سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 17 مارس 2022م
ممّا استوقفنيفي حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلة أتلانتيك الأمريكية الذي نُشر في 3/3/ 2022م حرصه على الحفاظ على الهُوية الإسلامية العربية السعودية في إجاباته عن أسئلة أتلانتيك، مع إقدامه على تصويب الخطاب الإسلامي بالعودة إلى الإسلام النقي الذي يمثله العهديْن النبوي والراشدي خير تمثيل، فقال:”نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها. وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي. إنّ ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفًا، في كلٍّ من العالَمين السني والشيعي.”
وأقول هنا:للأسف هذه الأفكار المتطرفة أصبحت تمثل الخطاب الإسلامي، ومن يناهضها ويبيّن مخالفتها للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وأنّ تفسيرهم للآيات القرآنية التي يستدلون بها طبقًا للعادات والأعراف والتقاليد المتوارثة في مجتمعاتهم في عصورها الجاهلية التي لم يتحرروا منها، والأحاديث الضعيفة والموضوعة والمفردة التي يستدلون بها، هي الشريعة الإسلامية، ومن يُبيِّن عدم صحة تلك المفاهيم والأحاديث يتهمونه بالكفر والخروج عن الملة ويستبيحون دمه، ويتهمونه أنّه ينفّذ أجندة غربية، مقدسيّن أصحاب تلك التفسيرات والتأويلات، وكأنّهم أنبياء، وها هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقول عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب:”هو كسائر الدعاة وليس رسولًا، بل كان داعية فقط، ومن ضمن العديد من ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى..”
وقال أيضًا:” الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لأحد هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية، وربما حدث ذلك أحيانًا سابقًا .. لكن اليوم نحن نضعها على المسار الصحيح كما قلتُ من قبل، فنحن نرجع إلى الأساس، إلى الإسلام النقي، للتأكد من أنّ روح السعودية القائمة على مستوى الإسلام، والثقافة، والقبيلة، والبلدة أو المنطقة، هي تخدم الدولة، وتخدم الشعب، وتخدم المنطقة، وتخدم العالم أجمع، وتقودنا إلى النمو الاقتصادي، وهذا ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة، ولذلك في يومنا هذا، أنا لا أقول إننا قد نفعل ذلك(العودة للإسلام النقي). وربما لو عملنا هذا اللقاء في 2016م، قد تقولون: إنّ ولي عهد السعودية يضع افتراضات، ولكننا فعلنا ذلك، وترونه الآن بأعينكم في السعودية…”
فهذه القاعدة الأساسية لرؤية المملكة 2030 هي تعزيز القيم الإسلامية القائمة على الوسطية والتسامح ونبذ التطرف بالعودة إلى الإسلام النقي بتحرير الخطاب الإسلامي من الموروثات الفكرية الثقافية المتمثلة في العادات والأعراف والتقاليد الجاهلية المتعارضة مع القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ويتمثل هذا بوضوح في تمكين المرأة السعودية بمنحها الأهلية الكاملة وإسقاط الولاية والوصاية الذكورية عليها التي لازمتها قرون عديدة من الميلاد إلى الوفاة، وفتح أمامها جميع أبواب العلم والعمل التي أُغلقت في وجهها قرون عديدة بعدما كان تعليمها وعملها محصوران في تخصّصات معينة، وموافقة ولي الأمر.
وقد بيّن ولي العهد حقيقة شرعية، وهي أنّ ولي الأمر(الحاكم) هو على رأس المؤسسة الإسلامية، فالقرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا، فإنّ المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي، وقد بُويع على ذلك.
ومن هنا نجد الملك سلمان قد أصدر أمرًا ملكيًا في 27 محرم عام 1439ه/ 17 أكتوبر عام 2017م بتأسيس مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف يُعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه جمعًا وتصنيفًا وتحقيقًا وتنقيحًا ودراسةً، له مجلس علمي، يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم مقره المدينة المنورة، وذلك لأنّه كما ذكر ولي العهد في حديثة لأتلاتنك أنّ ” المصدر الأساسي للانقسام في العالم الإسلامي، بين المسلمين المتطرفين وبقية المسلمين عشرات الآلاف من الأحاديث غالبيتها لم تثبت صحتها، ويستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم، فعلى سبيل المثال، تنظيما القاعدة وداعش يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جدًّا، التي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم.” ثمّ قوله :”عندما نستدل بأحاديث الرسول علينا أن نكون حذرين جدًّا، وقد بيّن سموه أقسام الحديث: أولها:”المتواتر، وهي قوية جدًّا، وعلينا أن نتَّبعها، وعددها قرابة 100 حديث، وثانيها: أحاديث الآحاد، وهي ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول، حتى نصل لمن وثقها، أو سمعها قلة من الناس عن الرسول… وعلينا تمحيص ما إذا كان منها ثابتًا، ويتماشى مع تعاليم القرآن، أو يتوافق مع تعاليم المتواتر، ويتماشى مع مصلحة الناس، وبناءً على ذلك يتم استخدامه أم لا؟ وثالثها: ما يُسمى الخبر، وهو ما سمعه شخص عن الرسول، ومن بين طبقات السند أسماء غير معروفة، وهذه الأحاديث عددها عشرات الآلاف، ولا يجب عليك استخدامها مطلقًا، إلا في حالة واحدة: أن يكون في مصلحة الناس”.
هذا وقد بيّن ولي العهد أنّ تنقيح الأحاديث سينتهي خلال عاميْن، وفي هذا إشارة إلى أنّ مجمّع الملك سلمان لطباعة الحديث وصل إلى المراحل الأخيرة من توثيق الأحاديث الصحيحة بعد تنقيحها وتدقيقها والتحقق من صحتها، وبيان الضعيف منها والموضوع والمفرد.
إنّها بحق خطوة عملية رائدة من المملكة في تصحيح الخطاب الديني المُفسّر من قبل البشر للعودة به إلى الخطاب الإلهي المُنزل الذي يُمثِّل الإسلام النقي، وهي الخطوة الأساسية في نبذ التطرف والقضاء على الإرهاب من جذوره، وهذا ماعكفتُ عليه على مدى ثلاثة عقود، والذي أنشدُه أن تتبنى الدولة بحوث ومؤلفات تصحيح الخطاب الإسلامي الذي يمثل ركيزة أساسية لرؤية المملكة 2030م.
البريد الكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/779641/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D9%8A