الانتماء الوطني والعروبي ومناهجنا الدراسية (1)
كيف نُعلّم أولادنا أنّ القومية العربية تستهدف قيام دولة عربية موحدة على أساس من رابطة الدم والقربى واللغة والتاريخ، وإحلالها محل الدين، ووصفها بأنّها دعوة علمانية، وكأنّ العرب ليسوا بمسلمين؟!
د. سهيلة زين العابدين حماد 
الثلاثاء 01/07/2014


الوطن هو الكيان والوجود والانتماء، هو العزة والكرامة، وفقدانه يعني ضياع كل هذه المعاني والقيم، وضياع من ضاع منه وطنه، وقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في حب الوطن والاعتزاز به، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ»
ولكن هناك للأسف من يُحرِّم الاحتفال بالوطن باسم الدين، فحُرّم علينا احتفالنا باليوم الوطني على مدى أكثر من نصف قرن، وتحريم الوطنية باسم الدين واعتبارها من الشرور والغزو الفكري الصليبي، أفقد بعض شبابنا الحس بانتمائه الوطني، كما نجد هناك من يسعى إلى تجريدنا من عروبتنا وانتمائنا العربي بدعوى أنّ هذا سيكون على حساب الدين، وبغض النظر عن بعض دعاة القومية العربية الذين دعوا إلى إبعاد الدين، فلا يعنى اعتبارها من المذاهب الهدّامة، ونحن في حاجة إلى وحدة الدول العربية وتضامنها، لأنّ انقسامها أدى إلى تشرذمها، وأصبحت مطية للأعداء، فتعريف القومية العربية في منهج السيرة النبوية وتاريخ الدولة الإسلامية لأولى ثانوي، بأنّها» حركة سياسية فكرية متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم على أساس من رابطة الدم والقربى واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين، وهي صدى للفكر القومي الذي سبق أن ظهر في أوروبا.»[ص 18] هذا التعريف بالنص مأخوذ من الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة الذي أعدته وأصدرته الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص 401، ولكن لم يُدرج هذا المرجع من ضمن مراجع المنهج.
فهم يتحدثون عن العرب، وكأنّهم ليسوا منهم، وفاتهم أنّ القومية العربية تختلف عن سائر القوميات، فلغة القرآن الكريم هي اللغة العربية، ونبي الإسلام عربي لغته العربية، وهي لغة المصدرين الرئيسين للشريعة الإسلامية، وأنّ الله كرّم العرب بإنزال القرآن الكريم بلغتهم، واصطفاء نبي الإسلام منهم، وهم الذين حملوا لواء نشر الإسلام ولغته في كل الأصقاع، وباللغة العربية كُتبت تفاسير القرآن الكريم، وكتب الصحاح والسنن، والسيرة والعقيدة والفقه، وكل المصنّفات في مختلف العلوم، ومن هنا نجد أنّ أعداء الإسلام حاربوا اللغة العربية لصرف المسلمين عن القرآن الكريم، بدعاوى كتابة العربية بأحرف لاتينية، أو كتابتها باللهجة العامية، فكيف نُعلّم أولادنا أنّ القومية العربية تستهدف قيام دولة عربية موحدة على أساس من رابطة الدم والقربى واللغة والتاريخ، وإحلالها محل الدين، ووصفها بأنّها دعوة علمانية، وكأنّ العرب ليسوا بمسلمين؟ 
فهل إن قلنا الأمة العربية نكون قد جرّدناها من الإسلام؟ وهل عندما نقول المملكة العربية السعودية نكون قد جرّدناها من الإسلام؟
ولماذا لا يكون مسمى القومية العربية مأخوذاً من القوم أي الأمة العربية؟
