سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشرت في جريدة المدينة بتاريح  20 يناير 2023م

تشكل الأراضي الزراعية في السعودية حوالي 22.7% من مساحتها؛ إذ تصل إلى أكثر من 2.150 مليون كم2. ومنذ أطلقت المملكة “رؤية 2030” الاستراتيجية عام 2016، أولت القطاع الزراعي والثروة الحيوانية اهتمامًا مباشرًا، بهدف تطويره ودعمه ليكون أحد الروافد الاقتصادية والاستثمارية النامية في المملكة.. وفي 19 يناير 2019 دشّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة، والذي يسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة، فالتنمية الريفية عملية منظمة ومخططة تسعى لتطوير الحياة الريفية، وحسن استثمار الأراضي والمساحات الزراعية وكافة الموارد وتحسينها بالشكل الذي يحقق التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة، وتوفير فرص عمل  للسكان الذين يعيشون في المناطق الريفية، وتطوير نمط المعيشة في الريف من خلال الاعتماد على الوسائل الحديثة للحد من الهجرة من الريف إلى المدن،  وتطوير الطرق التي تربط القرى الريفية بالمدن مع العمل على تحقيق نوعًا من الاكتفاء الذاتي للدولة من الإنتاج الحيواني، والإنتاج الزراعي  في المحاصيل المتوفر زراعتها فيها.

من هنا كانت التنمية الريفية من أهم برامج رؤية المملكة 2030، ففي  19سبتمبر 2018 صدر أمر سام باعتماد برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة بمبلغ 9 مليارات ريال، وفي 20 أكتوبر 2018 تم تخصيص 3 مليارات ريال للتمويل المساند لبرنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة، تتضمن دعم صغار المزارعين والمربين والصيادين ومربي الماشية، وبهدف دعم الأمن الغذائي وتعزيز الإنتاج المحلي يقدم صندوق التنمية الزراعية تمويل زراعة القمح  للمزارعين الحاصلين على ترخيص من وزارة البيئة والمياه والزراعة  موضحًا المساحة والكمية لزراعة القمح ، ويقدم الصندوق أيضًا تسهيلات ائتمانية لاستيراد الأعلاف الخضراء، والتي تعتبر من أهم مصادر الغذاء للماشية، ووفق تصريح مدير عام صندوق التنمية الزراعية، أنّ الصندوق وعلى مدى 54 عامًا كان ومازال مساهما وبفعالية في مسيرة التنمية من خلال تقديم أكثر من 33 مليار ريال لصغار المزارعين، إضافة إلى أكثر من 16 مليار ريال لدعم المشروعات الزراعية المتخصصة ليؤدي دوره المنوط به في دعم تطلعات وأهداف التنمية الزراعية في مختلف مناطق المملكة بالتكامل مع وزارة البيئة والمياه والزراعة ووفق رؤية المملكة 2030

  وفي يناير 2019 استهدف برنامج التنمية المستدامة  إنتاج وتسويق البن، وتربية النحل، وزراعة الورود، و5 قطاعات، فتم تشجيع المزارعين على زراعة  شجرة البن الخولاني في مرتفعات بني مالك التابعة لمحافظة الداير بني مالك بجازان  حيث يجدر بالذكر أنّ زراعة البن هناك منذ مئات السنين وهم يزرعون البن ومحاصيل أخرى، وهي ليست زراعة مستحدثة أو تجربة جديدة، كما يظن البعض والمدرجات الزراعية الواقعة في جبال جازان، وفي11 يناير أعلنت وزارة الزراعة أنّ  برنامج التنمية الزراعية الريفية يستهدف تأمين 19% من احتياجات المملكة الغذائية بنهاية 2025، وفي 21 يوليو 2020 وافق مجلس الوزراء على الترتيبات التنظيمية لبرنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة. وفي 16 مارس 2021، أقر مجلس الوزراء السعودي قانون “النظام الزراعي” الجديد، الذي يهدف لتنظيم القطاع، وضبط مشاريعه، وتنمية الاستثمارات الزراعية المتنوعة، بالإضافة إلى عمليات الصيد البري والبحري وتربية الحيوانات.

   إنّ الزراعة في المملكة العربية السعودية تحسنت بشكل كبير على مدى العقود الماضية. على الرغم من أنّ الصحاري تشكل جزءً كبيرًا من مساحتها، إلّا أنّ هناك العديد من المناطق التي تمثل مناخًا وأرضًا خصبة للزراعة. وقد ساهمت الحكومة في هذه العملية عن طريق تحويل مناطق واسعة من الصحراء إلى الحقول الزراعية، من خلال تنفيذ مشاريع الري الكبرى واعتماد هذه الآلية على نطاق واسع، واستصلاح الأراضي، مضيفة بذلك المناطق القاحلة سابقًا إلى المخزون من الأراضي الصالحة للزراعة ترتكز الزراعة في مناطق محدودة في المملكة أشهرها: منطقة المدينة المنورة والطائف، والرياض، والجوف، وتبوك، والقصيم، وحائل، الأحساء، والقطيف، وعسير، وجازان، نجران ومكة المكرمة والحدود الشمالية. في الوقت الحاضر تركز الزراعة في السعودية على الاكتفاء الذاتي وكذلك تصدير القمح والتمور ومنتجات الألبان والبيض والأسماك والدواجن والفواكه والخضروات والزهور إلى الأسواق في جميع أنحاء العالم. وتعتبر وزارة البيئة والمياه والزراعة هي المسؤولة في المقام الأول عن السياسات الزراعية في البلاد، وتقدم الحكومة قروضًا بدون فوائد للمزارعين وعلى المدى الطويل. كما أنّ القطاع الخاص يقوم بدور مهم في الناتج المحلي، فقد بلغت مساهمته في عام 2016 مقدار 54 مليار ريال سعودي، ومساحة تقترب من 700 ألف هكتار. وحققت السعودية اكتفاء ذاتيًا وفائض إنتاج بنسبة 110% – 120% في محاصيل عدة كالبطاطس والباذنجان، الخيار، البامية، بيض المائدة والحليب الطازج إلى جانب التمور، والتي تحتل السعودية المركز الثاني في إنتاجها عالميًا.

هذا وكان أبرز نتائج مسح الإنتاج الزراعي في السعودية لعام 2018  هذه الإحصائيات:

بلغ عدد أشجار النخيل 30,429,607 نخلة، أنتجت 1,427,506 طن. تنتج القصيم منها 8 ملايين نخلة. وتقدر قيمة ما يتم بيعه في مهرجان التمور السنوي في القصيم ما يفوق 2 مليار، وتُنتج المدينة المنورة منها 4 ملايين نخلة، تنتج 189 طن سنويًا من التمور، ذات جودة عالية وأنواع عديدة تصل إلى 270 نوعًا وأشهرها «تمر العجوة» وتمر العنبر ورطب الروتانة، والنعماني، والصفاوي، والبرني.

بلغ عدد الأشجار الدائمة 25,918,493 منها 18.390.803 شجرة مثمرة أنتجت 666264 طنا تتصدرها أشجار الزيتون بـ 12,775,819 شجرة. وتنتج منطقة الجوف زيت زيتون يعتبر من أفضل الأنواع. وقد دخلت موسوعة غينيس كأكبر مزرعة زيتون حديثة في العالم .وبلغت المساحة المزروعة من الحبوب 2,780,295 دونمًا، بينما بلغت المساحة المزروعة من الخضروات المكشوفة 797,181 دونمًا (الدونم الواحد يعادل حوالي 1000 متر مربع في السعودية) ، ومن المحمية 31,937,643 مترًا مربعًا، وبلغت الثروة الحيوانية 13,522,687 رأسًا من الضأن والماعز والإبل والأبقار.

وتعود للخرج الريادة في صناعة وتقنية الألبان، وتنتج على مستوى المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي. كما تعتبر المركز الرئيسي في تغذية الرياض بالخضروات المتنوعة وهي مصدر أساسي للمملكة في تصدير لبعض المناطق مثل المنطقة الشرقية ومنطقة مكة المكرمة والمنطقة الجنوبية، وتشتهر أيضًا بأجود أنواع التمور نظرًا لخصبة أراضيها وتنوع أصنافها مثل الخلاص والصقعي والبرحي ونبوت سيف والشيشي وغيرها من الأصناف.

أمّا مدينة طبرجل مدينة القمح وسلة غذاء المملكة، تقع  شمال المملكة بقلب وادي سرحان وتتبع إداريًا  إمارة منطقة الجوف، وقد لقّبها المستثمرون الزراعيون بمدينة الذهب الأخضر لوفرة إنتاجها من المنتجات الزراعية وأنواع من اللحوم والألبان ومشتقاته، وتصدر هذه المنتجات إلى جميع أنحاء المملكة ودول مجلس التعاون وبعض الدول الأخرى؛ إذ يضم فرع الزراعة بطبرجل حوالي أربعة آلاف مشروع زراعي ومعظم هذه المشاريع من القمح والشعير والبرسيم،  بالإضافة إلى احتضانها  أكبر منطقة زراعية في الشرق الأوسط والتي يطلق عليها “بسيطا الزراعية”، حيث يوجد بها عدد من الشركات الزراعية الضخمة، وتنتج هذه المشاريع جميع أنواع الحبوب والأعلاف بالإضافة إلى إنتاجها من الاشجار المثمرة وعلى رأسها الزيتون والنخيل والتفاح والتين والبرتقال “اليوسفي” وجميع أنواع الفاكهة، وتنتج أيضًا الخضروات بأنواعها منها الطماطم والبطاطس والبصل وغيرها وكذلك تقوم بعض الشركات بتربية وتسمين الأغنام لتقوم بتصديرها خارج المنطقة بالإضافة إلى إنتاج الألبان ومشتقاته.[ https://www.alriyadh.com/289635]

هذا وتواجه المملكة العربية السعودية مجموعة من المشكلات والعوائق في  الزراعة، يأتي في مقدمتها:

  1. الزحف العمراني على المناطق الزراعية؛ إذ تعاني المملكة بشدة من تلك الظاهرة خاصة في بعض المدن الزراعية منها مثل المدينة المنورة وخميس مشيط والطائف حتى أنّنا نلاحظ تقلص مساحة المسطحات الخضراء والبساتين التي كانت منتشرة في تلك المدن ولم يقتصر الزحف على مزارع الخضروات و الفواكه بينما تمتد أيضًا على مزارع الدجاج، ولكن تغلبت المملكة على هذه الظاهرة بإصدارها أنظمة تمنع إصدار تراخيص بناء  لتحويل البساتين والمناطق الزراعية إلى أراض تجارية.
  2. انتشار مشكلة الملوحة والتي تعد أحد المشكلات الأساسية التي تواجه الإنتاج الزراعي بالمملكة، وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للاستصلاح الزراعي في البلاد نحو 3.8 ملايين هكتار (380 ألف كيلومتر مربع)، حيث ساهمت الحكومة في تحويل عدد من المناطق الصحراوية إلى أراضٍ زراعية عبر مشاريع الري وتحسين التربة، وتقدم الحكومة قروضًا بدون فوائد للمزارعين وعلى المدى الطويل، كما أنّ للقطاع الخاص دورًا مهمًا أيضًا في الناتج المحلي، فقد بلغت مساهمته في عام 2020 مقدار 61.4 مليار ريال سعودي (16.3 مليار دولار) نحو 4% من الناتج المحلي غير النفطي، وترتكز الزراعة في مناطق محدودة في المملكة أشهرها: منطقة الرياض، والجوف، وتبوك، والقصيم، وحائل، الأحساء، والقطيف، وعسير، وجازان، نجران والمدينة المنورة ومكة المكرمة والحدود الشمالية. في الوقت الحاضر تركز الزراعة في السعودية على الاكتفاء الذاتي وكذلك تصدير القمح والتمور ومنتجات الألبان والبيض والأسماك والدواجن والفواكه والخضروات والزهور إلى الأسواق في جميع أنحاء العالم
  3. هدر كمية كبيرة من المياه في مجاري السيول والوديان بسبب عدم توافر السدود والخزانات اللازمة لحفظ المياه مما يؤدي إلى عدم توافر المياه المطلوبة لعملية الري .وقد تغلّبت المملكة على هذا الموعق بإنشائها نحو 564 سدًا؛ إجمالي طاقتها التخزينية نحو 2.6 مليار م3، موزعة على كافة المناطق، وأكثرها شُيد فوق الدرع العربي، وعلى وجه التقريب في المناطق الجبلية الوعرة.
  4. انعدام عملية الربط بين التسويق الزراعي ومواقع الإنتاج المختلفة مما يتسبب في تلف العديد من المحاصيل الزراعية وبشكل خاص الخضروات، ولا تخلو برامج التنمية الريفية المستدامة من تأمين شبكة طرق آمنة وسريعة لنقل المحاصيل الزراعية للمدن لبيعها، وتلبية احتياجات سكانها من الفواكه والخضروات واللحوم والألبان والبيض.
  5. زيادة الهجرة من الريف إلى المدن وذلك بسبب لجوء العديد من المزارعين إلى العمل في مجالات أخرى، وبرامج التنمية الريفية المستدامة ستحد من هذه الهجرات بتوفير فرص العمل، ورفع دخل الفرد في الريف، وذلك بتطوير البيئة الريفية لتحقيق أهداف التنمية الريفية بتطوير الزراعة بإدخال نظم الري الحديثة لزيادة الإنتاج الزراعي، ممّا يعود على أهل الريف بدخل مرتفع، وكذلك  الاهتمام بالتعليم وتطويره للتخلص من الجهل والأمية، ورفع نسبة الوعي لدى سكان الريف، مع الاهتمام بالرعاية الصحية لأهالي الأرياف للتخلص من الأمراض التي يصاب بها أطفال الريف، واستخدام الوسائل الحديثة في الحياة المعيشية اليومية. ومن الضرورة بمكان مشاركة أهل الريف في الحياة السياسية، وتأسيس هيئة إدارية،  يكون جميع أعضائها من أهل الريف تتولى ادارة الشؤون العامة والمحلية المتعلقة بالريف، ومحاولة حل المشكلات التي تعترض المزارعين، وتدفعهم إلى بيع أراضيهم بمنحهم التسهيلات اللازمة حتى يتمسكوا بها، وبالتالي يزيد الإنتاج، وهذا ما يسهم بدوره في تحقيق التنمية الريفية .

وهكذا نجد أنّ برامج التنمية الريفية المستدامة حققت السعودية اكتفاء `ذاتيًا  في عدد من المنتجات الزراعية في عام 2020، مثل التمور 125%، والخضار والدواجن 60%، والبيض 116%، والحليب الطازج ومشتقاته بنسبة 109%، والأسماك بنسبة 55%، وفق أرقام الحكومة السعودية، ومؤخرًا اعتمدت  وزارة البيئة والمياه والزراعة الخطة التوسعية في قطاع الثروة النباتية والبيوت المحمية باستثمارات جديدة بقيمة 4 مليارات ريال خلال الفترة من 2023-  2025، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة وشركات القطاع الخاص، ستسهم في إنتاجية إضافية تقدر بـ 430 ألف طن، لتصل الطاقة الإنتاجية الإجمالية للبيوت المحمية إلى ما يزيد عن مليون طن سنويًا.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/823710/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-2030#:~:text=%D9%81%D9%8A%20%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9%202030,-%D8%AF.&text=%D8%AA%D9%8F%D8%B4%D9%83%D9%90%D9%91%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9,%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9..

Leave a Reply