الخطاب الديني واختطاف الإسلام بتشويه صورته وإثارة الفتن
آن الأوان أن يستيقظ علماء الأمة من سباتهم العميق، ويعيشوا عصورهم، ويفتوا بما يناسب مجتمعاتهم وعصورهم، طبقًا للفهم الصحيح للقرآن والسنة الصحيحة، وأن يستبعدوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والأحكام الفقهية المبنية عليها
د. سهيلة زين العابدين حماد 
الخميس 25/09/2014


لقد لامست قلوبنا وعقولنا كلمة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله للأمتيّن العربية والإسلامية والمجتمع الدولي في5/10/1435هـ-1/8/2014م، فقد عبّر فيها تعبيرًا صادقًا عن واقع أمتينا العربية والإسلامية؛ إذ أصبح العرب والمسلمون يُحرّضون على قتال أنفسهم بأنفسهم، لإضعافهم، وتقسيم دولهم إلى دويلات صغيرة على أساس ديني وعرقي وطائفي، وهذا الجيل الرابع من الحروب، وللأسف الشديد لقد وجد المُخطّطون لهذه الحروب والفتن في تراثنا الفكري الإسلامي، والمناهج الدراسية في عالمنا الاسلامي ما يذكي في نفوس الشباب المسلم جذوتي التطرف والإرهاب من جهة، وما يدفع البعض الآخر إلى نبذ الإسلام والخروج منه من جهة أخرى، لأنّ الذي اختطف الإسلام، وشوّه صورته، وجعْله دين إرهاب وعنف وسفك دماء، بعض ما ورد في تلك المناهج الدراسية، والخطاب الديني المردد لما ورد في كتب التراث. وباعتباري مواطنة مسلمة ومفكرّة مهمومة بهموم أمتها ووطنها، ومن منطلق تبرئة الذمة، وحرصًا على مصلحة الأمة، وأمن الوطن، رأيت أن أبيِّن الأسباب التي ساعدت أعداء الأمة على تضليل الشباب، وتوجيهه لقتال بعضه البعض، وإحداث الفوضى في أرجاء البلاد العربية والإسلامية لإضعافها والانقضاض عليها؛ إذ بالإمكان القضاء على هذه الفوضى ودعاوى وفتاوى التكفير بالوقوف على أسبابها، ومن ثمَّ علاجها.
إنّ ما يشعله الإرهابيون من فتن وتكفير، وما يقومون به من قتل وسفك دماء وانتهاك أعراض، وهدم كنائس وفرض جزية على مسيحيي الموصل، أو تهجيرهم من بلادهم، وسبي نسائهم، وبيعهن جواري بـ(150) دولاراً للواحدة، ما هو إلّا تطبيق لما جاء في الخطاب الديني المنتشر في عالمنا العربي والاسلامي والمُقدّس لكتب التراث وكتّابه وفتاويهم؛ إذ تمتلئ تلك الكتب بفتاوى التكفير ورفض الآخر، وهدر الدماء والتطرّف وتضييق دوائر الحلال، وتوسيع دوائر الحرام، وامتهان المرأة، وانتقاص أهليتها، مع الاستدلال بأحاديث موضوعة وضعيفة وشاذة ومفردة، وتقديس بعض العلماء وتنزيههم عن الخطأ وكأنّهم أنبياء معصومون من الخطأ، وهذه الكتب تُدرس في المدارس والجامعات في الدول العربية والاسلامية ، ولكن عندما طُبقِّ ما فيها على أرض الواقع ظهرت بشاعتها، وخطورتها، فلقد رسخ في الضمير الديني للمنتمين للمؤسسات الدينية والتعليمية في الكثير من البلدان الاسلامية قداسة التراث ورجاله بكل ما فيه رغم مناقضة بعضه للقرآن الكريم، والسنة الصحيحة القولية والفعلية، ومقاصد الشريعة الإسلامية، واحتواء بعضه الآخر على أحاديث ضعيفة وموضوعة، والاستناد عليها في فتاواهم التكفيرية، ونبذ الآخر، وأحكامهم الفقهية التي فيها ظلم للمرأة والطفل، وأخذت المؤسسات الدينية في عالمنا العربي والإسلامي تعالج قضايا العصر بفكر وروح عصور خلت مرددة أقوالاً وفتاوى محفوظة عن ظهر قلب لعلماء وفقهاء عاشوا من قبل أكثر من ألف عام دون التمعن في أبعادها، والوقوف على ما فيها من أخطاء، والتمحيص والتدقيق في صحة فهم للآيات القرآنية، ومدى صحة الأحاديث التي بُنيْت عليها تلك الفتاوى، أو الأحكام الفقهية، ومدى