لماذا يكره العالم أمريكا (4)
بقلم د. سهيلة زين العابدين حمّاد
البعد الديني لقرار الكونجرس الأمريكي بضرورة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
في ضوء قرار الكونجرس الأميركي بضرورة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفقاً لما أراده الليكود من أن تكون عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل، لكن الفرق لغوي صرف ولا ندري كيف ستؤول أو ستكون مآلاته.
وموضوع القدس في الأساس موضوع مركزي بالنسبة لهذه الحركات، لأنّها تعمل ليل نهار على إعادة اليهود إلى مركزية المسرح ويعتبرون إسرائيل عقيدة ودولتها فوق القانون، بل فوق المسيح، بل إن الدين المسيحي –كما يروي لنا التاريخ – اختُطف من قِبَل هؤلاء المتصهينين المنحازين بالكلية إلى المشروع اليهودي، أصل الفكرة بدأت عام 1187 عندما استطاع الناصر صلاح الدين أن يقطع حبل الحروب الصليبية في الشرق، صلاح الدين كان هجومياً، صلاح الدين هزت انتصاراته أوروبا، الحقيقة ارتجفت له القلوب، مات البابا من فوره، في شهر أكتوبر 1187 جاء البابا الثاني فمات بعد شهرين في ديسمبر، وجاء البابا الثالث، فشلت الكاثوليكية حقيقة، فشلت فرنسا، لكن ريتشارد الثاني كان يستمع إلى أطروحات الكاهن (يواكيه) فزاره في (ماسينا) وجاء ليواجه صلاح الدين بفكر جديد، فكر نهايات الزمن وفكر الارتطام البشري الذي بدأ آنئذٍ والآن يكاد يعتنقه أكثر من 45 مليون مواطن أميركي في حركات تدبيرية ألفية تؤمن بنهاية الزمن، و ؤمن بالهولوكوست،أي تؤمن بالمحرقة، تؤمن بهدم الأقصى باعتباره معبد الوثنيين المسلمين في القدس واستبداله بالهيكل على اعتبار أنَ من علامات الساعة أو من علامات النهاية إقامة دولة إسرائيل وقد قامت سنة.. سنة 48، وسنة 1967م مع سقوط المدينة المقدسة ، والآن لابد من قيامة الهيكل في الألفية الثالثة ، والورد بلفور نظم بشكل أو بآخر 1300 زيارة ومقابلة لحاييم وايزمان المؤسس الحقيقي للدولة اليهودية ،وقد قابل (تيودور هيرتزل) الذي تلبست أياديه بالشر (ويلهلم الثاني) البروتستانتي ملك ألمانيا في القدس 2/11/1903م ليأخذ منه وعوداً ضد الدولة العثمانية، وهذا بدوره –رغم احترام السلطان عبد الحميد له -رفض أن يدخل القدس إلا أن يهدم السور.1
فالرئيس جورج بوش عندما اتخذ قرار بضرورة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إنّما كان منسجمًا مع سياق كامل يسيطر على 40% من أعضاء الكونجرس الأميركي الذي يحكم أميركا، واليهود هم الذين يحكمون الكونجرس الأميركي، 435 عضو في الكونجرس الأميركي يتحكم فيهم اليهود، 40% منهم يخضعون لهذا الفكر، وهذا فكر يعني كهنوتي متعصب دموي أساطيري.
أنت جيري فالويل يظهر يومياً على 900 شاشة صباحاً و(بل جراهام) يفطر يومياً مع الرئيس الأميركي ويهمس في أذنه بما يريد، و(بات روبرتسون) هؤلاء الآن يسيطرون على ربع الراشدين من الشعب الأميركي ولهم أكثر من 200 كلية لاهوت، ولهم إنجيل (اسكوفلت).. اسكوفلت هذا فرغ من إنجيله سنة 1909 وكتب هوامش على الإنجيل الأصلي، وهذا الإنجيل الآن يعني يقول بالدمار والخراب، يقول بـ (هرمجدون) وجهنم والجنة على مستوى واحد، يعني يقول بأنَّ هنالك محرقة نووية ستحصل والبداية ستكون في هرمجدون 18 كيلو متر شمال غرب جنين يموت فيها أكثر من 200 مليون وثني مسلم هذا في البداية، وأنّه يتبقى من اليهود أكثر من 70 ألف يلوذون بجبل (مكاور) في الأردن، ويبشر بهذا، ويقول بهذا، أشرطتهم، جبروت الإعلام، بل هيستريا الإعلام التي يسيطرون عليها الآن الحقيقة فرضت واقعًا في وزارة الدفاع وفي بيوت المال، وفي محطات الإعلام أثرت في قرار الإدارة الأميركية، من هنا جاء قرار الرئيس بوش انصياعاً، لأن الرئيس بوش عندما سُئل هو والمرشحين الآخرين عن الحزب الجمهوري لمن ستكون الرياسة.. عندما سُئل هل ستعمل على الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية؟ قال: فوراً. 2
