زواج القاصرات وآية “واللائي لم يحضن”
أي أسرة هذه التي يكون أبواها فاقدي الأهلية, أو الأب مسن والأم طفلة صغيرة ؟
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 05/02/2013
طفلة جيزان ابنة الـ 15 ربيعًا التي تمّ تزويجها من رجل تسعيني بدون رضاها, يفتح من جديد ملف بيع القاصرات لمسنين تحت مسمّى الزواج, وقد طال انتظارنا لنظام تحديد سن أدنى للزواج الذي أعلنت وزارة العدل أنّها بصدد إعداده, فقد نشرت جريدة المدينة بتاريخ 18/4/2012ما يلي :» حسمت الإدارة العامة لمأذوني الأنكحة في وزارة العدل أمر تحديد سن زواج السعوديات، ورفعت المشروع الجديد إلى الجهات التنظيمية في الوزارة استعدادًا لإقراره وإعلانه قريبًا.
وأكد مدير عام الإدارة العامة لمأذوني الأنكحة بالوزارة محمد البابطين لـ»المدينة» أنّ المشروع تم مناقشته وبحثه مع عدة جهات حكومية، ورأت الوزارة مناسبة الأخذ بسن محدد لزواج الصغيرات ووضع الضوابط المحققة لجانب الضمانة في مثل تلك الزيجات بما في ذلك الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية» وذكرت الصحيفة إنّ البابطين «تحفظ على ذكر السن الذى اقترحته الدراسة لزواج القاصرات مؤكدًا أنّه لا يزال يخضع للمزيد من الدراسة والمناقشات بالوزارة.
نلاحظ في هذا التصريح أنّ إدارة مأذوني الأنكحة تقر زواج الصغيرات, وتريد تقنينه , ووضع ضوابط له من الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية, ولستُ أدري كيف يتم وضع هذه الضوابط, وقد جاء في التقرير الذي بعثه معالي وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع لهيئة حقوق الإنسان بناء على استفسار الهيئة عن كيفية إجراء فحوص ما قبل الزواج للأطفال القصر، وما يسببه ذلك من آثار سلبية بالغة من الناحية الجسدية والصحية والنفسية، حيث شكل وزير الصحة لجنة طبية من المتخصصين لدراسة ذلك التي كشفت عن الأضرار الصحية والجسدية والنفسية الناتجة عن زواج القصر عليهن وعلى مواليدهن لمن يقدر الله له الحياة, لأنّ نسبة الوفيات في الأمهات الصغيرات وأولادهن نسبة كبيرة, وكذلك نسبة الإعاقة لمن يعيش من هؤلاء المواليد نسبة كبيرة أيضًا, ممّا يشكِّل عبئًا اقتصاديًا على الدولة, إضافة إلى أضرار أخرى كثيرة من الناحيتين الصحية والنفسية والاجتماعية, قد يقول قائل كيف تقولين هذا ,و زواج الصغيرة جائز لقوله تعالى:(وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيض مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ اِرْتَبْتُمْ فَعِدَّتهنَّ ثَلَاثَة أَشْهُر وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْن) [الطلاق: 4.] والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها , وهي ابنة تسع سنوات؟
وأقول جوابًا عن السؤال الأوّل: لقد فسر بعض المفسرين مثل الطبري وابن كثير(واللائي لم يحضن) بالصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض، فأقول هنا إنَّ الآية خاصة بالنساء، وليس الطفلات, فهي معطوفة على (من نسائكم)، فلو كان المقصود بالصغيرات لجاء قوله تعالى ( والأطفال اللائي لم يحضن )، فكلمة طفل وردت في القرآن ، وأطلقها جل شأنه على الذي بلغ الحلم في قوله( وإذا بلغَ الأطفالُ منكُمُ الحُلُمَ فليستَأْذِنُوا كما استأذنَ الَذين من قْبلِهِم) [النور: 59.], فهناك نساء لا يحضن لعلةٍ فيهن, وقد أوضحت استشارية أمراض النساء والولادة الدكتورة لمياء السباعي في برنامج «حياتنا» الذي أذيع على الهواء مباشرة من القناة السعودية الأولى يوم الأربعاء18/3/1434هـ الموافق30/1/2013 معنى(واللائي لم يحضن)عندما طلبتُ منها توضيح ذلك؛ إذ كنا معًا ضيفتى البرنامج, فقالت الدكتورة لمياء:» يوجد نوعان من انقطاع الحيض: انقطاع أوّلي, وانقطاع ثانوي, فالانقطاع الأوّلي التي لا ترى الحيض البتة, وذلك لعيوب كرزومية, فهي قد تبدو أنثوية المظهر, ولكن ليس لديها أعضاء تناسلية ومبيضان, أو لديها مبيضان ولكن لا يؤديان وظائفهما ,أو يكون مخزون المبيْضيْن من البويضات ضعيفاً, أو عندها خلل في الهرمونات, وقد يتكوّن الحيض, ولكن لا ينزل, فتحتاج لإجراء عملية, أمّا الانقطاع الثانوي, فقد تشهد حيضة أو حيضتين, ثم تنقطع عنها» هذا ولا ننسى أنّ هناك نساء ينقطع عنهن الطمث طوال فترة إرضاعهنّ, وهكذا نجد أنّ( واللائي لم يحضن)لا تعني البتة عدة المطلقات الصغيرات اللائي لم يحضن، وهذا يؤكد لنا أنّ الفقهاء الذين قالوا بجواز زواج الصغيرات بنوا حكمهم على مفهوم خاطئ لـ( واللائي لم يحضن) ونجد بعضهم يستدل بزواج الصغيرات، بل حتى الرضيعات بما أورده الإمام السرخسي في المبسوط( باب نكاح الصغير والصغيرة)، والإمام السرخسي ذكر مرويات لم يوضح مدى صحة سندها، بل أجده استدل بأحاديث لا أساس لها، كقوله: «ما قال صلوات الله عليه تأخذون ثلثي دينكم من عائشة» ولا يوجد حديث بهذا المعنى، والشائع قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم من هذه الحُميراء) وثبت ضعفه, وإباحة زواج الرضيعات يتعارض مع قوله تعالى في الآية السادسة من سورة النساء:(وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا) وتعني (إذا بلغوا النكاح) بلوغهم السن الذي يؤهلهم للزواج، ويؤكد هذا قوله تعالى(فإن آنستم منهم رُشداً فادفعوا إليهم أموالهم) فإن كان اليتامى لا تدفع لهم أموالهم حتى يبلغوا سن الرشد فمن باب أولى ألاَّ يُزوَّجوا حتى يبلغوا سن الرشد.
وقد أشار السرخسي في المبسوط ،في كتاب النكاح، باب «نكاح الصغير والصغيرة» الحكم الفقهي للإمام أبي حنيفة ، وهو إذا اختار الصغير والصغيرة الفرقة بعد البلوغ فلم يُفرِّق القاضي بينهما حتى مات أحدهما توارثًا» لأنَّ أصل النكاح كان صحيحاً ،والفُرقة لا تقع إلاَّ بقضاء القاضي.[ الإمام السرخسي الحنفي : المبسوط ، 1/ 543، الأردن : بيت الأفكار الدولية ، ط1.]
والسؤال هنا كيف لا يملك الزوج الصغير بعد البلوغ حق الطلاق، ولا يكون الطلاق إلا بيد القاضي؟
إذاً لابد من بلوغ الصغير سن الرشد حتى يحق له الطلاق ،وهنا يتضح لنا أنَّ زواج الصغير غير جائز حتى لو بلغ الحُلم، لأنَّه لا يزال فاقد الأهلية، ولابد من بلوغه سن الرشد حتى يحق له الطلاق.
وهنا أقول هل زواج الصغير والصغيرة يحقق مقاصد الزواج في الإسلام؟
وأي أسرة هذه التي يكون أبواها فاقدي الأهلية, أو الأب مسن والأم طفلة صغيرة؟
للحديث صلة.
suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain
المصدر : جريدة المدينة http://www.al-madina.com/node/431579/%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%E2%80%9C%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%AD%D8%B6%D9%86%E2%80%9D.html