سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر بشيء من الاختصار في جريدة المدينة بتاريخ 21/7/2022
كلمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في قمة جدة للأمن والتنمية التي رأسها باعتبار المملكة العربية السعودية الدولة المضيفة ذات دلالات في غاية الأهمية لابد من التوقف عندها وتسليط الضوء عليها، ويمكن تلخيصها في الآتي:
أولًا: نلاحظ مدى الارتباك والتناقض في تصريحات ومواقف الرئيس الأمريكي جو بايدين حول زيارته للمملكة العربية السعودية قبل الزيارة، وتحوّلها عند زيارته للمملكة (360 درجة )من ذلك:
- أنّ الرئيس بايدن أعلن في حملته الانتخابية أنّه سيجعل ولي العهد السعودي منبوذًا، وأعلن في مؤتمر صحفي أمام البيت الأبيض يوم الجمعة 17 يونيه 2022 أنّه لن يعقد اجتماعًا ثنائيًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته الأولى لمنطقة الشرق الأوسط، الشهر المقبل. وتابع بايدن في تصريحاته للصحفيين أنه سيلتقي ولي العهد السعودي “كجزء من اجتماع دولي أوسع”، وفقًا لوكالة “رويترز”
ولكن الذي حدث أنّه اجتمع بولي العهد اجتماعًا ثنائيًا يوم وصوله جدة بعد اجتماعه الأول بخادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز.
والذي كان يريد جعله منبوذًا رأس قمة مؤتمر حضره ملوك ورؤساء وأمراء (9) دول كان الرئيس بايدن أحدهم !
- 2. قدم الرئيس الأمريكي بايدن إلى المملكة العربية السعودية وفي جعبته القانون الذي اقترحه الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي بإقامة نظام دفاع صاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل ودول عربية، وحسب المصادر(صحيفة وول ستريت جورنال) إنّ الاقتراح يهدف إلى حث هذه الدول العربية وإسرائيل على تنسيق أفضل عبر المنطقة، وكان من ضمن ما كان سيطالب به السعودية أن تُطبِّع العلاقات مع إسرائيل ليسهل التواصل المباشر بينها وبين الإسرائيليين فيما يتعلق بالنظام الدفاعي الصاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل والسعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق بقيادة واشنطن لمواجهة الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيرة والصواريخ في الشرق الأوسط.
وسيتعمد النظام على استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية التي قد تكتسب قوة دافعة جديدة خلال رحلة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية لتعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل والشرق الأوسط بعد تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية التي كانت حكوماتها معادية لها.
ويستهدف هذا القانون حماية أمن إسرائيل في المقام الأول وجعل أراضي الدول العربية الداخلة في هذا التحالف ساحات القتال المباشرة مع إيران وفي مقدمتها السعودية حماية لإسرائيل من الضربات الإيرانية، ونصبح نحن تحت السيادة الأمريكية والإسرائيلية، أي يريدون منا أن نفرّط في سيادتنا واستقلالنا وأمننا ويعم القتل والدمار والخراب والتهجير بلادنا ونصبح مُهجرين نغرق في البحار وتغلق الدول الأوربية حدودها في وجوهنا ويصبح مصيرنا مثل شعوب سوريا والعراق وليبيا واليمن، وقد جاءت إشارة إلى هذا التحالف في إعلان القدس؛ إذ جاء فيه :” وهي( الولايات المتحدة الأمريكية) ملتزمة بمواصلة لعب دور نشط، بما في ذلك في سياق زيارة الرئيس بايدن المقبلة إلى المملكة العربية السعودية، في بناء هيكل إقليمي قوي؛ لتعميق العلاقات بين إسرائيل وجميع شركائها الإقليميين، لدفع التكامل الإقليمي لإسرائيل مع مرور الوقت، وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية”. ولعل بيان القمّة يرصد هذا التحوّل بمصداقية واضحة لا لبس فيها.
ثانيًا : الرسالة الأولى التي وجّهها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته أنّه إن كانت أولويات حماية أمن إسرائيل، فهناك ما هو أهم وأشمل، وهو احترام سيادة الدول وقيمها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام استقلالها وسلامة أراضيها، على أمل أن تؤسس هذه القمة لعهد جديد من التعاون المشترك لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين دولنا والولايات المتحدة الأمريكية لخدمة مصالحنا المشتركة وتعزيز الأمن والتنمية في هذه المنطقة الحيوية للعالم أجمع. مبيِّنًا أنّ التحديات الكبرى التي تعرض لها العالم مؤخرًا بسبب جائحة كوفيد 19 والأوضاع الجيوسياسية تستدعي مزيدًا من تضافر الجهود الدولية لتعافي الاقتصاد العالمي، وتحقيق الأمن الغذائي والصحي.
وبهذه البداية وجّه ولي العهد بتنسيق مع القادة العرب المشاركين في القمة بوصلة القمة إلى وجهة غير الوُجهة التي خطّطت لها الإدارتيْن الأمريكية والإسرائيلية، وتجلى هذا بوضوح في بيان القمة.
