د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 29/ 9 / 2022م
في وقت انتقص بعض الفقهاء من أهلية ومكانة المرأة، وسلبها بعض حقوقها، ونسبوه إلى شرع الله الذي يتبرأ ممّا نسبوه إليه ،واستغل المتشدّدون ذلك في التضييق على المرأة، وتحريم عليها ما أباحه الله لها، فأصبحت المرأة بموجب ذلك محط إهانة وإذلال وضرب وقتل أمام الناس من قبل بعض الرجال أيًا كانت صفتهم، بل أصبحت تُذبح أمام الناس من قبل من رفضت الزواج به، وكذلك تُقتل من قبل بعض السلطات في بعض الدول التي تدعي أنّها تطبق شرع الله، وأقربها حادث مقتل الفتاة الكردية الإيرانية” مهسا أميني” على يد شرطة الأخلاق الإيرانية لعدم التزامها بالحجاب كما يجب، كما أنّ الخطاب الديني المتشدِّد المفسر من قبل البشر أعطى حق للسلطة السودانية في عهد البشير جلد الانساء المرتديات بنطلونات في الشوارع، كما أعطى الحق لحكومة طالبان حرمان الفتيات من التعليم الثانوي والجامعي، وضرب المتظاهرات المطالبات بحقهن في التعلّم، ولكن عند تأملنا في كتاب الله نجد كيف أنّ الله جلّ شأنه قد كرّم المرأة وأعزها وخلّدها في كتابه بأنّه أنزل أكثر من (230) آية من القرآن الكريم في حوالي (58)امرأة، منهن(54) امرأة صالحة يمثلن الجانب الإيجابي، و(4) نسوة فقط كافرات يمثلن الجانب السلبي.
من ذلك: بيان أنّها والرجل من أصل واحد، ومسؤوليتها الإنسانية ومساواتها بالرجل في الأجر والثواب وفي تحمل أمانة الاستخلاف، وتحريرها من مظالم الجاهلية، وتأكيد شخصيتها وكمال أهليتها، وتبرئة أمنا حواء من تهمة الخطيئة الأزلية، واستقلال شخصية المرأة واختيارها بين الإيمان والكفر، والهجرة، ومساواتها في البيعة، والولاية والشورى، وفي أهلية التكليف والكد والسعاية، ومشاركتها الرجال في الشدائد وفي المباهلة وفي إجارة المحارب، وفي المسؤولية الجنائية والحفاظ على سمعتها وكرامتها، وبيان مكانتها في الأسرة كأم وأخت وزوجة وابنة، وتوزان حقوقها مع واجباتها، مع تنظيم الطلاق وتقنين تعدد الزوجات.
أمّا الشخصيات النسائية التي خلّدها القرآن، هنّ:
- أمنا حواء أم البشر وأوّل أنثى، وقد برأها الله تعالى من تهمة الخطيئة الأزلية التي ألحقتها بها الديانات السابقة للإسلام .
- السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم وأم إسماعيل عليهما السلام، وكيف أصبح سعيها بين الصفا والمروة بحثًا عن ماء يروي عطش وليدها نُسكًا من مناسك الحج والعمرة.
- كما سلّط الضوء على السيدة سارة أم سيدنا إسحاق عليه السلام.
- 4. كما أشار القرآن الكريم لبنات النبي نوح وبنتي شعيب عليهما السلام، والسيدة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم. وعددهن (6) نسوة.
- 5. وزوجتا سيدنا أيوب وزكريا عليهما السلام، وقصة امرأة العزيز مع سيدنا يوسف عليه السلام ونسوة المدينة اللاتي يصل عددهن إلى سبع نسوة، وعددهن(10) نسوة.
- وقصة بلقيس ملكة سبأ مع سيدنا سليمان عليه السلام، وأم وأخت وزوجة سيدنا موسى عليه السلام وحاضنته امرأة فرعون. وعددهن(3) نسوة.
- 7. وزوجة عمران أم السيدة مريم والسيدة مريم ابنة عمران خير نساء العالمين(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين)[آل عمران:42]، وعددهما اثنتان.
