د. سهيلة زين العابدين حمّاد

16/ 5/ 2023م

  أواصل الحديث عن الوسائل التي استخدمها اليهود الصهاينة والدول الغربية(الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية في محاربة الإسلام، ومن الوسائل التي استخدمتها الولايات المتحدة عدة لتحقيق أهدافها، أُلخِّصها في الآتي :

أولًا: استخدامها القوة العسكرية في حربها على أفغانستان والعراق واحتلالهما، وفي حرب  إسرائيل مع  لبنان عام 2006 م، وحرب إسرائيل على غزة في 27 ديسمبر عام 2008م لإبادة الشعب الفلسطيني على غرار ما قامت به الحكومة الأمريكية من حرب إبادة للهنود الحمر، وهم السكان الأصليون لأمريكا>

ثانيًا: اتهام الإسلام بأنَّه دين إرهابي، ومحاربة كل ما هو إسلامي تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

ثالثًأ: محاربة القرآن الكريم بمحاولة القضاء عليه واستبداله بما أسموه بِ” الفرقان الحق”.

رابعًا: النيل من الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال رسوم كاريتارية، وإطلاق بابوية الفاتيكان ” حملة مليون منصِّر ضد محمد”.

خامسًا:إشاعة الفرقة والانقسام بين العرب والمسلمين ، وتقسيمهم طائفيًا ومذهبيًا وعرقيًا.

  وهذه الأحداث جميعها، وسبقها أحداث أخرى كإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، واستعمار البلاد العربية والإسلامية، وحملات التنصير في العالميْن العربي والإسلامي، وفي قارتي آسيا وأفريقيا، وقد  كان للمستشرقين دور كبير في التمهيد لها، والمساعدة على تحقيقها، فبعد أن فشلت المواجهة العسكرية للإسلام والمسلمين في الحروب الصليبية، رأت البابوية ورجال الدين المسيحي محاربة الإسلام بالفكر.

   فهزيمة المسيحيين في حروبهم الصليبية ضد المسلمين كانت من أهم عوامل بداية الاستشراق الدينى. ويرى ايرنست باركر  أنَّ في اجتياز المسيحية اللاتينية ما وراء البحار لمحاربة الإسلام كخاتمة للعداء الطويل بين المسلم والمسيحي في الجزء الغربي من بحر الروم، وهذا عنصر له خطره في الروف التاريخية التي كانت تحيط بالحروب الصليبية، والجهود الاستشراقية أعقاب الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر الميلادي لم تكن مجرد تخيلات حول الشرق الإسلامي صاغها رحالة أوربيون، وإنّما هي مرحلة تاريخية هامة ذات أبعاد خطيرة سعى الاستشراق البدائي لتصويرها بشكل معاكس: انتصار الغرب المنهزم، وهزيمة الشرق المنتصر، لقد جسّد المشروع الصليبي عصبية الغرب تجاه الإسلام؛ إذ يعتبر توماس أرنولد الحروب الصليبية بمثابة “حركة روحية أوضحت نفسها بنظام روحي، ووصفها بأنَّها عبارة عن حرب مقدسة، حرب عادلة عند رجال الدين من الوجهة النظرية، فضلًا عن أنَّها حرب مباركة يصح أن يعوَّل الناس مصائرهم عليها حرب أشعلت في سبيل القضية النصرانية، ووجدت مصدر قوى المسيحية كلها في إطار عداء جمعي ضد خصمها الألد في الدين”، بينما يرى المستشرق الروسي “اليكسي فاسيلينتس جورافسكي” أنَّ الدراسات الأوروبية المعاصرة حول الإسلام قد تشكلت بين المسيحية والإسلام على مدى أربعة عشر قرنًا تقريبًا من تجاورهما أو من وجودهما المشترك، وأنَّ هذه العلاقات نمت وتطورت في مجالات ومستويات أساسية: اقتصادية، وعسكرية، وسياسية، وثقافية، ودينية إلّا أنَّ المجابهة العسكرية السياسية بين هاتين الديانتين أو الحضارتين منذ بدء ظهورهما المتجاور ووصولًا إلى القرن العشرين كانت ـتلك المجابهة هي الطابع المسيطر على علاقتهما الأخرى بما في ذلك العلاقات الدينية الأيدلوجية”. إلّا أنَّه يقرر في موضع آخر أنَّ التصورات الأوربية عن الإسلام قد تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد، في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية، مشيرًا في ذلك إلى مؤلفات “يوحنا الدمشقي” التي ناقش فيها الإسلام كبدعة، وأنَّ المسلمين لا يعتقدون بألوهية المسيح وصلبه، وأنَّ يوحنا يرفض أنَّ محمدًا ـــــ صلى الله عليه وسلم ـ  نبي الله وهو خاتم المرسلين، وأنَّ القرآن كلمة الله المنـزلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم من السماء؛ إذ يرى أنَّ سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان. ولم تكن الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي، وقصائد لوجيت الإنجليزي سوى أمثلة على تلك العصبية الغربية التي وضعت الإسلام أمام محاكمة تاريخية، ودعت إلى إعدامه ونفيه خارج عقل الغرب وروحه، كما نجد بابا الفاتيكان “بينديكيت السادس عشر” يتهم الإسلام بالعنف، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم نشر الإسلام بحد السيف ملغيًا بذلك لغة الحوار والعقل في محاضرته الفلسفية التي ألقاها في جامعة ريجينسبورج في ولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء 13-9-2006م،  والقارئ المتمعن للمحاضرة يدرك بيقين لا يقطعه أدنى شك أهدافها وأبعادها، فهو في محاضرته يؤكد على قيام الإسلام على العنف، وإلغائه للعقل، ولغة الحوار، فهو بالعنف والسيف يريد فرض وجوده على البشر، مبينًا أنَّ الإيمان لا يكون إلاَّ بالعقل والحوار، وهذان العنصران مفتقدان في الإسلام، متوفران في المسيحية، وفي العقيدة الإغريقية الوثنية؛ لذا فهو يدعو المسلمين للحوار من أجل بيان تلاقي العقل والإيمان بصورة جديدة.

    فكيف بعد كل هذا العداء للإسلام من بزوغ فجره ولنبيه صلى الله عليه وسلم، وإنكار نبوته، بل وإنكارهم للقرآن الكريم أنّه كلام الله، وأنّ الإسلام دين سماوي، بل هو في نظرتهم له أنّه دين عنف وإرهاب لا يقوم على العقل والحوار، كما جاء في محاضرة بابا الفاتيكان “بينديكيت السادس عشر”، ثمّ نجد فجأة بابا الفاتيكان الذي تلاه “فرنسيس يدعو المسلمين  إلى توحيد اليهودية والمسيحية والإسلام تحت مسمى ” الإبراهيمية” !!

  هذا وممّا يجدر لفت الانتباه إليه، الآتي:

