د. سهيلة زين العابدين حمّاد
السبت 24/3/ 2017م
الجانب المُعتّم عليه في حضارتنا الإسلامية من قبل المؤرخين، وعلماء الحديث
المعاصرين مدى إسهام المرأة المسلمة في النهضة العلمية في مختلف العلوم في مختلف
العصور، وهو تعتيم مُتعمّد ليستأثر الرجل بكل العلوم، وليستمر إقصاء المرأة، وفرض
الوصاية المجتمعية عليها بتحديد ما تتلقاه من علوم، وما تعمله من أعمال، فبعد أن كان
للمرأة حضور في المجتمع الإسلامي منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام، فكانَتْ
تتعلَّم من الرجال والنساء وتُعَلِّم الرجال والنساء، وتصنِّف الكتب، وتُفْتِي،
وتُستشار في الأمور العامَّة، وترحل لطلب العلم، ويقصدها الطلاب لأخذ العلم عنها، فلم
تَكُنْ حبيسةَ منزِلٍ أو حجرة، أو أسيرةً في مهنة معيَّنة، بل كان المجال مفتوحًا
أمامها تظله الشريعة الغراء، ويرعاه العفاف والطهر- ولم يكن للغرب أي تأثير آنذاك
– إلى أن تمّ تهميشها في القرن العاشر
الهجري حتى بلغت نسبة الأمية بين النساء المسلمات في عصرنا الحاضر(66%)
المسلمات يعقدن مجالس العلم في الحرم المكي، وفي كبريات المساجد الإسلامية، ويحضُر
لها الطلاب من الأقطار المختلفة، وعُرف عن بعض الفقيهات والمحدثات المسلمات أنَّهن
أكثَرْنَ من الرحلة في طلب العلم إلى عدد من المراكز العلمية في مصر والشام
والحجاز، حتَّى صِرْنَ راسخاتِ القَدَم في العلم والرواية، وكان لبعضهن مؤلفات
وإسهامات في الإبداع، الأدبي، منهنّ:
واعتبرها بعض معاصريها خبيرة في علوم الحديث، وفاقت شهرتها شهرة علماء كبار أمثال
الحسن البصري أو ابن سيرين! ومن بين طلبتها يوجد الشهير والمعروف أبو بكر ابن حزم،
قاضي المدينة الذي تلقى الأمر في عهد الخليفة عمر بن العزيز بالجمع الرسمي للحديث.
وعرفت أيضًا بمعارفها العميقة في الشريعة وآرائها الاجتهادية في الفتوى، واعتادت
مناقشة مسائلها داخل مسجد دمشق، حتى أنّه يروى أنّها قالت: “عبدتُ اللهَ بكل
الوسائل، ولكني لم أجد أفضل من وسيلة في عبادته من مناقشة العلم مع العلماء
الآخرين”. وتجدر الإشارة إلى أنّ أم الدرداء كانت تُدرِّس الحديث والفقه في
المساجد، للطلبة الرجال والنساء أيضًا. مما يدل على مكانتها العلمية التي أحرزتها
على عهد خليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان يأتي شخصيًا ليحضر مجالسها
العلمية العامة.
(ت:126ه/744م) كانت من الأدب والفصاحة بمنزلة عظيمة مع ما هي عليه من التقوى
والورع والعبادة، وكان منزلها مألف الأدباء والشعراء، فهي بذلك من أول من أنشأوا
“الصالون الأدبي” بمفهومنا المعاصر، وهي أوّل ناقدة أدبية.
الله عليه الصلاة والسلام المولودة بمكة سنة 145هـ/762م نشأت بالمدينة المنورة حيث
درست بها في شبابها في كبريات حلقات العلماء في عصرها في المسجد النبوي، مثل
الإمام مالك بن أنس، ودرّست الحديث النبوي والفقه حتى لُقبت بِ” نفيسة العلم،
ورحلت إلى مصر مع أبيها وزوجها وابنها وبنتها في رمضان عام 193ه/809م، ولمَّا وفد
الإمام الشافعي -رضي الله عنه- إلى مصر ، توثقت صلته بالسيدة نفيسة، وعُرفت
بعلاقتها الأخوية والعلمية له ، وكانا يتناقشان معًا في قضايا مختلفة تتعلق بالفقه
وأصوله واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح
في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، حتى إذا مرض كان يرسل إليها
من يُقرئها السلام ويقول لها: ” إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء
” . وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته ، فمرت الجنازة
بدارها ، حين وفاته عام 204 هجرية وصلًّت عليها إنفاذًا لوصيته . ويذكر
أنّ الإمامَ أحمد بن حنبل كان يحضر مجالس السيدة نفيسة. فهذه العالمة تتلمذ عليها
اثنان من كبار العلماء المسلمين في العالم، الشافعي وابن حنبل.
