الثلاثاء, 27 أبريل 2010
‏تساءلتُ في الحلقة الماضية عن دية المرأة ترى هل ستحسب نصف دية الرجل ‏طبقاً لاجتهادات فقهية؟، وهل ستحسب دية الأنثى المتوفاة نتيجة خطأ طبي بنصف ‏دية الذكر؟
إنَّ آية دية القتل الخطأ جاءت بصيغة العموم: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)

أي أنَّ دية المرأة مثل دية الرجل، فالرجل يُقتَل في ‏المرأة، كما تُقتَل المرأة في الرجل، فدمهما سواء باتفاق، فما الذي يجعل دِية دون دِية؟
هذا ما قاله فضيلة الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-، استدلَّ فضيلته بحديث: «في ‏النفس مائة من الإبل» بأنَّه لم يُفرِّق بين رجل وامرأة.
أمَّا فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي فقال في خطبة الجمعة بتاريخ 6 تشرين الأولنوفمبر ‏‏1998م، وهي متوفرة في موقعه: «بقيت قضية الدية والدية. إذا نظرنا إليها في ضوء آيات ‏القرآن والأحاديث الصحيحة، نجد المساواة بين الرجل والمرأة. صحيح أن جمهور الفقهاء وأنّ ‏المذاهب الأربعة ترى أنَّ دية المرأة نصف دية الرجل. لكن لا يوجد نصٌ يُعتمد عليه. هناك ‏حديثان استدل بهما أصحاب المذاهب، وهما ضعيفان بإجماع أهل الحديث. بعضهم استدلوا ‏بالإجماع، ولم يثبت الإجماع، فقد ثبت عن الأصم وابن علية أنّهما قالا: «دية المرأة مثل دية ‏الرجل». ثم خرج بنتيجة أنه: «ولذلك لا حرج علينا إذا تغيرت فتوانا في عصرنا عن فتوى ‏الأئمة الأربعة وقلنا: أنَّ دية المرأة مثل دية الرجل». فحديث تنصيف دية المرأة لم يَصِحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء عن معاذ ‏ابن جبل، وقال البيهقي: إسناده لا يثبت مثله. وجاء عن علي بن أبي طالب، وفيه انقطاع. ‏وليس في الصحيحين ولا في أحدهما شيء من ذلك البتة، كما أنَّ الإجماع لم ينعقد في هذه ‏القضية، فقد خالَف الأصم وابن علية، كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار.
هذا وإن قاس البعض موضوع الدية على موضوع الإرث وموضوع الشهادة، فهو ‏قياس غير صحيح! فليس دائمًا ترث المرأة نصف ما يرث الرجل: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي ‏أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً ‏فَلَهَا النِّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ ‏وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ‏‏(النساء:11)، فهناك 18 صورة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل وهنالك صور تأخذ فيها المرأة ‏أكثر من الرجل، وأربع حالات فقط التي يأخذ فيها الرجل ضعف المرأة، وهذا مبني على ‏الأعباء المالية، لأن الشرع جعل معظم الأعباء المالية على الرجل، فليست الأعباء متساوية، ‏وكذلك قياسها على الشهادة؛ فهذا في الإشهاد على عقود المداينة للتوثيق، وليس الشهادة في ‏المحاكم، لأنَّ المرأة غير ممارسة للبيوع والمداينات، وقد بين ابن القيم أنَّ المرأة إذا تعلمت‏، ومارست هذه الأعمال فيكتفى بشهادة امرأة مقابل شهادة الرجل لأنَّ الهدف هو: (أن ‏تذكر إحداهما الأخرى) فإذا انتفت العلة انتفى السبب، أمَّا الشهادة في المحاكم، فالقضاء ‏يعتمد على البينة، فالآية إنَّما تتحدث عن «الإشهاد» في ديْن خاص، وليس عن الشهادة، وهي نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن -ذي المواصفات والملابسات الخاصة- وليست ‏تشريعاً موجهاً إلى القاضي – الحاكم، وشهادة امرأتيْن برجل واحد ليست ثابتة؛ إذ يكتفى ‏بشهادة امرأة واحدة في إثبات البكورة والثيوبة والولادة والرضاع، وتساوت المرأة مع ‏الرجل في شهادة اللعان، والأولى أن تقاس الدية على القصاص فإذا قتل الرجل امرأة اقتص ‏منه بالإجماع فلا يمكن أن يقول أحد إن المرأة أقل منه فلا يقتص منه! ولأن الدية ‏والقصاص في باب واحد -التشريع الجنائي- والقصاص عقوبة والدية عقوبة، فالاعتبار ‏للآدمية فقط.
ومما ينبغي وضعه في الاعتبار إنَّ إصابة المريض بتعطيل بعض حواسه ومنافعه‏، أو كلها، أو فقدان حياته نتيجة خطأ طبي لا يُقاس في كل الأحوال بالجُنحة أو القتل ‏الخطأ، فالمستشفى الذي يأتي بطبيب غير مرخص له بالعمل، أو لا يمتلك الكفاءة ‏والخبرة لممارسة مهنة الطب، وإجراء عمليات جراحية، ولا يتأكد من صحة ما يأتي ‏به من شهادات، فنسبة الخطأ الطبي هنا جد كبيرة، والسماح له بممارسة المهنة جريمة جنائية، والخطأ الناجم عنه يدخل في نطاق القتل العمد إن توفي المريض، أو الإيذاء ‏العمد إن تعطلت إحدى حواسه، أو فقد أحد أعضائه أو كلها، وهنا أثني على توصية ‏الحوار الوطني الثامن بنجران بتحرير المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بـالأخطاء ‏الطبية، وتثقيف المجتمع بذلك، والتفريق بين المضاعفة المحتملة والخطأ المحتمل ‏والإهمال والجناية المتعمدة، والعمل على الحد من الأخطاء الطبية مع العناية برصدها ‏وتصنيفها، وبذلك تقرر التعويضات المالية بموجب هذه التصنيفات، فقيمة التعويضات ‏المالية للأخطاء الناجمة عن الإهمال تكون أكبر بكثير من الأخطاء الناجمة عن التعب‏، أو الأرق، وتعويضات الأخطاء الناجمة عن أطباء غير مرخص لهم بممارسة المهنة ‏تدخل في نطاق الجناية المتعمدة، فتكون أكثر بكثير من غيرها، كما ينبغي إلزام ‏جميع المستشفيات بتكوين فرق طبية متكاملة من ذوي كفاءات عالية لإجراء العمليات‏، مع مراقبة وزارة الصحة لذلك.
إنَّ ضآلة التعويضات المالية على الأخطاء الطبية أدى إلى كثرتها، وإلى تدني ‏مستوى الكفاءات المهنية والفنية في المستشفيات والعيادات الخاصة، ولكن لو فرض ‏تعويض بالملايين على مستشفى مرتكب خطأ طبيًا لذوي مريض توفي نتيجة خطأ ‏طبي، فكل المستشفيات ستحرص على تعيين كفاءات طبية وفنية متميزة، وستحرص ‏على تعيين جهاز تمريضي متميز، وتكوين فرق طبية متميزة، ولو شُهِّر بالمستشفى ‏الذي حدث فيه الخطأ الطبي في أجهزة الإعلام، فستنحسر نسبة الأخطاء الطبية، ولكن ‏الذي نلاحظه أنَّ المستشفيات الحكومية فقط يشهر بها إن ارتكبت فيها أخطاء طبية‏، فمثلاً مستشفى النساء والولادة الخاص الذي ارتكب هذه الجريمة في حق الطفلة ‏البريئة «ريفان» لم يذكر اسمه، بينما نجد مستشفى النساء والولادة بالمدينة المنورة ‏الحكومي أعلن اسمه عندما حدث فيه خطأ طبي، فلماذا الإعلام يحمي تلك المستشفيات ‏التي تتاجر بحياة وأرواح البشر؟
في النهاية أتمنى أن تنفذ جميع توصيات الحوار الوطني الثامن بنجران، وندوة ‏الأخطاء الطبية وإن كنتُ أتساءل لماذا تخلف رئيس هيئة حقوق الإنسان، ورئيس ‏الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عن حضور الندوة؟ ولماذا اقتصرت الندوة على ‏الحضور الرجالي فقط، مع أنَّ ضحايا الأخطاء الطبية ليسوا قاصرين على الرجال فقط؟؟
http://www.al-madina.com/node/243310h

الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد
 suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply