لم يكن للأجنبي قبل الإسلام حقوق في معظم الدول المعروفة آنذاك ،لأنَّ تلك الدول كانت تعد كل ما سواها عدواً لها ،وبالتالي تعتبر أي أجنبي عدواً لها ،وتعامله معاملة الأعداء ،وكما جاء الإسلام ليقرر مبادئ الإنسانية والسلم في العلاقات القائمة بين الدول
،فإنَّه يقرر المبادئ نفسها في علاقة الدولة الإسلامية بالأفراد ،سواءً كانوا مواطنين أو أجانب ،مسلمين أم غير مسلمين ،وبلغ الإسلام من تسامحه أنَّه إن دخل دار الإسلام حربي مشرك ،فلا يجوز للمسلمين أن يتعرضوا له بسوء ،بل إنَّ مبادئ الإسلام توجب على ولي الأمر أن يأمر بحماية هذا الحربي المشرك حتى يبلغ مأمنه ،يقول تعالى :
( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنْ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون )
وهنا يرتفع بالمسلم إلى قمة الإنسانية ،هذا وقد قسَّم الفقهاء سكان الدولة الإسلامية إلى ثلاثة أنواع :
1-المسلمون .
2- الذميون.
3- المستأمنون.
ويشكل المسلمون والذِّميون رعايا أو مواطني الدولة الإسلامية لأنَّهم يقيمون فيها إقامة دائمة ،أمَّا المستأمنون فهم أجانب يدخلون دار الإسلام لأمد محدود ،والدولة عادة تمارس سيادتها على مواطنيها ،ولكن الذين يقيمون فيها فرداً أو طائفة لا يستثنون من القانون السائد ،والتشريع المطبق ،وإلاَّ عد ذلك تمييزاً بين الناس ،وانتقاصاً من سيادة الدولة ،وإذا أخذت الدولة بعين الاعتبار اختلاف أديان السكَّان وجنسياتهم ،فلا يصح أن يصبح ذلك امتيازاً لهؤلاء الأفراد ،أو الطوائف لأنَّه مناقض لسيادة الدولة .
حقوق الذِّميين وواجباتهم:
وهم الذين يقيمون بين المسلمين إقامة دائمة بموجب عقد الذِّمة ،فهم رعوية إسلامية أو مواطنون ،وإذا كان ارتباط المسلمين بالدولة ارتباط بالدولة ارتباط جنسية ودين ،فإنَّ ارتباط الذِّميين قاصر على الوطنية والجنسية ،والذِّميون هم أولئك الذين كانوا من سكان البلاد التي فتحها المسلمون ،وفضَّلوا البقاء فيها ،فدخلوا في ذمة المسلمين.وإذا دخل المواطن في ذمة المسلمين فقد التزم بتكليف مالي بسيط لقاء حماية المسلمين له ،والتزم أيضاً أن يطبق أحكام المعاملات المالية والعقوبات التي تضعها الدولة ،ويعفى من الخضوع للقانون العام فيما يتعلق بالحقوق الشخصية ( الزواج والطلاق والميراث)لأنَّها تتعلق بأمور دينية لا يصح أن يُجبر عليها .
الذِّميون والجزية :
لقد فرض الله على القادرين على القتال من أهل الذِّمة دفع جزية مقابل توفير الحماية لهم عن سعة أي لا يكلف بدفعها من لا تتوفر لديه القدرة المالية ،يقول تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرِّمون ما حرَّم الله ما حرَّم الله ورسوله ولا يُدِنون دِين الحقِّ مِنَ الذينَ أوتوا الكتَاب حتى يُعْطوا الجِزية عنْ يدٍ وهم صاغرون) ويقصد بِ(وهم صاغرون ) أي إعلان الطاعة للدولة الإسلامية والالتزام بقوانينها.
هذا وقد فرضت الجزية بديل حماية المسلمين لهم والمحافظة عليهم ،وإعفائهم من القيام بواجب الدفاع عن كيان الدولة وحماية المواطنين ،وكان المسلمون يردون هذا لهم هذا المبلغ حين لا يستطيعون حمايتهم ،وقد حدث ذلك كثيراً في تاريخ المسلمين ،فقد حصل مثلاً أن أمر أبو عبيدة برد أموال الجزية لجميع مدن الشام حين علم أنَّ الروم حشدوا جيوشهم على حدود الدولة الإسلامية في الشمال ،وذلك لأنَّه خشي أن لا يستطيع الدفاع عنها ،وفي كتابه لأمراء الأجناد لتنفيذ هذا الأمر طلب إليهم أن يقولوا لهم : (إنَّما رددنا عليكم أموالكم لأنَّا قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع ،وأنَّكم اشترطتم علينا أن نمنعكم ،ونحن لا نقدر على ذلك )
وقد ردوا عليهم أموالهم بالفعل ، وكان من نتيجة ذلك موقف رائع يذكره التاريخ ،فقد قال لهم أهل هذه المدن من الذميين : ” ردكم الله علينا ونصركم عليهم ” أي على الروم ،وهم على دينهم ،فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئاً ،وأخذوا كل شيء بقي لنا.
كما حصل أنَّ ردَّ صلاح الدين الأيوبي الجزية إلى نصارى الشَّام حين اضطر إلى الانسحاب منها ،وتكرر نفس التقدير الذي ظهر لدى الذِّميين أيام أبي عبيدة حين انتصر صلاح الدين ،وقد علَّق المستشرق الإنجليزي “توماس أرنولد ” في كتابه “الدعوة إلى الإسلام ” بقوله : ( لقد سكنوا إلى الحكم الإسلامي وادعين مستبشرين ،كما استمر الحكام المسلمون على عاداتهم القديمة من التسامح وسعة الصدر لأهل الملل الأخرى ،وإذاً فإنَّ الجزية ثمن الحماية ،وهي لا تعادل إلاَّ مقداراً بسيطاً ممَّا كان يدفعه المسلم من تكاليف مالية كالزكاة والعشور وغيرها .
وأخيراً فإنَّ الجزية ليست من مبدعات الإسلام ،وإنَّما هي نوع من المعاملة بالمثل ، فقد كانت موجودة لدى الأمم السابقة كاليونان والرومان والفرس ، وحين طبقها الإسلام طبقها على صورة فلم يعهدها مجتمع من السماحة والعدل ومراعاة الظروف والأحوال.
وقد حفظ الإسلام للذميين حريتهم في ممارسة عباداتهم وعقائدهم ،وسمح لهم بأن يتمتعوا بكل المسلمون من حقوق التجارة والكسب والعمل والتنقل حتى إنَّهم ليتمتعون بكثير ممَّا لا يحق للمسلم أن يتمتع بها .
حماية الذِّمي:
لقد أوجب الإسلام حماية الذِّمي ،فدمه وماله مصونان ، وحريته وكرامته محترمان ،وقد أكَّد الرسول صلى الله عليه وسلَّم على هذا في أحاديث عدة منها : ( من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ،,من خاصمته خصمته) ،كما أنَّ الخليفة عمر كان يسأل عُمَّاله أوَّل ما يسألهم عن أحوال أهل الذِّمة ،ولعلَّنا نذكر جميعاً كيف أمر بضرب ابن والي مصر عمرو بن العاص لأنَّه أساء إلى ذمي ،ثُمَّ قال قولته الخالدة : ( متى استعبدتم النَّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
وبلغ من رعاية الدولة الإسلامية لأهل الذِّمة أنَّها كانت تفرض لهم من بيت مال المسلمين ،إذا كانوا في حالة لا يتكسبون بها ،وكان هذا يدخل في الذِّمة أحياناً ،فقد جاء في عهد خالد بن الوليد رضي الله عنه : ( وجعلت لهم أيما شيخ ضعيف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات ،أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه ،وطرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله ما أقاموا بدار الإسلام .
المستأمنون الأجانب :
وهم الأشخاص الذين يدخلون الديار الإسلامية لمدة محدودة ،وليس بنيتهم الإقامة الدائمة ،فإذا مادامت إقامة الشخص عومل معاملة أهل الذِّمة ،وكان الإسلام أوَّل من يعرف بحقوق الأجانب (المستأمنين) ،ولم تصل الإنسانية إلى إقرار هذه الحقوق في ظل القوانين الوضعية إلاَّ في القرن العشرين.
فللأجنبي حق الإقامة والتنقل في الدولة الإسلامية ،وله أن يمارس التجارة والعمل ،وان يتمتع بالمرافق العامة الضرورية ،كل ذلك ضمن حدود نظام الدولة وقوانينها ،وهو لا يلتزم إلاَّ بالخضوع للأحكام المتعلقة بالأمن والنظام واحترام عقائد المسلمين وتقاليدهم ،والامتناع عن كل ما يشعر بإهانة المسلمين .
وقد رتَّب الفقهاء على تقرير المستأمنين عدة أمور أهمها :
1- أنَّ ملكية المستأمن لماله الذي اكتسبه في دار الإسلام لا تزول ولو عاد إلى دار الحرب ،بل ولو حمل السلاح على المسلمين.
2- وأنَّ ماله يرسل إلى ورثته إذا مات في دار السَّلام ،كما أنَّ ملكيته لماله تنتقل إلى ورثته إذا مات في دار الحرب ،أو أثناء اشتراكه في حرب المسلمين مع جيش دولته ،ولا تزول ملكيته لماله إلاَّ في حالة اشتراكه في حرب المسلمين وأسره واسترقاقه من قبلهم.
3- أمَّا العقوبات ،فإنَّ ما يتعلق بحقوق العباد فإنَّه يطبق عليه من قبل أولي الأمر ،أمَّا ما يتعلق بالاعتداء على حقوق الله تعالى ،فإنَّ الجمهور أجمعوا على عقابه ،وخالف في ذلك أبو حنيفة .
وهنا لي وقفة ،معنى هذا أنَّ جميع الأجانب المقيمون للقيام بالتجارة ،أو أعمال بموجب عقود عمل في المملكة العربية السعودية وسائر الدول العربية والإسلامية لهم حقوق أهل الذِّمة ،وعلينا توفير الأمان لهم ،وحتى لو كانوا ينتمون إلى بلاد معادية لنا أو تحاربنا ،فأحداث انفجارات الحادي عشر من ربيع الأول عام 1424هـ التي شهدتها الرياض لا يقرها الإسلام ،وتتنافى مع تعاليمه ،وهذه الجماعات تجهل الدين ،وتخلط بين المحاربين والمحتلين ،وبين المقيمين في الدولة الإسلامية بموجب عقود واتفاق بينهم وبين جهات العمل التي يعملون فيها.
فالإسلام يدين الإرهاب ،وهذه ظاهرة غريبة عن مجتمعنا الإسلامي ،وقد صدَّرها لنا الغرب ،واستغل جهل بعض الشباب بدينهم ،ووجههم لارتكاب هذه الأعمال الإرهابية لتشويه صورة الإسلام ،واتهامه بالإرهاب ،ليجد المبررات لإعلان الحرب على الإسلام واحتلال العالمين العربي والإسلامي.
فالإسلام يدعو إلى العدل والإحسان يقول تعالى : ( إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسان)
ويقيم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم ممن لم يقاتلوهم في الدين أو يخرجوهم من ديارهم على العدل والإحسان والتسامح ،وفي ذلك يقول جل شأنه :
( لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الِّدينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إليْهِم إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين.إنَّما يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مّنْ دِيَارِكُم وَظَاهَرُوا عَلى إِخْرَاجَكُم أنْ تَوَلُّوهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون )
ويرتفع الإسلام بالمسلم إلى ذروة الإنسانية وأكرم آفاقها حين يأمره بأن يعمل على توفير الأمن للمشرك الخائف ،وحمايته ،وإيصاله إلى بلده ومأمنه ،يقول تعالى : (( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنْ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون ))
وكلنا يعرف قصة إجارة أم هانئ رضي الله عنها لاثنين من المحاربين يوم فتح مكة ،وعندما أراد سيدنا علي كرَّم الله وجهه قتلهما ،ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكت له ، فقال لها عليه الصلاة والسلام ” ما كان له ذلك ،قد أجرنا من أجرت وأمنَّا من أمّنتِ”
والإسلام لا يقر على الإكراه على الدين ،وأعلن ذلك صراحة ،يقول تعالى : ( لا إكِرَاه في الدِّين قَدْ تَّبَيْنَ الرُّشْدُ مِنَ الغيِّ)
وحثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ،يقول تعالى : ( ادعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعِظَةِ الحسنة وَجَادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَن)
بيَّن له أنَّه لو كان فظاً في دعوته غليظ القلب لانفضوا من حوله يقول تعالى : ( لو كُنْت فَظّاً غَلِيظَ القلبِ لا نفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)
وأمرنا أن تكون مناظراتنا مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن ،يقول تعالى :
( ولاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتابِ إلاَّ بالتي هِي أَحْسَنُ)
ونهانا الإسلام عن سب عقائد المخالفين لديننا ،يقول تعالى : ( ولا تَسُبُّوا الَّذِين يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بغيرِ علم)
بل جعل الإسلام لأماكن عبادات اليهود والمسيحيين حرمة كحرمة المساجد يجب حمايتها والدفاع عنها ،يقول تعالى : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ..)
عهد أمان عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأهل بيت المقدس :
ويكفي أنْ أذكر كيف أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى أهل بيت المقدس أماناً على معابدهم وكنائسهم وعقائدهم وأموالهم ،وممَّا جاء نصه في هذا العهد الآتي : ( بسم الله الرحمن الرحيم .هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان . أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها .إنَّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها ،ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ،ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود )
هذا بعض ما جاء في عهد الأمان الذي أعطاه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأهل القدس.
ولو ذهبنا إلى مصر نجد أنَّ العرب المسلمين أعطوا الحرية الدينية للقبط ،يؤيد ذلك ما فعله عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد استيلائه على حصن بابلبيون ،إذ كتب بيده عهداً للقبط بحماية كنيستهم ،ولعن كل من يجرؤ من المسلمين على إخراجهم منها ،وكتب أماناً للبطريق بنيامين ،وردَّه إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء ثلاث عشرة سنة ،وأمر عمرو رضي الله عنه باستقبال بنيامين عندما قدم الإسكندرية أحسن استقبال ،وألقى على مسامعه خطاباً بليغاً ضمنه الاقتراحات التي رآها ضرورية لحفظ كيان الكنيسة ،فتقبلها عمرو رضي الله عنه ، ومنحه السلطة التامة على القبط والسلطان المطلق لإدارة شؤون الكنيسة .