ونلاحظ أنّ الرئيس الأميركي وقع يوم 2/10 وهذا ذكرى الفتح الصلاحي، تمامًا كما دمروا الهيكل، كما دمروا الأقصى في 21/8، وهذا ذكرى هدم الهيكل المزعوم، تماما كما عقد مؤتمر مدريد في 30/10 وهذا خروج آخر عربي من الأندلس، ونلاحظ أيضاً إنه يعني في 2/5 مثلاً ذروة احتفالاتهم بإقامة الدولة، علماً بأن الدولة قامت في 15 آيار، لاحظ 29 أو 28/9 شارون دخل على الأقصى، وهذا يصادف أو يوافق حقيقة بداية السنة العبرية عندهم، وهذا تكرر في 28/9 سنة الـ 29 الذي يصادف ذكرى دخول البراق، فحروبهم وتحركاتهم ،ومؤتمراتهم كلها ذات دلالات دينية ،ممَّا يؤكد أنَّ حروبهم دينية في المقام الأول. 3
ماذا عن خارطة الطريق؟
من المؤكد أن خريطة الطريق التي قدمتها الولايات المتحدة كمسار سياسي لا تعد الفلسطينيين سوى بالتوبة عن خيار المقاومة مقابل أفق لا يصل بحال من الأحوال ما عرض في كامب ديفيد عام 2000، وهو الذي لم يتجاوز حسب مضمون اعترافات أحد عرابيه الصهاينة (شاؤول اريئيلي) سوى 60% من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن جرى عرضه بوصفه 88% نظراً لحسم غور الأردن، وما أضيف إلى القدس من أراضٍ بعد احتلال عام 1967م. 4
أسباب تقديم خارطة الطريق
أولاً : تحقيق الأمن لإسرائيل: فقد بدأت بتحقيق الأمن لإسرائيل ابتداءً بمطاردة قوى المقاومة دون هوادة، ووصولاً إلى وقف التحريض بكل أشكاله ضد الاحتلال. واللافت أنّ الصيغة المعروضة من الخريطة لم تعد تحظى بموافقة شارون، حيث يطالب بإضافة خمسة عشر تعديلاً عليها، فيما هي بالغة السوء من دون ذلك، وسواء حصل على التعديلات أم لم يحصل، فإن المسار بائس لا يبشر الفلسطينيين سوى بالتنكر لدماء شهدائهم وعذاب أسراهم وأنين جرحاهم، فضلاً عن كل التضحيات الأخرى، ومعها إهالة التراب على حقبة مقاومة هي الأروع في التاريخ الفلسطيني.
ولكن كان رد قوى المقاومة كبيرًا على نحو غير مسبوق منذ اندلاع الانتفاضة، حيث شهدت الشهور الثلاثة الأولى من العام 2002 موجة عمليات أصابت الشارع الإسرائيلي بالهستيريا، فكان قرار شارون بإعادة جيشه إلى المناطق التي انسحب منها خلال مفاوضات أوسلو في الضفة الغربية، التي تميزت بأعمال مقاومة موجعة، خلافاً لقطاع غزة المحاصر والمعزول، وقليل الأهداف العسكرية القابلة للاستهداف.
وبدأت عملية “السور الواقي” مع نهاية شهر آذار/مارس 2002، تلتها عملية “الطريق الحازم”، ولم تتوقف عمليات الاجتياح الإسرائيلي حتى الآن، حيث أسفرت عن حوالي ألف وخمسمائة شهيد وآلاف الجرحى، فضلاً عن اعتقال حوالي عشرين ألف فلسطيني، مازال ثمانية آلاف منهم داخل السجون.
كل ذلك لم يؤد إلى وقف أعمال المقاومة، وإن تمكن في الشهور الأخيرة من الحد منها. والحال أن تراجع السلطة أمام الاجتياح الإسرائيلي كان سبباً مباشراً في تراجع الفعل المقاوم، ذلك أن الصفقات التي عقدت بعد اجتياح المدن الفلسطينية، وبعد المعركة البطولية في مخيم جنين قد أدت إلى كثير من الإحباط في الساحة الفلسطينية، بعد موجة صعود كبيرة.
في هذه الأثناء كان التحريض الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة على العراق قد أفضى إلى قناعة بأن الحرب قادمة لا محالة، ومن ثم جرى وضع البيض الإسرائيلي في سلة تلك الحرب، وصار القادة الصهاينة عازفين عن التجاوب مع أي جهد سياسي بانتظار وقوعها وسقوط النظام العراقي ومن ورائه- كما رددوا- “حجارة الدومينو” في الشرق الأوسط كمحطة لفرض التسوية وفق الصيغة الصهيونية الأسوأ، والتي طرحها شارون مراراً.
