فلسطين بين السلطان عبد الحميد وأردوغان

 جريدة المدينة في الخميس, 12 فبراير 2009
د.سهيلة زين العابدين حمَّاد
لا أشك بأنّ ما من مسلم إلاَّ ويفخر بموقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ‏في منتدى دافوس رداً على الرئيس الإسرائيلي‏‎ ‎شمعون بيريز

، فلقد طال انتظارنا لمن يقف في ‏وجه أحد زعماء إسرائيل أمام العالم أجمع، ويواجهه بكل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل ‏في حق الشعب الفلسطيني، لقد طال سكوتنا لهذا العدو الذي يجد دعماً دولياً قوياً.‏ ‏ إنّ موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يذكرنا بموقف السلطان عبد ‏الحميد من اليهود، فلقد حرص «تيودور هرتزل» مؤسس الدولة اليهودية منذ بداية نشاطه على ‏إجراء اتصالات غير مباشرة معه عن طريق أحد أصدقائه، لكن موقف السلطان عبد الحميد رغم ‏تردي أوضاع الدولة العثمانية اقتصادياً، وعروض اليهود السخية لإنقاذ الدولة من عثرتها، كان ‏من المواقف الخالدة التي سجَّلها التاريخ للدولة العثمانية بأحرف من نور. فطبقاً لما ورد في ‏يوميات هرتزل قال السلطان عبدالحميد لصديق هرتزل: «إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أنت ‏صديقي، فانصحه أن لا يسير أبداً في هذا الأمر، لا أقدر أن أبيع ولا قدماً واحدة من البلاد، لأنَّها ‏ليست لي، بل لشعبي، لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وقد غذُّوها فيما بعد ‏بدمائهم، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منَّا… الإمبراطورية التركية ليست ‏لي، وإنَّما للشعب التركي، لا أستطيع أبداً أن أعطي أحداً أي جزء منها، ليحتفظ اليهود ببلايينهم، ‏فإذا ما قُسِّمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل، إنَّما لن تُقسَّم إلاَّ على ‏جُثثنا، ولن نقبل بتشريحنا لأي غرض كان.» [أ.د.عادل غنيم، مقدمة كتاب الدولة اليهودية لتيودور ‏هرتزل، ص 15]‏رغم تحفظي على مقالة السلطان عبد الحميد لصديق هرتزل بأنَّ أراضي الإمبراطورية ‏العثمانية ملك للشعب التركي فقط ناسياً أصحابها الأصليين الذين يربطهم جميعا مع الشعب التركي ‏دين واحد هو الإسلام، فإنَّ الموقف الذي وقفه رغم أنَّه كان في موقف ضعف، نحن في أمس ‏الحاجة إلى أمثاله في ظروفنا الراهنة.‏ ‏ هذا وقد أقَّر المستشرق اليهودي البريطاني الأمريكي برنارد لويس في كتابه «نشوء تركيا ‏الحديثة» بأنَّ الماسونيين واليهود أزالوا السلطان عبد الحميد عن الخلافة فيقول «ولقد تعاون الاخوة ‏الماسونيون واليهود، وبصورة سرية على إزالة السلطان عبد الحميد لأنَّه كان معارضاً قوياً ‏لليهود؛ إذ رفض بشدة إعطاء أي شبر لليهود في فلسطين.» ‏
وكلنا يعرف أنَّ خلع السلطان عبد الحميد عن الخلافة كان البداية التي انتهت بإسقاط ‏الخلافة العثمانية، وتقسيم أجزاء الدولة الإسلامية إلى وحدات سياسية تقاسم الجزء الأكبر منها ‏الاستعماريون البريطانيون والفرنسيون، وإعطاء ليبيا لإيطاليا، وجعل طنجة دولية، وكان بارونات ‏المال من اليهود والصهاينة قد بسطوا نفوذهم في بريطانيا الذي كان حصيلته حصول اليهود على ‏وعد بلفور عام 1917م بإقامة وطن قومي لليهود، وبالفعل تحقق هذا في سنة 1948م بمعاونة ‏بريطانيا وروسيا وأمريكا، أي بعد مرور خمسين عاماً من مؤتمر بازل الأول الذي عقد في ‏‏29/8/ 1897م 
‏  إنَّ سيطرة الفكر اليهودي على الفكر المسيحي جعل من العالم المسيحي يتقبل ما ‏يقوله اليهود كحقائق مسلم بها، وهذا الذي ساعدهم على تحقيق ما يخططون ‏ويقولون، هذه الحقيقة يدركها بعض من مفكري الغرب وعلمائه ومؤرخيه، وقد ‏حلل أرنولد توينبي الشخصية اليهودية مدى سيطرة الفكر اليهودي على الإنسان ‏المسيحي، ويوضح هذا في كتابه «مشكلة اليهودية العالمية» فيقول: «وهم يعتبرون ‏غيرهم أقل منهم منزلة، وأنهم الشعب المختار، أما شعوب العالم فهي في مركز ‏منحط يطلقون على أفرادها كلمة «الأمميين» وهم بتعبير الشاعر البريطاني كبلينج ‏Kippling‏ سلالات دنيا لا شريعة لها» ثم يقول:‏
‏»وتقبلت الكنيسة المسيحية دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة، بما ‏تضمه بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين، والفلسطينيين، ‏والآرمويين، والموابين، والمعموريين، والدمشقيين، وانفرد اليهود في هذا الميدان ‏بإقدامهم على رفع سجل تاريخهم إلى منزلة التقديس، ونجاحهم نجاحاً لا يبارى في إيهام ‏مئات الملايين من البشر على مدى الأحقاب، أن من يناقشه مناقشة علمية سينال عقاب ‏الله في الدنيا والآخرة، ومن الناحية الأخرى لا يوجد لأعداء اليهود القدامى من ينهض ‏للدفاع عن قضيتهم إلا أصوات العلماء والباحثين الخافتة، وتعتبر المذاهب المسيحية على ‏اختلافها التاريخ اليهودي تاريخاً مقدساً للمسيح، ومهما يكن نصيب الفرد المسيحي من ‏الاستفادة الفكرية، ومقدار تحرره الذهني، فيصعب عليه بمكان أن يتخلص من التراث ‏اليهودي في المسيحية، لأنه كامن في شعوره الباطني، ويوجه مسار تفكيره، وبالتالي فإذا ‏كانت الكشوف الأثرية تهدم ادعاءات اليهود، وتلقي أضواء صادقة على المجتمعات ‏الأخرى، فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التاريخ اليهودي كما ورد في التوراة قضية ‏مسلماً بها» [فؤاد محمود الشبل: مشكلة اليهودية العالمية: دراسة تحليلية لآراء المؤرخ ‏البريطاني أرنولد توينبي ص 9، 10. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1970م، ‏القاهرة.]‏
‏ إنَّ هذا يلقي علينا ولا سيما المؤرخون منا والمفكرون والإعلاميون وعلماء النفس ‏والاجتماع مسؤولية تحرير العقلية المسيحية من سيطرة الفكر اليهودي عليها وتصحيح صورة ‏الإسلام التي عملت على تشويهها الصهيونية العالمية.‏
 علينا أن نستثمر يقظة الرأي العام العالمي التي رأيناها أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة ‏على إخوتنا الفلسطينيين في غزة في وضع استراتيجية لتحرير العقلية المسيحية من سيطرة الفكر ‏اليهودي عليها مبنية على دراسة علمية للجوانب النفسية والاجتماعية والفكرية للشخصية ‏المسيحية، وأن يحتضن إعلامنا العربي هذه الاستراتيجية، ويوجه قنوات، وبرامج في قنوات ‏عالمية بمختلف لغات العالم المسيحي لتوضيح الحقائق بوثائق تبطل إدعاءات اليهود والماسونيين ‏والصهاينة عبر التاريخ.‏
‏suhaila_hammad@hotmail.com

اضغط على النجوم أدناه للتصويت:

Leave a Reply