ولم يفرق العرب في مصر بين الملكانية واليعاقبة من المصريين ،الذين كانوا متساوين أمام القانون ،والذين أظلهم العرب بعدلهم وحموهم بحسن تدبيرهم ،وقد ترك العرب للمصرين ،وأخذوا على عاتقهم حمايتهم ،وأمنوهم على أنفسهم ونسائهم وعيالهم ،فشعروا براحة كبيرة لم يعهدوها منذ زمن طويل ،بل كانوا يعانون من ظلم البيزنطيين الذين كانوا يطهدون الياعقبة لأنهم يختلفون معهم في المذهب ،يوضح هذا قول المستشرق البريطاني سير توماس أرنولد في كتابه ” الدعوة إلى الإسلام ” : ( يرجع النجاح السريع الذي أحرزه غزاة العرب قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي ،لما عرف به من الإدارة الظالمة ،وما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت ،فإنَّ الياعقبة الذين كانوا يكونون السواد الأعظم من السكان المسيحيين عوملوا معاملة مخحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسي التابعين للبلاط ،الذين ألقوا في قلوبهم بذور السخط والحنق الذيْن لم ينسهما أعقابهم حتى اليوم )
كما أنَّ السلطان محمد الفاتح أعطى ـ حين دخل القسطنطينية فاتحاً ـ لبطريرك المدينة السلطان الداخلي على رعيته من النصارى ،بحيث لا تتدخل الدولة في عقائدهم ولا عباداتهم.
كما يروي لنا التاريخ أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية طلب إلى أمير التتار إطلاق سراح الأسرى ،فأجابه الأمير التتاري إلى إطلاق سراح أسرى المسلمين وحدهم دون المسيحيين واليهود فأبى شيخ الإسلام رحمه الله ذلك وقال : ” لا بد من إطلاق سراح الذميين من أهل الكتاب ، فإنَّهم أهل ذمتنا ،لهم ذمة الله ورسوله ،فأطلق الأمير سراحهم جميعاً .
ويثبتُ التاريخ أنَّ المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ،تشهد عليها :
1-الرسالة التي بعث بها “ثيودسيوس” بطرق بيت المقدس سنة 869 إلى زميله “اجناتيوس” بطرق القسطنطينية، والتي امتدح فيها المسلمين ،وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق ،حتى أنَّهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة .
2- ما ذكره بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إنَّ المسلمين قوم عادلون ،ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت)
ويرى أحد كبار المؤرخين الأوربيين أنَّ حالات الاضطهاد الفردية التي تعرَّض لها المسيحيون في الشرق الأدنى في القرن العاشر الميلادي بالذات لا يصح أن تتخذ بأي حال سبباً حقيقياً للحركة الصليبية ،لأنَّ المسيحيين بوجه عام تمتعوا بقسط وافر من الحرية الدينية ،وغير الدينية في ظل الحكم الإسلامي ،فلم يسمح لهم فقط بالاحتفاظ بكنائسهم القديمة ،وإنَّما سمح لهم أيضاً بتشييد كنائس وأديرة جديدة جمعوا في مكتباتها كتباً دينية متنوعة في اللاهوت .
إسهام اليهود والنصارى في الحضارة الإسلامية:
رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين كانوا ولا يزالون يتمتعون بحرية دينية كاملة ،ويتمتعون أيضاً بحق المواطنة مثلهم مثل المسلمين ،فهم من النسيج الاجتماعي للدولة الإسلامية ،وأسهموا ،ويسهمون في البناء الحضاري في مختلف العلوم ،وقد نبغ منهم في الطب والهندسة ،وسائر العلوم . ولم يفرق المسلمون بين يهودي ومسيحي ومسلم أمام القضاء .
اليهود والنصارى أمام القضاء وعدالة الإسلام :
عدالة الإسلام في القضاء وعدم تفريقه بين الخصوم حكاماً ومحكومين مسلمين ومسيحيين ويهود ،فالكل سواء أمام القضاء. ومعروف أن النظام القضائي الإسلامي الوحيد في العالم الذي أوجد ديوان المظالم الذي يرفع فيه الأفراد قضايا على كبار المسؤولين بما فيهم الخلفاء والأمراء والولاة والوزراء،وسأتحدث اليوم عن بعض هذه القضايا ،فما أحوجنا أن نعيد قراءة تاريخنا ،وأن نتوقف عند عظمة هذا الإسلام ومدى عدالته، فالله جلَّ شأنه قد أمر أن يكون الحكم بين النّاس بالعدل ،وكذلك إن كان الحكم بين اليهود رغم كذبهم وأكلهم أموال الناس بالباطل فيجب أن يكون حكماً عادلاً يقول تعالى في سورة المائدة : ( سمَّاعون للكذبِ أَكَّالُونَ للسُّحتِ فَإِنْ جَاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أوْ أَعْرِضْ عَنْهُم وَإِنْ تَعْرِضْ عَنْهُم فَلَنْ يَضُّرُوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطين)
ويقول جلَّ شأنه في حديث قدسي : ( يا عبادي قد حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما)
وكلنا يعرف قصة القبطي المصري الذي قدم من مصر إلى المدينة ليشكو إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه والي مصر عمرو بن العاص ،وزعم أنَّّ الوالي أجرى الخيل فأقبلت فرس المصري فحسبها محمد بن عمرو فرسه وصاح : “فرسي ورب الكعبة” ،ثُمَّ اقتربت وعرفها صاحبها فغضب محمد بن عمرو ووثب على الرجل يضربه بالسوط ويقول له : خذها وأنا ابن الأكرمين ،وبلغ ذلك أباه فخشي أن يشكوه المصري فحبسه زمناً ..ومازال محبوساً حتى أفلت وقدم إلى الخليفة لإبلاغه شكواه…
قال أنس بن مالك راوي القصة : فوالله ما زاد عمر على أن قال له أجلس …ومضت فترة إذ به في خلالها قد استقدم عمراً وابنه من مصر فقدما ومثلا في مجلس القصاص ،فنادى عمر رضي الله عنه :” أين المصري ؟ …دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين”
فضربه حتى أثخنه ،ونحن نشتهي أن يضربه .فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ،وعمر رضي الله عنه يقول : اضرب ابن الأكرمين ! ..ثُمَّ قال : ” أجلها على صلعة عمرو ! فوالله ما ضربك ابنه إلاَّ بفضل سلطانه …قال عمرو رضي الله عنه فزعاً : يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت ، وقال المصري معتذراً : يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني ..فقال عمر رضي الله عنه :”أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى يتكون أنت الذي تدعه .والتفت إلى عمرو مغضباً قائلاً له تلك القولة الخالدة :” أيا عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ”
وكلنا يعرف قصة سيدنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه مع اليهودي الذي وجد درعه عنده الذي فقده وهو متجهاً إلى صفين ،ولما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة وجده في يد يهودي ،فقال نصير إلى القاضي ،فتقدم علي رضي الله عنه فجلس إلى جنب القاضي شريح ،وقال : ” لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس ،ولكني سمعتُ رسول الله صلى عليه وسلم يقول : “أصغروهم من حيث أصغرهم الله “فقال شُريح قل يا أمير المؤمنين ،فقال :” نعم هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب ،فقال شُريح : إيش تقول يا يهودي ؟ قال: “درعي وفي يدي ،فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين ؟ قال : “نعم ،قنبر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي ،فقال شُريح: شهادة الابن لا تجوز للأب ،فقال علي رضي الله عنه : ” رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ،فقال اليهودي : ” أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ،وقاضيه قضى عليه ،أشهد أنَّ هذا هو الحق ،وأشهد أن لا لإله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله ،وأنَّ الدرع درعك.”
