سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 12 مايو 2022م.

 ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة على مبايعة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، أود التوقف عند أهم ما حققه من إنجاز في المنظومة العدلية، وهو إصدار نظام الأحوال الشخصية الذي أحدث تغيرات جذرية ليس في المجتمع السعودي فقط، وإنّما في المجتمعات العربية والإسلامية، باعتبار المملكة العربية السعودية مهبط الوحي، ومرجعية العالم الإسلامي بأسره، ويتمثل هذا في الآتي:

أولًا : تحديد سن أدنى للزواج إتمام 18 سنة: إنّ من مقاصد الشريعة الإسلامية أنّ الزواج لا يتم إلّا بإرادة الزوجين، ولا تكتمل إراداتهما إلّا بإتمام سن 18 سنة، فجاء في المادة التاسعة من نظام الأحوال الشخصية هذا النص:” يمنع توثيق عقد الزواج ما لم يتم الزوجان ثمانية عشر عامًا.”

    وبهذا حسم الخلاف حول سن زواج السيدة عائشة رضي الله عنها من الرسول عليه الصلاة والسلام أهو التاسعة أم التاسعة عشرة، رغم ثبوت عدم صحة المرويات التي حدّدت سن زواج السيدة عائشة رضي الله عنها بتسع سنوات، وقد أثبتُ هذا بالأدلة التي لا يتسع المجال لذكرها الآن، كما أنّه ثبت علميًا وطبيًا بأنّ الجهاز التناسلي للمرأة لا يكتمل إلّا بعد إتمامها ؛سن 18 عامًا لتتحمل العلاقة الزوجية والحمل والولادة. فتحية من الأعماق لواضعي المدونة لأنّهم قضوا على مآسي  تزويج الطفلات والقاصرات من جذورها، ليس في المملكة العربية السعودية فحسب، وإنّما في المجتمعات الإسلامية بأسرها، بنسف جميع مبررات تزويج الطفلات والقاصرات.  

ثانيًا: إلغاء الكفاءة بالنسب الذي كان وراء الكثير من المآسي بإعطاء أحد أفراد الأسرة من الذكور من الإخوة  والأعمام وأولاد الأعمام، وأحيانًا زوج الأخت حق إقامة دعاوى تطليق الزوجة من زوجها بدعوى عدم الكفاءة في النسب، ويلاحق الزوجان إن لم يلتزما بقرار التطليق، ولعل قصة تطليق فاطمة من منصور الشهيرة لا تزال عالقة في ذاكرة الكثيرين. وقد أغلقت الستار عن هذه المآسي الفقرة (2) من المادة (14) التي جاء فيها:” العبرة في كفاءة الرجل بدينه، ولا يعتد بالكفاءة فيما عدا ذلك.”

ثالثًا: الذمة المالية المستقلة للمرأة : لقد أقر نظام الأحوال الشخصية السعودي بالذمة المالية المستقلة للزوجة، فالمادة (38) نصّت على أنّ “المهر ملك للمرأة، لا تجبر على أي تصرف فيه.” وبيّنت المادة (45) أنّ المهر لا يدخل في تأثيث بيت الزوجية، أو دفع إيجاره؛ إذ نصّت الفقرتان(1و2) على الآتي :

  1. “يحق للزوجة الامتناع عن الدخول والانتقال إلى بيت الزوجية حتى تقبض مهرها للحال ويهيء لها المسكن المناسب ولها الحق في النفقة خلال هذه المدة.”
  2.     “إذا رضيت الزوجة بالدخول قبل أن تقبض مهرها فيبقى دينًا في ذمة الزوج لها المطالبة به في أي وقت شاءت، وليس لها الامتناع بعد ذلك إذا هيأ لها السكن المناسب.”

 والفقرة(4) من المادة (43) التي تناولت حقوق الزوجة على زوجها نصّت على:” ألا يتعدى على أموالها.”

رابعًا : إلزام الزوج بالنفقة على زوجته حتى لو كانت موسرة في المادة (46) وقد حسمت هذه المادة الجدل كبير حول راتب الزوجة من حقها أم من حق زوجها بناءً على ما تردد كثيرًا في كتب الفقه القديمة أن تحبس المرأة نفسها لزوجها في بيتها مقابل نفقته عليها, والحبس الزوجي مصطلح فقهي لا يستند على دليل من القرآن الكريم والسنة والنبوية، بل كانت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها امرأة  من صنَّاع اليد تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله”[انظر:ابن سعد الطبقات8/110، ابن الأثير:أسد الغابة5/463-465،ابن حجر: الإصابة 8/92رقم 486] ولم يُروَ أنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم كان يقتطع من ثمن ما تبيعه، لأنّها اقتطعت من الوقت المخصًص له بما تصنعه بيدها، فمصطلح الحبس الزوجي لم يكن له وجود في العهديْن النبوي والراشدي، فهو مجرد رأي لبعض الفقهاء، ينتقص حق الزوجة، فالزوجة حرة، وليست أمة مملوكة لزوجها، ولذي استوقفني  أنّ بعض مدونات الأحوال الشخصية في البلاد العربية أخذت بالقول أنّ خروج المرأة للعمل، وتركها بعض مسؤوليتها كان من الأوْلى أن تدفع المرأة جزءًا من راتبها لزوجها، بل نجد البعض حدّد المقدار الذي يحق للزوج أن يقتطعه من راتب زوجته إذا اتفقا على أن تشارك في نفقة البيت بالثلث، لأنّ الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأٌنثييْن، ففقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة يرون لا نفقة للزوجة إذا خرجت من بيت زوجها للعمل بدون إذنه، وحجتهم أنّه يسقط مؤنها لعدم التمكين، ولأنّ نشوزها أثناء اليوم يسقط حقها في النفقة، مع أنّ القرآن لم يذكر شيئًا من هذا!

