د.سهيلة زين العابدين حمَّاد
الخميس 18 ربيع الآخر 1429 – الموافق – 24 ابريل 2008م.
إنَّ الإسلام لا يفرق بين جنس أو عنصر أو لون ،ولا يعرف الجنسية،والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتاكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه ،وإلاَّ تكن فتنة وفساد كبير” ،ولم يقل من ترضون جنسيته
،وقد زوَّج الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أخته لسيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه ،فالجنسية مصطلح حديث ظهر في أواخر القرن التاسع عشر بعد سقوط الخلافة الإسلامية ،وتجزئة الدول العربية والإسلامية إلى دول صغيرة ،ومنح كل دولة جنسية لرعاياها طبقاً لمسمى القطر أو الدولة. فالجنسية رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة ،ولا علاقة للدين بها .
أرجو أن لا يُفهم من هذه المقدمة أنَّني أدعو إلى إلغاء الحدود والجنسية ،وإنَّما أردتُ أن أُبيِّن أنَّ الجنسية لا علاقة لها بالدين والشرع ،فهي مفهوم حديث وجد مع نشأة الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر مثله مثل مفهوم المواطنة،وهي حق من حقوق المواطنة، وبما أنَّ الحكم في المملكة العربية السعودية يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية ،وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم،كما نصت المادة السادسة والعشرون على حماية الدولة لحقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية وبناءً عليه ،فهذه الأسس يتمتع بها جميع أفراد المجتمع ذكوره وإناثه ، فكما يتمتع الرجل بحقوق المواطنة ،للمرأة أن تتمتع بها دون تمييز،ولكن للأسف الشديد نجد تمييزاً ضد المرأة في بعض مواد نظام الجنسية الصادر عام1374هـ ، فالمادة السابعة تنص على أن “يكون سعودياً من ولد داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها لأب سعودي ، أو لأم سعودية ، وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له”.
وهذا يعني أنَّ المولود لأب سعودي يكون سعودياً دون أي قيد أو شرط، أما المولود لأم سعودية فلا يكون سعودياً إلا في أحد حالتين : أن يكون الأب مجهول الجنسية، أي غير معروف الجنسية، أو لا يستطيع إثبات جنسيته ، أو أن لا تكون له جنسية، أي عديم الجنسية. ففي حين نجد الميلاد لأب سعودي يكفي لثبوت الجنسية السعودية، أي حقاً مطلقاً “ويسمى في الاصطلاح حق الدم المطلق”، ولا يكفي الميلاد لأم سعودية لثبوت الجنسية لأبنائها حيث أنَّ ذلك يقتضى حالات خاصة ، ولذلك يسمى ثبوت الجنسية عن طريق الأم على هذا النحو في الاصطلاح بـ “حق الدم المقيد”. وهو ما دعى المملكة للتحفظ على الفقرة الثانية من المادة السابعة من إتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة،وهذا التمايز بين المرأة والرجل لا مبرر له طالما أنَّ الدولة تعطي لابن السعودية من أجنبي الجنسية السعودية عند بلوغه سن الثامنة عشر ،فلمَ لا تمنح هذا الحق لأولادها جميعاً ذكوراً وإناثاً عند ولادتهم داخل المملكة أو خارجها ،وطالما منحت ابن السعودية من زوج أجنبي حق الجنسية عند بلوغه سن الثامنة عشر،وكذلك إن كان الأب مجهولاً أو منعدم الجنسية ،فلا مبرر إذن ربط منح الجنسية بحق الدم المقيد،ولا مبرر لتحفظ المملكة على الفقرة الثانية من المادة التاسعة من اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على : “تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.”
فالمواطنة المتزوجة من أجنبي لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها السعودي المتزوج من أجنبية ،فزوجه وأولاده منها يحصلون على الجنسية السعودية ،حتى الذين يولدون خارج المملكة،بينما السعودية المتزوجة من أجنبي لا تملك حق منح جنسيتها لزوجها ،أمّا أولادها منه ،فالذكور منهم طبقاً لنظام الجنسية يحصلون على الجنسية السعودية عند بلوغهم سن (18) سنة على أن تتوفر لديهم صفة الإقامة الدائمة ،ولا يحصلون عليها إلاّ بشق الأنفس ،وأحدهم تأخر شهراً واحداً بعد بلوغه سن ال 18 سنة ،في تقديم طلب الجنسية سقط حقه في الحصول عليها ،مع أنَّ الفقرة (د) من المادة (8)من نظام الجنسية تنص على ” أن يقدم خلال السنة التالية لبلوغه سن الرشد طلباً بمنحه الجنسية العربية السعودية.”
أمَّا الإناث فلا يحصلن على الجنسية السعودية إلاَّ إذا تزوجن من سعوديين وأنجبن أولاداً ذكوراً ،فحصولهن عليها ليس لكون أمهاتهن سعوديات،ولكن لكونهن زوجات سعوديين.
وعند تأملنا المادة التاسعة من نظام الجنسية الخاصة بمنح الأجنبي الجنسية السعودية نجدها تعطي الحق للأجنبي الجنسية السعودية إن أقام في المملكة عشر سنوات ،بينما ابن السعودية لا يحصل على الجنسية السعودية إلاَّ إذا ولد في المملكة ،وتوفرت لديه صفة الإقامة الدائمة حتى بلوغه ال 18 سنة،كما نجد بنود المادة (8) الخاصة بأولاد السعودية من أب أجنبي لا توجد بها أية مميزات عن المادة (9) الخاصة بمنح الجنسية السعودية للمقيمين ،أي أنَّ الأم السعودية ليست لها مميزات كمواطنة سعودية ،فهي مثلها مثل الأم الأجنبية والأب الأجنبي في منح أبنائهما الجنسية السعودية.
كما أنَّ عدم منح زوج السعودية الأجنبي وبناتها منه الجنسية السعودية أدى إلى تعدد الجنسية في الأسرة الواحدة ،وقد يرحل غير السعوديين منهم من البلد تحت أي ظرف سياسي ،أو لتحكم الكفيل.
كما أنَّه أدخلنا في محاذير شرعية :
• لحرمان الزوج الأجنبي من حق الولاية على زوجته السعودية وأولادها منه.
• لحرمان الزوج والأولاد الذين لم يحصلوا على الجنسية من حقهم في معاشها بعد وفاتها ومن ميراثها من العقارات .
• حدوث تمييز بين الأولاد في المعاش والميراث.
لذا أناشد مجلس الشورى إعادة مناقشة المادتيْن السابعة والثامنة من نظام الجنسية لمساواة أولاد وزوج السعودية غير السعوديين بزوجة السعودي الأجنبية ،وأولاده منها ،لتكون مواطنة كاملة المواطنة .
البريد اليكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة.