سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة يوم السبت الموافق 20/10/2018م

    إنَّ تنمية المجتمعات
وبناءها لا يتمان إلاَّ بمشاركة المرأة، ولا تتم هذه المشاركة إلاَّ بمنح المرأة
حقوقها كاملة، من دينية ومدنية واجتماعية ومالية وعلمية وتعليمية وثقافية وسياسية،
هذه الحقوق جميعها منحها إيَّاها الإسلام، ونالتها المرأة المسلمة كاملة في
العهدين النبوي والراشدي، وبنسب متفاوتة في العصور التالية لهما، ولكن المجتمعات
الإسلامية حرمت  المرأة  من معظمها في عصور التراجع الحضاري؛

إذ طفت على
السطح رواسب الفكر الجاهلي وعاداته وتقاليده وأعرافه، وعقائده  الوثنية، وبات خطابنا الإسلامي المُنجز من قبل
البشر تجاه المرأة موجهًا بموجب تلك الأعراف والعادات والتقاليد والعقائد، ويُلبس
بعضها لباس الدين الإسلامي، وتُنسب إليه، وغدت هي المرجعية لدى البعض المُتمسِّكين
 بها، معتبرين من يطالب بتصحيح المفاهيم
المغلوطة، والعودة إلى المنابع الصحيحة للتشريع الإسلامي، قد خرجوا عن الملة، وعن
مقاصد الشريعة، وأصبحوا علمانيين من دعاة التغريب، فأصبح هؤلاء المتشددون يُعارضون
أي مطلب شرعي للمرأة يتنافى مع نظرتهم الدونية لها، والتقليل من شأنها، واعتبارها
ملكًا للرجل روحًا وجسدًا وفكرًا ومالًا، فلا يحق لها أن تتصرف في مالها، بل لا
يحق لها أن تكون لها الولاية على نفسها.

   إنَّ ما تعانيه المرأة
المسلمة في مجتمعاتها سببه  الخطاب
الإسلامي المُفسّر من قِبل البشر القائم على أعراف وعادات وتقاليد ومعتقدات جاهلية
وثنية  تحط من قدر المرأة، وتتعامل معها
كمخلوق أدنى، وأنَّها مخلوق ناقص غير كامل الأهلية خلق لمتعة الرجل وخدمته فقط، وتُنسب
هذه النظرة الدونية إلى الإسلام مفسرة تفاسير خاطئة لآيات القوامة والنشوز
والميراث والشهادة، والدية، وأحاديث نقصان عقول النساء، بل اعتمدوا رواية مفردة
راويها لا تُقبل روايته لعدم توبته بعد تطبيق حد القذف عليه”لن يفلح قوم ولوْ
أمرهم امرأة” رغم مخالفتها لقوله تعالى(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر) لحرمان المرأة من حق الولاية، وبُنيت على هذه
المفاهيم الخاطئة أحكام فقهية خاطئة، بل نجد مفسرين وعلماء حديث وفقهاء اعتمدوا
مرويات ضعيفة وموضوعة ومضطربة في العلاقات الأسرية والزوجية، وأصدر  فقهاء أحكامًا فقهية  تتعامل مع المرأة بموجبها، فنظروا إليها وكأنّها
مخلوق ناقص، ولها عقل نصف عقل الرجل، حتى نجدهم جعلوا دية المرأة المقتولة خطأ نصف
دية الذكر، أي لو كان المقتول خطأ طفلاً فله دية كاملة، مثل دية الرجل، ولكن
الأنثى أياً كانت، وأياً كان سنها وفضلها ومكانتها، ولو كانت مُعيلة لأسرتها فلها
نصف دية الذكر، دون الاستناد في ذلك على نص قرآني، أو حديث نبوي صحيح.
   والمطلع على كتب التفسير
والفقه يقرأ من عبارات لبعض المفسرين والفقهاء فيها انتقاص للمرأة لدرجة أنَّك تجد
بعضهم يعطي للقوامة مفهومًا عامًا مطلقًا، ويبني عليها أنَّه لا يحق للمرأة أن
تكون على رأس عمل فيه رجل حتى لو كانت هي مالكة لهذا العمل، لأنَّ الرجال قوَّامون
على النساء. والغلاة المتشددون يتشبّسون بهذه الأقاويل والأحكام في معارضتهم لأي
مطلب شرعي للمرأة، ويستخدمونها كأسانيد وحجج يُحاجون بها من يطالبون بتصحيح هذه
المفاهيم المغلوطة، والنظر إلى المرأة نظرة الإسلام لها، ومنحها كامل حقوقها.
     إنَّ من أكبر الكوارث
التي مُنيت بها شريعتنا الإسلامية السمحاء العادلة، والتي تشوِّه صورتها لدى
المسلمين أنفسهم، ولاسيما النساء  أنَّ بعض
الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة وقعوا في أخطاء فقهية كبيرة نتيجة نظرتهم الدونية
للمرأة، فأصدروا أحكامًا بُنيت عليها قواعد فقهية بناءً على اجتهادات شخصية غير
مبنية على آيات قرآنية وأحاديث نبوية تُحط من قدر المرأة، وتتعامل معها بأنَّها
تحمل نصف عقل، وأنَّ الرجل أفضل منها لأنَّه خُلق قبلها، ولأنَّ النبوة مقصورة
عليه، وأنَّ القوامة له، وأنا هنا لا أتجنى على فقهاء الأمة وعلمائها الأفاضل، ولكن
واقع أقوالهم وأحكامهم واجتهاداتهم تشهد عليهم، وٍسأورد بعضًا منها لإعادة النظر
فيها من قبل المجامع الفقهية، وتصحيح ما فيها من أخطاء، ولا أخفي عليكم كم شعرتُ
بالغبن والقهر والامتهان وأنا أقرأ أقوالهم وأحكامهم بشأن المرأة التي تقلل من
شأنها ومكانتها بخرق واضح لما جاء في القرآن والسنة الصحيحة من تكريم للمرأة، ومن
مساواتها بالرجل في الحقوق والتكاليف، ولم يتعامل معها الشارع بأنَّها ذات نصف عقل
.
للحديث صلة.
المصدر: جريدة المدينة https://www.al-madina.com/article/article

Leave a Reply