كما فسح المجال لأهل الذمة لتلقي العلوم ،وقد نبغ منهم في مجالات علمية مختلفة ،و ذكر لنا التاريخ أسماء أطباء يهود ومسيحيين بلغوا شأناً عظيماً في الدولة الإسلامية ،بل نجد يهوداً ونصارى تولوا مناصب هامة في الدولة الإسلامية ،ومنهم من تولى منصب الوزارة ،فقد تولت أسرة بني وقاصة اليهودية قهرمة القصر السلطاني في عهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق في المغرب ،وفي عهد آخر سلاطين بني مرين(610- 869هـ ) السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المريني تولى منصب الوزارة اثنان من اليهود هما هارون وشاويل ،وقد أدى تحكم اليهود في الدولة عن طريق هذيْن الوزيرين إلى مقتل السلطان عبد الحق المريني ،وسقوط الدولة المرينية.
وهذا يبن لنا مدى غدر اليهود ،وأنَّهم لا أمان لهم ،ومهما تسامحنا معهم ،فالغدر من شيمهم وصفاتهم ،والتاريخ حافل بأمثلة كثيرة لا حصر لها تبين غدر اليهود ،وقراءة منا لتاريخ اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ، تبين لنا كيف نقضوا العهد الذي كان بينه وبينهم ،والذي كتب في صحيفة المدينة ،وكيف ألَّبوا الأحزاب ضد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة ،و تآمروا على قتله أكثر من مرة؟
وما يحدث الآن في فلسطين ،وغدر شارون بالفلسطينيين ونقضه لكل الاتفاقيات التي وقعت بين الحكام الإسرائيليين وبين الفلسطينيين باجتياحه للمدن الفلسيطينية التي منحت استقلالها ،وإعادة احتلالها ،ضارباً بكل الاتفاقيات عرض الحائط،وكأنها لم تكن ،فهذا غير مستبعد عن اليهود ،فهذا دأبهم منذ الأزل ،وعلينا نحن العرب أن نعي هذا جيداً ،وكفانا تنازلات التي لا نجني من ورائها أية مكاسب ،بل كفة الخسارة دائماً هي التي ترجح في اتفاقياتنا مع اليهود الصهاينة ، وللأسف خسارتنا آخذة في الزيادة ،ولا ندري إلى أي خندق ستوصلنا؟
وبعد فهذا جانب من تسامح الإسلام ،والأمثلة كثيرة لا حصر لها على تسامح هذا الدين السمح الذي لا يكتمل عنده الإيمان إلاَّ إذا أحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ،يقول صلى الله عليه وسلم ( لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
تسامح المسلمين في حالة الحرب:
أمَّا تسامح الإسلام في حالة الحرب فالحديث عنه يطول ،ويكفي أن أقول إنَّ القانون الدولي استقى كثيراً من أحكام الإسلام في الحروب في أحكامه كعدم مباغتة العدو وأخذه على غرة ،فلقد ثبت أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقاتل قوماً قبل أن يدعوهم إلى الإسلام ،أو دفع الجزية فإن امتنعوا قاتلهم ، وكذلك عدم قتال المدنيين من النساء والشيوخ والأطفال من أهالي المحاربين لهم ،وعدم تدمير منازلهم وحرق نخيلهم ،وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه في غزوة مؤتة ،وهو يتأهب للرحيل : ( ألا تقتلنَّ امرأة ولا صغيراً ضرعاً أي ضعيفاً ولا كبيراً فانياً ، ولا تحرقنَّ نخلاً ولا تقْلَعَنَّ شجراً ،ولا تهدموا بيْتاً ) وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال ( لا تقتلوا أصحاب الصوامع).
ولقد حرَّم الإسلام الإجهاز على الجرحى والتمثيل بالقتلى ،وعدم إصابة المدنيين بسوء ،وحسن معاملة الأسرى ،ولا يجوز قتلهم ،ولا جرحهم ،ولا تعذيبهم ،ولا إساءة معاملتهم أو تحقيرهم ،ولقد استقى القانون الدولي هذا من الإسلام،فالإسلام سبق القوانين الدولية بأحد عشر قرناً في وضع قوانين للأسرى بحسن معاملتهم ،وعدم تعذيبهم ،وعدم قتلهم ،وإطلاقهم بالمن عليهم أو فدائهم بينما نجد لم تظهر اتفاقيات أو معاهدات دولية لتنظيم معاملة الأسرى إلاَّ في أواخر القرن الثامن عشر ،وبالتحديد في سنة 1875م .
كل هذا يدركه الغرب تماماً ولسماحة الإسلام وعدالته ،حارب الغرب الإسلام ،والحروب الصليبية التي شنها على الإسلام مدى قرنين من الزمان أكبر دليل على هذا ،وعندما فشلت هذه الحروب في تحقيق أهدافها ،احتضنت الكنيسة الاستشراق الذي استمر على مدى ثمانية قرون يهاجم الإسلام ،وينال من التشريعات القرآنية ،ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن النبي الكريم ،لتشويه الإسلام ،وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم للحيلولة دون إسلام النصارى ،ولتنصير المسلمين ،وللسيطرة على المسلمين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واحتوائهم علمياً وفكرياً،ولا تزال الحركة الاستشراقية مستمرة حتى يومنا هذا ،وقد تغير مسماها ،إذ أصبحت تحمل مسمى الدراسات الشرق الأوسطية ملقية بمصطلح ” الاستشراق” في مزبلة التاريخ بعدما كُشفت أغراضه وأهدافه مركزة على هذه المنطقة التي تضم المقدسات الإسلامية ،وباعتبارها محور الصراع .
والإسلام ظل وسيظل مخيفاً لأعدائه الذين يخططون للقضاء على كل ما هو إسلامي ،ويرهبهم الجهاد في سبيل الله للدفاع عن الأوطان وتحريرها ،فعملوا على تغييب الجهاد ،واعتبروه إرهاباً ،وملاحقة المجاهدين في فلسطين ولبنان كإرهابيين للقضاء عليهم وتصفيتهم ،والحملة الحالية الموجهة ضد الإسلام ،وضد المملكة ليست وليدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر ،وإنَّما مخطط لها منذ سنين طويلة ،فلقد أعلن بابا الفاتيكان في المجمع المسكوني عام 1965م أنهم سوف يستقبلون الألفية الثالثة بلا إسلام ،ففي شهر مايو عام 1992م صرَّح نائب الرئيس الأمريكي في حفل الأكاديمية البحرية الأمريكية بولاية ماريلاند أنَّهم قد أخيفوا في هذا القرن بثلاث تيارات هي : الشيوعية والنازية والأصولية الإسلامية ،وقد سقطت الشيوعية والنازية ،ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية،فما أعلنه الرئيس الأمريكي أنَّ حرب الإرهاب هي حرب صليبية على الإسلام لم تكن زلة لسان ،وكل الأحداث التي حدثت ،والمخطط لها تؤكد أنَّ هناك حرباً شرسة على الإسلام على مختلف الجبهات ،وعلى كل الأصعدة.
والغربيون يدركون تماماً أنّ الدين الإسلامي والتاريخ الإسلامي يخلو من الحقد الديني الذي يمتلئ به التاريخ الأوربي ،وتلمود اليهود وتشريع التوراة المحرفة ،وتاريخ اليهود الصهاينة في فلسطين.
والذي يؤكد ما أقوله إنَّ التلمود يبيح دماء وأعراض وأموال غير اليهود ،ويسب سيدنا عيسى عليه السلام ويشتمه ،وإسرائيل قائمة على أساس الدين بكل ما تحمله عقيدتهم من استعلاء على الشعوب ،وأنَّهم شعب الله المختار ، وإسرائيل بكل ما تقوم من حرب إبادة لشعب بأكمله ،وهو أعزل ،وتضربه بالطائرات والصواريخ والدَّبابات ،وتجرف الأراضي ،وتهدم المنازل ،وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ ،وتروع الآمنين ،وتمثل بجثث القتلى من الأطفال ،وتنزع منها أعضاؤها،هذا كله لا يعد إرهاباً في نظر الغرب ،بل اعتبروا جهاد الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال الصهيوني إرهاباً ،مع أنهم قاوموا هم من احتل أراضيهم ،فأمريكا قاومت الاستعمار البريطاني ،وفرنسا قاومت الاحتلال النَّازي لأراضيها.
والواضح أنَّ نجاح انتفاضة الأقصى فيما ألحقته من خسائر لإسرائيل جعلت الصحف الإسرائيلية تتحدث الآن عن انهيار إسرائيل ،وقد أصبح الآن عدد النازحين من إسرائيل من اليهود أكثر من المهاجرين إليها ،إضافة إلى الخسائر المالية التي تكاد تشل اقتصاد إسرائيل ،فهذا ضاعف من جنون الغرب ،ـولا سيما أمريكاـ الموجه حملاته ضد الإسلام ،وكل ما هو إسلامي ،وتجفيف منابع الجمعيات الخيرية التي تدعم الشعب الفلسطيني بصورة خاصة لإجهاض الانتفاضة والقضاء عليها .
وينبغي ألا ننسى أنَّ هذه الحملات التي يحركها ويصعدها الصهيونية العالمية لأنهم مستفيدون منها إلى حد كبير ،والصهيونية كما لا يخفى على الجميع مدى سيطرتها على وسائل الإعلام الغربية من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما ومسرح ،وشركات إعلان ،وكذلك على مصادر الخبر ،وهي وكالات الأنباء ،وجريدة النيويورك التايمز التي تقود حملة شعواء على المملكة صاحبها يهودي،والكاتب الصحفي بها المتحامل على الإسلام يهودي صهيوني.
وهذا يجعلنا ندرك أبعاد هذه الحملة.
،فإنَّه يقرر المبادئ نفسها في علاقة الدولة الإسلامية بالأفراد ،سواءً كانوا مواطنين أو أجانب ،مسلمين أم غير مسلمين ،وبلغ الإسلام من تسامحه أنَّه إن دخل دار الإسلام حربي مشرك ،فلا يجوز للمسلمين أن يتعرضوا له بسوء ،بل إنَّ مبادئ الإسلام توجب على ولي الأمر أن يأمر بحماية هذا الحربي المشرك حتى يبلغ مأمنه ،يقول تعالى :
( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنْ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون )
وهنا يرتفع بالمسلم إلى قمة الإنسانية ،هذا وقد قسَّم الفقهاء سكان الدولة الإسلامية إلى ثلاثة أنواع :
1-المسلمون .
2- الذميون.
3- المستأمنون.
ويشكل المسلمون والذِّميون رعايا أو مواطني الدولة الإسلامية لأنَّهم يقيمون فيها إقامة دائمة ،أمَّا المستأمنون فهم أجانب يدخلون دار الإسلام لأمد محدود ،والدولة عادة تمارس سيادتها على مواطنيها ،ولكن الذين يقيمون فيها فرداً أو طائفة لا يستثنون من القانون السائد ،والتشريع المطبق ،وإلاَّ عد ذلك تمييزاً بين الناس ،وانتقاصاً من سيادة الدولة ،وإذا أخذت الدولة بعين الاعتبار اختلاف أديان السكَّان وجنسياتهم ،فلا يصح أن يصبح ذلك امتيازاً لهؤلاء الأفراد ،أو الطوائف لأنَّه مناقض لسيادة الدولة .
حقوق الذِّميين وواجباتهم:
وهم الذين يقيمون بين المسلمين إقامة دائمة بموجب عقد الذِّمة ،فهم رعوية إسلامية أو مواطنون ،وإذا كان ارتباط المسلمين بالدولة ارتباط بالدولة ارتباط جنسية ودين ،فإنَّ ارتباط الذِّميين قاصر على الوطنية والجنسية ،والذِّميون هم أولئك الذين كانوا من سكان البلاد التي فتحها المسلمون ،وفضَّلوا البقاء فيها ،فدخلوا في ذمة المسلمين.وإذا دخل المواطن في ذمة المسلمين فقد التزم بتكليف مالي بسيط لقاء حماية المسلمين له ،والتزم أيضاً أن يطبق أحكام المعاملات المالية والعقوبات التي تضعها الدولة ،ويعفى من الخضوع للقانون العام فيما يتعلق بالحقوق الشخصية ( الزواج والطلاق والميراث)لأنَّها تتعلق بأمور دينية لا يصح أن يُجبر عليها .
الذِّميون والجزية :
لقد فرض الله على القادرين على القتال من أهل الذِّمة دفع جزية مقابل توفير الحماية لهم عن سعة أي لا يكلف بدفعها من لا تتوفر لديه القدرة المالية ،يقول تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرِّمون ما حرَّم الله ما حرَّم الله ورسوله ولا يُدِنون دِين الحقِّ مِنَ الذينَ أوتوا الكتَاب حتى يُعْطوا الجِزية عنْ يدٍ وهم صاغرون) ويقصد بِ(وهم صاغرون ) أي إعلان الطاعة للدولة الإسلامية والالتزام بقوانينها.
هذا وقد فرضت الجزية بديل حماية المسلمين لهم والمحافظة عليهم ،وإعفائهم من القيام بواجب الدفاع عن كيان الدولة وحماية المواطنين ،وكان المسلمون يردون هذا لهم هذا المبلغ حين لا يستطيعون حمايتهم ،وقد حدث ذلك كثيراً في تاريخ المسلمين ،فقد حصل مثلاً أن أمر أبو عبيدة برد أموال الجزية لجميع مدن الشام حين علم أنَّ الروم حشدوا جيوشهم على حدود الدولة الإسلامية في الشمال ،وذلك لأنَّه خشي أن لا يستطيع الدفاع عنها ،وفي كتابه لأمراء الأجناد لتنفيذ هذا الأمر طلب إليهم أن يقولوا لهم : (إنَّما رددنا عليكم أموالكم لأنَّا قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع ،وأنَّكم اشترطتم علينا أن نمنعكم ،ونحن لا نقدر على ذلك )
وقد ردوا عليهم أموالهم بالفعل ، وكان من نتيجة ذلك موقف رائع يذكره التاريخ ،فقد قال لهم أهل هذه المدن من الذميين : ” ردكم الله علينا ونصركم عليهم ” أي على الروم ،وهم على دينهم ،فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئاً ،وأخذوا كل شيء بقي لنا.
كما حصل أنَّ ردَّ صلاح الدين الأيوبي الجزية إلى نصارى الشَّام حين اضطر إلى الانسحاب منها ،وتكرر نفس التقدير الذي ظهر لدى الذِّميين أيام أبي عبيدة حين انتصر صلاح الدين ،وقد علَّق المستشرق الإنجليزي “توماس أرنولد ” في كتابه “الدعوة إلى الإسلام ” بقوله : ( لقد سكنوا إلى الحكم الإسلامي وادعين مستبشرين ،كما استمر الحكام المسلمون على عاداتهم القديمة من التسامح وسعة الصدر لأهل الملل الأخرى ،وإذاً فإنَّ الجزية ثمن الحماية ،وهي لا تعادل إلاَّ مقداراً بسيطاً ممَّا كان يدفعه المسلم من تكاليف مالية كالزكاة والعشور وغيرها .
وأخيراً فإنَّ الجزية ليست من مبدعات الإسلام ،وإنَّما هي نوع من المعاملة بالمثل ، فقد كانت موجودة لدى الأمم السابقة كاليونان والرومان والفرس ، وحين طبقها الإسلام طبقها على صورة فلم يعهدها مجتمع من السماحة والعدل ومراعاة الظروف والأحوال.
وقد حفظ الإسلام للذميين حريتهم في ممارسة عباداتهم وعقائدهم ،وسمح لهم بأن يتمتعوا بكل المسلمون من حقوق التجارة والكسب والعمل والتنقل حتى إنَّهم ليتمتعون بكثير ممَّا لا يحق للمسلم أن يتمتع بها .
حماية الذِّمي:
لقد أوجب الإسلام حماية الذِّمي ،فدمه وماله مصونان ، وحريته وكرامته محترمان ،وقد أكَّد الرسول صلى الله عليه وسلَّم على هذا في أحاديث عدة منها : ( من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ،,من خاصمته خصمته) ،كما أنَّ الخليفة عمر كان يسأل عُمَّاله أوَّل ما يسألهم عن أحوال أهل الذِّمة ،ولعلَّنا نذكر جميعاً كيف أمر بضرب ابن والي مصر عمرو بن العاص لأنَّه أساء إلى ذمي ،ثُمَّ قال قولته الخالدة : ( متى استعبدتم النَّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
وبلغ من رعاية الدولة الإسلامية لأهل الذِّمة أنَّها كانت تفرض لهم من بيت مال المسلمين ،إذا كانوا في حالة لا يتكسبون بها ،وكان هذا يدخل في الذِّمة أحياناً ،فقد جاء في عهد خالد بن الوليد رضي الله عنه : ( وجعلت لهم أيما شيخ ضعيف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات ،أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه ،وطرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله ما أقاموا بدار الإسلام .
المستأمنون الأجانب :
وهم الأشخاص الذين يدخلون الديار الإسلامية لمدة محدودة ،وليس بنيتهم الإقامة الدائمة ،فإذا مادامت إقامة الشخص عومل معاملة أهل الذِّمة ،وكان الإسلام أوَّل من يعرف بحقوق الأجانب (المستأمنين) ،ولم تصل الإنسانية إلى إقرار هذه الحقوق في ظل القوانين الوضعية إلاَّ في القرن العشرين.
فللأجنبي حق الإقامة والتنقل في الدولة الإسلامية ،وله أن يمارس التجارة والعمل ،وان يتمتع بالمرافق العامة الضرورية ،كل ذلك ضمن حدود نظام الدولة وقوانينها ،وهو لا يلتزم إلاَّ بالخضوع للأحكام المتعلقة بالأمن والنظام واحترام عقائد المسلمين وتقاليدهم ،والامتناع عن كل ما يشعر بإهانة المسلمين .
وقد رتَّب الفقهاء على تقرير المستأمنين عدة أمور أهمها :
1- أنَّ ملكية المستأمن لماله الذي اكتسبه في دار الإسلام لا تزول ولو عاد إلى دار الحرب ،بل ولو حمل السلاح على المسلمين.
2- وأنَّ ماله يرسل إلى ورثته إذا مات في دار السَّلام ،كما أنَّ ملكيته لماله تنتقل إلى ورثته إذا مات في دار الحرب ،أو أثناء اشتراكه في حرب المسلمين مع جيش دولته ،ولا تزول ملكيته لماله إلاَّ في حالة اشتراكه في حرب المسلمين وأسره واسترقاقه من قبلهم.
3- أمَّا العقوبات ،فإنَّ ما يتعلق بحقوق العباد فإنَّه يطبق عليه من قبل أولي الأمر ،أمَّا ما يتعلق بالاعتداء على حقوق الله تعالى ،فإنَّ الجمهور أجمعوا على عقابه ،وخالف في ذلك أبو حنيفة .
وهنا لي وقفة ،معنى هذا أنَّ جميع الأجانب المقيمون للقيام بالتجارة ،أو أعمال بموجب عقود عمل في المملكة العربية السعودية وسائر الدول العربية والإسلامية لهم حقوق أهل الذِّمة ،وعلينا توفير الأمان لهم ،وحتى لو كانوا ينتمون إلى بلاد معادية لنا أو تحاربنا ،فأحداث انفجارات الحادي عشر من ربيع الأول عام 1424هـ التي شهدتها الرياض لا يقرها الإسلام ،وتتنافى مع تعاليمه ،وهذه الجماعات تجهل الدين ،وتخلط بين المحاربين والمحتلين ،وبين المقيمين في الدولة الإسلامية بموجب عقود واتفاق بينهم وبين جهات العمل التي يعملون فيها.
فالإسلام يدين الإرهاب ،وهذه ظاهرة غريبة عن مجتمعنا الإسلامي ،وقد صدَّرها لنا الغرب ،واستغل جهل بعض الشباب بدينهم ،ووجههم لارتكاب هذه الأعمال الإرهابية لتشويه صورة الإسلام ،واتهامه بالإرهاب ،ليجد المبررات لإعلان الحرب على الإسلام واحتلال العالمين العربي والإسلامي.
