تشفير مباريات كأس العالم
د. سهيلة زين العابدين حمّاد                               
كلنا يعرف قصة تشفير مباريات كأس العالم ،فلقد طلبت الجهة المنظمة للمباراة مبالغ خيالية من وزارات الإعلام العربية لنقل مباريات كأس العالم على الهواء


،واجتمع اتحاد الإذاعات العربية والتلفزيون للبلاد العربية وقرَّر بالإجماع عدم الرضوخ لمطالب الجهة المنظمة ،وكان في هذا فرصة سانحة لأصحاب القنوات المشفرة أن ينفردوا بإذاعة تلك المباريات ،وممَّا لا شك أنَّها كانت مغامرة من شبكة راديو وتلفزيون العرب الإقدام على هذه الخطوة ،ولكن الإقبال الجماهيري الكبير على مشاهدة هذه المباريات رجالاً ونساءً وأطفالاً هو الذي جعلها تقدم على هذه الخطوة ،فهي سوف تكسب مشتركين جدد الذين سوف يشترون الجهاز الخاص ببثها ،وهذا في رأيي من أهم أهداف هذه الشبكة في الإقدام على هذه الخطوة فالربح المادي هو الذي يتقدم سائر الأهداف لديها ،لأنَّ الكسب المادي هو الذي سوف يضمن لها الاستمرارية ،ونحن لا نلومها ،فهي كمؤسسة تجارية من حقها أن تسعى من أجل تحقيق أرباح ،ومعذرة إن قلتُ عن مؤسسة إعلامية إنَّها مؤسسة تجارية ،ولكن تشفيرها هو الذي صنَّفها هذا التصنيف.
ومادامت هذه الشبكة نظرت إلى الموضوع من الزاوية التجارية ،فهي لم تفكر في السلبيات الاجتماعية والاقتصادية ولو فكَّرت فيها من هاتيْن الزاويتين لما أقدمت على هذه الخطوة لأنَّه يهمها بلا شك صالح شباب هذه الأمة،فهي لا تسعى إلى تدميره. 
 فقد فاتها أنَّ هناك أسراً دخلها محدود جداً لا يسمح بشراء جهاز البث المشفر ،ودفع قيمة الاشتراك ،ولكنها سوف تضطر إلى  شراء الجهاز ودفع قيمة الاشتراك لتجنب أولادها ارتياد المقاهي الذي قد يجرهم إلى مصاحبة قرناء السوء ،وتعاطي المخدرات والمسكرات،الذي قد يبدأ بالسيجارة و”الشيشة”وينتهي بالسقوط في مستنقع الإدمان ،إدمان الحشيش والهروين والبانجو  .
إضافة إلى أنَّ هذا التشفير قد أدى إلى تسرب بعض الموظفين من وظائفهم لمشاهدة المباريات الكروية،وتعطيل مصالح الناس.
 والذي يخشى منه أن يصبح تشفير المباريات الكروية ظاهرة لدى القنوات المشفرة تتنافس عليها ،وقد تكون تلك المباريات إقليمية أو محلية،والجهات المنظمة لتلك المباريات قد تضعف أمام الإغراء المالي ،فهي في حاجة إلى المال لرفع مستوى فريقها ،فتضطر تبيع حق إذاعة مباريات فرقها ،وعندئذ سيصبح شبابنا من روَّاد المقاهي على الدوام ،وهذه الطامة الكبرى.
  الحقيقة إنَّ هذا الموضوع قد يبدو في ظاهره ليس ذا أهمية ،ولكن عندما نتأمل في أبعاده نجدها جد خطيرة ،وجديرة بالفعل بالطرح والنقاش.
  والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما الحل لتجنب حدوث مثل هذه الكارثة؟
والحقيقة إنَّ ظاهرة الهوس الكروي لدى شبابنا ظاهرة جد خطيرة ،وعلينا أن نشغل أوقاتهم وأفكارهم بأمور أهم منها،ونحن لو قرأنا برتوكولات صهيون نجد أنَّ شغل شباب الأمميين “غير اليهود” بكرة القدم من أهدافهم ،وذلك لينصرفوا عن التفكير فيما يخطط لهدمهم والسيطرة على عقولهم ومدخراتهم ،ليصبحوا مجرد تابعين وخدم لليهود الصهاينة.
فمن أهم مهام الوزارات المسؤولة عن الشباب  أن توفر لشبابنا وسائل أخرى تشغلهم عن مشاهدة كرة القدم تنمي قدراتهم ومواهبهم،وترفع من حصيلتهم الفكرية والثقافية،فمشاهدو ومشجعو كرة القدم مئات الملايين من البشر في حين نجد اللاعبين لا يتجاوزوا بضعة آلاف.وهذا يعني أنَّ مشجعي كرة القدم ليسوا ممن يمارس رياضة اللعب بالكرة ،لنقول إنَّهم يمارسون هذه الرياضة ليكتسبوا لياقة بدنية،ولكن أغلبهم  إن لم يكن كلهم ممن لا يمارس أي نوع من الرياضة ،ولا حتى رياضة المشي ،فالسيارة جعلته يفتقد إلى هذه الرياضة .  
 هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى أرى أنَّ على  اتحاد الإذاعات العربية والتلفزيون أن يضع نظاماً لإذاعة المباريات العربية والمحلية على المحطات المشفرة الالتزام بها حماية لشبابنا ،ورحمة ورأفة بميزانية معظم البيوت العربية.
……………………
نُشر في ديسمبر عام 2003م.

Leave a Reply