الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم (2)
ما بنى علماء الناسخ والمنسوخ علمهم عليه باطل؛ إذ أسندوا ذلك إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم، فإن كان لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم نص أو تصريح بنسخ آية، فكيف علم الصحابة بها ؟
سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 13/01/2015

بيّنتُ في الحلقة الماضية أنّ خطأ بعض المفسّرين في فهم قوله تعالى:(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)[البقرة: 106]دفعهم إلى إيجاد ما يُسمى بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم؛ إذ حصروا فهمهم للآية على القرآن الكريم، وفاتهم أنّ المقصود شريعة موسى بنسخ آيات منها طبق الأصل، أو إنسائها بخير منها، ومن الآيات التي في شريعة موسى عليه السلام، ونُسخت مثلها طبق الأصل في شريعة الرسالة المحمدية توضيحًا لقوله تعالى:(نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) قوله تعالى:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ…)[المائدة: 45]
نلاحظ أنّ الشريعة الخاتمة جنحت إلى التخفيف في عقوبة القتل الخطأ، فجعلتها في أدنى درجاتها صيام شهرين متتاليين لمن لم يجد الدية، بينما كانت في شريعة موسى عليه السلام تصل إلى النفي لإحدى ثلاث مدن بعينها، وهذا يأخذنا قياسًا إلى قلع العين وكسر السن المتعمد وعقوبته المثل قصاصًا كما في الآية، أما القلع والكسر الخطأ فبدفع مرتكبه تعويضًا ماديًا في الشريعة الخاتمة، يتضح هذا من قوله تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)[الإسراء: 33]
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)[النساء:92]
أمّا قوله(نأت بخير منها أومثلها) يوضحه(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده)[الأنعام: 152]، فنسختها آيات خير منها في شريعة الرسالة المحمدية(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى..)[النساء: 2، 3] (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء:10]
هذه أمثلة لتوضيح معنى قوله تعالى:(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)
فما يقوله بعض علمائنا الأوائل عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم يُعد تعطيلًا لكثير من أحكام القرآن، مثل قولهم في ما نُسب روايته إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال:” أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فحفظتها وكتبتها في مصحفي فلمّا كان الليل رجعتُ إلى مضجعي، فلم أرجع منها بشيء، وغدوْتُ على مصحفي، فإذا الورقة بيضاء، فأخبرتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة.[أبو القاسم هبة الله بن سلامة أبو النصر: الناسخ والمنسوخ، هامش ص 12. 13]
هل يُعقل أنّ آية تنزل، ثم تُلغى في ليلة واحدة؟ وما الحكمة من نزولها ثم إلغائها؟
وكذلك ما روي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه عن آية الرجم التي نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، أنّه قال: ” لولا أكره أن يقول الناس قد زاد في القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرجم وأثبتها، فوالله لقد قرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا ترغبوا عن آبائكم فإنّ ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم”، فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم[ المرجع السابق: هامش ص 13، 14.]
هل يُعقل أنّ آية الرجم إن كانت قد ألغيت تلاوتها وبقي حكمها لماذا لم يُخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، بدلًا من سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؟ فمن مُبلّغ الوحي محمد صلى الله عليه وسلم أم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؟
هذا أولًا وثانيًا: نص الآية:” لا ترغبوا عن آبائكم فإنّ ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم” هذا النص لا يتفق مع الأسلوب القرآني على الإطلاق، ولا يوجد في اللغة العربية شيخة، فيقال على المسن شيخ(وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[القصص:23]، والمسنة عجوز(وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)[الذاريات: 29]، ثمّ أنّها لم تُبين إن كانا محصنيْن أم لا، فليس بالضرورة لكونهما شيخيْن أن يكون لكل منهما زوج؟ ولماذا الشيخ والشيخة؟ فهذان في الغالب تضعف لديهما الرغبة ، فلا مبرر لزناهما، وكل منهما متزوج؟
ثالثًا: هل يُعقل أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يخشى النّاس ولا يخشى الله، فكيف يجرؤ على كتابة آية أُلغيت تلاوتها من قبل الخالق جل شأنه، والذي يمنعه من فعل ذلك خوفه من قول النّاس فقط ؟
أمّا أحاديث الرجم إن صحّت، فإنّها كانت قبل نزول آية جلد الزانية والزاني(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)[النور: 2]؛ إذ كان يحكم بشريعة موسى التي نسختها آية الجلد.
ومن هنا نجد ما بنى علماء الناسخ والمنسوخ علمهم عليه باطل؛ إذ أسندوا ذلك إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم، فإن كان لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم نص أو تصريح بنسخ آية، فكيف علم الصحابة بها؟
للحديث صلة.

suhaila_hammad@hotmail.com

للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS

تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى

88591 – Stc

635031 – Mobily

737221 – Zain

Leave a Reply