3-حقوق الإنسان

الأخطاء الطبية وحقوق ضحاياها إلى أين يا أصحاب المعالي …؟ (1-2)‏

الثلاثاء, 20 أبريل 2010
إنَّ مسلسل الأخطاء الطبية مستمر في مستشفياتنا، فالصحف لا تألو جهداً في الكشف عن ‏تلك الأخطاء ؛إضافة إلى ما يرد إلى وزارة الصحة ،وإلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ‏وهيئة حقوق الإنسان من شكاوى من مواطنين ومقيمين لتعرضهم أو أحد أقاربهم إلى أخطاء ‏طبية خطيرة أدت إلى إصابتهم بعاهة مستديمة
،أو موت أحد أقاربهم ،وهناك أناس أصيبوا ‏بعاهات مستديمة أو توفوا نتيجة أخطاء طبية ،ولكن لم يُبلِّغوا عنها لجهلهم بحقوقهم وحقوق ‏من توفوا من جراء تلك الأخطاء ،فما ذكره معالي الوزير عبد الله الربيعة أنَّ خطأ طبياً لكل ‏مائتي ألف مواطن بالنسبة للأخطاء التي تمَّ التبليغ عنها ،ولكن هناك أضعافها حدث ،ويحدث ‏غير محتسبة في هذه الإحصائية ،وترجع الأخطاء الطبية إلى أسباب كثيرة منها :عدم توزيع ‏الخدمات بشكل متوازن على مناطق المملكة، وقصر تعيين الكفاءات الطبية المتميزة على ‏مدينتي الرياض وجدة ،ممَّا يؤدي إلى معاناة المرضى وذويهم من التنقل إلى هاتيْن المدينتيْن ‏للحصول على العلاج ،وضعف الكادر التمريضي في المستشفيات وانعكاس ذلك على الخدمة ‏السريرية للمريض، وضعف أقسام الطوارئ في المستشفيات ، وضعف الكوادر البشرية الطبية ‏في أغلب المستوصفات والمستشفيات الأهلية بصورة خاصة، عدم تكوين فرق طبية متكاملة ‏لإجراء العمليات الجراحية ،ولاسيما الكبيرة منها على غرار الفريق الطبي المكون في عمليات ‏فصل التوائم السيامية، وعدم وجود رقابة كافية من وزارة الصحة على المستشفيات ‏والمستوصفات والعيادات الخاصة ،والتأكد من صحة شهاداتهم ،ومن كفاءاتهم المهنية ،فعلى ‏الرغم أن تلك الجهات تتقاضى مبالغ كبيرة من مرضاها ،لكنها لا توفر لهم الكفاءات الطبية ‏التي تتوازى مع ما يدفعونه لها، ويا ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد ،بل ويترتب على ذلك ‏خطأ في تشخيص المرض ،وبالتالي خطأ في العلاج ،ومن ثمَّ خطأ في العملية إن أفضى ‏التشخيص إلى إجراء عملية جراحية ،وقد يؤدي خطأ التشخيص إلى تفاقم الحالة ،ممَّا يؤدي ‏إلى وفاتها ،أو تحول صاحبها إلى إنسان عاجز ،ونجد بعض الأخطاء تصل إلى مرتبة ‏الجريمة الجنائية ،مثال على ذلك المستشفى الخاص في جدة الذي يعد من أكبر مستشفياتها ‏الخاصة وقع فيه خطأ طبي أثناء التخدير توفي على إثره الدكتور طارق الجهني ،فقد أعلن ‏نائب رئيس الهيئة الصحية الشرعية الأساسية بجدة القاضي عبد الرحمن العجيري أنَّ بهذه ‏المستشفى ثلاثة أطباء تخدير يعملون بدون تراخيص مزاولة المهنة ،وهم رئيس قسم التخدير ‏وطبيب التخدير ،وطبيبة التخدير التي قامت بتخدير الدكتور الجهني دون وجود مشرف ‏عليها ،ودون تحضير ،ودون إذن ،أو علم الطبيب الجراح الذي سيجري العملية، والذي يحدد ‏كمية التخدير المرتبطة بمدة العملية ،ومدير المستشفى بالتفويض كتب في أوراق تعيينها أنّها ‏طبيبة تحت التجربة، وفي الطب لا يعطى الطبيب المتدرب حالة يعالجها وحده دون مراقبة ‏،لأنّ هذا تدريب وتجربة على حساب أرواح المرضى ،والتحذير كان واضحاً في ملاحظات ‏الطبيب المبتدئ الذي قابل المريض قبل نزوله غرفة العمليات ، وكان هناك تحذير آخر من ‏الجراح أن لا يخدر الحالة سوى ذوي الخبرة، والمستشفى فريق التخدير به كله غير مرخص ‏،وينبغي أن لا تجرى عمليات في هذا المستشفى على الإطلاق طالما فريق التخدير به غير ‏مرخص ،وقد وقعت أخطاء طبية كثيرة في هذا المستشفى ،ولابد من فتح ملف هذه الأخطاء ‏به ،ومحاسبة الشركة التي منحت شعار الجودة له، وسحب هذا الشعار ،ومعاقبة المسؤولين ‏عن تعيين أطباء غير مرخص لهم. ‏ ‏ أمَّا التعويضات المالية فهل يكتفى بدفع دية القتل الخطأ ،والتي ذكرها مدير هذا ‏المستشفى مائة ألف ريال؟ ‏ فيا معالي وزير الصحة قد ذكرتم أنَّ الأخطاء الطبية تعتبر مشكلة صحية عالمية ‏تعاني منها جميع دول العالم بما فيها الدول المتقدمة، وذكرتم بعض الإحصائيات ،ولكن ‏لم يشر معاليكم إلى آليات تلك الدول في التعامل مع تلك الأخطاء ؛ إذ نجد تلك الدول ‏تتعامل مع الأخطاء الطبية المؤدية إلى الوفاة بصرف تعويض مالي كبير لأهل ‏المتوفى، وفرض عقوبات رادعة على المتسببين فيه.‏ ‏ وكم آلمتني حالة الطفلة «ريفان « التي كانت ضحية خطأ أثناء ولادتها ؛إذ انقطع عنها ‏الأكسجين ،فنتج عن ذلك تلف في خلايا المخ ،ممَّا أدى إلى شللها شللاً تاماً ،فهي جثة هامدة ‏خالية من أية حركة إلاَّ من نبضات القلب ،والكارثة أنَ المستشفى الخاص هذا زوَّر في ‏التقارير التي تصف حالتها للهروب من العقوبة التي ستقع عليها ،والأب يطالب بتعويض ‏قدره 3 ملايين ريال ليؤمن لها ما يخدمها ويعيشها طوال حياتها ،ولكن الهيئة الشرعية تقول ‏إنَّ دية المنافع والحواس تصل في أقصاها إلى مليون ومائة ألف ريال،6 منافع وخمس ‏حواس ،ودية المنافع تشمل اليد الواحدة 50 ألف ريال ،والقدم الواحدة 100 ألف ريال ‏،والأنف 100 ألف ريال ،أمَّا الحق العام فديته مائة ألف ريال ،فما أبخس قيمة الإنسان حتى ‏تقدر أعضاؤه بهذه الأثمان البخسة ،وحياته بأبخس البخس؟ ‏ وهنا أسأل معالي وزير العدل ،لقد صرحتم في ندوة الأخطاء الطبية التي نظمتها ‏وزارة الصحة مؤخراً عن إعادة النظر في الدية الناتجة عن الأخطاء الطبية المقدرة ‏شرعاً للنفس والمنافع والأعضاء والعمل على زيادتها، وجاء ذلك في توصيات الندوة ، ‏إضافة إلى إعادة النظر والحكم بالتعويض عن الأضرار النفسية والمعنوية.‏ ‏ إنَّ الدية المقدرة بـ 100 من الإبل شرعا كما جاء في السنة ( وفي النفس المؤمنة ‏مائة من الإبل ) ،وكما يبدو أنَّه قدرت الإبل بألف ريال ،فأصبحت دية النفس في ‏زمننا مائة ألف ريال ، فهل من المنطق أنَّ القيمة بعد أكثر من 1400سنة تصبح مائة ‏ألف ريال ، وقد قدرها سيدنا عمر بألف دينار ذهب ،فكم تعادل في زمننا هذا ؟‏ ‏ ولنضع في الاعتبار أنَّ الإبل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لها ‏قيمة كبيرة جداً ،افتقدت في زمننا هذا ؛ لذا ينبغي أن تقدر قيمة الدية بما يعادل قيمة ‏الإبل في عصر الرسالة، وهذه يقدرها ويحسبها خبراء اقتصاديون .‏ ‏ هذا في حالة القتل الخطأ ،لكن الموت الناتج عن أخطاء طبية لقصور في الكفاءات ‏الطبية ،أو الأجهزة الطبية ،فهذا يدخل في نطاق الإهمال ،الذي قد يدخل في نطاق ‏القتل العمد ،أو شبه العمد ،فينبغي أن تقاس ديته بمئات الملايين التي تدخل على ‏صاحب المستشفى الذي يعين كفاءات طبية متدنية، ويأخذ رسوماً عالية من المرضى ‏لتحقيق أكبر ربح مالي، فدية الأخطاء الطبية الناجمة عن الإهمال في جودة الخدمات ‏ينبغي أن تكون أضعاف دية القتل الخطأ الناجم عن الحوادث ،ويقاس على ذلك ‏تعطيل أحد الحواس والمنافع ،أو بعضها أو كلها ،وكذلك بالنسبة لتعويضات الأضرار ‏النفسية والمعنوية.‏ وهل دية المرأة يا ترى ستكون نصف دية الرجل ، كما هو شائع طبقاً لاجتهادات ‏فقهية خاطئة ؟


هذا ما سأبحثه في الجزء الثاني ،فللحديث بقية.
المصدر جريدة المدينة : http://al-madina.com/node/241511

Leave a Reply