د.سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 251 2011م.
نظام الجنسية السعودية فيه إشكاليات تعاني منها المواطنات المتزوجات من غير سعوديين وأولادهن وأزواجهن أمرَّ المعاناة؛ إذ ميَّز بين المواطن والمواطنة المتزوجيْن من غير جنسيتهما.
فبينما أولاد المواطن السعودي من أم غير سعودية ذكوراً وإناثاً على حد سواء يحصلون على الجنسية السعودية أينما كانوا، وأينما ولدوا، وأينما أقاموا، فإن أولاد السعودية من أب غير سعودي يحصل الذكور منهم على الجنسية السعودية عند بلوغهم سن الثامنة عشرة بشرط أنَّهم ولدوا وتربوا في السعودية وأقاموا فيها إقامة دائمة، وأن يكونوا حسني السيرة والسلوك، وأن لا يكون صدر بشأنهم أي حكم قضائي، وإن تقدموا لطلب الجنسية بعد بلوغهم (19) سنة يسقط حقهم في الحصول على الجنسية، وإن اضطرت الأم للسفر للإقامة خارج المملكة لدراسة أو عمل، أو إقامتها في بلد زوجها يُحرم أولادها الذكور من الحصول على الجنسية السعودية حتى في حالة وفاة الأب، أو طلاق الأم، أو إكمالها لدراستها وعودتها إلى بلادها، حتى ولو ولدوا في المملكة، أمَّا الإناث منهم فلا يحصلن على الجنسية السعودية، ولا يتمتعن بحق التعليم والعلاج المجانييْن، والعمل رغم أنّهن يحملن بطاقة من وزارة الداخلية تنص على معاملتهن معاملة السعوديات، ولكنهن يُحرمن من حق التوظيف أياً كانت مؤهلاتهن، أمَّا أزواج السعوديات الأجانب فلا يحق لهم الحصول على الجنسية، ويخضعون لشروط التجنيس مثلهم مثل أي أجنبي، وزواجهم من سعوديات لا يعطيهم إلاَّ نقطة واحدة. ورغم أنَّ نظام السعودة يعطي لزوج السعودية غير السعودي حق العمل، وعدم تطبيق النظام عليه، إلاَّ أنَّ منهم من استغني عنهم للسعودة.
كما نجد نظام المعاشات يحرم أزواج السعوديات غير السعوديين وأولادهم منهن غير السعوديات من حق الحصول على معاش أمهاتهم، رغم أنَّ أرملة السعودي غير السعودية، يُصرف لها معاش زوجها، ويُحوَّل إليها في بلدها، وكذلك إن كانت أمهم مالكة لعقارات، فالذي يرثها فيه أولادها السعوديون أمَّا زوجها وأولادها غير السعوديين فيأخذون نصيبهم من الميراث نقداً، أي يُجبرون على بيعه ليأخذ أفراد الأسرة غير السعوديين نصيبهم.
وكنا ننتظر من مجلس الشورى أن يعيد مناقشة نظام الجنسية، وإجراء التعديلات اللازمة عليه لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وإلغاء أي تمايز فيه بينهما بحيث يُعطي للسعودية حق منح جنسيتها لزوجها غير السعودي وأولادها منه مثلها مثل شقيقها الرجل، وكذلك تعديل بعض بنود المادة (21) المتعلقة بمنح الجنسية لزوجة السعودي غير سعودية في مدة تقل عن خمس سنوات إن أنجبت ولداً ذكراً، بإلغاء تحديد النوع، أو الجنس، ولكن المجلس فاجأنا بطرح مشروع تنظيم زواج السعوديين والسعوديات من أجانب للمناقشة، وهو لا يختلف كثيراً عن لائحة زواج السعودي بغير السعودية والعكس، التي أقرت بقرار وزاري رقم (6874) بتاريخ 20/ 12/ 1422/هـ، فالمادة الأولى من المشروع المطروح للنقاش هي ذاتها في اللائحة الصادرة عام 1422هـ/الاختلاف فيها إنَّ إذن الزواج من غير السعودية والسعودي للفئات التي شملتها المادة (1) بدلاً من أنَّه كان من سمو وزير الداخلية أصبح من المقام السامي،كما أنَّه شمل أبناء وبنات المقيمات، أمَّا إن كان الزواج من باقي الدول العربية والإسلامية، فأصبح بإذن من سمو وزير الداخلية، وهذا يعني أنَّ هذا المشروع لن يحل مشاكل زواج السعوديين والسعوديات من أجانب، ولن يحل مشكلة العنوسة، بل سيضيِّق من دائرة هذا الزواج، مما سيضاعف من زواج السعوديين من غير سعوديات بدون موافقة، وترك أسرهم في بلاد الزوجة، خاصة بعد إباحة المجمع الفقهي بمكة المكرمة زواج المسيار، وبعض علمائنا أباح الزواج بنية الطلاق دون إعلام الزوجة، فالآن وبالنظام القائم الآن توجد نحو 598 أسرة سعودية منقطعة في الخارج، بعدد إجمالي يصل إلى 1822 فرداً سعودياً طبقاً لإحصائية جمعية أواصر، وهناك أولاد لسعوديين من أمهات غير سعوديات لا يعترف بهم آباؤهم، وهناك سعوديون متزوجون من غير مسلمات فيعتنق أولادهم ديانة أمهاتهم، وهناك رجال سعوديون يتزوجون من غير سعوديات بدون إذن من وزارة الداخلية، ويتحايلون في إدخالهن البلاد بطرق غير نظامية، ويكتبون أولادهن منهم باسم زوجاتهم السعوديات، فكيف ستصبح الحال بعد صدور نظام يمنع السعودي من الزواج من غير سعودية، إلا المولودة والمقيمة في المملكة.
