د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة في 12 يناير 2023م

ردًا على احتجاج إيران على “فيفا” على تسمية خليجي 25 بـ”كأس الخليج العربي”، إنّ الخليج عربي وليس بفارسي ، والخليج العربي وهو الوحيد المعتمد في اللغة العربية، وتستعمله جميع دول الجامعة العربية. كما تستعمله الأمم المتحدة في الوثائق العربية والجمعيات الجغرافية العربية ، والخليج عربي جغرافيًا؛ إذ يبلغ طول الساحل العربي على الخليج العربي 3,490 كيلومتر وهو أطول من الساحل الإيراني ، بينما  تملك إيران ساحلًا  يبلغ طوله 2,440 كيلومترًا على الخليج العربي، وبهذا فإنّ الساحل العربي أطول بحوالي 1,050 كيلومتراً من الساحل الإيراني، وهو عربي ديمغرافيًا؛ إذ يسكن العرب على ضفتي الخليج سواء في القسم الغربي (عمان والإمارات والبحرين وقطر والسعودية والكويت والعراق)، أو من الشرق في إقليم عربستان (الأحواز و لنجة)، بينما يشكل الفرس 51% من سكان إيران ؛ إذ تعد إيران من الدول ذات التعددية العرقية، ويعتبر الفرس والأذريون والجيلاك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان من أهم هذه العرقيات في إيران، فحسب المصادر الرسمية يشكل الفرس 51% من السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يشكل الأكراد 24% والجيلاك المازندارنيون 8% والأذريون 7% واللور 7% والعرب والبلوش والتركمان 2% لكل منهم، وبقية العرقيات 1% من السكان. هذه الأرقام قد تزيد وتنقص حسب مصادر بعض هذه القوميات التي تدعي أرقامًا أعلى من تلك الأرقام الرسمية، فعلى أي أساس يسمى الخليج بالخليج الفارسي؟

علمًا بأنّ الفرس لم يكونوا يركبون البحر، حتى في أوج عظمتهم. وإذا ما أنشأوا في الخليج أسطولًا كان بحارته من غير الفرس. يقول د. صلاح العقاد: «أما الساحل الشمالي الشرقي الذي يكوّن الآن الساحل الإيراني، فيمتد على طوله نحو ألفي كيلومتر: سلسلة عالية من الجبال الصعبة المنافذ إلى الداخل، مما عزل سكان الفرس والسلطة المركزية فيها عن حياة البحر. ولقد اشتهر الفرس منذ غابر الزمن بخوفهم من حياة البحار، حتى قال بعض مؤرخين العرب: “ليس من الخليج شيء فارسي إلا اسمه”. وعلى ذلك فإن ذيوع اسم “الخليج العربي” الآن قد جاء موافقاً لحقيقة جغرافية ثابتة” [حديث السندباد القديم، د. حسين فوزي، (ص2-21). فيما قامت بينه وبين العرب أوثق الصلات قبل الإسلام وبعده. ويؤكد هذا سير برسي سايكس Sykes: «إنّ السياسة البحرية التي كان يتبعها نادر شاه الأفشارهي ضد تأثير العوامل الطبيعية التي جعلت ميول الناس وسلوكهم في إيران تفضل النفور والكره دائمًا من ركوب البحر الذي تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة»، وهو يعني بتلك السلسلة من الجبال: جبال زاغروس التي تحد بين إقليم الأحواز وفارس.

   من هنا نجد أنّ ادعاء اتحاد الكرة الإيراني أنّ الخليج فارسي هو اسم تاريخي، وينطبق على جميع الخرائط اللغات والخرائط سواء القديمة أو الحديثة زعم باطل،  وهذا الموقف لإيران لا يقتصر على مجرد الإصرار على وسم الخليج بالهوية ” الفارسية ” فحسب؛ بل يتعدى ذلك ليشمل أبعادًا قومية ومضامين سياسية تتمحور حول السعي لتحقيق الهيمنة الإقليمية على الدول المطلة على الخليج العربي.

   وممّا يؤكد بطلان زعم إيران بفارسية الخليج أنّ العديد من الجغرافيين والمؤرخين في العصور القديمة أطلقوا عليه مسمى “الخليج العربي” نظرًا لهيمنة العنصر العربي على موانئه وجزره، ومن أبرز هؤلاء الرحالة والجغرافي  سترابو  Strabo (63 أو 64 ق.م – 24م) عالم جغرافيا وفيلسوف ومؤرخ يوناني،  أطلق العرب عليه اسم «اسطرابون»  والمؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأكبر أو بليني الأكبر، المولود عام 23 ق.م ، وتوفي في 25 أغسطس  عام 79.ويعتبر بليني الأكبر أشهر مؤرخ روماني على الإطلاق فقد كانت كتاباته الجغرافية والتاريخية والطبيعية لها حيّز كبير في إثراء الثقافة الرومانيّة في تلك الحقبة، قال بليني: “خارساك (المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي.”

وقد استدل المؤرخان  بأقوال مؤرخين إغريق آخرين يعود تاريخهم إلى قبل القرن الثالث قبل الميلاد ومنهم إيراتوستينس الإغريقي، ما يؤكد أن هذه التسمية كانت سائدة قبل الميلاد بعدة قرون. ولو لاحظنا هذه التسميات فسنجدها جميعها بلا استثناء تسميات عربية الأصل، حيث أنّ جميعها نُسِب إلى أرض شبه الجزيرة العربية، من حيث العبادة في الأولى وشروق الشمس في الثانية، وكذلك بالنسبة للقوم الذين سكنوا الخليج العربي تحديدًا ضمن موقعه الجغرافي الحالي، عندما اعتبر المؤرّخون الخليج العربي يقع جنوب بلاد الرافدين.

  هذا وتوجد خريطة فرنسية قديمة للرحالة لوكانور تعود إلى سنة (1667م) يظهر فيها بوضوح اشارتها إلى الخليج العربي  بأنّه  Sein Arabique، أي “الخليج العربي”.

وأقدم اسم معروف للخليج العربي هو اسم “بحر أرض الإله” ولغاية الألف الثالثة قبل الميلاد، ثم أصبح اسمه “بحر الشروق الكبير” حتى الألف الثاني قبل الميلاد وسمي “بحر بلاد الكلدان” في الألف الاول قبل الميلاد، ثم أصبح اسمه “بحر الجنوب” خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، وسماه الآشوريين و البابليين والأكاديين: “البحر الجنوبي” أو “البحر السفلي” (lower sea). ويقابله البحر العلوي (upper sea) وهو البحر الأبيض المتوسط ، كما أطلق عليه الآشوريون نارمرتو أي “البحر المر” (bitter sea

 والفرس هم الذين سمّوه  “بحر فارس”. قيل التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي داريوس (831-486 ق.م) في كلامه “على البحر الذي يربط بين مصر و فارس”. والراجح أنّ الاسكندر الأكبر هو أول من أطلق تلك التسمية بعد رحلة موفده أمير البحر نياركوس عام 326 ق. م. وقد عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي فلم يتعرف إلى الجانب العربي من الخليج. مما دعا الاسكندر إلى أن يطلق على الخليج ذاك الاسم، وبقي متداولاً بطريق التوارث وعن طريق اليونان تسربت التسمية للغرب واستعملها بعض العرب كذلك.

 وقد أطلقت على مياه الخليج مسميات عدة في مختلف العصور، مثل “خليج البصرة” أو “خليج عمان” أو “خليج البحرين” أو “خليج القطيف” ، كما سماه بعض العرب  أثناء الخلافة العباسية «خليج العراق، وهذه المسميات تؤكد عروبة الخليج التي تشكل   مكونًا أساسيًا من مكونات الهوية الإقليمية لسكان الخليج ككل، ويعود اسم “بحر البصرة” إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. ونجد النحويين الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 160هـ) كما استعملها الجفرافيون مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والذهبي وعلماء الدين مثل ابن تيمية . كما أسماه بعض العرب أثناء الخلافة العباسية “خليج العراق”، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة. يقول د. عماد الحفيظ: “إن تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها”

هذا وقد بدأ بعض الباحثين الغربيين يتخلون عن التسمية الفارسية للخليج. ومن هؤلاء المؤرخ الانجليزي رودريك أوين الذي زار الخليج العربي واصدر عنه سنة 1957 كتابًا بعنوان “الفقاعة الذهبية – وثائق الخليج العربي” وقد روى فيه أنّه زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنّه خليج فارسي لأنّه لم ير على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم. ولكنه ما كاد يتعرف إليه عن كثب حتى أيقن بأنّ الأصح تسميته “الخليج العربي” لأنّ أكثر سكان سواحله من العرب. وقال: «إنّ الحقائق والانصاف يقتضيان بتسميته الخليج العربي”.[ الخليج العربي. ص98. ترجمة نجدة هاجر وسعيد الغز. بيروت 1959] وكذلك أكد الكاتب الفرنسي جان جاك بيربي (J.J. Berrebi) عروبة الخليج في كتابه الذي تناول فيه احداث المنطقة و أهميتها الإستراتيجية، حيث يقول: «يؤلّف القسم الذي تغسله مياه نهر كارون من إقليم الأحواز مع القسم الأسفل من بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية واقتصادية… إن إقليم الأحواز هي طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها مارّا بلبنان وسوريا والعراق.

وقد كتب جون بيير فينون أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس في كانون الثاني 1990 دراسة في مجلة اللوموند الفرنسية حول الخليج تؤكد تسميه الخليج بالعربي. فقامت السفارة الإيرانية باحتجاج كبير. وكتبت ردًا على بيير. فرد هو أيضًا ردًا مدعمًا بالحجج العلمية، وقدم خريطة لوكانور التي يرجع تاريخها إلى نهاية القرن السادس عشر والتي تحمل التسمية اللاتينية سينوس ارابيكوس أي “البحر العربي”، وقال: “لقد عثرت على أكثر من وثيقة خريطة في المكتبة الوطنية في باريس تثبت بصورة قاطعة تسمية الخليج العربي، وجميعها تعارض وجهة النظر الإيرانية”.

 وأكد الكاتب وجهة نظره فيما تضمنته خارطة جوهين سبيد التي نشرت عام 1956 تحت اسم الامبراطورية التركية حيث ورد في الخريطة تسمية “بحر القطيف” ثم “الخليج العربي”. و قد دحض جون بيير (Jean-Pierre) كل افتراءات الإيرانيين، وأكد أن تسمية “الخليج الفارسي” الشائعة حديثًا بين الجغرافيين الأوربيين جاءت نتيجة توجه سبق، و ابتدعته الدول الاستعمارية خاصة إيطاليا. لأنّ عروبة الخليج قد وردت أيضًا في كتابات ومؤلفات المؤرخ الروماني بيلبي في القرن الأول الميلادي.

  يقول الباحث د . إبراهيم خلف العبيدي: “بدأت الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أنّ تسمية الخليج العربي بالفارسي لا تمت للواقع بشئ؛ إذ أنّه عربي منذ عصور ما قبل التاريخ. وأنّ سيطرة إيران عليه في فترات محدودة، لا يعد دليلًا على أنّه فارسي. فضلًا عن ذلك فإنّ القبائل العربية هي ساكنه جانبي الخليج منذ القدم. و لا تزال القبائل تسكن في الساحل الشرقي الذي تحتله إيران، على الرغم من سياسية التفريس التي تتبعها إيران لمسخ هويتهم القومية”.

 و لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة. حيث يقول الدكتور عماد الحفيظ: «إنّ تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها.

[ مجلة المنهل عدد ذي الحجة 1426هـ. د. عماد محمد ذياب الحفيظ عضو اتحاد المؤرخين العرب العراق، رئيس قسم العلوم الأساسية في جامعة التحدي –ليبيا] أما العثمانيون فسموه خليج البصرة» (بصرة كورتري)؛ لأن تعاملهم محدود بهذه المنطقة. وهنالك خريطة فرنسية قديمة للرحالة لوكانور تشير إلى تسمية الخليج بالعرب Sein Arabique، تعود إلى سنة 1667، وما تجدر الإشارة إليه، أنّه بتحليل الحمض النووي لعينات بشرية قديمة تبين أنّ أصل غالبية مناطق الخليج (شرقًا وغربًا) هم من الجزيرة العربية وليس فيهم أصول آرية.

  وهكذا نجد أنّ ادعاءات إيران بفارسية الخليج ادعاءات باطلة تدحضها وثائق تاريخية وخرائط قديمة لرحالة ومؤرخين وجغرافيين أوروبيين قدامى ومحدثين، ولابد أن يتصدى مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية لإصرار إيران على اغتيال عروبة الخليج.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/822802/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D8%A8%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A

Leave a Reply