سهيلة زين العابدين حمَّاد
جريدة المدينة : الخميس 6 نوفمبر 2008م .
تحدثتُ في الحلقتيْن السابقتيْن عن مشروع مادة حقوق الإنسان في التعليم العالي وكليات العسكرية والأمنية الذي وضعته بتكليف من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان
،وأجازته اللجنة العلمية بالجمعية بعد تحكيمه في اجتماعها الرابع بتاريخ 5/5/1428هـ ،وقد أوصت بإرساله إلى جميع الجامعات والكليات والمعاهد بالمملكة، وأواصل اليوم الحديث عن هذا المشروع لأبين المعايير التي بُنيت عليها الموضوعات المقترحة ،والتي ألخصها في الآتي
أولاً: من حيث التركيز في المستويين الأول والثاني على حقوق الإنسان في الإسلام للأسباب التالية :
1- تعريف جميع طلبة وطالبات الجامعات بحقوق الإنسان في الإسلام لتكون القاعدة التي يستندون عليها لمعرفة حقوقهم ،ومعرفة حقوق الآخرين ،ويحرصون على الحفاظ على هذه الحقوق مجتمعة.
2- لتكون القاعدة التي يقوِّمون بها حال الإنسان في كل المجتمعات.
3- لتكون القاعدة التي يرتكزون عليها في تقويم المواثيق والقوانين الدولية والإقليمية التي سوف يدرسونها في المستويات الجامعية الأخرى،فيميزون بين ما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ،وما يخالفها .
ثانياً: لقدركَّزتُ على حقوق المرأة في الإسلام في المستويين الثالث والرابع للأسباب التالية :
1- للتوعية بحقوق المرأة في الإسلام ،من جهة ،فالمرأة في الغالب يُتعامل معها طبقاً لعادات وأعراف وتقاليد بعضها يتعارض مع تعاليم الإسلام ،ولكنها أُلبست لباس الإسلام ،وأصبح المجتمع يعتبرها من الإسلام ،فلابد أن نفرق بين العادات والتقاليد والأعراف ،وبين تعاليم الإسلام من خلال الإلمام بحقوق المرأة في الإسلام ،مع ذكر الأمثلة والوقائع التاريخية التي توضح التطبيق العملي لهذه الحقوق ،وتوضيح ما ورد منها في الأحاديث النبوية في كتب الصحاح الستة ،وفي السيرة النبوية ،وتاريخ الخلفاء الراشدين ،وسير أمهات المؤمنين ،والصحابيات الجليلات رضوان الله عليهم أجمعين.
2- لأنَّ البعض يتعامل مع المرأة طبقاً لمفاهيم خاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة ؛ لذا حرصتُ على أن يضم منهج مادة حقوق الإنسان تصحيح المفاهيم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء.
3- لوجود أنظمة وقوانين تتعامل مع المرأة طبقاً لبعض تلك العادات والأعراف والتقاليد ،والمفاهيم الخاطئة ،تفقدها الأهلية الكاملة التي منحها إيّاها الإسلام..
4- لجهل المرأة السعودية بكثير من حقوقها ،فتفرِّط في تلك الحقوق دون أن تدرك أنَّها فرَّطت في حقوق منحها إيَّاها خالقها.
5- لضياع الكثير من حقوق المرأة الشرعية كحقها في الميراث الذي تحرمها منه بعض القبائل في بعض المناطق في المملكة بحكم الأعراف،فتفضِّل تلك القبائل العُرف رغم تعارضه مع تعاليم الإسلام ،وتصم آذانها عن فتاوى العلماء وتوجيهاتهم.
6- التركيز على حقوق الطفل لأنَّ العنف ضد الأطفال بات ظاهرة خطيرة ،ومن أخطر هذا العنف التحرش الجنسي والاغتصاب ،وقتل الأطفال من شدة التعذيب والضرب بحجة التأديب.
7- ثالثاً : المناهج في باقي المستويات طبقاً للتخصصات العلمية ،ليكون الطلبة والطالبات على دراية كبرى بحقوق الإنسان في مجالات تخصصاتهم العلمية ليحافظوا عليها،وهذا ما أجمع عليه كثير من الخبراء المختصين بتعليم حقوق الإنسان في الجامعات.
رابعاً :تخصيص أقسام علم الاجتماع وعلم النفس بالتوسع في بحقوق المرأة لدراستها من المنظورين النفسي والاجتماعي والديني بعمق أكبر ،لأن أغلب قضايا العنف الأسري ضد المرأة تعود لعادات وأعراف وتقاليد اجتماعية ،ذات بعد نفسي ،وضرورة تضمين منهج مادة حقوق الإنسان ” حقوق المرأة” ،وعدم الاكتفاء بدراستها في المستويين الثالث والرابع .