  •  أنّه قد تم الإعداد للدين الواحد تحت مسمي“العائلة الإبراهيمية” بعد نزع آيات تمثل ثلث القرآن التي ترفض الشرك بالله أو تكشف كل ما تم من تحريف في الرسالتين السابقتين.
  • الدعوة لما تُسمى بالديانة”الإبراهيمية” لم تُوجّه إلى المسيحيين الغربيين، ولا إلى اليهود، وإنّما وُجِّهت فقط إلى المسلمين، فهم المستهدفون فقط من هذه الدعوة، لإفقادهم هويتهم الدينية الإسلامية، ولإذابة دينهم وعقيدتهم النقية من أي تحريف وشرك في الديانتيْن اليهودية والمسيحية وذلك بعدما فشلت كل محاولاتهم للقضاء على الإسلام سواءً بالحروب، ( الحروب الصليبية)أو بالفكر( الاستشراق)، أو بالتنصير.
  • أنّ الهدف من الدعوة إلى الإبراهيمية تسليم البلاد العربية إلى إسرائيل لتحتلها وتستعبد شعوبها وتنهب خيراتها، وتقيم دولة إسرائيل الكبرى تحت مسمى ” اتفاق إبراهام “
  • حسب الدِّراسة التي أعدَّها الباحث الإسرائيلي إيلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا فإنّ كتب التَّدريس الإسرائيليَّة أشعلت طيلة نصف القرن الماضي جذوة الصِّراع الإسرائيلي العربي، وكرَّست حالة الحرب وحالت دون التَّوصُّل للسَّلام ووصف “بوديا” مناهج التَّدريس اليهوديَّة بـ”المنحرفة، وزرع كراهيَّة الفلسطينيين في نفوس التَّلاميذ الإسرائيليين إلى حد الاستنتاج بأنّ ما يجري داخل جدران المدارس يؤثِّر إلى مدى بعيد في قرار الحرب والسَّلام لدى قادة إسرائيل. وأشار البحث الذي جاء تحت اسم “الصراع الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسيَّة العبريَّة“، إلى أنَّ الكتب المدرسيّة قادت بطريق غير مباشر إلى إثارة الصراع المسلَّح. وأكَّد بوديا أنَّ كتب التَّاريخ الإسرائيليَّة التي أخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونيَّة ورعاية الأساطير والتَّمجيد بأبطالها. ولفت الباحث إلى أن َّتلك الكتب وصفت الصِّراع بطريقة مشبَّعة بعدم الدقة إلى حد التشويه وشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم، مما أدَّى إلى ترسيخ صورة نمطيَّة لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائمًا بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السَّلام مقابل صورة العرب “الخونة العدوانيين المتخلِّفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوما نحو التدمير”.  وأشار الكاتب إلى أنّ تعابير مثل مُتوحِّش ومُحتال ومُخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت كثيرًا ما تُستخدم في وصف العربي. مشيرًا إلى أنَّ العرب يوصفون بأنَّهم النُّسخة الحديثة من “العماليق”، ألد أعداء الإسرائيليين في التوراة. ويؤكِّد الباحث أنَّ كتب التدريس الإسرائيليَّة تحاول أن تكرِّس قناعة مفادها أنَّ السلام مع العرب، “يهدد إسرائيل المهزوزة ويستلزم تحصين النَّاشئة بتقوية الوعي الصهيوني”.
  • لم تُطالب إسرائيل بحذف ما تضمنته المناهج الدراسية الإسرائيلية من نظرة عدائية للفلسطينيين والعرب والمسلمين في حين طُلب من المسلمين حذف ثلث القرآن المتضمن الآيات التي ترفض الشرك بالله أو تكشف كل ما تم من تحريف في الرسالتين السابقتين.!!!
  • أنّ  من المسلمين مًنْ تقبَّلوا دعوة الإبراهيمية ، مع أنّها مخالفة لما أخبرنا الله به في قوله تعالى:
  • (لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ)[المائدة: 48]
  • –        (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل:73)
  • –       (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ) المائدة:3]

فقال جلّ شأنه ( وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰامَ دِينٗاۚ) فلم يقل الإبراهيمية، كما نجده في أكثر من آية يقول:(وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ) مؤكدًا على أنّه:(وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ)

الكارثة الكبرى هي وجود من يُروّج لما تُسمى بالإبراهيمية بين شباب وشابات الإسلام  وأصبحت من أحاديث مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك من آمن بها مرددًا” نحن نعبد إلهًا واحدًا”، وهذا مغايرٌ للحقيقة التي أوضحها الله جل في آيات سبق ذكرها، فنحن المسلمين نؤمن بالله الواحد الأحد الذي (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد)(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11]  

 وهكذا نجد أنّ الدعوة إلى وحدة الأديان تصطدم مع أصول الاعتقاد في الإسلام كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية، وعلى المسلمين عامة وشباب وشابات الإسلام خاصة أن يُدركوا جيدًا هذه الحقيقة ويتمسّكوا بعقيدتهم وهُويتهم الإسلاميتيْن.

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply