سهيلة زين العابدين
حمّاد
نُشر في جريدة
المدينة يوم السبت الموافق 11/5/2019

أوّل ما استوقفني
في درس” عمل المرأة” في مادة الفقه للسنة الثالث ثانوي للفصل الدراسي
الثاني للعام الدراسي 2018/ 2019 ما ورد نصّه في صفحة 75الآتي:

الأصل
في عمل المرأة ووظيفتها الأولى إدارة بيتها، وتدبير شؤون منزلها، ورعاية أسرتها،
وتربية أولادها وحُسن تبلعها لزوجها،
ونجد معدي منهج الحديث والثقافة الإسلامية
للمستوى الرابع، النظام الفصلي للتعليم الثانوي، المسار العلمي والإداري صفحة
(142) في درس تكريم الإسلام للمرأة وخطورة الاختلاط قصروا عمل المرأة في الميادين
الخاصة بها، كتدريس النساء وتطبيبهن ورعايتهن اجتماعيًا، ونحو ذلك بالضوابط
الشرعية، مستدلين بحديث” والمرأة  في
بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها” ولستُ أدري ما علاقة تحديد مجالات عمل
المرأة بهذا الحديث؟
على
العموم ما ورد في هذيْن المنهجيْن عن عمل المرأة لا يتفق مع
دور المرأة المسلمة  في بناء
الدولة الإسلامية وحضارتها منذ قيامها عبر عصور مختلفة، ولا يتفق مع تمكينها الذي
يشكل أهم أهداف رؤية المملكة 2030 حتى أصبح  شعارًا أساسيًا لها، لإعادة لها دورها الذي منحها
إيّاها الإسلام، وسلبته منها عصور الجهل والظلام، والذي حمل فكروها معدو هذه
المناهج!
فالمرأة
طبقًا للرؤية عنصر مهم من عناصر قوة المجتمع، والتنمية والبناء الاقتصادي
والاجتماعي لا تكتمل إلا بمشاركتها، وتنمية مواهبها، واستثمار طاقاتها وتمكينها اجتماعيًا
واقتصاديًا وسياسيًا، وتوفير مناخ آمن وخدمات تسهل عليها القيام بواجباتها الوطنية
.
   وممّا لا شك فيه أنّ هذه الرؤية  تعيد للمرة دورها الذي ساهمت به في بناء الدولة
الإسلامية وحضارتها منذ قيامها عبر عصور مختلفة، فقد بايعت على عقد تأسيس الدولة
الإسلامية في بيعتي العقبة الأولى والثانية، وهاجرت مع المهاجرين إلى الحبشة
والمدينة المنورة، وساهمت في قتال المشركين، وتلقت الضربات في موقعة أُحد عن
الرسول صلى الله عليه وسلم عندما فرّ الرجال(أم عمارة نسيبة بنت كعب)وشاركت في
الدفاع عن الدولة الإسلامية في ميادين القتال، وتطبيب وتمريض الجرحى، وكانت
رُفَيْدَةُ
بنت سعد الأنصارية رضي الله عنها صاحبة الخيمة الطبية الأولى في التاريخ
.
 كما مارست مختلف المهن منذ عصر النبوة، وعصور
متعاقبة، ولم يقل لها الرسول ألزمي بيتك لخدمة زوجك،
فمن الجانب
المُعتّم عليه في حضارتنا الإسلامية من قبل المؤرخين، وعلماء الحديث والفقه المعاصرين
مدى إسهام المرأة المسلمة في النهضة العلمية في مختلف العلوم في مختلف العصور، وهو
تعتيم مُتعمّد ليستأثر الرجل بكل العلوم، وليستمر إقصاءه للمرأة، وفرض الوصاية
المجتمعية عليها بتحديد ما تتلقاه من علوم، وما تعمله من أعمال، فبعد أن كان للمرأة
حضور في المجتمع الإسلامي منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام، فكانَتْ تتعلَّم من
الرجال والنساء وتُعَلِّمهم، وترحل لطلب العلم، ويقصدها الطلاب لأخذ العلم عنها، كما
كانت تُصنِّفُ الكتب، وتُفْتِي، وتُستشار في الأمور العامَّة، ولم تَكُنْ حبيسةَ
منزِلٍ أو حجرة، أو أسيرةً في مهنة معيَّنة، بل كان المجال مفتوحًا أمامها تظله
الشريعة الغراء، ويرعاه العفاف والطهر- ولم يكن للغرب أي تأثير آنذاك –  إلى أن تمّ تهميشها في القرن العاشر الهجري حتى بلغت
نسبة الأمية بين النساء المسلمات في عصرنا الحاضر(66%)
لقد اكتشفت
دراسات معاصرة للعصور الأولى للوحي إسهامات ثمانية آلاف امرأة في كل العلوم الإسلامية
كالحديث والتفسير والفقه.[
Akram Nadwi, « the muhaditates ,  introduction d’une encyclopédie  de 40 volumes qui sera  produite par l’université d’Oxford.]
وقد ذُكِرت
إسهاماتهن في كتابات المحدثين القدامى أمثال كتاب” الإصابة في تمييز الصحابة  لابن حجر الذي أورد مشاركة أزيد من خمسمائة امرأة،
وكذلك في فترة الوحي حيث أسهمت النساء الصحابيات المبايعات التشييد السياسي
للمدينة، ويعتبر ابن حجر من القليلين الذين ألفوا كتابًا عن حياة أكثر من مائة
وسبعين امرأة عالمة مشهورة في القرن الثامن، كان أغلبهن من المتخصصات في الحديث
وأصبح عدد كبير من شيوخه منهن. وقد أبرز أهمية عدد كبير من هؤلاء النساء اللواتي
أصبحن مرجعًا لا غنى عنه في علم الحديث في عصرهن، من بينهن جوهرية بنت أحمد وعائشة
بنت عبد الهادي اللتان كان يفد إليهما الطلبة من أقاصي الأرض لقراءة الحديث عليهما،
وأنّ أهم جامعي الحديث في القرون الأولى حصلوا على الإجازات في الحديث عن النساء
المحدثات. علما أنّ كل جامع كبير لمؤلف ما كان تحت سلطة أكاديمية مباشرة للنساء(شيوخ)
فكثير من النساء العالمات بالسنة كانت لهن مجالسهن العامة حيث يعلمن ويعطين دروسًا
في الحديث للطلبة الذين يحصلون على إجازاتهم مباشرة من النساء
.
للحديث صلة.
المصدر : جريدة المدينة https://www.al-madina.com/article/630250

Leave a Reply