فالإسلام يدعو إلى العدل والإحسان يقول تعالى : ( إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسان)
ويقيم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم ممن لم يقاتلوهم في الدين أو يخرجوهم من ديارهم على العدل والإحسان والتسامح ،وفي ذلك يقول جل شأنه :
( لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الِّدينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إليْهِم إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين.إنَّما يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مّنْ دِيَارِكُم وَظَاهَرُوا عَلى إِخْرَاجَكُم أنْ تَوَلُّوهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون )
ويرتفع الإسلام بالمسلم إلى ذروة الإنسانية وأكرم آفاقها حين يأمره بأن يعمل على توفير الأمن للمشرك الخائف ،وحمايته ،وإيصاله إلى بلده ومأمنه ،يقول تعالى : (( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنْ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون ))
وكلنا يعرف قصة إجارة أم هانئ رضي الله عنها لاثنين من المحاربين يوم فتح مكة ،وعندما أراد سيدنا علي كرَّم الله وجهه قتلهما ،ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكت له ، فقال لها عليه الصلاة والسلام ” ما كان له ذلك ،قد أجرنا من أجرت وأمنَّا من أمّنتِ”
والإسلام لا يقر على الإكراه على الدين ،وأعلن ذلك صراحة ،يقول تعالى : ( لا إكِرَاه في الدِّين قَدْ تَّبَيْنَ الرُّشْدُ مِنَ الغيِّ)
وحثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ،يقول تعالى : ( ادعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعِظَةِ الحسنة وَجَادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَن)
بيَّن له أنَّه لو كان فظاً في دعوته غليظ القلب لانفضوا من حوله يقول تعالى : ( لو كُنْت فَظّاً غَلِيظَ القلبِ لا نفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)
وأمرنا أن تكون مناظراتنا مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن ،يقول تعالى :
( ولاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتابِ إلاَّ بالتي هِي أَحْسَنُ)
ونهانا الإسلام عن سب عقائد المخالفين لديننا ،يقول تعالى : ( ولا تَسُبُّوا الَّذِين يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بغيرِ علم)
بل جعل الإسلام لأماكن عبادات اليهود والمسيحيين حرمة كحرمة المساجد يجب حمايتها والدفاع عنها ،يقول تعالى : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ..)
عهد أمان عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأهل بيت المقدس :
ويكفي أنْ أذكر كيف أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى أهل بيت المقدس أماناً على معابدهم وكنائسهم وعقائدهم وأموالهم ،وممَّا جاء نصه في هذا العهد الآتي : ( بسم الله الرحمن الرحيم .هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان . أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها .إنَّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها ،ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ،ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود )
هذا بعض ما جاء في عهد الأمان الذي أعطاه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأهل القدس.
ولو ذهبنا إلى مصر نجد أنَّ العرب المسلمين أعطوا الحرية الدينية للقبط ،يؤيد ذلك ما فعله عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد استيلائه على حصن بابلبيون ،إذ كتب بيده عهداً للقبط بحماية كنيستهم ،ولعن كل من يجرؤ من المسلمين على إخراجهم منها ،وكتب أماناً للبطريق بنيامين ،وردَّه إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء ثلاث عشرة سنة ،وأمر عمرو رضي الله عنه باستقبال بنيامين عندما قدم الإسكندرية أحسن استقبال ،وألقى على مسامعه خطاباً بليغاً ضمنه الاقتراحات التي رآها ضرورية لحفظ كيان الكنيسة ،فتقبلها عمرو رضي الله عنه ، ومنحه السلطة التامة على القبط والسلطان المطلق لإدارة شؤون الكنيسة .
ولم يفرق العرب في مصر بين الملكانية واليعاقبة من المصريين ،الذين كانوا متساوين أمام القانون ،والذين أظلهم العرب بعدلهم وحموهم بحسن تدبيرهم ،وقد ترك العرب للمصرين ،وأخذوا على عاتقهم حمايتهم ،وأمنوهم على أنفسهم ونسائهم وعيالهم ،فشعروا براحة كبيرة لم يعهدوها منذ زمن طويل ،بل كانوا يعانون من ظلم البيزنطيين الذين كانوا يطهدون الياعقبة لأنهم يختلفون معهم في المذهب ،يوضح هذا قول المستشرق البريطاني سير توماس أرنولد في كتابه ” الدعوة إلى الإسلام ” : ( يرجع النجاح السريع الذي أحرزه غزاة العرب قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي ،لما عرف به من الإدارة الظالمة ،وما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت ،فإنَّ الياعقبة الذين كانوا يكونون السواد الأعظم من السكان المسيحيين عوملوا معاملة مخحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسي التابعين للبلاط ،الذين ألقوا في قلوبهم بذور السخط والحنق الذيْن لم ينسهما أعقابهم حتى اليوم )
كما أنَّ السلطان محمد الفاتح أعطى ـ حين دخل القسطنطينية فاتحاً ـ لبطريرك المدينة السلطان الداخلي على رعيته من النصارى ،بحيث لا تتدخل الدولة في عقائدهم ولا عباداتهم.
كما يروي لنا التاريخ أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية طلب إلى أمير التتار إطلاق سراح الأسرى ،فأجابه الأمير التتاري إلى إطلاق سراح أسرى المسلمين وحدهم دون المسيحيين واليهود فأبى شيخ الإسلام رحمه الله ذلك وقال : ” لا بد من إطلاق سراح الذميين من أهل الكتاب ، فإنَّهم أهل ذمتنا ،لهم ذمة الله ورسوله ،فأطلق الأمير سراحهم جميعاً .
ويثبتُ التاريخ أنَّ المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ،تشهد عليها :
1-الرسالة التي بعث بها “ثيودسيوس” بطرق بيت المقدس سنة 869 إلى زميله “اجناتيوس” بطرق القسطنطينية، والتي امتدح فيها المسلمين ،وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق ،حتى أنَّهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة .
2- ما ذكره بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إنَّ المسلمين قوم عادلون ،ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت)
ويرى أحد كبار المؤرخين الأوربيين أنَّ حالات الاضطهاد الفردية التي تعرَّض لها المسيحيون في الشرق الأدنى في القرن العاشر الميلادي بالذات لا يصح أن تتخذ بأي حال سبباً حقيقياً للحركة الصليبية ،لأنَّ المسيحيين بوجه عام تمتعوا بقسط وافر من الحرية الدينية ،وغير الدينية في ظل الحكم الإسلامي ،فلم يسمح لهم فقط بالاحتفاظ بكنائسهم القديمة ،وإنَّما سمح لهم أيضاً بتشييد كنائس وأديرة جديدة جمعوا في مكتباتها كتباً دينية متنوعة في اللاهوت .
إسهام اليهود والنصارى في الحضارة الإسلامية:
رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين كانوا ولا يزالون يتمتعون بحرية دينية كاملة ،ويتمتعون أيضاً بحق المواطنة مثلهم مثل المسلمين ،فهم من النسيج الاجتماعي للدولة الإسلامية ،وأسهموا ،ويسهمون في البناء الحضاري في مختلف العلوم ،وقد نبغ منهم في الطب والهندسة ،وسائر العلوم . ولم يفرق المسلمون بين يهودي ومسيحي ومسلم أمام القضاء .
