حقوق المهجورات والمطلقات ونداء إنساني
 جريدة المدينة الخميس, 18 ديسمبر 2008
سهيلة زين العابدين حمَّاد
يحتفل العالم أجمع باليوم العالمي لحقوق الإنسان ،وفي احتفالية المملكة العربية السعودية بهذا اليوم ،لنا أن نعمل من إجل إعادة حقوق المهجورات والمعلقات ،واللواتي للأسف الشديد لم تلتفت إليهن جمعيتنا وهيئتنا الحقوقية


،فكم زوجة في بلادنا تتعرض إلى تعليق الزوج ،وهجره لها ! ،ولا يفكر أولئك الذين يؤيدون زواج الصغيرات بدعوى حمايتهن من الفتنة في مدى تعرض هؤلاء المهجورات والمعلقات إلى الفتنة ،ويكبتن مشاعرهن وأحاسيسهن حفاظاً على أعراضهن ،وخوفاً من الله ،كما قالت تلك المرأة الغائب عنها زوجها في ساحات الجهاد في بيتين من الشعر : لولا خوفها من الله لاهتز سريرها ،فسمعها الخليفة العادل الراشد عمربن الخطَّاب رضي الله عنه ،فسأل ابنته أم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها عن المدة التي يغيب فيها الزوج عن زوجته دون أن تفتتن ،فذكرت له أربعة أشهر ،قياساً على آية الإيلاء ،فأمر ألاَّ يغيب الجنود عن زوجاتهم أكثر من أربعة أشهر .
كم من زوجات مهجورات ومعلقات وأطفالهن يعيشون بلا نفقة ،يعانون من الجوع والفقر والمرض والجهل ،وللأسف الشديد نجد الكثير من قضاتنا لا يستجيبون لطلبات هؤلاء المهجورات والمعلقات في طلب فسخ العقد ليستطعن ممارسة حياتهن الطبيعية يعملن يتزوجن يتنقلن ،يحصلن على إعانات الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي إن كن في حاجة إليها، رغم أنَّ الحنابلة وهو المذهب الذي يحكم به قضاتنا أجازوا التفريق للغيبة ستة أشهر ،أو أكثر ،لتضرر الزوجة ،ولو ترك لها الزوج مالاً تنفق منه أثناء الغياب ؛ لأنّ الزوجة تتضرر من الغيبة ضرراً بالغاً، ولكن تمضي سنوات عديدة على طلب الزوجة المهجورة ،أو المعلقة ،ولا تحصل على حقها في الطلاق ،بل نجد بعض القضاة يستجيبون إلى طلبات الزوج في مطالبة الزوجة مبلغاً كبيراً من المال لتطليقها ،وأحدهم حكم بتطليق الزوجة المهجورة بعد خمس سنوات، وأصدر صكاً بذلك ،وهي شابة صغيرة في العشرين من عمرها ،في حين تزوَّج الزوج بأخرى ،وبعض القضاة حكم لمعلق زوجته الشابة الصغيرة بمبيت ابنتيه ثلاثة أيام ،وهما دون سن الرابعة ،ولم يلزمه بالنفقة عليهما ،بل لم يحاول الصلح بين الزوجين!! ولستُ أدري كيف يصدر القاضي صكاً بهذا ،ويترك الزوجة معلقة ،وبلا نفقة هي وبنتاها.
   فكثير من قضاتنا لا يطلقون للغيبة ،ويتركون الزوجة معلقة ،ولا يلزمون الأزواج بالإنفاق على زوجاتهم وأولادهم، وقد تكون الزوجة فقيرة ولا عمل لها ،وإن أرادت العمل فلا تستطيع العمل لأنَّ عملها مرهون بموافقة الزوج ،وأين هذا الزوج ؟ وإن كان معلوم المكان فقد يرفض منحها ورقة الإذن بالعمل نكاية بها كرفضه تطليقها ،وإصراره على إبقائها معلقة مع رفضه الإنفاق عليها ،وعلى أولادها، وعندما تطلب المعونة المالية من الضمان الاجتماعي وجمعيات البر والجمعيات الخيرية ،لا تمنح أية مساعدة لأنَّ لها زوجاً ،فهي غير مطلقة ،وليست أرملة ،وتُطالب بإحضار صك هجران من المحكمة لتصرف لها المعونات ،ولإصدار صك الهجران يُطالبها القاضي بإحضار شاهديْن ،واحد من أهلها ،وآخر من أهل الزوج ،و إصدار المحكمة صك هجران بمثابة إقرار من المحكمة بالهجر والتعليق ،وهذا