المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
وجامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية وحق اللجوء في الإسلام
بقلم د/ سهيلة زين العابدين حمّاد
في 29 ربيع الأول 1433هـ ، الموافق 21 فبراير 2012م سعدتُ كثيرًا بالمشاركة في
حلقة النقاش التي نظّمتها الممثلية الإقليمية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى

دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية لمناقشة الدراسة
المقارنة حول موضوع ” اللجوء في الإسلام ” التي أصدرتها المفوضية بالتعاون مع جامعة
نايف للعلوم الأمنية برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولي
العهد ، نائب رئيس مجلس الوزراء ، ووزير الداخلية ورئيس المجلس الأعلى للجامعة ، لعزم
الجامعة و المفوضية على تنقيح الدراسة قبل إصدار الطبعة الثانية ، وتنظيم الجامعة والمفوضية
مثل هذه الحلقة النقاشية التي ضمت كوكبة من الخبراء والمختصين بحضور ومناقشة المؤلف
معد الدراسة الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا عميدة كلية القانون الدولي بجامعة القاهرة تُعد
سابقة لم تُقدم عليها مؤسسات أكاديمية لتنقيح إصداراتها ، وأخذ آراء خبراء ومختصين لتعديلها
في طبعتها الثانية، وهذا يدل على جدّية هاتيْن الجهتيْن في تقديم دراسات علمية رصينة تحقق
الفائدة المرجوة ، مع تفادي جوانب النقص، أو المآخذ، واقترح أن يكون هذا تقليدًا تعتمده
المؤسسات العلمية والأكاديمية .
وعند قراءتي للكتاب وجدته شاملًا للنصوص الشرعية من كتاب وسنة للمبادئ الضابطة لحق اللجوء بكل أنواعه من ديني وإقليمي ودبلوماسي، ومبينًا الوضع القانوني للاجئ وعوارضه، مع بيان حكم الشريعة الإسلامية في حق اللجوء ، مقارنًا كل ذلك بالقانون الدولي مستندًا في توضيح أحكام الشريعة الإسلامية بشواهد ووقائع تاريخية، وهذا جهد كبير يُشكر عليه المؤلف، وممّا يميز هذه الدراسة تسليطها الضوء على جوانب مشرقة تفرّدت بها الشريعة الإسلامية في حماية المظلومين والمضطهدين، ومنحهم حق اللجوء، مع كفالة لهم حياة كريمة، وكان لها أثرها على القانون الدولي الحديث للاجئين يفوق تأثير أية مصادر أخرى، وهذا ما كتبه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ” أنطونيو جوتيرس” في مقدمة الكتاب مُوضحًا أنّ الشريعة والتقاليد الإسلامية تمثل الأساس لإطار العمل الذي ترتكز عليه أنشطة المفوضية حول العالم لصالح عشرات الملايين من اللاجئين والنازحين، وتضمن هذا حق كل فرد في طلب اللجوء هربًا من الاضطهاد، وتأتي أهمية هذا الكتاب لارتفاع عدد اللاجئين المسلمين ليكوِّنوا الغالبية العظمى من لاجئي العالم، ولجوء الغالبية العظمى إلى دول إسلامية، ممّا يبرز أهمية التأكيد على أهمية الإرث الإسلامي الذي يوجب إجارة وإغاثة الملهوف.
هذا ومن أهم ما ركز عليه المؤلف حرص الإسلام على:
• المحافظة على حقوق الأقارب، وجمع شمل الأسرة الذي أكدته السنة النبوية المطهرة، وممارسات الدولة الإسلامية على ضرورة عدم التفريق بينهم يدل على ذلك ما رواه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: ” من فرّق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة”[ سنن الترمذي، حديث رقم (1238)]
• تجنيس اللاجئ بجنسية دولة اللجوء، حيث تفوّق الإسلام على اتفاقية اللجوء عام 1951م التي تنص المادة (34):” على أن تمتلك الدولة سلطة تقديرية بخصوص تجنيس، أو عدم تجنيس اللاجئ، وإعلان كوتونو سنة 2004م تنص على منح اللاجئ الإقامة الدائمة، وفي النهاية التجنس، بما يترتب على عقد الذمة أن يكون” لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وهذه عبارة تعطي حقوقًا أكثر بكثير من مجرد منح الإقامة الدائمة، أو تسهيل التجنيس. ( ص 231، 232).
• حفظ الحقوق المالية للاجئ، فقد قرر الإسلام ضرورة المحافظة على أموال غير المسلمين سواءً كانت ثابتة ، أو منقولة ، وسواءً أثناء الحياة ، أو بعد الممات ، فقد وصل تسمح المسلمين أنّ الخليفة المقتدر أصدر في سنة 310ه 923م كتابًا في المواريث بأن ترد تركة من مات من أهل الذمة ، ولم يخلف وارثًا على أهل ملته ، على حين أنّ تركة المسلم كانت ترد إلى بيت المال. [ ص 156]
• عدم إكراه اللاجئين غير المسلمين على تغيير معتقداتهم لقوله تعالى:(لا إكراه في الدين) وراعى القضاء الإسلامي حقوق اللاجئين غير المسلمين.[ ص 160،161]
ومن ملاحظاتي على الكتاب :
أولًا : ضرورة التدقيق في المصطلحات، وعدم اعتبار المتعاقد معه للعمل ” مهاجر اقتصادي” طبٍقًا لمصطلح ” القانون الدولي ، فهناك فرق كبير بين المهاجر الذي ترك بلاده وأمواله فرارًا من ظلم ،واضطهاد، وبين متعاقد للعمل مدة معينة لتحسين وضعه المالي، فالمهاجر من حقه التمتع بحقوق المواطن، لأنّه لا سبيل لديه للعودة إلى موطنه، أمّا المتعاقد فعند انتهاء العقد إن لم يرغب أحد الطرفين في تجديده، يعود المُتعَاقد معه إلى بلاده ، وغالبًا تتم صياغة العقود بإشراف وموافقة حكومتي دولة المتعاقد ، والمتعاقد معه بما في ذلك أجرة المتعاقد معه، خاصة فيما يتعلق بالعمالة المنزلية والحرفية والمهنية.
ثانيًا اللجوء المترتب على العمليات الحربية
في حديث المؤلف عن عدم جواز منح اللجوء للمقاتلين، يقول في صفح (113) : ” فاللاجئ هو شخص مدني، لذلك فإنّ من يشترك في العمليات العسكرية لا يُمكن له أن يطلب أو يُمنح الملجأ ” وأنا هنا أختلف مع المؤلف ، لأنّ من العسكريين من يُرغموا على قتال أناس لا يريدون قتالهم ، فيطلبون الأمان ممن عصوا أوامرهم بعد إلقائهم السلاح، وقد حدث أثناء الثورة الليبية أنّ طيارين أجبرهم القذافي على مقاتلة الثوار، فطلبوا الأمان من الثوار، وما يحدث الآن في سوريا، فهناك من قوات الجيش السوري رفضوا قتل الثوار، ويطلق عليهم ” الجيش السوري الحر” فأمثال هؤلاء إن طلبوا الأمان من الأهالي ألا يحق لهم ذلك؟
ونحن لو تأملنا إجارة أم هانئ رضي الله عنها كان لأحد المحاربين يوم فتح مكة، وحدث قبل أن يعطيهم الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان في قوله” اذهبوا فأنتم الطلقاء ” لأنّ لو كان ذلك بعد إعطائه الأمان لما طلب الأمان من أم هانئ ، ولما حاول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل من أجارته أم هانئ، كما جاء في صحيح البخاري (أنّ أم هانئ دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة وقالت: إنّ علي بن أبي طالب قد زعم أنّه سيقتل فلاناً ابن هبيرة -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم هانئ ! قد أجرنا من أجرت) فأجاز لها الجوار، وأجاز لها الأمان، واعتبر أمانها وجعله أماناً على كل المسلمين.
ثالثًا : الحق في الإجارة
الإسلام منح المسلم حق الإجارة دون تمييز بين رجل وامرأة يوضح هذا قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) ، ومعروفة قصة أم هانئ رضي الله عنها،ولم تخفر إجارة امرأة قط، هذه الحادثة لم يتوقف عند المؤلف ، مع أنّها جد هامة ؛ إذ تؤكد على حق من الحقوق السياسية التي منحها الإسلام للإنسان بنوعيه (ذكر وأنثى على حد سواء)، ولم يتمتع به الإنسان في الشرائع الأخرى، ولا في القوانين الدولية، ومع هذا نجد المؤلف يقول في السطر الأول من ص (86) : ” قيل ” إنّ سائر المسلمين سواء في منح الجوار والأمان الخاص، لا فرق في هذا الحق بين السلطان والعبد والمرأة والصبي المميز. فإذا منح واحد من هؤلاء هذا الأمان وجب على الجميع ( ومنهم السلطان) الاحترام “فكلمة ( قيل) هنا ليست في محلها، لأنّ حق الإجارة منحه الخالق جل شأنه بآية قرآنية قطعية الدلالة لا تحتاج إلى تأويل، وطُبِّق هذا الحق في عصر الرسالة ،وأكدّته السُّنة الفعلية.
رابعًا : ما زعمه بعض المستشرقين في أسباب الهجرة إلى الحبشة وعدم تفنيد الكاتب لتلك المزاعم والرد عليها
ما ذكره المؤلف في هامش ص 99 بأنّه ” يرى بعض المستشرقين أنّ الهجرة إلى الحبشة كانت راجعة إلى أحد أسباب خمسة…” وذكر من الأسباب الخمسة ” ممارسة النشاط التجاري ، والسعي للحصول على مساعدة حربية من الأحباش ، ونشوء خلاف بين المسلمين ، فأبعد الرسول صلى الله عليه وسلم فريقًا إلى الحبشة حتى يتخلصوا من النزاع…”
فأورد المؤلف هذه الأسباب دون الرد على ما فيها من مغالطات مكتفيًا بإرجاع
القاريء إلى بحث الدكتور توفيق الراعي : دراسات في فهم المستشرقين للإسلام مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، جامعة الكويت ، العدد 18 ،1412ه 1992م ، ص 174- 179، وهذا المرجع من الصعوبة بمكان الرجوع إليه لعدم توفره ، فهو مجلة وليس كتاب ، خاصة بالنسبة للقارئ غير العربي ، وكان حريًا بالمؤلف أن يورد الرد على هذه الافتراضات التي افترضها المستشرق الإنجليزي مونتجمري وات ، فجميعها مجرد افتراضات لا تستند على أدلة علمية ولا براهين تدعمها أحداث تاريخية، بل أنّ وقائع الأحداث التاريخية جميعها تدحض تلك الافتراضات.
فافتراضه أنّ سبب الهجرة ممارسة النشاط التجاري؛ ليس بسبب وجيه للهجرة ، لأنّه لو كانت الأمور مستقرة في مكة فما الذي يمنعه من التجارة فيها، وكون ممارسة المهاجرين للتجارة في الحبشة فهذا أمر طبيعي لأنّهم في الأساس هم تجار ، وهي المهنة التي يعرفونها وهم في حاجة إلى العمل في أرض الغربة ليعيشوا، فكانت ممارستهم للتجارة في الحبشة وسيلة لكسب العيش وليست سببًا للهجرة.
أمّا السبب الذي افترضه وات للهجرة إلى الحبشة وهو السعي للحصول على مساعدة حربية من الأحباش ضد بعض العشائر القرشية المناوئة له فهذا السبب لا أساس له ولا سند، فلا الرسول صلى الله عليه وسلم طلب مساعدة حربية من الحبشة ، ولا جده عبد المطلب قد فعل ذلك قبله، ولو كان طلب المساعدة من الحبشة أفلا كان الأولى أن يطلب مثل هذه المساعدة عند تحالف الأحزاب ضده وهو في المدينة خاصة بعد إسلام نجاشي الحبشة ، كما أشارت إلى ذلك بعض الروايات الإسلامية؟
بقي الافتراض الذي لا يؤيده أيضاً دليل جدي وعملي من الأحداث والوقائع التاريخية وهو السبب الذي زعم فيه وات تفادي الانشقاق بين الجماعة الإسلامية، وأنّ هناك معارضين لسياسة أبي بكر وجماعته [ – انظر : محمد في مكة لمونتجمري وات ، الصفحات 179، 184- 189 ، 195، تعريب شعبان بركات ، المكتبة العصرية – صيدا – بيروت . ]
، ولمكانة أبي بكر الكبيرة عند الرسول صلى الله عليه وسلم فأمر المعارضين له بالهجرة إلى الحبشة وهذا القول تدحضه الأحداث التاريخية نفسها وهي:
أ ـ عودة عثمان بن مظعون إلى مكة بعدما سمع بإسلام قريش، وعثمان بن مظعون زعم وات أنّه كبير معارضي أبي بكر فلماذا عاد عثمان بن مظعون عندما سمع بإسلام قريش ما دام هاجر لتفادي الشقاق بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه، وعودة عثمان بن مظعون من الحبشة أقر بها في حديثه عن ما أسماه بـ “الآيات الإبليسية” فعودة عثمان بن مظعون إلى مكة عندما سمع بإسلام قريش يؤكد أنّه هاجر نتيجة الاضطهاد الذي لاقاه المسلمون وخوفاً من الفتنة، ودخول عثمان بن مظعون مكة في جوار الوليد بن المغيرة يؤكد هذا أيضاً ويزيده تأكيداً ما تعرض له من عثمان بن مظعون من قريش نتيجة نقاشه مع كفارها.
2ـ أنّ أبا بكر الصديق نفسه حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له وخرج حتى صار من مكة يوماً أو يومين لقيه ابن الدغنة. [في السيرة اسمه مالك، انظر ابن حيان: (ت 354 هـ ) السيرة النبوية وأخبار الخلفاء ص 81 ، 82 “مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت ،1401 هـ ـ 1987م. ، انظر ابن هشام 1 372.]
أخو بني الحارس بن عبد مناف بن كنانة وهو يومئذ سيد الأحابيش، وعندما علم بسبب هجرته طلب منه العودة ووضعه في جواره فعاد معه أبو بكر إلى مكة ، وبقي في جواره إلى أن رده عليه.
فإذا كان سبب هجرة المسلمين إلى الحبشة معارضتهم لأبي بكر فكيف يأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بالهجرة إلى الحبشة؟ ولو لم يكن هناك اضطهاد بالفعل فلماذا يخرج أبو بكر مهاجرًا من مكة إلى الحبشة؟
خامسًا : أن يُترجم الكتاب إلى جانب الإنجليزية إلى الفرنسية والاسبانية، والصينية والأردية واليابانية باعتبار نشاط المفوضية عالمي وليس بإقليمي،
هذه بعض ملاحظاتي ، أمّا ملاحظات باقي الإخوة الحضور ،فألخصها في الآتي:
1. عدم ملائمة إطلاق مصطلح ” دار سلام “، ودار حرب” في زمننا هذا لأنّه لا يمثل الواقع بعد التقسيمات الإقليمية، والأرجح القول ” الدول الإسلامية” ، و” الدول غير الإسلامية”
2. التدقيق في العبارات والمصطلحات في الترجمة، وكذلك في هوامش الكتاب.
3. حذف بعض الفتاوى التي تلزم الشعوب المحتلة بالهجرة من بلادها ،وتركها للمحتل، ففي هذا تعطيل للجهاد في سبيل الله ، وإعطاء المحتل شرعية البقاء في البلد المحتل.
4. عدم تطرق الكتاب إلى نزوح وهجرة القبائل.
هذه أهم ملاحظات المشاركين والمشاركات في هذه الحلقة النقاشية الممتعة ، وقد أجمع جميعهم بأنّ ملاحظاتهم لا تقلل من قيمة الكتاب وأهميته.

Leave a Reply