د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشرت في جريدة المدينة بتاريخ 28 يوليو 2022م.
كم كنت سعيدة وفخورة وأنا استمع إلى كلمات الملوك والرؤساء والأمراء لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق لوحدة المواقف والإجماع في مواقفها من جميع القضايا المطروحة للنقاش في هذه القمة، وسأتوقف هنا في موقفيْن مصيريين للشعوب العربية قاطبة :
أولًهما: التركيز على ضرورة الوصول إلى تسوية عادلة لقضية العرب الأولى القضية الفلسطينية، فجاء في كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان : ” أنّ ازدهار المنطقة ورخائها يتطلب الإسراع لإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وفقًا لمبادرات وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، “وهذا ما أكد عليه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، وملك مملكة البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وولي عهد الكويت، ودولة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في كلماتهم، وقد أكّد الرئيس السيسي على ضرورة الوصول إلى حل نهائي لا رجعة فيه للقضية الفلسطينية، ليكون بذلك قوة الدفع التي تستند عليها مساعي السلام في المنطقة.
هذا الإجماع العربي من جميع القادة العرب الذين ألقوا كلماتهم في القمة بشأن القضية الفلسطينية معلنين تمسّكهم بالمبادرة العربية، ممّا أدّى إلى ورود هذا النص في المادة (4) من البيان الختامي لقمة جدة :” أكد القادة ضرورة التوصل لحل عادل للصراع الفلسطيني ــــ الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، مشددين على أهمية المبادرة العربية. وأكد القادة ضرورة وقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، واحترام الوضع التاريخي القائم في القدس ومقدساتها، وعلى الدور الرئيسي للوصاية الهاشمية في هذا السياق. كما أكد القادة أهمية دعم الاقتصاد الفلسطيني ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا).
في حين نجد أن الرئيس بايدن قد تجاهل في كلمته تسوية القضية الفلسطينية بحل الدولتين، بحيث تكون الدولة الفلسطينية دولة ذات سيادة تتمثل فيها جميع مقومات الدولة لتشمل مساحة جغرافية متصلة وليس كانتونات منفصلة يربط بينها بكباري، كما جاء في صفقة ترامب التي سُميِت بِ” صفقة القرن”؛ إذ تشمل خطة ترامب، ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة لإسرائيل، وإعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وستكون على شكل سلسلة من الكانتونات المنفصلة؛ إذ ستكون دولة فلسطين الجديدة مقطعة الأوصال بشكل لا توجد عليه دولة أخرى في العالم، وإبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل، إلى جانب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
هذا بينما قدّمت الإدارة الأمريكية مشروع صفقة القرن بشان دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومقسمة الأوصال مع إبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل رفضت ما طالبت به روسيا تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها، وأخذ تعهد منها أن لا تنضم إلى حلف الناتو حفاظًا على أمنها القومي، مع أنّ فلسطين دولة محتلة من قبل إسرائيل ولا حق لإسرائيل ولا في شبر منها كما قال المتحدث الرسمي لحركة ناطوري كارتا الحاخام ديفيد وايس، وما أثبتته الحفائر والوثائق التاريخية لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال .
وفي هذا الإجماع العربي رسالة واضحة لأمريكا وإسرائيل أنّه لن يتحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة إلّا بحل الدولتيْن بموجب المبادرة العربية، ولن بكون تطبيع مع إسرائيل إن لم تلتزم إسرائيل بهذه المبادرة.
ثانيهما: إجماع الدول العربية المشاركة في القمة على رفض التحالف مع أمريكا وإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني وقد وصفها ولي العهد السعودي بالجارة وتربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية ودعاها إلى التعاون مع دول المنطقة لتكون جزء من هذه الرؤية من خلال الالتزام بالمادة الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بمعنى أنّنا لن نتحالف ضدها، وندعوها للتعاون معنا، وكان رئيس الوزراء العراقي قد صرّح يوم الجمعة 15 يوليو قبل انعقاد القمة” إنّ بلاده لن تنخرط في أي تحالف عسكري إقليمي.
وكذلك أكد المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة في الإمارات الأستاذ أنور قرقاش في نفس اليوم ل CCN، أنّ بلاده ضد أي تحالف عسكري في المنطقة يستهدف إيران، وأنّها سوف ترسل سفيرًا إلى طهران.
في حين نجد فخامة الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي وجّه رسالة قوية تلمح إلى رفضنا رفضًا قاطعًا للتحالف مع أمريكا وإسرائيل لحماية أمننا القومي وذلك من خلال قوله في كلمته في القمِّة ” أنّه لا تهاون في حماية أمننا القومي وما يرتبط به من خطوط حمراء، وأنّنا سنحمي أمننا ومصالحنا وحقوقنا بكل الوسائل.” بمعنى أنّ أمننا القومي خطوط حمراء لا حاجة لنا لتحالفات مع أعدائنا لحمايته، فنحن قادرون على حماية مصالحنا وحقوقنا بأنفسنا.”
وفي هذه المواقف رد قوي لما جاء في إعلان القدس بهذا الصدد:” كما أكدت الولايات المتحدة التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة “العدوان” الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار.” ويُقصد الشركاء الآخرين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن التي سيجتمع الرئيس بايدن بقادتها في جدة يومي 15، و16 يوليو 2022م.
