سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة 30 يونيه 2022م.

  عنف الرجل  ضد المرأة يأخذ حيزًا كبيرًا من قضايا المجتمعات على اختلاف نوعه، ولعل من أبرزه في الآونة الأخيرة قتل من رفضت الارتباط به، مثل نيّرة أشرف طالبة جامعة المنصورة التي ذبحها زميلها في وضح النهار في الشارع العام عند أسوار جامعتهما لرفضها الزواج منه، وقبلها قتل شاب خمسة أفراد من أسرة واحدة في الريف الأوروبي بمدينة الشيخ زايد بمصر لضبطه حال شروعه في اغتصاب من رفضت الزواج به ليجبرها على زواجها منه، فقتلهم جميعًا لئلّا يٌفتضح أمره، وقبل هاتيْن الجريمتيْن البشعتيْن قتل زوج زوجته أمام طفليهما في أول أيّام عيد الفطر المبارك في بيت أهلها في منطقة عسير لخلاف بينهما، وسبق هذه الجرائم جرائم قتل كثيرة من رجال لزوجاتهم، أو قتل فتيات، أو تشويه وجوههن بماء النّار الحارقة  من قبل شبان رفضن الزواج منهم!

 والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يفتل الرجل المرأة التي ترفضه والزوجة التي تعارضه؟

ممّا يؤسف له حقًا أن من علماء الإسلام وفقهائه الذين لم يتحرّروا من موروثاتهم الثقافية والفكرية نظروا إلى المرأة بأنّها مملوكة للرجل خُلقت لمتعته وخدمته، وعلى هذه النظرة أقاموا خطابهم الديني المخالف للخطاب الإلهي المُنزّل، وقد وُضعت مناهج التعليم الدينية بموجب هذا الخطاب، ودعِّمت بأحاديث ضعيفة وموضوعة ومفردة تدعم تفسيراتهم الخاطئة للآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها الزوجية والأسرية.

  فنجد الشافعية اعتبروا عقد الزواج”عقد تمليك”، واعتبره الأحناف أنّه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع، أي ملك الزوجة في حق الاستمتاع لقصرهم حق الاستمتاع على الزوج فقط، وجاءت مقولة الإمام الزهري التي أوردها ابن قدامة في كتابه المغني  في كتاب الجِراح ،فصل “ولو قتل أحد الأبويْن صاحبه ولهما ولهما ولد (6626) “لا يقتل الزوج   بامرأته لأنّه ملكها بعقد النكاح فأشبه الأّمَة “ـــ مع أنّ الإسلام لم يبح قتل العبيد والإماء، لقوله عليه الصلاة والسلام:”من قتل عبدًا قتلناه، ومن جدعه جدعناه ـــ، ونلاحظ هنا أنّ ابن قدامة لم يوافق الإمام الزهري قوله على الزوجة أشبه الأَمَة، فقال: وقوله إنّه ملكها غير صحيح، فإنّها حُرّة، وإنّما ملك منفعة الاستمتاع، فأشبه المستأجرة.”

وقول ابن القيم في إعلام الموقعين”إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير”، وقول ابن علي الجوزي في أحكام النساء:”وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج ….وينبغي لها  الصبر على أذاه كما يصبر المملوك.” وغيّروا مفهوم القوامة، فحوّلوا معنى القوّام أي القائم بشؤون من هو قوّام عليهم وتلبية احتياجاتهم إلى القيِّم أي السيِّد الآمر، وجعلوا القوامة للرجل حتى لم يتوفّر شرطي القوامة الذيْن نصّت عليهما آية القوامة، ولم يوجب الأئمة الأربعة علاج الزوجة، واعتبروها فب حالة مرضها دار مستأجرة على صاحب الدار إصلاح ما بها من خلل، فهي في حال صحتها أّمة مملوكة، وفي حال مرضها دار مستأجرة، ويشكر ابن قدامة على إقراره بأنّها حرة، ولكنها مُستأجرة. وكأنّها ليست إنسانة إنّها مجرد دار مستأجرة!!!

 وبموجب هذا الخطاب قامت التنشئة الأسرية والتعليمية والمجتمعية التي كان لها دور كبير في ممارسة الرجل للعنف ضد المرأة بمختلف أنواعه بما فيها القتل، فالذكر داخل معظم الأسر هو المخلوق الأفضل والأعلى والأنثى هي المخلوق الأدنى الذي خُلق لخدمته وطاعته، وإن كان زوجًا خُلِقت لخدمته ومُتعته، وعليها طاعته، ولا يحق لها أن تُدخل أحدًا بيتها إلّا بإذنه ورضاه. ولا تخرج ولا تتعلم ولا تعمل إلّا بإذنه، وهي محبوسة له بحكم نفقته عليها، ووقتها كله ملك له، فإن أنفقته في عمل خارج البيت، فله حق في راتبها، وإن صامت قضاءً أو تطوعًا، وضاجعها نهارًا لا إثم عليه، وعليها أن تعيد صومها، ورضاه عليها يدخلها الجنّة، وغضبه منها يدخلها النار، والمناهج الدراسية وخطب بعض الأئمة في المساجد عزّزت هذا المفاهيم بأحاديث ضعيفة وموضوعة كأحاديث:” من حق الزوج على الزوجة، أن لو سألت منخراه دمًا، وقيحًا، وصديدًا فلحسته بلسانها ما أدت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، إذا دخل عليها لما فضّله الله عليها.”