  وهناك من قال بوجوب الإنفاق على الزوجة العاملة إن كان خروجها للعمل بإذن الزوج، مع إجازتهم أخذه راتبها برضاها، وإن عملت بدون إذنه سقطت النفقة عنها باعتبارها ناشزًا.

   والأكثر من هذا ذهاب بعض الفقهاء بالقول أنّ نفقة علاج الزوجة ليست واجبة على الزوج، ولا يلزمه دواءها ولا أجرة الطبيب، ولكن يُسن له بذل علاجها مع القدرة من باب الإحسان إليها وعشرتها بالمعروف، في حين يوجبون على الزوجة الغنية علاج زوجها المريض.ممّا دفع ببعض الأزواج إلزام زوجاتهم الموظفات الإنفاق على البيت والأولاد، وفي دراسة أشرفت عليها الدكتورة عائشة المانع على العاملات في التعليم وُجِد أنّ 70% منهن ينقفن كل رواتبهن على الأسرة، والرجل لا يصرف شيئًا، ويُحسب على أنّه المعيل.

خامسًا: أحكام الحضانة، ويتمثّل في:

  1.   عدم تحديد سن سبع سنوات انتهاء حق حضانة الأم  لولدها الذكر وتسع سنوات حضانة بنتها، واكتفى في المادة(138) بتحديد إتمام المحضون (15) سنة  من عمرة فله حق الاختيار في الإقامة لدى أحد والديه مالم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك.” نلاحظ هنا ساوى بين الولد والبنت في سن التخيير بين الإقامة لدى الأم ـ أو الأب.
  2. كما نجد الفقرة (2) من المادة ذاتها انتهاء الحضانة إذا أـتم المحضون( ذكر وأنثى) الثمانية عشر عامًا، وهذا خلاف ما تعارف عليه في السابق بأنّ حضانة البنت تنتهي بزواجها. وهذه خطوة جيدة ستخفف الكثير من معاناة الأم الحاضنة، ولاسيما انتزاع ولدها  من حضانتها عتد اتمامه السبع سنوات وبنتها عند اتمامها  سع سنوات، وقد ظلّت بلا زواج ليكون أولادها في حضانتها، ومع هذا يُنزعون من حضنها في تلك السن المبكرة ليذهبوا في حضانة زوجة أبيهم، منتهى الغُبن والقهر للأم والأطفال الذين في كثير من الحالات  يتعرّضون للعنف من أبيهم وزوجة أبيهم مجتمعين، أو من أحدهما، فهذه المادة جنّبت الأم وأطفالها كثيرًا من المآسي جزى الله واضعيها خير الجزاء.
  3. مراعاة مصلحة المحضون حتى في حال زواج الأم الحاضنة برجل غير محرم للمحضون إذا كانت  مصلحة المحضون تقتضي ذلك مع رضا الزوج.[المادة 129] وإن كنتُ أرى حذف اشتراط أن يكون الزوج محرمًا للمحضون.

سادسًا: النسب والفرقة بين الزوجيْن، ويتمثّل هذا في اعتماد الحمض النووي في إثبات النسب، في قضايا اللعان والاغتصاب، ويحفظ حق نسب أطفال اللعان والاغتصاب، وهذه خطوة رائدة ونقلة علمية تتماشى مع  التطور العلمي الذي شهدته البشرية في عصرنا الحاضر.

سابعًا: معالجة الأحكام المتعلقة بغياب الولي أو عضل المرأة، بما يسهل مسألة الزواج، وانتقال ولاية التزويج إلى المحكمة مباشرة.

ثامنًا: تمّ إلغاء بيت الطاعة، المعمول به إلى الآن في مدونات الأحوال الشخصية لبعض الدول العربية، مع أنّه  مأخوذ من القانون الفرنسي، ولا علاقة له البتة بالشريعة الإسلامية المنسوب إليها زورًا وبُهتانًا.

تاسعًا: مراعاة مصلحة الحفاظ على كيان الأسرة في احتساب عدد التطليقات، وقد مكّن المرأة من توثيق الطلاق ومراجعته حتى مع عدم موافقة الزوج، وتعويضها إن لم تعلم بطلاقها، واشترط لصحة عقد الزواج الإيجاب والقبول وأن يكون الزوجان متوافقين صراحة ومقترنين في مجلس واحد، كما حسم إشكاليات النزاع حول الهدايا إن تم فسخ الخطوبة، فليس للخطاب استرجاعها إلّا إذا بيّن عند تقديمها أنّها ضمن المهر. وحدد النظام نفقة كل إنسان في ماله إلّا الزوجة فإنّ “نفقتها على زوجها ولو كانت موسرة،  كما حرص النظام على حفظ نسب الطفل وتضييق السبل أمام طلب نفيه.

  هذا أهم ما يميز نظام الأحوال الشخصية السعودي عن معظم قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية، وحبذا أن يعمل  ملحق للنظام يُقنّن فيه حق الكد والسعاية لأفراد الأسرة يحفظ حقوقهم المالية الذي أجمعت عليه المذاهب الفقهية الإسلامية.

البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال في جريدة المدينة نظام الأحوال الشخصية السعودي.. نقلة نوعية في المجتمعات الإسلامية – جريدة المدينة (al-madina.com)

Leave a Reply