- 8. ثم أمهات المؤمنين بآيات عامة،[سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر بن الخطاب، وزينب بنت خزيمة, وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث، ومارية القبطية وريحانة بنت زيد] وقبلهن السيدة خديجة رضي الله عنها، مع تخصيص السيدة خديجة بنت خويلد بآيات. كما خصَّصت آيات لتبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها من حادثة الإفك في الآيات (11- 25) من سورة النور، كما نزل قرآنًا في سودة بنت زمعة، وأم سلمة، ومارية القبطية، كما زوّج الله جل شأنه الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة زينب من جحش مطلقة متبناه زيد بن حارثة، وأشار إلى حفصة بنت عمر بن الخطّاب وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما.] وعدد هن(13)
- 9. كما أشار إلى (18) امرأة من خارج بيت النبوة، وهنّ:
- المرأتان اللتان وهبتا نفسيهما للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:(وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الأحزاب:50]، والمرأتان ،هما: خولة بنت حكيم، وأم شريك الأنصارية.
- خولة بنت ثعلبة التي سمع الله حوارها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجادلتها له في زوجها وجدالها(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[المجادلة:1]
نساء بايعن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة، وسميت بيعتهن ببيعة النساء التي خص الله بها النساء في قوله تعالى:(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الممتحنة:12]، وعددهن (11) امرأة (أم سلمة هند بنت سهيل وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وأم شريك غزية بنت جابرـأم سلمة وأم حبيبة من أمهات المؤمنين ، وقد نزل فيهن قرآنًا. فيكون العدد الباقي (9) نسوة) وأم هانئ فاختة بنت عبد المطلب وأم أيمن بركة مولاه عليه الصلاة والسلام، وأم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث، وأم معبد عاتكة بنت خالد، وأم الدرداء الكبرى خيرة بنت أبى حدرد الأسلمي، وأم بشير بن البراء خليدة بنت قيس بن ثابت، وأم الحكم بنت الزبير بن عبد المطلب، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط)،وأم كلثوم نزل فيها قوله تعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ َلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖيَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚوَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الممتحنة:10]
- نسوة بايعن مع الرجال الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الشجرة(بيعة الرضوان) الذين قال الله تعالى فيهم(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح18]، وقوله أيضًا:(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚفَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖوَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح:10] وهنّ:الربيع بنت معوز، أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية، ونسيبة بنت كعب الأنصارية( أم عمارة)
- نسوة نزلت فيهن آيات تشريعية، وهنّ ثلاثة :مسيكة التائبة التي نزل فيها قوله تعالى:(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).[النور:33] وأم كُجّة صاحبة الميراث التي نزل فيها قوله تعالى:( (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا)[النساء:11] وكبيشة بنت معن التي نزل فيها قوله تعالى:(يَآٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمنواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰاحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ ۚوَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚفَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء:19]
- إضافة إلى أربع نسوة كافرات منهن امرأتا نوح ولوط عليهما السلام، حمالة الحطب أروى بنت حرب بن أمية (أم جميل) وناقضة غزلها، وهنّ يمثلن الجانب السلبي .
وهكذا نجد أنّ (58) امرأة نزل فيهن قرآنًا، ومنهن منزل فيها قرآنًا في أكثر من موضع، ومنهن من صنّف في مرتبة الأنبياء(مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم عليه السلام) ومنهن أمهات وأخوات وزوجات وبنات أنبياء عليهم السلام، ومنهن فقيهات ومفتيات وراويات حديث من أمهات المؤمنين سودة بنت زمعة وعائشة وحفصة وأم سلمة وجويرية بنت الحارث ورملة بنت أبي سفيان رضوان الله عليهنّ)، ومنهن من كانت ملكة ذات بأس شديد(بلقيس ملكة سبأ)ومنهن من كانت زوجة فرعون(آسية بنت مزاحم امرأة فرعون موسى)، و(18) منهن من خارج بيت النبوة, ثلاثة منهنّ راويات حديث، وأربع نسوة فقط كافرات. فلقد خلّد القرآن الكريم النساء من خلال أكثر من(220) آية كرّمتهن ونزول أكثر من مائة آية في(54) امرأة صالحة خلّدتهن، وأعلت من شأنهن وبيّنت ما لهنّ من حقوق، وما عليهن من واجبات، و(4) كافرات.
وأمل أن يُدرك الذين يُحطِّون من قدر المرأة، ويتعالون عليها، وينظرون إليها أنّها المخلوق الأدنى أنّ الله قد أعز المرأة وكرمها في كتابه الكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ) فلا نمتهنها ونُقلِّل من شأنها، ولا ينظر الرجل إليها باستعلاء، وأنّه المخلوق الأعلى وهي المخلوق الأدنى.
البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/807645/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%AE%D9%84%D8%AF%D9%87%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85