5-قضايا المرأة في صحيح الإسلام

فاطمة ابنة فراش وليست ابنة لعان!( 1-2)

فاطمة ابنة فراش وليست ابنة لعان!( 1-2)
الخميس, 12 مارس 2009
د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
مّنْ منَّا لم يقرأ قضية الطفلة فاطمة التي أُطلق عليها «طفلة اللعان» حيثُ نفى والدها حمل أمها منه، وهي جنين في بطن أمها في الأسبوع الثامن، بينما أصرَّت الأم على حملها منه، وقالت -كما هو مكتوب في صك الملاعنة الصادر من محكمة محافظة.
.. برقم (210)، وتاريخ 7/2/1420هـ-: “إنَّ حملي هذا من زوجي هذا الحاضر، ولستُ زانية، وأطلب حكم الشرع في قذفه لي” وذلك رداً على قول الزوج: “إنَّني لم أُجامع زوجتي هذه الحاضرة المدعوة … منذ ستة أشهر، وقد ثبتَ من أقوالها والتقارير الطبية أنّها حامل في الأسبوع السابع، أو الثامن، وادَّعِي أنَّ هذا الحمل ليس مني، وهو زنا، وهذه المرأة زانية أطلب نفي الحمل مني، ومعاقبتها شرعاً على خيانتها، وبسماع الدعوى والإجابة سألتُ -أي القاضي، فأنا أنقل النص من صك الملاعنة- المدعي: هل لديك بيِّنة على دعواك؟ فقال: لا فأفهمته أنَّه لا يسقط عنه حد القذف، ولا ينتفي عنه الحمل إلاَّ باللعان، فأدَّى الشهادة الآتي نصها، وهو قائم أشهد بالله إنَّني لمن الصادقين فيما رميتُ به زوجتي هذه الحاضرة من الزنا ونفي الحمل كررها أربع مرات، ويقول القاضي في الصك : “ثُمَّ وعظته بعد الرابعة، وقلتُ إنَّها الموجبة، وعذاب الدنيا أهوْن من عذاب الآخرة، فأكمل بقوله: لعنة الله عليَّ إن كنتُ من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ونفي الحمل” ويقول القاضي هكذا لاعن، ثُمّ طلبتُ من المرأة أن تلاعن، فأدَّت الشهادات الآتي نصها، وهي قائمة: أشهد بالله بأنَّ زوجي هذا الحاضر لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ونفي الحمل، ويقول القاضي: ثُمَّ أوقفتها بعد الرابعة، وقلت إنَّها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فأكملتْ اللعان قائلة: غضب الله عليَّ إذا كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا ونفي الحمل، ويقول القاضي: هكذا لاعنت، وحيث تمَّ اللعان بالصفة الموضحة أعلاه فقد سقط الحدُّ عنهما باللعان، وفرَّقتُ بينهما فرقةً أبدية لا يجتمعان أبداً اعتباراً من هذه اللحظة، ونفيتُ الحمل عن المُلاعن وألحقته بأمه، ومتى وضعته حياً حياة مستقرة فإنَّها ترثه ويرث منها، ومن قذفها، أو ولدها فعليه حد القذف، وبذلك حكمت.. هذا نص ما ورد في صك الملاعنة، والذي نلاحظه الآتي: أولاً: أنَّ الزوج ادعى أنَّه لم يطأها منذ ستة أشهر، وعندما استبرأها، لمطالبة التمييز بذلك، استبرأها من خمس حيضات رجب وشعبان ورمضان وشوال، “وآخر حيض شاهدته بعيني في ثوبها في شهر ذي القعدة عام 1419هـ”، هذا ما قاله الملاعن في الاستبراء وهذا الاستبراء يوجب عليه حد القذف، ونسبة فاطمة إليه.ثانياً: لم يجز الحنابلة كالحنفية نفي الحمل قبل الوضع، ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع، وينتفي الولد فيه، لأنَّ الحمل غير متيقن، ويجوز أن يكون انتفاخاً، أو ريحاً، واشترطوا كالشافعية أن يكون النفي عقب الولادة، فإذا ولدت المرأة ولداً فسكت عن نفيه مع إمكانه، لزمه نسبه، ولم يكن له نفي بعدئذ (أ.د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته، 9/7095، الطبعة الرابعة 1425هـ – 2004م، دار الفكر المعاصر)، هذا وإن كان في عصرنا وجد من الوسائل التي تؤكد ثبوت الحمل عن طريق الفحص الطبي وإجراء التحاليل الطبية،وكنا نتمنى لو أن فضيلة القاضي قام بتحويل الزوجة للفحص الطبي قبل الملاعنة للتثبت من صحة الحمل قبل التسليم بأقوال الزوج. ثالثاً: في صك الملاعنة إشارة إلى الأوراق الواردة بخطاب من الشرطة برقم 532 في 22/1/1420هـ الخاصة بدعوى المُدِّعي ضد زوجته، ولم يُشر إلى دعوى المدعى عليها ضد الُمدعي حيث ضربها ضرباً مبرحاً في يوم السبت 8/1/1420هـ، وعندما حاولت الهرب ضربها بالسكين فصرخت، وسقطت مغمى عليها، وعندما حضر أخوها ذهبت معه إلى مركز الشرطة وقدَّمت بلاغاً -فبلاغها قبل بلاغ الزوج المشار إليه بِـ(12) يوماً-، وذهبت للمستشفى لأخذ العلاج اللازم، وكتابة تقرير بالحالة، وطلبت من أخيها العودة إلى المنزل لاصطحاب أولادها؛ إذ خشيت عليهم من أن يؤذيهم، وكانت الشرطة عنده لاصطحابه، وهو رافض، وعندما رأى أخاها ازداد غضبه وأراد أن يضربه لولا تدخل رجال الشرطة، ومنعه من ذلك، ثمَّ قال: أختك طالق، ثمَّ طالق، ثمَّ طالق، وذهب الأخ إلى الشرطة في اليوم التالي فقيل له عن موعد الجلسة في المحكمة يوم الثلاثاء الموافق 3/2/1420هـ، وصك الملاعنة لم يشر إلى ذلك، وأشار إلى دعوى المُدعي ضد المدعى عليها، لإثبات عليها الملاعنة. والطلاق بالصيغة المذكورة طلاق بائن لا رجعة فيه بإجماع الأئمة الأربعة، لأنَّه كرر الطلاق ثلاثاً (بِثُمَّ) وهي للتعقيب، وإن كان الزوج استشهد بشاهديْن على مراجعته لها يوم الثلاثاء الموافق 11/1/ 1420هـ، دون علمها وعلم أهلها، فهذه الرجعة باطلة، لأنَّه طلَّقها طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، ويرى الإمام أحمد بن حنبل أنَّ الزوج يلاعن زوجته إن قال “أنتِ طالق ثلاثاً يا زانية” فيكون قد قذفها قبل الحكم ببينونتها فأشبه قذف الرجعية. (المغني لابن قدامة، 9/20،الطبعة الثانية، 1417هـ ـ 1997م، دار الفكر، بيروت لبنان)، وبما أنّ الزوج في هذه القضة لم يقل لأخيها “أختك الزانية طالق، ثمَّ طالق، ثُم طالق”؛ فلا لعان له. وكان بإمكان القاضي آنذاك استدعاء رجال الشرطة الذين سمعوا صيغة الطلاق للشهادة، خاصة أنَّ المدعى عليها تقدمت بالدعوى لإثبات الطلاق، ورفض القاضي سماع ذلك منها، وفوجئت برمي زوجها لها بالزنا، ومطالبة القاضي بالملاعنة، فملاعنة الزوج هنا باطلة، لأنَّه لا لعان بعد الطلاق، ومحاولة إثبات الزوج إرجاعه لزوجه بإصراره على إشهاد شاهديْن بالرجعة دليل على أنَّ الزوج يبيِّت لقذف زوجته بالزنا، وبملاعنتها، انتقاماً منها، ومن أهلها لأنَّها شكته إلى الشرطة، خاصة أنَّ المًدعي اتهم أهلها بتحريضهم لها عليه، وهذا مثبت في الصك الصادر في 19/8/1417هـ، فالذي يراجع زوجته يراجعها بدون شهود، ولكن لأنَّه علم أنَّ لا لعان للمطلقة، فاستحضر شهوداً ليشهدوا برجعتها حتى ينفي طلاقها ليثبت عليها الملاعنة، وفاته أنَّ تأخره في إثبات نفي الحمل منه يلغي حقه في اللعان، فكيف بمراجعته للمدعى عليها؟ ويوجد تقرير طبي بتاريخ 28/ 12/1419هـ يثبت الحمل، لذا نجده يدعي في استبرائه منها عندما طلب التمييز ذلك، أنَّ آخر حيض شاهده بعينه في ثوبها في شهر ذي القعدة عام 1419هـ،.
…………………………………….
نُشر في جريدة المدينة.

Leave a Reply