ثانياً: لم يعد قبول منطق جيش الشعب (النظامي والاحتياطي) بالسهولة نفسها التي كان عليها من قبل، وذلك بسبب مقتضيات الاقتصاد الإسرائيلي في إطار النظام العالمي الجديد وبسبب الأزمة المستحكمة التي يعاني منها هذا الاقتصاد، حيث يصل العجز المالي إلى نحو 30 مليار شيكل خلال عام 2003، وهو ما دفع وزير المالية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القول: إن الاقتصاد مريض، بل مريض جداً. لقد وصلنا إلى وضعٍ فرغ فيه الصندوق من النقود (صحيفة يديعوت أحرونوت، 17 مارس 2003.
ثالثاً: تزايد تكلفة الحرب يعني تزايُد اعتماد “إسرائيل” على الولايات المتحدة. وعلى رغم أنَّ الولايات المتحدة حليف موثوق به تماماً، فإن ثمة عوامل قد تدفع الإدارة الأميركية إلى عدم الاستجابة لكل المطالب الإسرائيلية المالية والعسكرية، وفي مقدمتها أزمة الاقتصاد الأميركي، وخاصة في ضوء التكاليف الباهظة للحرب على العراق، والمعارضة الشعبية المتنامية لهذه الحرب وللهيمنة الأميركية على العالم، بالإضافة إلى ارتفاع أصواتٍ داخل الولايات المتحدة نفسها تعترض على الأعباء التي يتحملها الشعب الأميركي من أجل ضمان أمن “إسرائيل”.
رابعاً: أثبتت انتفاضة الأقصى، ومن قبلها انتفاضة عام 1987، أن الآلة العسكرية الإسرائيلية بكل جبروتها تقف عاجزةً عن إثناء الشعب الفلسطيني عن إصراره المشروع على التحرر والاستقلال، مهما بلغت فداحة التضحيات البشرية والمادية التي يتكبدها، ومهما استخدمت “إسرائيل” من أساليب وحشية لقمعه، بدءاً من حملات الاغتيال والمجازر الواسعة النطاق، على غرار ما حدث في جنين، مروراً بهدم المنازل وتدمير المؤسسات واقتلاع أشجار الزيتون، وانتهاءً بالحصار المتواصل وإغلاق القرى والبلدات والطرق، والسعي لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم عنوةً أو جعل حياتهم فيها مستحيلة بما يجبرهم على الرحيل من تلقاء أنفسهم.
خامساً: ومما يزيد الرغبة في التسوية عند المستوطنين الصهاينة أن ما يُسمى الشعب اليهودي (أي الجماعات اليهودية المنتشرة في أنحاء العالم) يبدو عازفاً بشكلٍ كاملٍ تقريباً عن الاستقرار في الأرض الموعودة، ناهيك عن الحرب من أجلها، وهو ما يثير مشكلات عديدة بالنسبة لدولة “إسرائيل”، التي يشكل جلب المهاجرين إليها أمراً ضرورياً من الناحية الاقتصادية والسكانية.
سادساً: بدأت علامات الإرهاق والتذمر تظهر بين المستوطنين الصهاينة ويظهر هذا في أزمة الخدمة العسكرية، حيث يرفض ما يزيد على 500 من جنود الجيش الإسرائيلي الخدمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك في تزايد معدلات النزوح، والعزوف عن الإقامة في المستوطنات، التي أصبح كثير منها يُسمى مستوطنات الأشباح لخلوها من السكان (صحيفة هاآرتس،21 سبتمبر 2001)، والتكالب على الاستهلاك.
سابعاً: على رغم كل سلبيات اتفاقيات أوسلو فإن قيام السلطة الفلسطينية يشكل أول اختراق للعمق الاستراتيجي الإسرائيلي، إذ توجد كتلة بشرية ضخمة (مليونا فلسطيني في الأرض المحتلة عام 1967، بالإضافة إلى مليون في الأراضي المحتلة عام 1948) لها مؤسساتها وإرادتها وطموحاتها. كما ثبت أنَّ الروابط القومية والتاريخية بين فلسطينيي 1967 وفلسطينيي 1948 أكثر عمقاً وتجذراً واستمراراً من كل المحاولات الإسرائيلية لمحوها أو تهميشها .5لما ذا غزت أمريكا أفغانستان؟
هذا ما سأجيب عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
Suhaila_hammad@hotmail.com
1- سعود أبو محفوظ : برنامج الشريعة والحياة ،قناة الجزيرة ،أذيعت 20/10/2002م.
2- المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
4- ياسر الزعاترة : مقالة وزارة عباس ـ دحلان وخريطة الطريق ،وآفاق القضية الفلسطينية بعد حرب العراق ،الإسلام اليوم ، 25/2/1424هـ الموافق 27/4/2003م.
5- د. عبد الوهاب المسيري : خريطة الطريق والمفهوم الإسرائيلي للسلام ،جريدة الاتحاد الإمارتية ،22/4/2003م.