د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 6 أكتوبر 2022م

   إنّ النظام في الكون قائم على الزوجية،  وقاعدة اللقاء في ظاهرة الزوجية الكونية هي التخالف، وليست التوافق، فاللقاء الخصب المنجب يجب أن يتم بين متخالفين ومتباينين، ومن ثّمَّ فإنّ العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على التخالف،  وهذا التخالف هو الشرط الأساس لوجود ظاهرة(التكامل)والتعاون؛ حيث يظهر لكل واحد من الزوجين أنّ كمال البنية المشتركة بينهما وهو الأسرة لا يأتي من أيٍّ منهما على انفراد، وإنّما من خلال اللقاء الإيجابي بينهما، وتكميل أحدهما للآخر، فعلاقة المرأة بالرجل ليست علاقة تنافسية أو تصادمية، وإنّما علاقة تكاملية ندِّية لا يعلو أحدهما على الآخر، واختلاف مهامهما في الحياة قائم على اختلافهما في التكوين الجسمي والفسيولوجي والبيلوجي والنفسي، ليتحقق في النهاية التكامل المنشود الذي خلق الله الكون على نظام الزوجية من أجله، لكن للأسف الشديد أساء الرجل فَهْم الاختلاف في نظام الزوجية، وفسّره بضعف المرأة ودونيتها، وأنّها دونه اعقلًا ومكانة، وتعامل معها بهذه النظرة في مختلف الحضارات والديانات السابقة للإسلام، وعندما جاء الإسلام لم يتحرر الرجل المسلم من موروثات مجتمعاته الثقافية والفكرية التي كانت سائدة قبل الإسلام وفسّر الآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها الزوجية والأسرية طبقًا لتلك الموروثات ودّعمها بأحاديث ضعيفة وموضوعة وشاذة، وزعم أنّ تلك التفسيرات وما استنبط منها من أحكام فقهية تمثل شريعة الله، ومن خالفها أو انتقدها كفر وخرج عن ملة الإسلام واستُبيح دمه.

   والآية الكريمة(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لعلكم تتَذّكَّرُون.) تقرر أنَّ نظام الكون قائم على الزوجية. والمعرفة والتقدم العلمي الذي كان متوفرًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكِّن على أي نحو من الكشف عن نظام (الزوجية) في الوجود، بل إنّ ما كان في حوزة الناس آنذاك من استقراء واطلاع لم يكن كافيًا للكشف عن ظاهرة (الزوجية) في (الأحياء) فضلًا عن ميادين الوجود المختلفة، والكشوفات الكونية المتسارعة تميط اللثام في كل يوم عن أشكال من التزاوج والاقتران والارتباط في ميادين الحياة كافة، وعلى مستويات مختلفة، ابتداءً بالذرة، وانتهاءً بالمجرة، ممّا يُضيف شواهد جديدة على صدقه عليه الصلاة والسلام.

     إنَّ ظاهرة الزوجية ليست دليلًا على وحدانية الخالق جل شأنه فحسب، وإنّما هي دليل على نقص المخلوقات وافتقارها لغيرها أيضًا، حيث لا تتحدد معاني الأشياء وقيمها الحقيقية من خلال ذواتها، وإنَّما من خلال كونها أجزاءً في تركيبات أعم، وفي هذا الصدد فإنّه يمكن القول: إنّه عند تدقيق النظر لا يخلو شيء عن تركيب! .

  ولولا معرفة الناس بالقبح لما كان للجمال أي معنى أو قيمة إضافية؛ لذا قالوا: إنَّ للشوهاء فضلًا على الحسناء؛ إذ لولاها لما عُرف فضل الحسناء .

   ومن حكمته جل شأنه في إقامة نظام الكون على نظام الزوجية الإخصاب أوضح نتائج التزاوج بين الأشياء، وهو أوضح ما يكون في التقاء الأزواج من الإنسان والحيوان؛ فمن خلال لقاء الزوجين يتم حفظ النوع واعتناؤه بنسل على درجة كبيرة من التنوع والتعدد .

