د. سهيلة زين العابدين حمَّاد
من واقع تجربتي مع طالبات المدارس النسوية للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وذلك في فترة رئاستي لهذه المدارس على مدى ثمان سنوات ،سأوضح لكم أثر القرآن الكريم في تنمية القدرات الفكرية واللغوية
.
من خلال المقابلات الشخصية والامتحانات التحريرية التي كنت أجريها للطالبات المتقدمات للدراسة في دورات إعداد معلمات القرآن الكريم ،ومعهد الدراسات القرآنية –الذي كنتُ قد تقدمت للمسؤولين باقتراح لإنشائه، وأيضاً وضعت مواده ،ومفرداتها ،وتمت الموافقة عليه ،وبدأتُ أعد الطالبات للدراسة في هذا المعهد بتحفيظ المتقدمات للدراسة فيه كامل المصحف ،وهو أحد شروط القبول في هذا المعهد- وكن ممن يحملن شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، أو ما يفوقها، وقد لاحظتُ الآتي:
1- لا توجد لدى الكثير منهن القدرة على التعبير عن آرائهن ،أو القدرة على الحوار والنقاش.
2- الشخصية لدى البعض ضعيفة ومهزوزة ،وغير واثقة من نفسها .
3- ضعف عام في الإملاء ،وفي قواعد اللغة العربية ،فالبعض لا يعرف الفعل من الفاعل ،ولا يميز بين الفعل الماضي والمضارع.
4- ضعف في المعلومات.
5- عدم استيعاب الكثيرات للمناهج الدراسية التي درستها.
6- ضعف في ضبط الحركات.
7- درجة الاستيعاب ضعيفة لما تقرأه.
8- لا توجد لدى البعض القدرة على التفريق بين معنى كلمة وأخرى شبيهة لها في الحروف ،ومخالفة تماماً في المعنى.
9- رداءة في الخط.
10- توجد لدى البعض عيوب خلقية في نطق بعض الحروف ،فتنطق “الراء” “لاماً”، و”السين” “ثاءً”، و” الزاي” “ذالاً” ،و “القاف” “عيناً” ،أو “كافاً”…الخ
والسؤل الذي يطرح نفسه كيف يمكن لأمثال هذه النوعية أن يكن طالبات في دورات إعداد معلمات القرآن الكريم ومعهد للدراسات القرآنية سيكن في المستقبل معلمات للقرآن الكريم وعلومه؟
ولكن الإيمان والاقتناع بمدى تأثير القرآن الكريم على تنمية القدرات الفكرية واللغوية ،ومعالجة النقص في النفس البشرية وتخليصها من جميع العقد والأمراض النفسية كان يجعلني أقبل غالبيتهن مع إعطائهن فرصة للتحسين ،وأعطي للواحدة منهن مهلة شهر أو شهرين لتقوية ما لديها من ضعف سواء كان في الإملاء أو في قواعد اللغة العربية ،أو في ضبط الحركات ، أو في التعبير ،أو في عيوب النطق حتى يتم قبولها، وأخصص لهن معلمة تعطيهن دروساً في المواد التي يحتجن فيها إلى تقوية ،وتدريب اللائي لديهن عيوباً في النطق على نطق الحروف من مخارجها الصحيحة ،مع قبولهن مبدئياً في فصول حفظ القرآن الكريم، ولكن ما تمضي المهلة المحددة إلاَّ وأجد تحسناً ملحوظاً لدى الطالبة ،وألاحظ تغيراً جذرياً في شخصيتها، فتلك التي كانت لا تستطيع تكوين جملة واحدة صحيحة أصبحت تناقش وتحاور وتعبر عن رأيها بثقة وثبات، والطالبة التي أمضت ثمان سنوات تدرس قواعد اللغة العربية لم تتمكن من تمييز الفعل من الفاعل أصبحت بعد حفظها لأجزاء من القرآن الكريم تعرب آيات طويلة من القرآن الكريم ،والتي كانت تخطيء في الكتابة أصبحت تجيد الكتابة إملاءً ،والتي كان لديها عيوباً في نطق بعض الحروف زالت تلك العيوب بحفظها بعض الأجزاء من القرآن الكريم ،وكذلك التي كانت لديها “تأتأة “أو “تعلثم” في الكلام أصبحت تتحدث بطلاقة بعد حفظها أجزاء من القرآن الكريم ،هذه حقيقة شاهدتها وعايشتها ،ولا مبالغة فيها، وهي مثبتة في أوراق امتحانات الطالبات التحريرية ،وأوراق المقابلة الشخصية ،وهي محفوظة في ملفات خاصة في إدارة المدارس النسوية يمكن الرجوع إليها ومقارنتها بمستوى صاحباتها الدارسات إن كن موجودات في هذه المدارس ،وقبل هذا يؤكد هذه الحقائق المنهج القرآني في التربية وتنمية القدرات والمواهب.
[سهيلة زين العابدين حمَّاد: المرأة في المدينة المنورة بين الماضي والحاضر، دراسة معدة للطبع ،ص 35 ]