هذا وممَّا يميز مشروع تنظيم زواج السعوديين والسعوديات من أجانب المعروض حالياً على مجلس الشورى لدراسته والتصويت عليه عن غيره من المشاريع والأنظمة مساواته بين السعودية والسعودي، وهذه بادرة تبشر بخير؛ إذ آمل أن يُعاد النظر في جميع الأنظمة والقوانين لتعديل موادها التي تميِّز الرجل عن المرأة، في مقدمتها نظام الجنسية، الذي ميَّز بشكل واضح بين المرأة والرجل، والمشروع الذي نحن بصدده -كما يبدو من خلال ما نُشر عنه في الصحف- أنَّه لم يتطرق إلى منح الجنسية لزوج السعودية من غير السعودي وأولادها منه لتحقيق مبدأ المساواة الذي نهجه المشروع، بل نجده ينص في أحد مواده بالسماح للسعودية بالزواج بغير السعودي المولود في المملكة من أم سعودية، وكأنّه بهذا يلغي هذا الحق الوحيد الممنوح للمواطنة السعودية المتزوجة بغير سعودي بمنح الجنسية لولدها الذكر من أب غير سعودي عند بلوغه سن الثامنة عشرة. فوجود هذا النص في هذا المشروع يلغي حق ابن السعودية من أب غير سعودي في الحصول على الجنسية السعودية، خاصة أنّ المشروع ينص في أحد مواده أنَّه يُلغي كل ما يتعارض معه من أحكام، وأرجو أن لا تغيب هذه النقطة عن أعضاء اللجنة الأمنية بمجلس الشورى عند مناقشتهم للمشروع.
ولكن إن أقر هذا النظام ما هو مصير الفتاة السعودية التي لم يتقدم لها الخليجي، أو المقيم الكفء والمناسب لها، هل ستظل بلا زواج طوال حياتها؟
إنَّ وضع المرأة ليس كالرجل، فالرجل هو الذي يطلب المرأة للزواج، ولكن المرأة لا تجرؤ على خطبة الرجال، فعند إقرار هذا النظام سيكون أمثال هؤلاء أمام خيارات ثلاثة: أن يظللن بلا زواج طوال العمر، أو يتزوجن من غير الأكفاء لهن، أو يتزوجن من غير سعوديين، ومن غير المقيمين دون إذن من الدولة، والعيش مع أزواجهن في بلادهم، وإن طلقن، أو ترملن سيعدن إلى بلدهن برفقة أطفالهن، وهنا ستواجههن مشكلة جنسيتهم التي ستزداد تعقيداً لأنَّ في هذه الحالة حتى أولادها الذكور سقط حقهم في التجنس.
أنا مع النظام في مادته الأولى التي تقيد زواج بعض الفئات كالعسكريين والدبلوماسيين وأعضاء مجلس الشورى، ولكن من الصعوبة بمكان أن تقيد زواج عامة الناس.
إنَّ دراسة المشروع من النواحي الشرعية والاجتماعية والأمنية يدعونا إلى دراسة جميع الأنظمة والقوانين المرتبطة به.
…………………………………….
نُشر في جريدة المدينة.