سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 29 إبريل عام 2022م
دائمًا يتشدّق الإعلام الغربي بحرية التعبير عندما تصدر الإساءة إلى القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم والعرب والمسلمين في وقت يُعاقب كل من يُبيّن جرائم المحتلين الصهاينة تجاه الفلسطينيين أصحاب الحق والوطن الفلسطيني، طبقًا لقانون معاداة السامية الذي أقره الكونجرس الأمريكي يوم 10-10-2004 وأقره الرئيس جورج بوش يوم 16-10-2004م، كما تعتبر معاداة السامية جريمة يعاقب عليها القانون الألماني، وكذلك الفرنسي، وقوانين دول أخرى، ويبحث نوّاب فرنسيون إقرار قانون آخر بتجريم معاداة الصهيونية.
الكل في دائرة الاتهام والإدانة بمعاداة السامية ودعم الإرهاب إذا ما انتقد أحدهم إسرائيل، أو إذا ما قرأ أحدهم كتابًا أو مقالًا، أو شاهد فيلمًا ينتقد فيه بعض محطاته إسرائيل، وفي المقابل ثمة شريعة الغاب في معاداة العرب والمسلمين واستباحة ديارهم وثرواتهم ومؤسساتهم وإمكاناتهم!
ونجد تعتيمًا إعلاميًا في وسائل الإعلام الغربية على ما يرتكبه الإسرائيليون من جرائم ومذابح ضد الفلسطينيين.
إنّ حرية التعبير تصمت أمام جرائم الصهاينة المحتلين، وكذلك أمام السخرية من أوروبا وتبعيتها لأمريكا، وقد كشف هذه الحقيقة الرسم الكاريكتيري الذي نشرته السفارة الروسية على حسابها في “تويتر” امرأة مريضة راقدة ًعلى طاولة عمليات جراحية كتب عليها “أوروبا”، وأمامها طبيبان يرتديان قبعتين تحملان علمي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واسماهما “امبراطورية الأكاذيب” و”الرايخ الأوروبي”، وهما يعطيان المريضة حقنًا خبيثة كتب عليها “كراهية روسيا” و”العقوبات” و”النازية الجديدة” و”كوفيد-19″ و”الناتو” و”ثقافة الإلغاء”.
وانتقد ماكرون، أثناء مؤتمر صحفي عقده عقب قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، نشر السفارة الروسية هذا الرسم، مشددًا على أنّ هذه الخطوة غير مقبولة.ولفت إلى أنّ الخارجية الفرنسية أبلغت السفير الروسي باستياء باريس إزاء هذا الرسم الكاريكاتوري، مضيفًا: “تم إصلاح هذا الخطأ وآمل ألا يتكرر”.
وردت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، على قناتها الرسمية في “تيليغرام”، على كلام ماكرون بالقول؟ “حقا؟ أليس رؤساء ووزارة خارجية فرنسا هم الذين كانوا يعلّموننا بأنّ أي رسوم كاريكاتورية أمر طبيعي، حتى تلك الفظيعة التي نشرتها “شارلي إبدو”؟ قررنا اتباع نصيحتهم واستخدام الهجاء الذي يعتبرونه دليلًا على حرية التعبير، والآن لا يعجبهم شيء”.
وفي قولها هذا إشارة إلى قول ماكرون عن الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم: ” لن نتخلى عن حرية التعبير والبرلمان الفرنسي يبحث تجريم تداول صور المسؤولين، وقال عن الرسومات المسيئة أيضًا: لرسول صلى الله عليه وسلم :” آسف … لكن لا نستطيع منعها.” بينما نجده منع الرسم الكاركاتيري الروسي الساخر من أوروبا.