ثالثًا : نلاحظ أنّ سموه بدأ بالتحديات البيئية التي يواجهها العالم حاليًا وعلى رأسها التغير المناخي، وعزم المجتمع الدولي على إبقاء درجة حرارة الأرض وفق المستويات التي حددتها اتفاقية باريس تقتضي التعامل معها بواقعية ومسؤولية تحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن وانتقال متدرج ومسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة يأخذ في الحسبان الظروف وأولويات كل دولةـ، مركزًا على أنّ إقصاء مصادر طاقة رئيسة دون مراعاة الأثر الناتج عن هذه السياسات في الركائز الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة وسلاسل الامداد العالمية سيؤدي في السنوات القادمة إلى تضخم غير معهود وارتفاع في أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشاكلات اجتماعية وأمنية خطيرة؛ بما في ذلك تزايد الفقر والمجاعات وتصاعد الجرائم والتطرف والإرهاب؛ لذلك نجده أكّد في كلمته على أنّ النمو الاقتصادي العالمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوفرة في العالم، بما فيها الهيدروكربونية مع التحكم فبي انبعاثاتها من خلال التقنيات النظيفة مما يعزز إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري في عام 2050 أو ما قبلها.
ولذلك تبنت المملكة نهجًا متوازنًا للحياد الصفري لانبعاثات الكربون بإتباع نهج اقتصادي دائم للكربون بما يتوافق مع خططها التنموية بتمكين تنوعها الاقتصادي دون تأثير في النمو وسلاسل الإمداد مع تطور التقنيات بمشاركة عالمية لمعالجة الانبعاثات من خلال مبادرتي السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر لدعم تلك الجهود المحلية والإقليمية؛ ولذلك ستقوم المملكة بدورها في هذا المجال بإعلان زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميًا، وبعد ذلك لن يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج.
رابعًا : ثمّ انطلق سموه بالتطرق إلى القضايا الإقليمية التي تهم دول المنطقة، وبدأ بدعوة إيران باعتبارها دولة جارة يربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية إلى التعاون مع دول المنطقة والتي تكون جزء من هذه الرؤية من خلال الالتزام بالمادة الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والوفاء بالتزاماتها في هذا الشأن. وفي هذا رفص للقانون الأمريكي الإسرائيلي بإقامة نظام دفاع صاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل ودول عربية لمواجهة الخطر الإيراني، فنحن لن نتحالف مع إسرائيل أو أمريكا ضد أي دول، ولاسيما ضد دولة جارة كإيران يربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية، وأنّنا ندعوها إلى السلم .
خامسًا: تحدّث عن دعم المملكة جميع الجهود الرامية للوصول لحل سياسي يمني-يمني وفقًا للمرجعيات الثلاث. كما بذلت المملكة مساعيها لتثبيت الهدنة الحالية، وستستمر في توفير المساعدات الإنسانة للشعب اليمني الشقيق.
سادسًا : تأكيده على أنّ أن ازدهار المنطقة ورخائها يتطلب الإسراع لإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وفقًا لمبادرات وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وفي هذا رسالة واضحة للرئيس بايدن أنّه لا تطبيع مع إسرائيل إلّا بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وفقًا لمبادرات وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وليس كما روّج إعلام الرئيس بايدن بأنّ السماح بمرور الطيران المدني الإسرائيلي بالأجواء السعودية تمهيدًا للتطبيع، وقد نفى هذا معالي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
سابعًا : بيّن أنّ اكتمال منظومة الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة يتطلب إيجاد سياسية وواقعية للأزمات الأخرى لا سيما في سوريا وليبيا بما يكفل إنهاء معاناة شعبيهما الشقيقين، مع إشادته باتفاقية الربط الكهربائي بين المملكة والعراق وكذلك مع دول مجلس تعاون الخليج العربي بما يسهم في توفير حاجة العراق من الكهرباء، كما نوّه بمشاريع الربط الكهربائي الجاري تنفيذها بين المملكة وكلٍ من مصر والأردن.
ثامنًا وأخيرًا : أكد سموه في ختام كلمته على تمسكنا وافتخارنا بقيمنا التي لم ولن نتخلى عنها، ونتمنى من العالم احترامها كما نحترم القيم الأخرى بما يعزز شراكتنا ويخدم المنطقة والعالم.
وفي هذا رسالة إلى الرئيس بايدن على ما دار من نقاش بينه وبين الرئيس بايدن في لقائهما الثنائي حول القيم فائلًا:” إنّنا في المملكة نحترم حقوق الإنسان، وهي قيمة تقليدية للمملكة العربية السعودية وأساس معتقداتنا الإسلامية وتراثنا العربي، وأنّه من المهم للغاية نشر القيم من خلال الحوار، لن تكون محاولة فرض قيمك فعّالة للغاية؛ لأنّها سوف تقابل برد فعل سلبي، ورد عكسي، الطريقة الصحيحة لمحاولة طرح قيمك هي أن تظهر للعالم أنّك تلتزم أولًا وقبل أي شيء بتلك القيم، وأنّك تحترم قيمك الخاصة, في النهاية لا يمكنك فرض قيمك بالقوة. لدينا قيمنا الخاصة ولن تتوافق مع القيم الأمريكية بنسبة 100% أبدًا . فنحن نفخر كثيرًا بقيمنا وإيماننا بها، وإذا كانت الولايات المتحدة ستتعامل مع دول تشبهها تمامًا فستكون دول قليلة جدًا جدًا.
إنّ التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي تتطلب التعاون، والطريقة التي سنعمل بها معًا ان يحترم بعضنا البعض.”(نقلًا من حديث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود لقناة سي إن إن عن ما دار في الاجتماع الثنائي بين ولي العهد والرئيس بايدن] ونلاحظ الندية في الحوار، وقوة حجة ولي العهد السعودي، وجرأته في الحق، وتقديمه النصيحة في غاية الأدب .
إنّ الشعب السعودي ليفخر بهذا القائد الشاب العظيم الذي منحه الثقة والشرعية بمايعته وليًا للعهد، وليس لقاء بايدن به أكسبه الشرعية؛ كما زعم أحد المحللين السياسيين الأمريكان !!