ولاية المرأة القضاء(3)

سهيلة زين العابدين حمّاد
السبت 5/12/ 2015م
أواصل الحديث عن نفي الممانعين ولاية المرأة القضاء، صحة أدلة المطلقين والمقيدين
ولايتها القضاء، بل نجد بعضهم ادّعى أنّه لم يصح عن الطبري إطلاق ولايتها للقضاء، مستندين
على مقولة القرطبي(ت671ه)بعد نقله رأي ابن جرير: “ولم يصح ذلك عنه”،
 متجاهلين ما قاله الماوردي{شافعي}(364 – 450 ه)الأقرب لعصر الطبري(224-310ه)- والأولى أن يعلم بأنّه لم يصح ذلك
عنه-في أدب القاضي قالها صريحة، عند حديثه عن شرط الذكورة في القضاء” فأمّا
المرأة فلا يجوز تقليدها، وجوّزه ابن الطبري كالرجل… فأمّا ابن جرير فإنّه علل
جواز ولايتها بجواز فتواها”[ص625]وقال في الأحكام السلطانية:

وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع
الأحكام”، وأكّد ذلك ابن رشد الحفيد المالكي
، فقال:” وكذلك
اختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور: هي في صحة الحكم، وقال الطبري: يجوز أن
تكون المرأة حاكمًا على الإطلاق في كل شيء”[ابن رشد الحفيد: شرح بداية
المجتهد ونهاية المقتصد
, 2291/1]

   ووصف
الماوردي والممانعين  لرأي الطبري بالشذوذ،
غير مطابق للواقع، فقد سبقه في ذلك كل من: الحسن البصري(ت110ه)وابن القاسم المالكي(ت
191ه)ومحمد بن حسن الشيباني صاحب أبي حنيفة(ت189ه)فهؤلاء سابقون
للطبري(ت310)فكيف يقول الماوردي عن الطبري قد شذ بإطلاقه ولاية المرأة للقضاء؟
وفي هذا دلالة على عدم حيدة وموضوعية الممانعين، بل نجدهم ينحازون إلى
رأيهم بنفيهم حقائق ووقائع لا يمكن تجاهلها، وغض الطرف عنها، ونرى ذلك عند
نفيهم عدم اشتراط الحنفية الذكورة في القضاء فيما عدا الحدود والقصاص، مع أنّ
ذلك مثبت في كتب الأحناف ذاتها، من ذلك قول علاء الدين الكاساني الحنفي في البدائع:
“وأما الذكورة، فليستْ مِن شرط جواز التقليد في الجملة؛ لأنّ المرأة من أهل
الشهادات في الجملة، إلاَّ أن
ّها لا تقضي بالحدود
والقصاص؛ لأنّ لا شهادة لها في ذلك، وأهليَّة القضاء تدور مع أهليَّة
الشَّهادة”، وقال السرخسي في مبسوطه:” ولا ينبغي أن يستعمل في القضاء
إلّا الموثوق به في عفافه وصلاحه وعقله وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه
التي يأخذ منها الكلام” ثم يقول:” ولا يتولى القضاء أعمى ولا محدود في
قذف، ولا مُكاتب، ولا عبد يسعى في شيء من قيمته”[ 2/2005]
 وقال ابن عابدين في حاشيته عن أركان القضاء:”
وأركانه ستة على ما نظمه ابن الغرس بقوله:”.. حكم، ومحكوم به، وله، ومحكوم
عليه، وحاكم وطريق، وأهل أهل الشهادة”[8/25-29]وفي شرح تنوير الأبصارللتمرتاشي:”وحاصله
أنّ شروط الشهادة من الإسلام والعقل والبلوغ والحرية وعدم العمى والحد في قذف شروط
لصحة توليته، ولصحة حكمه بعدها”[المصدر السابق: حاشية ص29]
ونقل عن الأحناف  ابن حجر العسقلاني الشافعي” فتح
الباري”: “واتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلاَّ عند أبي حنيفة،
واستثنوا الحدود”،
وقال ابن رشد الحفيد
المالكي” بداية المجتهد: “وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكونَ المرأة قاضيًا
في الأموال.
وقال ابن قدامة الحنبلي في
المغني:” وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضية في غير الحدود، لأنّه يجوز أن
تكون شاهدة فيه.”[11/381]
وقال ابن حزم الظاهري في المُحَلَّى:
“وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة.”
وقال محمد بن عبد السلام الصنعاني الزيدي في سبل السلام “وذهبَ الحنفيَّة إلى
جواز توليتها الأحكام إلاَّ في الحدود”
فهل كل هؤلاء من أحناف
وشافعية ومالكية وحنابلة وظاهرية وزيدية وهموا عدم اشتراط الحنفية الذكورة في
القضاء إلّا في الحدود والقصاص؟
من هذا نخلص أنّ الممانعين
ولاية المرأة القضاء لم يكتفوا بمنع ولايتها على الإطلاق، بل نجدهم ابتعدوا عن
الحيدة والموضوعية والمنهج العلمي  في
سعيهم إلى نفي أو تضعيف جميع أدلة وأقوال المجيزين ولايتها المُطلَقة، والمقيدين
لها،  ليدعموا رأيهم في انتقاص عقل المرأة
وأهليتها لذلك.
Suhaila_hammad@hotmail.com


  

l

Leave a Reply