إنّ جميع الدول الإسلامية العربية منها وغير العربية يوجد من مواطنيها من ديانات مختلفة باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، ولا يمكن لهذه الدول أن تلفظ مواطنيها غير المسلمين، فهم من نسيج وطني واحد، وأسهموا في حضارتها وتنميتها، ودافعوا عنها، وروت دماؤهم تراب أوطانهم، ومارسوا حقوق المواطنة في أوطانهم في مختلف العصور بما فيها عصور الخلافة الإسلامية، وتقلدوا مناصب وزارية ونجد ثقافة المسيحيين العرب ثقافة إسلامية، يشيدون بالحضارة الإسلامية باعتبارها حضارتهم، فالوحدة الوطنية مطلب أساسي لابد من الحرص عليها، وأعداؤنا يسعون إلى تفتيت الوحدة الوطنية للدول العربية والإسلامية بتقسيمها إلى دويلات على أساس عرقي ومذهبي وديني، ولا نستطيع مواجهة هذا المخطط وإفشاله إلّا بوحدتنا الوطنية والعربية والإسلامية، ولا ننسى أنّ عز العرب ووحدتهم عز للإسلام ووحدة للمسلمين، فدعاوى الوحدة العربية، لا علاقة لها بالعلمانية، أو الصهيونية، والماسونية، كما ورد في مناهجنا الدراسية، بل الغرب استبدل مصطلح الشرق الأوسط والشمال الأفريقي بدلًا من البلاد العربية، لمحو كلمة «العربية» من الخريطة، ونلحظ أنّ معدي المنهج لم ينتقدوا سياسة التتريك التي فرضتها الدولة العثمانية التي تعني محاربتها للغة القرآن الكريم، وفرضها العزلة على ولاياتها مما أدى إلى تفشي الأمية فيها التي نعاني منها في العالم العربي حتى الآن.
 إنّ محاربة الوطنية والوحدة العربية أدى إلى تمزيق الصف العربي سنوات طوالاً، وأضعفه، وافتعال أحداث تستهدف تمزيق الوحدة الوطنية، فنجد الأستاذ محمد قطب في كتابه» مذاهب فكرية معاصرة يعتبر الوطنية شرًا من الشرور، فيقول:» إلى هنا كنّا نتحدث عن القوميات والوطنيات في أوروبا، كيف نشأت، وكيف تطوّرت خلال التاريخ الحديث والمعاصر، وما كان من آثارها الشريرة في حياة العالم كله»[ص 576] 
ويقول في موضع آخر:» وقد كانت دعاوى القومية والوطنية المصدرة عن عمد إلى العالم الإسلامي من بين وسائل الغزو الفكري الذي استخدمه الصليبيون المحدثون في»غزو العالم الإسلامي» [ص 577]، طبعة دار الشروق عام 1412هـ /1992م]،
ونجده نسب نشأة الوطنية لأوروبا، وتجاهل قوله صلى الله عليه وسلم لموطنه مكة:» مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ»، ونجده يعتبر الوطنية من وسائل الغزو الفكري الذي استخدمه الصليبيون المحدثون، ومعروف أنّك لا تستطيع الحفاظ على دينك إن لم تحافظ على وطنك، وفريضة الجهاد في الإسلام تقوم على الدفاع عن الوطن، وحمايته، وليس كما شوّهته الجماعات التكفيرية المسلحة التي تكفّر حكوماتها ومجتمعاتها وتحارب أبناء وطنها، فيقتل المسلم أخاه المسلم، كما يحدث الآن في سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس واليمن، فأمثال هؤلاء لا يدينون بولاء لوطن، ولا للعرب، والوطن في نظرهم ما هو إلّا تراب عفن، فولاؤهم لمرشدهم، وهذا واضح من نص مبايعتهم، ويريدون غرس هذا في نفوس أولادنا، فنجد درس القومية العربية مكرراً ثلاث مرات في المرحلة الثانوية، وللأسف لم نجد رقابة على بث هذا الفكر في مناهجنا الدراسية. 
للحديث صلة. 
suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain

Leave a Reply