النّاسخ والمنسوخ في القرآن الكريم (3)
نزول آيات القرآن مثبتة في اللوح المحفوظ، والقول بنسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية للوح المحفوظ، ويجعلها فرضية وهمية،وهذا ما يقوله” الملحدون”
سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 20/01/2015
نزول آيات القرآن مثبتة في اللوح المحفوظ، والقول بنسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية للوح المحفوظ، ويجعلها فرضية وهمية،وهذا ما يقوله” الملحدون”
سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 20/01/2015
أؤكد على ما سبق وأن أكدته في المقاليْن السابقيْن أنّه لا يوجد ما يُسمّى بعلم ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم، فالعلم ثابت يقيني وليس بظني، والنّاسخ والمنسوخ، كما هو واضح مبني على ظنون وروايات لا صحة لها نُسب بعضها إلى بعض الصحابة، والقرآن الكريم يقيني وكل آراء القائلين بالناسخ والمنسوخ ظنية مبنية على أقوال بعضهم البعض، وربط بعضها بأحداث تاريخية معينة، أو بأسباب النزول التي اختلفوا فيها أيضًا، أو لتحقيق أهداف سياسية، والعقائد لا تُبنى على ظنون، وما ثبت بيقين لا يبطل بظنون” والقرآن يقين كما نتفق جميعاً كمسلمين، ونعلم أنّ الله قد تعهد بحفظه، ومكتوب منذ الأزل في اللوح المحفوظ، فنزول آيات القرآن مثبتة في اللوح المحفوظ، والقول بنسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية للوح المحفوظ، ويجعلها فرضية وهمية،وهذا ما يقوله” الملحدون”، وهذا أحد مكامن خطورة القول بالناسخ والمنسوخ أي ببطلان أحكام بعض آيات القرآن؛ إذ يثير الشكوك في صحة القرآن الكريم، وأنّه من عند الله، وكان من أسباب إلحاد بعض شباب الإسلام؛ إذ وجدوا أنّ قضية الناسخ والمنسوخ تتصادم مع آية(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء: 82]والكم من الآيات التي وقع عليها النسخ والتغيير والتبديل والزيادة والنقص، وتحويل الحرام حلالًا، والحلال حرامًا تُوحي أنّ في القرآن اختلافاً كثيراً، جعلت الملحدين يقولون:” إنّ القرآن بهذا قد حكم على نفسه بأنّه ليس من عند الله”(تعالى الله عما يصفون)، ولأنّ النسخ- كما يقول الإمام محمد أبو زهرة – يقتضي أن تكون آيتان في القرآن موضعهما واحد، إحداهما مثبتة والأخرى نافية، ولا يمكن الجمع بين النفي والإثبات، وما ادّعى النسخ فيه التوفيق بينهما سهل ممكن، وما أمكن التوفيق فلا نسخ، وقد اشتركنا في كتابة التفسير مع بعض العلماء، ولم نجد آيتيْن متعارضتيْن، ثمّ يمكن التوفيق بينهما، وقد طُبع ذلك التفسير، وسمي بـ” المنتخب” طبعته إحدى الجامعات الإسلامية.”[ تمهيد زهرة التفاسير: ص 41] هذا وممّا يجدر ذكره أنّ الإمام أبي زهرة ينفي وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم [ انظر تمهيد زهرة التفاسير، ص 40، 41]هذا ورغم الاختلاف البيِّن بين القائلين بالناسخ والمنسوخ في عدد الآيات المنسوخة، فمنهم مَن قال إنّ عدد الآيات المنسوخة(293)آية، ومنهم قال(247)،ومنهم قال(218)،ومنهم قال(214)، ومنهم قال(213)،ومنهم قال(210)، منهم قال (200)وبعضهم قال(134)، وغيرهم قال(66)، وهناك من قال (22)، وغيرهم قال(20)[انظر: كتاب الآيات المنسوخة في القرآن الكريم للدكتور عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي] الذي يوضح أنّ لا وجود لناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم إلّا أنّنا نجد الملحدين حكموا على القرآن الكريم من خلال ما ورد في النّاسخ والمنسوخ، أي أنّهم لم يُعملوا عقولهم في البحث عن الحقيقة، وكل أحكامهم على القرآن الكريم خاصة، والإسلام عامة مبنية على أقوال العلماء والمفسرين والفقهاء والمحدثين بكل موروثاتهم الفكرية والثقافية، والأهواء السياسية التي لا صلة للإسلام بها، وذلك لأنّ هناك من يوجههم إلى الإلحاد، فظاهرة إلحاد بعض شباب الإسلام عملية مخططة ومُمنهجة، وجد واضعوها ومنفذوها في كتب تراثنا ما يُساعدهم على ذلك، فلو كان الشباب الملحد أعمل عقله، وبحث وفكّر، كما يدعي أنّ عقله لا يقبل ما يقرأه، لا يحكم على الإسلام بما هو موجود في كتب التفسير والحديث والفقه، وعلوم القرآن الكريم، ولمحص ودقّق كما يفعل المفكرون لتصحيح المفاهيم، وإعادة الإسلام من مختطفيه، وبيان حقيقة هذا الدين الذي شوهه أولئك.
وهذه دعوة صادقة مني لكل شباب الإسلام الذين ألحدوا، أو اتجهوا إلى التطرّف الديني، والتحقوا بإحدى الجماعات التي وصفت نفسها بأنّها إسلامية أن يعيدوا معي قراءة النصوص القرآنية، وفهمها بمدلولاتها الحقيقية، مثل آية(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)[البقرة: 106] قبل أن يحكم الملحدون منهم بوهمية حفظ القرآن في اللوح المحفوظ، وقبل أن يقولوا إنّ القرآن حكم على نفسه أنّه ليس من عند الله بناسخه ومنسوخه، وقبل أن يقولوا ما يفعله داعش فعله محمد وأصحابه، وقبل أن يقطع المتطرفون الرؤوس، ويسبوا النساء، ويبيعوهن جواري، ويسرقوا وينهبوا ويدمروا، ويخرجوا المسيحيين من ديارهم وأوطانهم، إن لم يدفعوا الجزية عملًا بالفتاوى التكفيرية ،وبالناسخ والمنسوخ، مثل القول إنّ آية (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة:5] ، والتي أطلقوا عليها آية السيف قد نسخت كل آيات الرحمة والتسامح مع أهل الكتاب، مع أنّ هذه الآية تتحدث عن مشركي مكة وليس عن أهل الكتاب، ولي وقفات طويلة عند آية السيف والـ (124) آية التي نسختها، وغيرها من الآيات الناسخة والمنسوخة ،والتي حكم المتطرفون من دينيين ولا دينيين على الإسلام من خلالها دونما تمحيص وتدقيق وتثبت، مؤكدة على أن لا وجود لناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم.
suhaila_hammad@hotmail.com
المصدر : جريدة المدينة – http://www.al-madina.com/node/583201