إنَّ حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام علاقة تكاملية ندية وليست علاقة تنافسية دونية بمعنى أنَّ كلًا منهما يكمل الآخر .

فالإسلام ينظر إلى الرجل والمرأة على أنَّهما شيء واحد هو الإنسان، مُكلّفان معًا بتحمّل بأمانة الاستخلاف، ومتساويان في الأجر والثواب والجزاء والعقاب، وفي الفرائض والعبادات، وفي الحدود والقصاص والتعزيرات، وفي الحقوق المالية والمدنية والسياسية والعلمية والتعليمية وأنَّ هذا الإنسان نوعان أو جزآن متكاملان هما الرجل والمرأة، ومختلفان في التكوين والقدرات، وإنَّ من حكمة الله الخالق جل وعلا أنَّه لم يجعل الاختلاف بينهما في التكوين الجسمي والنفسي اختلاف تضاد، بل جعله اختلاف تكامل. فطبيعة الرجل الجسمانية  والنفسية مكملة لطبيعة المرأة، وكل منهما لا يستغني عن أن يكمّل نفسه بالآخر، ولذلك أصبح الزواج ضرورة إنسانية لحفظ النوع، وتحقيق التوازن العاطفي، والاستقرار النفسي ليتمكّن كل من الرجل والمرأة من إتقان عمله والإبداع فيه ليحقق التنمية والتطور لمجتمعه، والنهوض به، ومن ثمّ  للإنسانية وتطورها الحضاري، فالعلاقة الزوجية تكاملية مع نِدّيتها، ولكن للأسف لا يزال الخطاب الديني المُفسّر من قِبل البشر، وبعض الرجال في مجتمعاتنا العربية ينظرون إلى المرأة نظرة استعلائية في التعامل معها، ويرفضون الندِّية في العلاقات الزوجية، فنجدهم يرفضون مطالبتها بحقوق منحها خالقها كانت قد سكتت عن المطالبة بها قرونًا عديدة لتسلط الرجل وانفراده بالفتوى وإصدار الأحكام الفقهية والتشريعات والقوانين ، واعتبر أنّ ما استقر عليه الوضع من هضم بعض حقوقها المسكوت عليه حقًا مكتسبًا له، وعرفًا له حكم الشرط المُلزم، واتهام من يطالب بتلك الحقوق الجهل بالدين وما استقر العرف عليه، وأنّه إفساد المرأة على زوجها وأسرتها، وتخبيب وتخريب مُنكَر ومُحرَّم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا”.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تُعتبر توعية الزوجة بحقوقها على زوجها التي منحها إياها الإسلام، المُعتّم عليها قرون عديدة، وكشف النِّقاب عنها في أيامنا هذه  تخبيًبًا على زوجها، وإفسادها عليه؟

 من ذلك ما أُثير مؤخرًا  الجدل حوله من حق الأم في أجرة رضاعها لأولادها، وأنّ قيامها بأعمال المنزل وطهي الطعام تفضلًا منها ، وليس إلزامًا كما يريد الرجل إلزامها به، فالخدمة المنزلية كالعجن والخبز والطبخ والغسل وشراء الطعام وغيرها- كما يقول فضيلة الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- يرى جمهور الفقهاء أنّه يجب على الزوج تدبير تلك الخدمة؛ لأنّها ليست من معنى الزوجية وحقيقتها؛ خاصة إذا كانت الزوجة ممن كانت تُخدم في بيت أبيها، أو كانت مريضة لا تستطيع خدمة نفسها.

 أمّا من حيث إرضاع المولود يــرى الشــافعية والحنابلــة: اســتحقاق الأم المرضعــة لمولودهــا أجــرة المثــل سـواء كانـت فــي عصمـة الأب أم مطلقـة؛ لعمـوم قولـه تعـالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهنّ)[الطلاق:6] ويــرى الحنفيــة والظاهريــة عدم استحقاق الأم المرضعة لمولودها أجر إن كانت في عصمة الأب  وهــو مــا عليــه القانــون المصري الذي يسير على المذهب الحنفي، وأمـّا إن كانـت الأم مطلقـة فلهـا أن تطلـب أجـر، لأنّ إلزامها بالرضاع مجانًا مـع انقطـاع نفقتهـا عـن الأب مضـارة لها، لقوله تعالى (لا تُضار والدة بولدها)[البقرة: 233] وقـال المالكيـة: إن كانـت الأم ممـن يرضـع مثلهـا وكانـت فــي عصمـة الأب، فليـس لهـا طلـب الأجـرة علـى الإرضـاع. أمّـا الشريفة التـي لا يرضـع مثلهـا، أو المطلقـة فلهـا حـق طلـب أجـرة عـلى إرضـاع مولودها[د. سعد الدين الهلالي. حق السعاية في الوظيفة المنسية. ص 20]

  هذا ونجد  المادة (61) في نظام الأحوال الشخصية السعودي، قد ألزمت الأب بأجرة إرضاع ولده الصغير في الحولين إذا تعذر على الأم إرضاعه أو لم تعُد زوجة للأب، ويعد ذلك من النفقة.

   أمّا عن حضانة الأطفال فقد ذهب الحنفية والظاهرية والقانون المصري إلى استحقاق الأم أجرًا على حضانة أطفالها في حال طلاقها، أمّا إن كانت في عصمة الأب فليس لها أجر حضانة وذهب الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى استحقاق الأم أجرًا على حضانتها لأطفالها، ولو كانت في عصمة الأب. بينما ذهب بعض الحنفية والمالكية إلى عدم استحقاق الأم أجرًا على حضانتها لأولادها سواء كانت في عصمة الأب أم لا[المرجع السابق: ص20-21.]

 أمّا من حيث استباق العالم مؤخرًا في التمكين الاقتصادي للمرأة، وإدماجها في التنمية، وتأمينها من غدر الزمان بموت الزوج العائل أو طلاقه لها بعد فوات شبابها وزمن التحاقها بوظيفة تتعيش من دخلها إلى اقتسامها بحق السعاية مع زوجها عند الطلاق أو الوفاة ما يمتلكانه خلال فترة الزوجية إلا ما يملكه أحدهما من طريق آخر ليس بمناسبة الزوجية مثل ما كان يمتلكه قبل الزواج، أو ما يملكه من طريق الإرث.

 ولا يقال إنّ حق الزوجة فى الميراث يكفيها في كل متطلبات حياتها عن حق السعاية المقترح؛ لندرة الميراث من جهة، وتعلقه بعقارات غير سائلة من جهة أخرى، ونفاده بالإنفاق في المعايش اليومية من جهة ثالثة، والأهم أنّها شريكة في تكوين ثروة التركة مما يجعل ميراثها منها كأنّها ترث جزءًا من مالها، وأخيرًا فإذا كان هذا نصيب من مات عنها زوجها، فما هو نصيب من طلقها زوجها بعد فوات حظها في تحصيل وظيفة اقتصادية مجزية؟

  وهكذا نجد أنّ هناك من الرجال في مجتمعاتنا العربية لا يزالون يرفضون الندية في فلسفة تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة ، ولا يزالون يُصِّرون على أنّ الرجل هو المخلوق الأعلى، والمرأة المخلوق الأدنى ، وهذه النظرة الاستعلائية دفعت بعض الشباب قتل الفتيات اللاتي رفضن الزواج منهم متجاهلين أنّ مقياس الأفضلية عند الله  ليس الذكورة، وإنّما  التقوى المُتمثل في قوله تعالى: ( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)

البريد الالكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال :

https://www.al-madina.com/article/808951/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9

Leave a Reply