سهيلة زين
العابدين حمّاد
نُشر في جريدة
المدينة يوم السبت الموافق 27/10/2018م

أواصل الحديث
عن انتقاص بعض الفقهاء للمرأة وأنّها بنصف عقل لاستنادهم على حديث ثبت ضعفه، وهو لتبرير
صحة حديث”
ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب بلب الرجل الحازم من
إحداكن”
، فهناك من حاول تبرير صحة هذا الحديث بزعم أنّ
:

1.   
المرأة ناقصة
في التدين وليس في الدين،
وهنا أقول:
       
 ليس من حق أي إنسان أيًّا كانت مكانته أن يحكم
على المرأة أنّها قليلة التديّن، فالله وحده هو الذي يقرر ذلك، لأنّه الخالق
والعالم بالسرائر، وأرجو كل من يقول بهذا القول أنّ يعتذر للنساء على مقولته هذه.
       
إنّ قمة التدين
امتثالها لأمر خالقها بعدم الصلاة والصيام أثناء حيضها ونفاسها.
       
 عندما أراد الله جلّ شأنه أن يضرب مثلًا
للمؤمنين على قوة التديّن والإيمان ضربه بامرأة هي امرأة فرعون في قوله تعالى:(
وضرب
الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون
إذ
قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)[التحريم:11]
       
وذكر
أيضًا امرأة عمران التي نذرت ما في بطنها لله من شدة تدينها(إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ
لَكَ
مَا
فِي
بَطْنِي
مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي
إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.)[آل عمران:35]
       
وقوله في الآية التي بعدها:(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا
وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي
أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران:36]

فعندما قالت امرأة عمران (إنّي وضعتها أنثى) قال جل شأنه(وليس الذكر كالأنثى) أي
الأنثى التي
وُهبت خير من الذكر الذي نذرتيه لخدمة بيت المقدس, فالأنثى هنا هي المشبه بها,
والمشبّه به في علم البلاغة أقوى من المشبه، ولكن نجد من العلماء من حوّلوا المعنى
إلى غير مقاصده لمنح الذكر الأفضلية، وعمموه بقولهم الذكر أفضل من الأنثى، بل
ضربوا بها مثل في انتقاص المرأة ؟!!!
 إنّ عدم صحة الحديث توقعنا في أخطاء عندما نبرر
صحته.
2.   
القول إنّ الذكاء
الحسابي لدى المرأة أضعف من الرجل، وأنّ هذا مثبت علميًا، ولعله من أسباب شهادة
امرأتين برجل واحد، وأقول هنا:
·      
إنّ الإشهاد
على عقود المداينة لا يحتاج إلى ذكاء حسابي، وهل كل الرجال يتمتعون بذكاء حسابي،
وكل النساء غبيات حسابيًا؟ هذه مقولة تتنافى مع الواقع، فكثير من الرجال أغبياء في
الرياضيات بينما يوجد نساء نابغات فيها، وكما يوجد علماء نابغون في الاقتصاد
والرياضيات، يوجد كدلك عالمات نابغات في علمي الاقتصاد والرياضيات، ومسألة
الدراسات العلمية فهي غير ثابتة، وكل يوم نفاجأ بدراسات تناقض التي قبلها، فمثلًا
توجد دراسة علمية بريطانية تناقض نفسها، أثبتت أنّ الرجل أكثر ذكاءً، وفي الوقت
ذاته أثبتت أنّه أكثر غباءً!!
·       إنّ شهادة امرأتيْن برجل واحد في الإشهاد على عقود المداينة
تنتفي بانتفاء العلة، وهي(أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) أي علة النسيان
لعدم ممارسة المرأة للبيوع والشراء، فإن مارستها تتنشّط الذاكرة الحسابية لديها،
وبالتالي يكون إشهاد المرأة على عقود المداينة تعدل الرجل،
و
لقد أدرك هذا المقصود فقهاء وعلماء فصلوا القول فيها منذ القرن الثامن الهجري  منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه  ابن القيم، فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه
ويؤكد عليه ابن القيم: قال عن البينة التي يحكم القاضي بناءً عليها ..التي وضع
قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:” البينة على
المدعي، واليمين على المدعي عليه” رواه البخاري والترمذي وابن ماجه:(إنَّ
البينة في الشرع، اسم لما يُبيِّن الحق ويظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة
ثلاثة بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين، وشاهد واحد، وامرأة واحدة، وتكون
نُكُولًا ـ النكول الامتناع عن اليمين ـ ويميناً ،أو خمسين يميناً، أو أربعة
أيمان، وتكون شاهد الحال، فقوله صلى الله عليه وسلم:” البيِّنة على
المدعي” أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق
حكم له” هذا ما جاء نصه في كتاب السياسة الشرعية لابن القيم، وقد أورد ابن
القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان[ الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه]
للحديث صلة.
المصدر :
جريدة المدينة
https://www.al-madina.com/article/595430?rss=1

Leave a Reply