د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 11/5/ 2023م
هذه الآية تُبيّن ديانة سيدنا إبراهيم عليه السلام، فهو ليس بيهودي ولا نصراني، وإنّما حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين، ولم يجمع الله جلّ شأنه بين الأديان الثلاثة على ديانته بتسميتها بِ “الإبراهيمية”، بل نجده نفى أن يكون إبراهيم يهوديًا أو نصرانيًا، كما نفى أن يكون من المشركين، لأنّ الديانتيْن اليهودية والمسيحية تعرضتا للتحريف بعد ما كانتا ديانتيْن توحيديتيْن، وذلك عندما أشرك ليهود والمسيحيون بالله عندما بجعلهم لله ابنًا(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ )
وقد تمّ تأليه المسيح عليه السلام ” في مجمع نيقية عام 325 عقيدة التثليث التي أوجدها بولس(اليهودي) ولم ترد في الأناجيل الرسمية، وقد تنبه بعض علماء اللاهوت الدومانيكيين مؤخرًا إلى بطلان هذه الدعوة، وأعلنوا ذلك في كتاب صدر عام 1977م تحت عنوان “أسطورة التجسيد الإلهي”.
ويؤكد على أنّ أصل الديانة المسيحية التوحيد قوله تعالى:(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ* وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ* فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة: 82- 85]
وقد بشّر سيدنا عيسى عليه السلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)[الصف: 6]
وقد كشفت صحيفة بريطانية أن السلطات في تركيا عثرت على ما يُظن أنها النسخة الأصلية لإنجيل برنابا الذي بشر برسول يأتي من بعد المسيح عليه السلام اسمه أحمد.
وذكرت صحيفة ذي ديلي ميل أنّ المخطوطة المكتشفة من إنجيل برنابا مكتوبة على جلد حيوان ويعود تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، لكن عُثر عليها عام 2000م.
وذكرت الصحيفة أنّ الإنجيل المكتشف ينص صراحة على أنّ المسيح عيسى بن مريم لم يُصلب، وأنّه يبشر بمجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم الأنبياء.
على أنّ بعض الدوائر المسيحية وصفت الخبر الذي بثته أجهزة إعلام على أنّه من قبيل الدعاية المضادة للمسيحية التي “تثير الضحك”.
وقد عثرت السلطات التركية على مخطوطة الكتاب المقدس عام 2000 عندما داهمت مقر عصابة تخصصت في تهريب الآثار والتنقيب عنها بطريقة غير مشروعة وحيازة متفجرات.
عصر التنوير
ومن أهم ما أتى به عصر التنوير خلال القرن الثامن عشر كحركة فكرية فلسفية أوروبية هو دراسة النصوص الدينية ومقارنة ترجماتها التي تمت عن اللغة اليونانية، المكتوب بها كل النصوص التوراتية والإنجيلية، واكتشافهم عمليات التغيير والتبديل والتحريف، وأخطاء الترجمة المتعمدة والتي بُنيت عليها عقائد متعددة، كما قاموا بعمل حصر للتناقضات الواردة بالأناجيل، كالتناقض فى موعد ومكان ميلاد يسوع، واختلاف مدة تبشيره، واختلاف شجرة العائلة وامتداها، وعدد الحواريين، واختلاف يوم وموعد صلبه وبعثه بين الأناجيل، الخ .. ولا يسع المجال هنا لمزيد من الأمثلة، لكنهم أثبتوا أنّها باللآلاف . كما أثبتوا أنّ التاريخ الكنسي مليء بالأساطير والخرافات، لذلك تضافرت جهود الكثير من العلماء لإعادة صياغته. وهو ما نجم عنه محاولات البحث عن يسوع التاريخي والفصل بينه وبين يسوح الإيمان أو كما تقدمه الكنيسة ! وهو التيار الذى واصل أعماله معهد “ويستار” وندوة عيسى Jesus Seminar) ) التي أقيمت فى مطلع التسعينات من القرن الماضي بأمريكا و أثبتوا فيها أنّ 82 % من الأقوال المنسوبة لعيسى لم يتفوه بها، و86 % من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها !. ولا تزال أعمالها تتواصل لإثبات صحة الأماكن التي تنقّل بينها .