    وحتى الدراما التلفزيونية والسينمائية نمّت شعور استعلاء الرجل على المرأة، صفعها على وجهها، وسحلها في الأرض وضربها وتعذيبها، إن خالفته. مع أنّه لم يُؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب امرأة قط، لا زوجة، ولا ابنة، ولا حفيدة، ولا خادمة، ولا أمة، لأنّ معنى(واضربوهن) في آية النشوز تعني المفارقة والمباعدة وليس الضرب البدني، كما فسّرها بعض المفسِّرين.

 فإذا تربى  الرجل ونشأ وتعلم على أنّه السيد الآمر للمرأة التي لا ترفض له طلبًا، فهي الآّمّة الخانعة الخاضعة له، ليس لها أن تقول له” لا” وإن كانت زوجة فهي كالمملوكة له لا يُقتل إن قتلها لأنّه ملكها بعقد النكاح”، وإن ضربها لا يُسأل لمّ ضربها”؟ فهو المخلوق الأعلى وهي المخلوق الأدنى، وبهذا أُعطي  الضوء الأخضر ليمارس مع زوجته كل أنواع العنف، وإن دبّ خلاف بينه وبين زوجته، وجادلته قتلها؛ إذ كيف تجرؤ على مجادلته كما قتل زوج زوجته في أول أيام عيد الفطر المبارك الماضي، وهي في بيت أهلها وأمام طفليهما!

 وللأسف نجد في مواقع التواصل الاجتماعي من يحاول إيجاد المبررات للجاني قتل الضحية، لأنّه رجل، وإلقاء اللوم على الضحية لأنّها امرأة، ويصل دفاع البعض عن الجاني أنّ مظهر الفتاة وملابسها وعدم التزامها بالحجاب من أسباب قتلها، من ذلك ما قاله الشيخ مبروك عطية عن قتل فتاة المنصورة؛ إذ قال:” “لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك قُفّة” وقوله أيضًا :” تخرجي في قُفّة . في شوال بس تعيشي ده قتل”. فهو بهذا القول أعطى للجاني  وأمثاله الضوء الأخضر لقتل الفتيات اللاتي لا يخرجن من بيوتهن مثل نساء الدواعش، وهذا يعني أنّ كل نساء العالم مباح قتلهن لأنّهن لم يخرجن من بيوتهن زي القًفّة!!

   إنّه لا يوجد نص في القرآن والسُّنة يبيح دماء غير المُحجّبات! ومن قال إنّ على المُحجّبة أن تسير في الشارع كالقُفّة؟ إنّ في هذا إساءة كبرى للإسلام!

   ومن أعطى للرجل قتل وتحرّش واغتصاب غير المحجبّات بلا قِصاص ولا مساءلة ومحاسبة، وأين غض البصر الذي ألزمه الخالق به ؟ وأين كبح جماح غرائز الرجل  المُطالب بها؟

     إنّ مطالبة الفتاة بالحجاب في هذه الحالة ليس مبررًا لقتل نيِّرة أشرف رحمها الله، لأنّ فتيات محجبات   قُتِلن مثل :قتيلة الريف الأوربي بمدينة الشيخ زايد  وإيمان أرشيد وطالبة كلية العلوم التطبيقية الأردنية التي قتلت في  جامعتها (23/6/ 2022م) بستة رصاصات  كانتا مُحجبّتيْن، وبسنت خالد التي انتحرت لتعرضها  للابتزاز الالكتروني بفبركة صور لها ، ممّا أدّى إلى انتحارها.

  فالقتل هنا لا علاقة له البتة بالحجاب، فهؤلاء القتيلات كُنّ مُحجّبات، وإنّما يرجع إلى الخطاب الديني  وتلك  التنشئة البيتية والتعليمية والمُجتمعية في رأيي تتصدّر أسباب عنف الرجل ضد المرأة بما فيه القتل زوجة كانت أو أختًا أو ابنة، أو من يريدها للزواج ورفضته إلى جانب إدمان المخدّرات والمسكرات، وإصرار واضعي قوانين الأحوال الشخصية تزويج المجانين والمعتوهين والمرضى النفسيين، لأنّ الزواج في نظرهم “عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة ، كما عرّفه ابن قُدامة الحنبلي دون أي اعتبار للمرأة وما تعانيه من زواجها بمجنون أو معتوه أو مريض نفسي قد يُعرّضها للقتل,

    وحمايةً للمرأة من هذا العنف لابد من تصحيح الخطاب الديني المُفسّر من قِبل البشر، وتنقيته من المفاهيم الخاطئة للآيات المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها الأسرية والزوجية، ومن المرويات الضعيفة والموضوعة والشّاذة والمُفردة، ورفع القُدسية عن الرجل، وإزالة النظرة الدونية للمرأة عنها،  فالأفضلية التقوى، ليس الذكورة ولا الأنوثة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ([الحجرات:13] وأنّها مساوية له في الإنسانية والتكاليف، وفي تحمّل أمانة الاستخلاف وأنّ الحياة الزوجية قوامها السكن والمودة والرحمة(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21] و”إنّ خيار الناس خيارهم لنسائه، وأنّه عليه الصلاة والسلام خيارهم لنسائه، وأنّ الإحسان إلى البنات أو الأخوات يُدخل الجنة.

وإن وجد الزوجان استحالة استمرار الزوجية بينهما فيفترقا بمعروف(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[ البقرة :229]

فإن ربيّنا أولادنا على هذا الخطاب الإلهي المُنزّل وعلّمناهم إياه لن يكون هناك عنف ضد النساء، ولا قتلهنّ.

البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : لماذا يقتل الرجل المرأة التي ترفضه.. والزوجة التي تعارضه؟! – جريدة المدينة (al-madina.com)

Leave a Reply