أمَّا عن احتواء المنهج المقترح لمادة حقوق الإنسان لكليات الشريعة والدراسات الإسلامية والمعهد العالي للقضاء على حقوق المرأة في الإسلام ،أكثر من ضرورة لأنَّنا في حاجة إلى أن يغير الخطاب الديني من نظرته للمرأة ؛ إذ يكاد يقتصر تركيزه على فتنة المرأة ،وكأنها جسسد فقط ،كما نجد البعض ـ وهذا البعض ليس بقليل ـ يتعامل مع المرأة على أنَّها ناقصة الأهلية ،ويترتب على هذه النظرة معاناة المرأة في المحاكم،وفي أقسام الشرطة ،والجوازات وغيرها من الدوائر الحكومية ،فلابد من توضيح حقوق المرأة في الإسلام بعيداً عن الغلو والتطرف ،والعادات والأعراف والتقاليد المتعارضة مع تعاليم الإسلام ،مع تصحيح المفاهيم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء ،فإن ظلت هذه النظرة للمرأة هي السائدة في المجتمع ،فلن تنال المرأة السعودية حقوقها ،وسيتفاقم العنف ضد المرأة.
خامساً: لقد ضُمَّ إلى كليات الإعلام أقسام اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية في كليات الآداب لدراسة ذات المنهج المقرر على كليات الإعلام ،لأنَّ أغلب خريجي هذه الأقسام يعملون في الإعلام باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية،وسبب ضم قسمي التاريخ والجغرافيا لدراسة منهج كليات العلوم الإدارية لأنَّ هذيْن القسمين يهتمان بالجوانب السياسية والإدارية ،فالتاريخ ما هو إلاَّ أحداث سياسية قد مضت،وفي التاريخ يدرسون نظم الحكم ،والنظم الإدارية ،والحياة الاجتماعية والاقتصادية والحربية والعسكرية والثقافية والتركيبة السكانية ،والجغرافيا ذات علاقة وثيقة بالنظم السياسية ،وكثير من القضايا السياسية تتعلق بالحدود الجغرافية .
سادساً: يضم المنهج القوانين والمواثيق الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان وفق التخصصات العلمية ؛ إذ ينبغي الإلمام بها،ودراسة بنودها ،ومقارنتها بحقوق الإنسان في الإسلام.
سابعاً : يضم المنهج الجرائم الإكترونية ،وأمن المعلومات ،والجريمة البيئية ،وهي ذات علاقة وثيقة بحقوق الإنسان في هذا العصر ،عصر الكمبيوتر والإنترنت ،وغيرهما من وسائل التقنية الحديثة،وقد كُتبت رسائل جامعية لمناقشة هذه الجوانب ،ولابد أن يدرك أبناؤنا الطلبة والطالبات حقوق الإنسان عند استخدامهم للإنترنت ، أمَّا ما تضمنه المنهج الدراسي لبعض التخصصات عن أنواع الحكومات ،وتأثير وسائل الإعلام في السياسة الخارجية ،فلأنَّها ذات علاقة وثيقة بحقوق الإنسان لما لهما من دور كبير في مدى حصول الإنسان على حقوقه ،أو انتهاكها،ولعل التضليل الإعلامي الصهيوني له أكبر الأثر في اختراق إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني ،وتضليل الإعلام الصهيو أمريكي حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م ،أدى إلى احتلال أفغانستان والعراق ،وما صاحبهما ويصاحبهما من انتهاك لحقوق الإنسان في هذين البلدين من قبل المحتلين ،وانتهاك حقوق العرب والمسلمين في العالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ،والدول الأوربية وإسرائيل بصورة خاصة.
ثامناً : تضمن منهج كليات الشرطة والكليات العسكرية والأمنية جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق السجناء والأسرى ،ومناهضة التعذيب،و الحماية الجنائية لحقوق الإنسان.
تاسعاً : تضمن المنهج الممارسة التطبيقية لحقوق الإنسان ،وحرصتُ أن يكون في المستوى الثامن ليكون الطلبة والطالبات في مرحلة من النضج الفكري والعلمي والثقافي ،ممَّا يؤهلهم لا ستيعاب معنى ممارسة تطبيق حقوق الإنسان على أرض الواقع ،كما حرصتُ أن يشمل المنهج ،ممارسة حقوق الإنسان من خلال الحوار الوطني ،والمشاركة في انتخابات المجالس البلدية والغرف التجارية.
هذا المنهج بأكمله تحت تصرف جميع جامعاتنا وكلياتنا ،وحسب ما أفادتني إدارة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ،أنَّ الجمعية قد أرسلته إلى جميع جامعات ومعاهد وكليات المملكة طبقاً لتوصيات اللجنة العالمية في اجتماعها المشار إليه سابقاً.
البريد اليكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com