3-حقوق الإنسان

الرد على رد واضع مسودة اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء(3)

الرد على رد واضع مسودة اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء(3)
بقلم/ د. سهيلة زين العابدين حمّاد
  رددتُ في الحلقتيْن الماضيتيْن على رد واضع مسودة اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء على ما جاء في قراءتي للائحة بشأن الولاية والوكيل المختص،


 وأواصل اليوم ردي على رده فيما يتعلّق بالعقوبات؛ إذ قال:” اللائحة لم تنص على العقوبات وليس هناك صلاحية في تعديلها لأنّ النظام الصادر بمرسوم ملكي هو من قررها النظام يشمل جميع الجرائم ومن ضمنها ما ذكرتي أنّ النظام لم يشملها، فالإيذاء وصف جرمي ينطبق عل كل جريمة تصدر من شخص له علاقة بشخص آخر.”
وأقول هنا: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا اللائحة لم تلتزم بتعريف النظام للإيذاء؟
 فتعريف الإيذاء في النظام:” هو كل  شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية، أو النفسية، أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، متجاوزًا بذلك حدود ما له من ولاية عليه، أو سلطة، أو مسؤولية بسبب ما بربطهما من علاقة أسرية، أو علاقة إعالة، أو كفالة، أو وصاية، أو تبعية معيشية، ويدخل في إساءة المعاملة: امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته، أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته، أو ممن يترتب عليه شرعًا، أو نظامًا توفير تلك الحاجات لهم”
   ولكن اللائحة لم تلتزم بهذا التعريف؛ إذ تجاهلت تمامًا الإيذاء الجنسي والنفسي والإهمال، فاللائحة لم توضح آليات الحماية من الإيذاء الجنسي في البيت والمدرسة والجامعة والعمل ، ودور الأيتام ودور الإعاقة ودور الملاحظة، والسجون، فأصبحت الحماية من الإيذاء الجنسي من اغتصاب، أو تحرش معطلة لأنّ لائحته التنفيذية تجاهلت وضع آليات الحماية من الإيذاء الجنسي، كما تجاهلت وضع  آليات الحماية من الإيذاء النفسي الوارد في تعريف النظام للإيذاء، فأصبح النظام عاجز عن حماية المعضولات والمهجورات والمعلقات والمطلقات لعدم الكفاءة في النسب، والمطلقات المحرومات من رؤية أولادهن، والنساء المحرومات من التعليم والعمل والسفر لانتقاص أهليتهن باشتراط موافقة أولياء أمورهن للسماح لهن بالتعليم والعمل والسفر، وعاجز عن حماية الأطفال الذين يرفض آباؤهم الإنفاق عليهم، أو انتسابهم إليهم، أو تطليق أمهاتهم من آبائهم لعدم الكفاءة في النسب، أو تزويج الطفلات ، ومن مسنين
    كما أنّ النظام بلائحته التنفيذية لم يحم من يتعرّض للإهمال الصحي والبدني والنفسي، لأنّ اللائحة أهملت الإهمال تمامًا ،وكأنّه لم يرد في النظام!
فهل بعد كل نأتي ونقول: “اللائحة لم تنص على العقوبات وليس هناك صلاحية في تعديلها لأنّ النظام الصادر بمرسوم ملكي هو من قررها”؟
ثمّ كيف نقول إنّ اللائحة لم تنص على عقوبات ،والمادة (13) من النظام تنص على : دون الإخلال بأي عقوبة أشد مقررة شرعًا، أو نظامًا يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف، ولا تزيد عن خمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتيْن العقوبتيْن، كل من ارتكب فعلًا شكّل جريمة من أفعال الإيذاء الواردة في المادة الأولى من هذا النظام، وفي حال العود تضاعف العقوبة، وللمحكمة المختصة إصدار عقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحرية.
  فالنظام هنا تحدث عن العقوبات في حالة وصول الإيذاء إلى  مرحلة الجريمة، وليس كما تمّ تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي أنّ الزوج إذا ضرب زوجته يدفع غرامة خمسين ألف ريال ،ويُسجن، وللأسف الشديد لا النظام ولا لائحته التنفيذية لم يتطرقا إلى التعويض المالي الذي يُدفع للمتضرر من الإيذاء الواقع عليه، خاصة إذا أدى إلى فقده عضوًا من أعضاء جسمه، أو إصابته بالشلل، أو شوّه في خلقته، ويحتاج إلى علاج مكلّف، فمن أين تأتي الضحية بالمال المستلزم  لعلاجها إن كانت لا تملكه؟
واكتفيا بإيصال عقوبة الإيذاء إن وصلت إلى الجريمة بغرامة مالية خمسين ألف ريال كحد أقصى تدفع للدولة،  مع السجن مدة لا تزيد على السنة، والغرامة المفروض تُدفع للمتضر ، وليس للدولة!
  لم تضمن اللائحة  الحماية من الإيذاء الذي نصّت عليه المادة الثانية من النظام ، فتركت العقوبات الواردة في هذه الآية الكريمة التي تضمن الحماية من الإيذاء لأنّ واضعها خالق البشر، وهو أدرى بهم، وأخذت بالعقوبات الواردة في النظام،  يقول تعالى :(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [ المائدة: 45]  كما أنّها لم تنص على أنّه ليس من حق الزوج ضرب زوجته بدعوى تأديبها, فآية(واضربوهن) لا تعني الضرب البدني، وإنَّما تعني” مفارقة البيت”، وذلك لتحقيق ضمان الحماية من الإيذاء الواردة في المادة الثانية من النظام، كما لم يرد أي نص في اللائحة يضمن حماية الذكور من المقيمين في المؤسسات التي تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية، بل لم يرد نص في اللائحة يحمي  من الإيذاء النفسي والجنسي والبدني والمالي، والإهمال بكل أنواعه بفرض عقوبات مغلظة على من يمارس كل أشكال وأنواع العنف، والتي  بيّنتُها  في مقالات سابقة، مع أنّ المادة الثانية تفتح له أبواب ومنافذ كثيرة لتوفير هذه الضمانات؛ إذ تنص على ” ضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه” فكان بإمكان واضع مسودة اللائحة  من خلال هذه المادة وضع كل العقوبات التي تضمن تحقيق الحماية من كل أنواع الإيذاء بما فيها الإيذاء المالي الواقع على المرأة والطفل، وعلاج وتأهيل المعنِّف، ولكنه قيّد نفسه بحرفية العقوبات الواردة في النظام، وعطّل تنفيذ المادتيْن الأولى والثانية، بل عطّل تنفيذ النظام بكامله بما أورده من تعريفات للولاية والسلطة والمسؤولية.
Suhaila_hammad@hotmail.com


Leave a Reply