لقد أعطى الغرب لنفسه,ولإسرائيل حق الإساءة إلى الإسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم والعرب والمسلمين، باسم حرية التعبير، وما عدا ذلك فلا حرية للتعبير، ولذلك نجد تعتيمًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وما تضمنه مناهجه الدراسية من تشويه صورة الفلسطينيين، وزرع كراهيتهم وتزييف في تاريخ فلسطين، فحسب الدِّراسة التي أعدَّها الباحث الإسرائيلي إيلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا فإنّ كتب التَّدريس الإسرائيليَّة أشعلت طيلة نصف القرن الماضي جذوة الصِّراع الإسرائيلي العربي، وكرَّست حالة الحرب وحالت دون التَّوصُّل للسَّلام ووصف “بوديا” مناهج التَّدريس اليهوديَّة بـ”المنحرفة، وزرع كراهيَّة الفلسطينيين في نفوس التَّلاميذ الإسرائيليين، كما تضمّنت الدراسة تحليلًا دقيقًا موثَّقًا للكتب التعليمية الإسرائيلية على مدى أربعين عامًا وتشمل ستين كتابًا وتُضيف الدراسة أنَّ كتب التعليم الإسرائيليَّة قادت إلى تكوين فكرة مسبقة لصورة العربي في ظل حالة الاغتراب وتطوُّر الصراع بين الشعبين وأوصاف “غشاش “و”متخلف” و” لص” هي جزء من صفات أُلصقت بالشخصيِة العربية في هذه المناهج . ولفت الباحث إلى أن َّتلك الكتب وصفت الصِّراع بطريقة مشبَّعة بعدم الدقة إلى حد التشويه وشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم، مما أدَّى إلى ترسيخ صورة نمطيَّة لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائمًا بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السَّلام مقابل صورة العرب “الخونة العدوانيين المتخلِّفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دومًا نحو التدمير”. وأشار الكاتب إلى أنّ تعابير مثل مُتوحِّش ومُحتال ومُخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت كثيرًا ما تُستخدم في وصف العربي. مشيرًا إلى أنَّ العرب يوصفون بأنَّهم النُّسخة الحديثة من “العماليق”، ألد أعداء الإسرائيليين في التوراة.
ومناهج التدريس الإسرائيلية تمحورت فقط حول تاريخ أرض إسرائيل والشعب اليهودي والصراع العربي اليهودي. وقد وُضعت هذه المناهج على يد مؤلفين إمَّا أنّهم امتداد للصهاينة الحاقدين الكارهين لكل ما هو مسلم وكل ما هو عربي، وإمَّا أنَّهم لا يفهمون شيئَا عن العرب والمسلمين. لذلك تضمَّنت كتب التاريخ معلومات مشوَّهة ومزوَّرة في أكثر الأحيان، وتذكر الدِّراسة قصَّة الاستيطان الإسرائيلية فتقول في كتاب رحلة مع المستوطنات الأولى للصفوف الدنيا جاء الوصف التالي عن اللقاء الأول مع العرب الفلسطينيين في قرية عربية مجاورة ” كان النَّاس نحيفين وجوههم صفراء والذباب يتنزه عليها دون أن يحاولوا طرده.. وكثير منهم كانوا عميانًا يمشون وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض يتحسسون طريقهم بالظلمة، أمّا الأولاد فساروا حفاة وعيونهم مريضة وبطونهم منفوخة وآثار لسعات الحشرات بادية على أجسادهم وتتكرر الأوصاف التي تؤدى لنشوء الأفكار المسبقة عن العرب في عشرات الكتب، ويقول مؤلف الدراسة إنَّها جاءت من أجل تثبيت مقولة: «فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا وطن» .بينما تُظهر الدراسة كيف أنَّ العربي ظهر في هذه الكتب طوال فترة الصراع حتى عام 1948م على أنَّه إنسان ظالم ومعتدٍ، وأنَّ اليهود ظلوا ضحية ذلك.
هذه شهادة من باحث إسرائيلي توصم الغرب بالانحياز لإسرائيل، وكراهيتهم للعرب والمسلمين، ويؤكد هذا الدراسات الاستشراقية الأوروبية والأمريكية للإسلام والسيرة النبوية، وافتعالهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وإلصاقها بعرب ومسلمين لاتهام الإسلام بأنَّه دين إرهابي، ومحاربة كل ما هو إسلامي تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ومحاربة القرآن الكريم بمحاولة القضاء عليه واستبداله بما اسموه”الفرقان الحق”. بل اتهام الأبجدية العربية أنّها تحرّض على الإرهاب، وظهرت دعوات كتابة اللغة العربية بأحرف لاتينية، مع النيل من الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال رسوم كاريكاتيرية، وإطلاق بابوية الفاتيكان” حملة مليون منصِّر ضد محمد”، وإشاعة الفرقة والانقسام بين العرب والمسلمين، وتقسيمهم طائفيًا ومذهبيًا وعرقيًا، من خلال ما سميت بثورات الربيع العربي.
وهكذا نجد أنّ حرية التعبير التي يتشدّق بها الغربيون تتعلق فقط بحرية تعبير النيل من الإسلام والمسلمين والعرب، وحجب كل ما يخالف أهدافهم وسياساتهم ومصالحهم، وهاهم صادروا وجهة النظر الروسية فيما يتعلق بأحداث الأزمة الأوكرانية الروسية.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : الإعلام الغربي.. وحرية التعبير المُدّعاة! – جريدة المدينة (al-madina.com)