من فتياتنا بتفسيراتهم وتأويلاتهم الهوائية ، فالغلو هو الذي أدى إلى مثل
هذا الإفراط .

للحديث صلة

البريد اليكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com

 

 

 


[1] . جمال
البنا : المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء ، ص28 ،،دار الفكر
الإسلامي ،القاهرة.
[2]. المرجع
السابق ،ص 29-،30
.
[3] . د. محمد
شحرور : نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي ،ص 355 ،ط1 ، 2000م ،الأهالي للتوزيع ،دمشق
ـ سوريا.
 
[4] .
المرجع السابق : ص 372، 373.
[5] .
المرجع السابق : ص 357.
[6] .
[
ابن قدامة : المغني ،7/ 462.
[7] .النور:
32.
[8] .
الممتحنة: 10.

Leave a Reply