يخالف الشريعة الإسلامية ،والأحرى بالمحكمة أن تفسخ عقد الزواج ،وتتخذ الإجراءات التنفيذية لخصم نسبة من راتب الزوج إن كان موظفاً تعادل قيمة النفقة التي يقررها القاضي بعد دراسته لمصادر دخل الزوج ،بحيث يكون المبلغ المقرر للنفقة يكفي لنفقة الأولاد ،أمَّا إن كان من رجال الأعمال ،فتستطيع أن تعرف دخله من مصلحة الزكاة والدخل ،وتتخذ الإجراءات اللازمة لإلزامه بدفع النفقة التي يقررها القاضي ،أمَّا أن تُترك الزوجة وأولادها بلا نفقة ،وقد يُطردون من مسكنهم لعدم امتلاكهم المال لدفع الإيجار ،بل لا يملكون المال لأكل لقمة العيش،فهذا يتنافى مع شرع الله الذي نهى عن الهجر والتعليق يوضح هذا قوله تعالى في الآية 3 من سورة النساء : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوُا مَاطَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فِإنَّ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوُا فَوَاحِدةً ..) ،وقوله تعالى في الآية (129) من نفس السورة ( وَلَنْ تَسْتِطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوُا وَتَتَّقُوُا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) فهنا عقّب جل شأنه على نفي إمكان استطاعة العدل القلبي (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ) يعني لا تميلوا بأهوائكم إلى من أحببتم كل الميل ،حتى يحملكم ذلك على أن تجروا على غيرها في ترك أداء الواجب ممن لهن عليكم من حق .
وقد روي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان ،فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) رواه الإمام أحمد وغيره. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :» كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّع من يعول» فكم يؤثم أولئك الذين لا ينفقون على زوجاتهم وأولادهم ،ويتركونهم فريسة للفقر والجوع والمرض والفاقة والضياع.
  إنَّ عدم استجابة بعض قضاتنا لطلب المعلقات والمهجورات فسخ عقود زواجهن يخالف شرع الله ، ويُخالف اتفاقية حقوق الطفل ( ،وإعلان حقوق الطفل في الإسلام )اللذين وقعت المملكة على الالتزام بهما، فما أحوجنا إلى إصدار مدونة الأحوال الشخصية مقنَّنة طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية لحفظ حقوق جميع أفراد الأسرة ،وعدم الانحياز الدائم للرجل.
 نداء إنساني لمعالي وزير التعليم العالي


أناشد معالى وزير التعليم العالي بأن يعمد مديري المستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي بالصرف المجاني لوحدات الدم للمرضى المقيمين المصابين بفقر الدم والذين يحتاجون لنقل دم متكرر كمرضى فقر الدم المنجلي والثلاسيميا ومرضى السرطان ،أسوة بالمستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة التي عادت بصرفه لهم بعدما أوقفته استجابة مشكورة لنداء وجهته لمعالي وزير الصحة عبر هذه الصفحة ،وأنا واثقة بأنَّ معالي وزير التعليم العالي لا يُرضيه أنَّ مرضى يعيشون بيننا وعلى أرضنا في مملكة الإنسانية ،وحياتهم تتوقف على هذا العلاج ،وإمكانياتهم المادية لا تمكنهم من الحصول عليه شهرياً أن يُحرموا من العلاج الذي كان يُصرف لهم مجاناً في نفس المستشفيات التي تتابع حالتهم منذ ولادتهم .
suhaila_hammad@hotmail.com



Leave a Reply