عامة الناس ، بل دفعهم للثورة في الحق إن احتاج الأمر ، حتى أن أحد الأمراء قبض
أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم ، مرَّ بدار السيدة نفيسة
فصاح مستجيرًا بها ، فدعت له بالخلاص قائلة : «حجب الله عنك أبصار الظالمين » ولما
وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير ، قالوا له : إنه مرَّ بالسيدة نفيسة ، فاستجار
بها وسألها الدعاء فدعت ، له بخلاصه ، فقال الأمير: ” أو بلغ من ظلمي هذا يا
رب ، إني تائب إليك واستغفرك ؛ وصرف الأمير الرجل ، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على
الفقراء والمساكين”.
نفيسة بعد أن قامت بمصر سبع سنين ، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً ، وحفرت
قبرها بيدها في بيتها ، فكانت تنزل فيه وتصلَّي كثيرًا ، فقرأت فيه مائة وتسعين
ختمة ، وما برحت تنزل فيه وتصلِّي كثيرًا وتقرأ وكثيرًا وتبكي بكاءً عظيمَا ، حتى
احتضرت سنة 208هـ وهي صائمة فألزموها بالإفطار وألحوا وأبرموا ، فقالت : واعجبًا
منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى ألقه وأنا صائمة أأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت
سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ ، فلمَّا وصلت إلى قوله تعالى : ( لَهُم دَارُ
السَّلاَمِ عِندَ رَبّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعمَلُونُ ) [
الأنعام : 127 ] غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقُبضت إلى رحمة الله.
أحمد بْن الفرج بْن عُمَر الإبري فخر النساء بِنْت أَبِي نصر الدينوري الأصل
البغدادي،
وأربعمائة للهجرة، وكان أبوها من مشاهير بغداد ومحدثيها- توفي عام 506 هـ- وقد
اهتم بإحضارها مجالس العلماء منذ صغرها، فأحضرها في الثامنة من عمرها مجلساً له،
وعمرت وصارت أسند أهل زمانها، وقد درست علوم الحديث على أيدي أكابر علماء عصرها
أمثال أبي الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله ابن البطر القارئ المحدث المتوفى سنة
494 هـ، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي، وطراد بن محمد
الزينبي أبي الفوارس، وثابت بن بندار، وأبي الحسن بن أيوب، وعبد الواحد بن علوان،
وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، ومنصور بن حيد، وجعفر السراج، وفخر الإسلام أبي بكر
محمد بن أحمد الشاشي، وغيرهم.
درّست علماء كبار كابن الجوزية وابن قدامة المقدسي. حدّث عنها : ابن
عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي ، وعبد الغني ، وعبد القادر الرهاوي ، وابن الأخضر
، والشيخ الموفق ، والشيخ العماد ، والشهاب بن راجح ، والبهاء عبد الرحمن ،
والناصح ، والفخر الإربلي ، وتاج الدين عبد الله بن حمويه ، وأعز بن العليق ،
وإبراهيم بن الخير، وبهاء الدين بن الجميزي ، ومحمد بن المني ، وأبو القاسم بن
قميرة ، وخلق كثير . قال ابن
الجوزي : قرأت عليها ، وكان لها خط حسن ، وخالطت
الدور والعلماء ، ولها بر وخير ، وعمرت حتى قاربت المائة ، توفيت في رابع عشر
المحرم سنة أربع وسبعين وخمس مائة وحضرها خلق كثير وعامة العلماء .
وعمرت حتى ألحقت الصغار بالكبار، وكانت تكتب خطًّا جدًا ، لكنه تغير لكبرها.
المنذري أنّ هذه العالمة أجازته.