لذا جاءت المادة رقم (3) من البيان الختامي لقمة جدة بهذ النص:”أكد القادة رؤيتهم المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار، وما يتطلبه ذلك من أهمية اتخاذ جميع التدابير اللازمة في سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دولها، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها، والالتزام بقواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية.”
هذا ومن المفارقات الغريبة أنّ إدارة بايدن تزعم بأنّها تريد حماية أمن المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق من الخطر الإيراني بإيجاد تحالف هذه الدول مع إسرائيل ضد إيران، وهي ذاتها في عهد أوباما أعدت إدارة الأمن القومي الأمريكي عام 2010دراسة باسم الدراسة الرئاسية التنفيذية11) 11 President StudyDirective – PSD )
وقد أكدت المحققة السابقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السيدة كلير لوبيز، خلال جلسة استماع بالكونجرس أنّ تلك الدراسة دعت إلى استخدام قدرات وإمكانات أمريكا لدعم الإطاحة بحكومات حليفة وتسليم السلطة لتنظيم الإخوان المسلمين بمصر وشمال أفريقيا وتمكين إيران من السيطرة على الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية” والذين أعدّوها هم ذاتهم يتربعون حاليًا على مفاصل القرار السياسي في الإدارة الأمريكية. ومن أمثلتهم جاك سوليفان(مستشار الأمن القومي)، ومساعده جوناثان فينر، وأنتوني بلينكن(وزير الخارجية)،وافريل هاينز (مديرة الاستخبارات الوطنية)هذا وقد نشرت جريدة نيويورك تايمز في 16 فبراير 2011 تسريبات لبعض محتوى هذه الوثيقة السرية المعنونة باسم الدراسة الرئاسية التنفيذية 11 .
ويرصد الكاتب السعودي والمحلل السياسي يوسف بن طراد السعدون موقف إدارة الرئيس جو بايدن من إيران ويقول: “خلال الشهرين الماضيين(من بدء ولاية بايدن)، سارعت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى: استمالة إيران بتجاهل تمددها الصفوي بالشرق الأوسط ودعمها للجماعات الإرهابية، وإلغاء تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، ووقف دعم عمليات التحالف في اليمن، وتجميد صفقات السلاح للدول العربية. وهذا ما شجع إيران على التمادي في تهديد أمن المنطقة، فأصبحنا نشهد تزايد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الموجهة نحو الأراضي السعودية من ميليشياتها الإرهابية
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك، بل نجدها غضّت الطرف عن جرائم الحوثيين في تجنيدهم الأطفال، وانتهاكاتهم القانون الدولي الإنساني، وما يقومون به من أعمال قرصنة، وتهديد مباشر للملاحة الدولية بزرع الألغام واختطاف السفن ، إضافة إلى جرائمهم اليومية في اليمن والسعودية، واستمرار حصارهم لمدينة تعز منذ ثلاثة أعوام ونصف بمنهجية واستهداف المدنيين العزل بالقتل عبر القنص المباشر والقصف المدفعي؛، وزراعة الألغام ما فاقم من تدهور الوضع الصحي. واحتجازهم لخزان صافر منذ عام 20015، الذى على متنه أكثر من مليون برميل من النفط الخام ورفضهم عمل صيانة له، وقد حذّر الخبراء من وقوع كارثة بيئية في حال تحطمه.
وكل هذه مؤشرات على عزم بايدن تنفيذ خطة الدراسة الرئاسية التنفيذية 11بجعل واضعيها في مراكز سلطوية تمكنهم من تنفيذها بعدما تمكّنت إدارة أوباما من تسليم العراق لإيران، وتنمية نفوذها في سوريا ولبنان، وجعلته يمتد إلى اليمن، لجعل إيران العدو الأول للدول العربية بدلًا من إسرائيل، لجر العرب إلى التحالف مع إسرائيل ضد إيران، وهذا ما هدفت إليه إدارة أوباما من الدراسة 11، وبدأت إدارة بايدن بمرحلة تحقيق هذا الهدف من خلال إيجاد تحالف السعودية وسائر دول الخليج العربي ومصر والعراق والأردن مع أمريكا وإسرائيل بدعوى حماية أمنها من الخطر الإيراني بقيادة أمريكا وإسرائيل لتفوقها التكنولوجي والتقني أي تصبح هذه الدول تحت السيادتيْن والهيمنتيْن الأمريكية والإسرائيلية، ويلحق الخراب والدمار لبلادنا والقتل والتهجير والتجويع لشعوبها، فإيران لن تضرب إسرائيل ولا المصالح الأمريكية فهما حليفيها من تحت الطاولة، وبعد إضعافنا تنقض إسرائيل مع أمريكا على بلادنا وإيران، وتحقق إسرائيل حلمها في إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل، أمّا مخاوف إسرائيل من النووي الإيراني، فماهي إلا طعم لإيقاع العرب في الفخ الذي خطّطت له مع أمريكا، وفشلّه التضامن العربي في قمة جدة للأمن والتنمية، ولو كانت إسرائيل متخوفة منه بالفعل لضربته منذ البداية كما فعلت بالنووي العراقي.
البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : قمة جدة.. قمة التضامن والتوافق العربي المُنسّق – جريدة المدينة (al-madina.com)