ملاءمتها لعصور وأماكن فتاواهم، مع إدراكهم اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان، ولم يكتفوا بهذا بل نجدهم يُصِّرون على تضمينها بنصوصها في المناهج الدراسية للكليات والمعاهد والمدارس الدينية، وكذلك لمختلف المراحل الدراسية بما فيها المرحلة الابتدائية، ممّا أدّى إلى تشويه صورة الإسلام، وتصويره أنّه دين عنصري يميز بين المسلم وغير المسلم، وبين السني وغير السني، وبين الرجل والمرأة، دين قائم على قتال من لا يؤدي فريضة من الفرائض، بل إنْ تخلّف عن صلاة الجمعة في المسجد يُباح قتله، وإباحة هدم الكنائس حتى لو أعطي أهلها الأمان عند الفتح الإسلامي، ووجوب استمرار القتال حتى يشهد الجميع أنّ لا إله إلّا الله، ومحمدًا رسول الله، واعتبروا أنّ نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة لا غير مستندين على حديث ضعيف، ومعتمد حديث الفرقة الناجية، -وهو حديث ضعيف أيضًا- في تكفير غير السني، أمّا ما يتعلّق بالمرأة فقد انتقصوا أهليتها، وقرنوا طاعة الزوج والخضوع له بطاعة الله، فإنّ قولها لزوجها “ما رأيت منك خيرًا قط” يُدخلها النار، لذلك أصبح النساء أكثر حطب جهنّم، وسلبوا المرأة أهليتها باعتبارها ناقصة عقل ودين مستندين في ذلك على حديث ضعيف، والزوجة أمة مملوكة لزوجها في حال صحتها وعافيتها، ودار مستأجرة في حال مرضها لا يجب على زوجها علاجها، لأنّه لا يستمتع بها أثناء مرضها، استنادًا على فتوى للأئمة الأربعة دون استنادهم على نص قرآني، أو حديث نبوي، بل هي مناقضة للقرآن الكريم والسنة النبوية الفعلية والقولية، ومقاصد الشريعة الإسلامية، والأكثر من هذا قول بعض المذاهب بعدم وجوب على الزوج شراء كفنها إن ماتت، ومع هذا لا يُسمح لأحد انتقاد هذه الفتاوى والأحكام وأصحابها، والأحاديث الضعيفة التي تتضمنها كتب الصحاح، رغم مناقضة بعضها للقرآن الكريم، وبعضها ينال من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وسمعته، وتكفير من يقوم بهذا الانتقاد، أو اتهامه بالزندقة، أو تنفيذ أجندة غربية، وذلك لإخراس أي صوت ناقد، وأي فكر صادق يسعى للإصلاح، وقد ترتب على هذا الخطاب نفور بعض الشباب المسلم من الإسلام، وإلحاده، واعتناق البعض الثاني منه هذا الفكر المتشدّد، وتمّ تجنيده في عمليات إرهابية، وجماعات تكفيرية مسلحة، فتحوّل الصراع من جدال فكري إلى مواجهات فعلية مسلحة. 
ولعل تحميل خادم الحرميْن الشريفيْن في كلمته المشار إليها العلماء مسؤولية اختطاف الدين، وتشويه صورته بأنّه دين عنف وإرهاب يؤكد قولي هذا، فقد آن الأوان أن يستيقظ علماء الأمة من سباتهم العميق، ويعيشوا عصورهم، ويفتوا بما يناسب مجتمعاتهم وعصورهم، طبقًا للفهم الصحيح للقرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وأن يستبعدوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والأحكام الفقهية المبنية عليها، ويتجردوا من موروثاتهم الفكرية والثقافية المتمثلة في عادات وأعراف وتقاليد مجتمعاتهم في عصورها الجاهلية التي لا تمت للإسلام بصلة، ويتحرّروا من الفتاوى التكفيرية والمثيرة للفتن، والممزقة لأبناء الوطن الواحد، فإن ظلّت حالنا على ما هي عليه الآن ، فسيستمر استغلال أعداء الأمة تلك الفتاوى التكفيرية المثيرة للفتن لجعل بلاد العرب والمسلمين جحيماً من الحروب والفتن، يُكفّر بعضنا البعض، ويقتل بعضنا البعض.
suhaila_hammad@hotmail.com 
المصدر : جريدة المدينة – http://www.al-madina.com/node/559228

Leave a Reply