المرأة في مناهجنا الدراسية (3)
ها هو رسول الله وصحابته رجالاً ونساءً يزور صحيحُهم مريضَهم، ويأكلون مع بعضهم البعض، فالإسلام دين الفطرة، والاختلاط طبيعة بشرية، وعندما نُحرّمه تحريمًا مطلقًا نسيء للإسلام، ونُنفِّر شبابنا منه. فالمطلوب هو وضع ضوابط للاختلاط، وليس تحريمه
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 16/09/2014
تحريم الاختلاط، والتحذير منه مكرر في مناهج الثقافة الإسلامية، ومن ضمن ما حوته هذه المناهج هذه العبارات:
* فإنّ المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه، والتجوّل سافرة، لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال، وفي ذلك فتنة كبيرة، وفساد عريض، (وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد فاختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْتأخِرْنَ فإنّه ليس لكُن أن تَحْقُقْنَ الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به»).
* «إنّ الاختلاط بين الجنسين يحرّك في النفس كوامن الغريزة، ويشعل نار الشهوات الجامحة، ويؤجج عواطف الغرام والحب، ويغري كلا الجنسين بالآخر، فيرخي العنان للشهوة التي لا حدود لها. وقد اقترن الاختلاط بالمجون الفاحش، في الصور العارية، والأدب المكشوف، والقصص الغرامية، وحفلات الرقص المثيرة.. ويحوّل حياة المجتمع إلى لهو وعبث ومجون وخلاعة. ولا يكون الزواج عصمة في المجتمع المختلط، فإن كلا الزوجين إذا وجد سبيلاً لمتعة أفضل وسط هذا التنافس المغري» (الحديث والثقافة الإسلامية ثاني ثانوي أدبي علمي، وتحفيظ القرآن الكريم، ص 74).. هذا قذف بالمتزوجين؛ لأنّ جميع المجتمعات فيها اختلاط باستثناء المجتمع السعودي، وكيف نُدرّس هذا الكلام لأولادنا وبناتنا، ونحن نعلم أنّ في القرآن الكريم، والسنّة الفعلية آيات ومواقف فيها اختلاط، مثل:
1- قوله تعالى عن موسى عليه السلام: (ولما وَرَدَ ماء مَدْيَنَ وَجَدَ عليه أُمَّةً من الناس يَسْقُون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل) فهذا موسى النبي تحدّث مع امرأتين غير محرم لهما، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قدّم لهما المساعدة، وسقى لهما، ثم جاءته إحداهما وقالت له: (إنّ أبي يدعوك ليجيزك أجر ما سقيت لنا).
2- ونبي الله سليمان تحدّث مع امرأة غير محرم: (… قيل لها ادخلي الصَّرْحَ فلما رأته حسبته لُجَّةً وكَشَفَتْ عن ساقيها قال إنّه صَرْحٌ مُمَرَّدٌ من قوارير قالت رب إنِّي ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).
3- (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) (آل عمران: 61) فهذه آية صريحة تبيّن مشاركة النساء مع الرجال في المباهلة.
4- (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) (البقرة: 282) وهذا يعني وجود نساء مع الرجال في مجلس المداينة، وإلّا كيف تؤخذ شهادة امرأتيْن، وهما غير حاضرتيْن في المجلس؟
5- طواف النساء مع الرجال حول الكعبة المشرفة، وسعيهن بين الصفا والمروة، وهن يؤدين مناسك الحج والعمرة، ووقوفهنّ مع الرجال في جبل عرفات، وعند مرمى الجمرات، فهل الاختلاط هنا مقترن بالمجون الفاحش، والصور العارية، والأدب المكشوف، والقصص الغرامية، وحفلات الرقص المثيرة؟! وهل نرى النساء في المسعى ملتصقات بالجدر؟ وأين الجدر في المطاف لتلتصق النساء بها تجنبًا للاختلاط بالرجال؟ فعلينا أن نتحرّى مدى صحة الأحاديث قبل الاستشهاد بها.
ونجد في كتب الصحاح الآتي:
– عن عيادة الرجال النساء:
عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال لها لعلّك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلّا وجعة، فقال لها: حجّي واشترطي قولي: «اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود». (رواه البخاري ومسلم).
– عن عيادة الرجال إخوانهم في حضور النساء:
فعن قيس بن أبي حازم أنّه قال: دخلنا على أبي بكر -رضي الله عنه- في مرضه، فرأيتُ عنده امرأة بيضاء موشومة اليديْن تذب عنه، وهي أسماء بنت عُميس. (رواه الطبراني).
– حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، قال حدثني أبو حازم، عن سهل، قال لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلاّ امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك. (صحيح البخاري: باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس).
– عن لقاء الرجال بالنساء على الطعام والشراب:
فعن عائشة -رضي الله عنها-: أنّ امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقُرِّب إليه لحم، فجعل يناولها، قالت عائشة: فقلتُ يا رسول الله: لا تغمر يدك، فقال: يا عائشة إنّ هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وإنّ حسن العهد من الإيمان». (أنظر الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة خلال التعليق على الحديث رقم (216)، والحديث: رجاله كلهم ثقات رجال الشيخيْن).. وجاء في الموطأ: سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها، أو مع غلامها؟ فقال: «ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال (يعني إذا كان على طريق متعارف بينهم). قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممّن يؤكله، أو مع أخيها على مثل ذلك. (الإمام مالك بن أنس: الموطأ، 2935).
– لقاء الرجال بالنساء أثناء الضيافة:
ورد في الصحيحين عدة أحاديث عن لقاء الرجال بالنساء، منها:
«عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قُبَاء، ويدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه».. (رواه البخاري ومسلم).
– وعن تبادل الهدايا بين الرجال والنساء:
عن أم الفضل بنت الحارث أنّ أناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوْم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره فشربه. (رواه البخاري ومسلم).. قال: العسقلاني: «وفي الحديث قبول الهدية من المرأة». (5/ 142).
وبعد هذه بعض الأدلة من القرآن الكريم، والسنّة النبوية القولية والفعلية، يتبيّن لنا أنّ الحياة في عصر الرسالة كانت طبيعية، ولا توجد فيها كل هذه الحواجز بين الرجال والنساء الموجودة في مجتمعنا في عصرنا هذا، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رجالًا ونساءً يتبادلون التحية، ويزور صحيحُهم مريضَهم، ويأكلون مع بعضهم البعض، ويتبادلون الهدايا، وجهًا لوجه دون حواجز ولا فواصل، فالإسلام دين الفطرة، والاختلاط طبيعة بشرية، وعندما نُحرّمه تحريمًا مطلقًا باسم الإسلام نسيء للإسلام، ونُنفِّر شبابنا منه. فالمطلوب هو وضع ضوابط للاختلاط، وليس تحريمه.
suhaila_hammad@hotmail.com
المصدر : جريدة المدينة – http://www.al-madina.com/node/557446