الثلاثاء 26
31432هـ، 132011م 

يا شباب مصر تحية إجلال وإكبار لكم، فما أعظمكم! ما أروعكم! لقد قُدْتُم الشعب بقضاته وعلمائه ومفكريه ومثقفيه وأساتذة جامعاته ومحاميه وصحفييه وأطبائه ومهندسيه وفنانيه وعماله وفلاحيه ونسائه ورجاله وشيوخه وأطفاله إلى ثورة بيضاء حضارية علمية نقية


أحدثت تغييرات جذرية في مجرى تاريخ الإنسانية، وبدماء شهدائكم وجرحاكم وصمودكم وثباتكم وسلميتكم، وهتافاتكم «سلمية سلمية «رغم ما أُشهر في وجوهكم من مختلف أنواع الأسلحة جعلتم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما يقول أمام العالم أجمع بعد تنحي الرئيس السابق مبارك:(( وشاهدنا متظاهرين يُغنون سلمية سلمية…المصريون ألهمونا بأنّهم وضعوا فكرة ان العدالة لا تتحقق عن طريق العنف، لم يستعملوا الإرهاب والقتل الأعمى، بل لجأوا إلى اللاعنف، فالقوة الأخلاقية التي جعلت قوس التاريخ يميل إلى العدالة مرة أخرى…اليوم هو يوم الشعب المصري… نريد لشعبنا وأولادنا تحويل مجتمع جيد للحرية تذكرنا بالشعب المصري وبتغييرهم هذا غيّروا العالم كله.))
   عندما يقول هذا القول رئيس أمريكا يعد نصراً كبيراً ليس للمصريين والعرب والمسلمين فقط، وإنّما للإسلام أيضاً، لأنّ مخابرات هذه الدولة مع الموساد بتواطؤ مع رئيسها السابق» جورج بوش» الابن دبّروا أحداث الحادي عشر من سبتمبر لينسبوا للإسلام والعرب والمسلمين الإرهاب، وأخذ الإعلام الصهيوأمريكي والغربي يردد هذا، وتم اضطهاد العرب والمسلمين في بلاد الغرب، وقتل منهم من قتل من قبل العامة، وهوجمت ممتلكاتهم، ونُزع حجاب المحجبات من على رؤوسهن، ولعل فيلم»My NAME IS KHAN» أوضح بعض ما تعرّض له العرب والمسلمون من إيذاء، حتى الهندوس والسيخ لحقهم الأذى والقتل ظناً من العامة أنّهم مسلمون، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى احتلال أمريكي لأفغانستان والعراق، وعدوان إسرائيلي على لبنان وغزة، وفرض الحصار على غزة منذ العدوان حتى الآن للقضاء على المقاومتيْن الإسلاميتيْن في لبنان وغزة بدعوى أنّهما منظمتان إرهابيتان.
فبثورتكم أجهضتم الحملة الصهيوغربية التي شنّت على العرب والمسلمين على مدى عشرة أعوام، ورفعتم رؤوسنا جميعاً عربا ومسلمين، ولم يكن هذا الإنجاز الوحيد لهذه الثورة، بل حقّقت ثورتكم إنجازات أخرى في مقدمتها تجنيب مصر الغالية أتون فتنة طائفية كبرى، ولا سيما بعد حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية التي كشفت ثورتكم أنّ المُخطَّط والمُنفَّذ لها هو وزير الداخلية السابق حبيب العدلي، وليس الجيش الإسلامي في غزة، كما زعم العدلي ليبرر ما ستُتخذ من إجراءات لإحكام الحصار على غزة أثناء تعرض غزة لهجوم متوقع من إسرائيل، لقد أثبتم للعالم أجمع بالفعل لا بالقول أنّ شعب مصر يد واحدة، ونسيج واحد، مسلمون ومسيحيون، ورأى العالم أجمع كيف كان المسلمون يؤدون صلاة الجمعة والعصر وصلاة الغائب على شهداء الثورة في ميدان التحرير وإخوتهم المسيحيون يقفون وراءهم يحمونهم، ورأى العالم أجمع كيف كان المسلمون يحمون إخوتهم المسيحيين، وهم يؤدون قداس الأحد، لقد كانت مائة وكالة أنباء عالمية في ميدان التحرير لتغطية ثورتكم الرائعة التي صنعتم فيها ملاحم لا حصر لها، منها قيام امرأة مسيحية بصب الماء لمسلم ليتوضأ، هذا التلاحم العفوي والتلقائي الذي تعودناه عبر التاريخ بين المصريين مسلميها ومسيحييها وأعادته الثورة، جعل الرئيس أوباما يقول:» وشاهدنا الناس يغنون مسلمين ومسيحيين إنّنا واحد، إنّنا نعلم أنّ كثيراً من الانقسامات الدينية في العالم، إلاّ أنّ الذي حدث يُغلق الفجوة، يجب ألاّ نُعرّف باختلافاتنا الدينية، وإنّما نُعرّف بالإنساني المشترك فينا»
عندما يقول مثل هذا القول الرئيس الأمريكي الذي كان بصدد تعيين مبعوث أمريكي لحماية مسيحيي الشرق الأوسط عقب حادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية، وكان لهذا الإجراء أبعاد خطيرة منها التمهيد لإجراء استفتاء على غرار ما حدث في السودان لفصل جنوب مصر عن شمالها بإقامة دولة مسيحية في الجنوب «صعيد مصر» فثورتكم أيها العظماء لن تجعل أمريكا تجرؤ على الإقدام على خطوة كهذه، وإن صدق أوباما في قوله لابد من إغلاق فجوة الانقسامات الدينية، فستكون ثورتكم قد أنقذت مصر وبلادا عربية أخرى من مخطط التفتيت والتقسيم على أساس مذهبي وطائفي، وذهابه إلى غير رجعة.
فكيف لا يُثني عليكم أوباما،بل العالم كله؟ وأنتم بإيمانكم الراسخ بخالقكم بأنّه ناصركم ومؤيدكم خرجتم عُزلّاً وبلا قائد يقودكم، لا تسيركم تيارات حزبية، ولا أيدلوجيات طائفية ومذهبية، ولا أجندات غربية،كما حاولوا تشويه ثورتكم بها، خرجتم تطالبون بحريتكم وعزتكم وكرامتكم فنلتموها، لم تثنكم عنها القنابل المسيلة للدموع ولا خراطيش المياه الساخنة، ولا قضبان الحديد ولا الرصاص المطاطي والحي، ولا رصاص القنّاصة، ولا الخيالة والهجانة والبلطجية بأسلحتهم المتنوعة والطوب والحجارة وقنابلهم الحارقة التي قذفوكم بها، وسقط منكم مئات الشهداء وألوف الجرحى، لم يثنكم قطع الاتصالات والإنترنت، وإيقاف حركة القطارات وكافة وسائل المواصلات عن التجمع في التحرير، لم يثنكم تخييركم بين النظام السائد لتنالوا بقبوله الاستقرار، وبين الفوضى إنّ رفضتموه،بل ضاعف من إصراركم وثباتكم عليها، وارتفاع سقفها، فبعد أن كانت المطالب يوم 25 يناير حرية وتغييرا وعدالة اجتماعية، ارتفعت مساء يوم 28 يناير إلى المطالبة بإسقاط النظام، ولم يرهبكم الانفلات الأمني بسحب رجال الشرطة والمرور ورجال المطافئ مع إشعال النيران في مقار الحزب الوطني والعشرات من مراكز الشرطة لمحو كل ما يدينهم، كما لم يرهبكم البلطجية وإطلاق السجناء في الأحياء، فكوّنتم لجاناً شعبية منكم لحماية بيوتكم وأعراضكم وأموالكم وممتلكاتكم، والرائع فيكم أنّكم قمتم بتنظيم المرور وتنظيف الميادين والشوارع، والأروع من هذا كله أنّه سقط منكم شهداء وهم يقفون لحماية المتحف المصري الذي يحوي أكبر مخزون حضاري في العالم من عبث العابثين ولصوص الآثار، فحافظوا على وحدتكم وثورتكم وأخلاقياتها التي أزالت الصدأ الذي علق بالشخصية المصرية، فعادت إلى أصالتها وبريقها الذي أبهر العالم وعلّمه دروساً في الصمود والثبات من أجل الحرية والعزة والكرامة، وجعلت أوباما يقول للشباب الأمريكي «أريدكم أن تكونوا مثل شباب مصر». فأنتم الآن خير قدوة لشباب العالم، فهنيئاً لكم ولنا بما حققتموه من إنجازات


المصدر : جريدة المدينة http://www.al-madina.com/node/290900

Leave a Reply