وهذه الدراسات قائمة على اللغة التي كتبت بها، والتي كانت خمسين إنجيلًا في القرن الرابع، وطلب البابا آنذاك من القسيس جيروم اختصارها إلى أربعة أناجيل، وقال جيروم للبابا في المقدمة أنا جمّعت الخمسين الإنجيل في أربعة أناجيل، حذفت منها ما حذفت وغيّرت وبدّلت.” إضافة إلى أخطاء الترجمة التي وقع فيها.
هذا ويعد القس ريشار سيمون (1638ـ1712) أشهر من ارتبط اسمه بهذا المجال في فرنسا؛ إذ أرسى قواعد نقد النصوص التوراتية والإنجيلية وكيفية إقرار درجة مصداقيتها وأصالتها بعيدًا عن أية تأثيرا، بل لعله أول من أثبت أنّ موسى ليس هو كاتب أو مؤلف الأسفار الخمسة خاصة أنّه يتحدث عن وفاته ودفنه !!.. ومن مؤلفات ريشار سيمون:”تاريخ نقد العهد القديم” (1678)، و”تاريخ نقد العهد الجديد”(1689)، و”دراسة ترجمات العهد الجديد”(1690)، و”تعليق على العهد الجديد”(1693) كما قام بالفحص الدقيق للوثائق مشيرًا إلى عمليات التعديل والتبديل التي تمت وعدم التوافق التاريخي بين الأحداث المذكورة والأحداث الفعلية.
ومن أهم ما أثبته العلماء الدارسين لنصوص العهد الجديد أنّ معاداة السامية ترجع إلى الأناجيل وأعمال الرسل و خاصة إلى بولس(اليهودي) . وهو ما كانت له آثاره في القرون التالية. ومع تزايد الاعتراضات البروتستنتية والسوسينية، أتباع سودزينى، اللذين رفضوا تأليه المسيح، وأنّ مريم ” أم الله” .وتمثل “الموسوعة” الفرنسية وما واكبها من معارك (1751ـ1766) أهم سلاح تم استخدامه في عصر التنوير، بتضافر جهود العديد من العلماء والفلاسفة، لنشر العلوم الحديثة للقارئ في مختلف مجالاتها، والإطاحة بالأفكار المسيحية التي لا يتقبلها العقل وكل ما يفرضه الدين من أساطير ومفاهيم لا علاقة لها بالعقل والمنطق، وخاصة عدم التسامح والاستبداد، ممّا تولد عنه تيار الإلحاد فى أوروبا والأزمة المعروفة باسم”أزمة المعتقد”. فالإلحاد لم يكن معروفًا في فرنسا قبل النصف الثاني من القرن السادس عشر. والبنيان السياسي والأخلاقي والديني في القرن السابع عشر كان قد تصدع من جراء هذه الأزمة وأدت بالفلاسفة وقطاع كبير من طبقة المثقفين برفضهم كلية للحلول اللهوتية وسلطة الكنيسة .
وهنا لا بد من توضيح أنّه يجب الفصل بين معنى عبارتي” مقاومة الإكليروس” و” الإلحاد “: فالأولى تعنى رفض الفكر الكنسي ومحاولة رجال الدين السيطرة على المجتمع، بينما الثانية تعني إنكار وجود الله[د. زينب عبد العزيز. الفاتيكان وعصر التنويرhttp://saaid.org/daeyat/zainab/46.htm]
الحنيف في معاجم اللغة
والحنيف في معاجم اللغة العربية تعني صحيح الميل إلى الإسلام الثَّابت عليه، مستقيم منصرف عن الضَّلال متَّجه إلى الحقِّ) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)[الروم: 30] والحُنفاء: فريق من العرب قبل الإسلام كانوا ينكرون الوثنيّة، منهم أميّة بن أبي الصَّلت.
وقد ورد ذكر الجذر الثلاثي (ح-ن-ف) في القرآن في اثنتي عشرة آية، نلاحظ أنّ في معظمهم يكون هنالك ربط مع النبي إبراهيم الذي وصفه القرآن بٍ الحنيف.
وُصِم بها العرب الذين هجروا عبادة الأصنام وارتدوا عن دين من كان حولهم. وفي المسيحية واليهودية هم الذين لم يدخلوا بهاتين الديانتين من الفرس والإغريق والعرب.
فمصطلح الديانة الإبراهيمية مصطلح جديد أتت به الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب لتمرير ما أسماها بصفقة القرن لتطبيع البلاد العربية علاقاتها مع العدو الإسرائيلي خارج إطار المبادرة العربية للسلام التي أطلقها خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله بن عبد العزيـز ــ رحمه الله ـــ بين إسرائيل والفلسطينيين. هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، وقد تمّ الإعلان عنها في مؤتمر القمة العربية المنعقدة آنذاك في بيروت عام 2002، وقد نالت هذه المبادرة تأييدًا عربيًا، ولكن للأسف تمكّنت إدارة ترامب من جعل أربع دول عربية تطبع علاقاتها بالعدو الإسرائيلي تحت مسمى اتفاق إبراهام(بالعبرية) ولم يسموه (إبراهيم ) بالعربية.
وتقوم الديانة الإبراهيمية الجديدة على توحيد الأديان السماوية(اليهودية والمسيحية والإسلام) هي محاولة قديمة متجددة، فمن قبل ظهرت البهائية التي دعمتها بريطانيا وإسرائيل ودعت إلى إيجاد رؤية موحدة ما بين البشر من معتنقي الأديان ذات المصدر الإلهي الواحد، بهدف تقويض الأديان الذي أعلنته برتوكولات صهيون، فقد جاء في البروتوكول الرابع عشر هذا النص:”حينما نمكن لأنفسنا فنكون سادة الأرض ـ لن نبيح قيام أي دين غير ديننا، أي الدين المعترف بوحدانية الله الذي ارتبط حظنا باختياره إيانا كما ارتبط به مصير العالم.ولهذا السبب يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، واذ تكون النتيجة المؤقتة لهذا هي أثمار ملحدين فلن يدخل هذا في موضوعنا، ولكنه سيضرب مثلاً للأجيال القادمة التي ستصغي إلى تعاليمنا على دين موسى الذي وكل الينا ـ بعقيدته الصارمةـ واجب اخضاع كل الأمم تحت أقدامنا “.
فالهدف من فرض ما سُميِّت بِ” الديانة الإبراهيمية” ديني وسياسي، وذلك بتقويض الديانتيْن المسيحية والإسلام، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات، ومن الأّرز (بلاد الشام) إلى النخيل ( الجزيرة العربية، ولاسيما المدينة المنورة ومكة المكرّمة)، وجعل شعوب هذه البلاد عبيدًا وخدمًا لليهود، تمهيدًا للسيطرة على العالم كله.
ونتيجة لخضوع الكنيسة للحكومة الماسونية الخفية التي تحكم العالم أعلن المجمع المسكوني الثاني عام 1965 أنّه يهدف إلى اقتلاع الإسلام، واستقبال الألفية الثالثة بلا إسلام، وأكّد عليه مؤتمر التنصير في كلورادو عام 1978م وتنفيذًا لما تقرر في مؤتمر التنصير الذي عقد في ولاية كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1978م جاء فيه:”أنَّ الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية شر برمتهما ينبغي اقتلاعهما من جذورهما، وأنَّ هذا يمثل عقيدة كل مسيحي، وأنَّهم يُستفذُّون من كلمتي مسجد ومسلم، وأنَّ الحوار الإسلامي المسيحي أحد وسائل تنصير المسلمين، وأن يجد الإنجيل طريقه إلى المسلمين، ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها، وتقتحم بعزم ثقافات ومجتمعات المسلمين الذين تسعى إلى تنصيرهم، وقد أعلن نائب الرئيس الأمريكي في حفل الأكاديمية البحرية بولاية ماريلاند عام 1992م أنَّهم أخيفوا في هذا القرن من ثلاث تيارات، وهي النازية والشيوعية والأصولية الإسلامية، وتمكنوا من الخلاص من النازية والشيوعية، ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية، فما أعلنه الرئيس الأمريكي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م قيام حرب صليبية على الإسلام لم تكن زلة لسان، وإنَّما هي بالفعل حرب صليبية ثانية على الإسلام.
للحديث صلة.
البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/838023/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D9%85%D8%A7-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%84%D9%83%D9%86-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D9%86%D9%8A%D9%81%D8%A7-%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7