اليهود والنصارى أمام القضاء وعدالة الإسلام :
عدالة الإسلام في القضاء وعدم تفريقه بين الخصوم حكاماً ومحكومين مسلمين ومسيحيين ويهود ،فالكل سواء أمام القضاء. ومعروف أن النظام القضائي الإسلامي الوحيد في العالم الذي أوجد ديوان المظالم الذي يرفع فيه الأفراد قضايا على كبار المسؤولين بما فيهم الخلفاء والأمراء والولاة والوزراء،وسأتحدث اليوم عن بعض هذه القضايا ،فما أحوجنا أن نعيد قراءة تاريخنا ،وأن نتوقف عند عظمة هذا الإسلام ومدى عدالته، فالله جلَّ شأنه قد أمر أن يكون الحكم بين النّاس بالعدل ،وكذلك إن كان الحكم بين اليهود رغم كذبهم وأكلهم أموال الناس بالباطل فيجب أن يكون حكماً عادلاً يقول تعالى في سورة المائدة : ( سمَّاعون للكذبِ أَكَّالُونَ للسُّحتِ فَإِنْ جَاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أوْ أَعْرِضْ عَنْهُم وَإِنْ تَعْرِضْ عَنْهُم فَلَنْ يَضُّرُوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطين)
ويقول جلَّ شأنه في حديث قدسي : ( يا عبادي قد حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما)
وكلنا يعرف قصة القبطي المصري الذي قدم من مصر إلى المدينة ليشكو إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه والي مصر عمرو بن العاص ،وزعم أنَّّ الوالي أجرى الخيل فأقبلت فرس المصري فحسبها محمد بن عمرو فرسه وصاح : “فرسي ورب الكعبة” ،ثُمَّ اقتربت وعرفها صاحبها فغضب محمد بن عمرو ووثب على الرجل يضربه بالسوط ويقول له : خذها وأنا ابن الأكرمين ،وبلغ ذلك أباه فخشي أن يشكوه المصري فحبسه زمناً ..ومازال محبوساً حتى أفلت وقدم إلى الخليفة لإبلاغه شكواه…
قال أنس بن مالك راوي القصة : فوالله ما زاد عمر على أن قال له أجلس …ومضت فترة إذ به في خلالها قد استقدم عمراً وابنه من مصر فقدما ومثلا في مجلس القصاص ،فنادى عمر رضي الله عنه :” أين المصري ؟ …دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين”
فضربه حتى أثخنه ،ونحن نشتهي أن يضربه .فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ،وعمر رضي الله عنه يقول : اضرب ابن الأكرمين ! ..ثُمَّ قال : ” أجلها على صلعة عمرو ! فوالله ما ضربك ابنه إلاَّ بفضل سلطانه …قال عمرو رضي الله عنه فزعاً : يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت ، وقال المصري معتذراً : يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني ..فقال عمر رضي الله عنه :”أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى يتكون أنت الذي تدعه .والتفت إلى عمرو مغضباً قائلاً له تلك القولة الخالدة :” أيا عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ”
وكلنا يعرف قصة سيدنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه مع اليهودي الذي وجد درعه عنده الذي فقده وهو متجهاً إلى صفين ،ولما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة وجده في يد يهودي ،فقال نصير إلى القاضي ،فتقدم علي رضي الله عنه فجلس إلى جنب القاضي شريح ،وقال : ” لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس ،ولكني سمعتُ رسول الله صلى عليه وسلم يقول : “أصغروهم من حيث أصغرهم الله “فقال شُريح قل يا أمير المؤمنين ،فقال :” نعم هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب ،فقال شُريح : إيش تقول يا يهودي ؟ قال: “درعي وفي يدي ،فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين ؟ قال : “نعم ،قنبر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي ،فقال شُريح: شهادة الابن لا تجوز للأب ،فقال علي رضي الله عنه : ” رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ،فقال اليهودي : ” أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ،وقاضيه قضى عليه ،أشهد أنَّ هذا هو الحق ،وأشهد أن لا لإله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله ،وأنَّ الدرع درعك.”
كما فسح المجال لأهل الذمة لتلقي العلوم ،وقد نبغ منهم في مجالات علمية مختلفة ،و ذكر لنا التاريخ أسماء أطباء يهود ومسيحيين بلغوا شأناً عظيماً في الدولة الإسلامية ،بل نجد يهوداً ونصارى تولوا مناصب هامة في الدولة الإسلامية ،ومنهم من تولى منصب الوزارة ،فقد تولت أسرة بني وقاصة اليهودية قهرمة القصر السلطاني في عهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق في المغرب ،وفي عهد آخر سلاطين بني مرين(610- 869هـ ) السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المريني تولى منصب الوزارة اثنان من اليهود هما هارون وشاويل ،وقد أدى تحكم اليهود في الدولة عن طريق هذيْن الوزيرين إلى مقتل السلطان عبد الحق المريني ،وسقوط الدولة المرينية.
وهذا يبن لنا مدى غدر اليهود ،وأنَّهم لا أمان لهم ،ومهما تسامحنا معهم ،فالغدر من شيمهم وصفاتهم ،والتاريخ حافل بأمثلة كثيرة لا حصر لها تبين غدر اليهود ،وقراءة منا لتاريخ اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ، تبين لنا كيف نقضوا العهد الذي كان بينه وبينهم ،والذي كتب في صحيفة المدينة ،وكيف ألَّبوا الأحزاب ضد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة ،و تآمروا على قتله أكثر من مرة؟
وما يحدث الآن في فلسطين ،وغدر شارون بالفلسطينيين ونقضه لكل الاتفاقيات التي وقعت بين الحكام الإسرائيليين وبين الفلسطينيين باجتياحه للمدن الفلسيطينية التي منحت استقلالها ،وإعادة احتلالها ،ضارباً بكل الاتفاقيات عرض الحائط،وكأنها لم تكن ،فهذا غير مستبعد عن اليهود ،فهذا دأبهم منذ الأزل ،وعلينا نحن العرب أن نعي هذا جيداً ،وكفانا تنازلات التي لا نجني من ورائها أية مكاسب ،بل كفة الخسارة دائماً هي التي ترجح في اتفاقياتنا مع اليهود الصهاينة ، وللأسف خسارتنا آخذة في الزيادة ،ولا ندري إلى أي خندق ستوصلنا؟
وبعد فهذا جانب من تسامح الإسلام ،والأمثلة كثيرة لا حصر لها على تسامح هذا الدين السمح الذي لا يكتمل عنده الإيمان إلاَّ إذا أحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ،يقول صلى الله عليه وسلم ( لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
تسامح المسلمين في حالة الحرب:
أمَّا تسامح الإسلام في حالة الحرب فالحديث عنه يطول ،ويكفي أن أقول إنَّ القانون الدولي استقى كثيراً من أحكام الإسلام في الحروب في أحكامه كعدم مباغتة العدو وأخذه على غرة ،فلقد ثبت أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقاتل قوماً قبل أن يدعوهم إلى الإسلام ،أو دفع الجزية فإن امتنعوا قاتلهم ، وكذلك عدم قتال المدنيين من النساء والشيوخ والأطفال من أهالي المحاربين لهم ،وعدم تدمير منازلهم وحرق نخيلهم ،وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه في غزوة مؤتة ،وهو يتأهب للرحيل : ( ألا تقتلنَّ امرأة ولا صغيراً ضرعاً أي ضعيفاً ولا كبيراً فانياً ، ولا تحرقنَّ نخلاً ولا تقْلَعَنَّ شجراً ،ولا تهدموا بيْتاً ) وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال ( لا تقتلوا أصحاب الصوامع).
ولقد حرَّم الإسلام الإجهاز على الجرحى والتمثيل بالقتلى ،وعدم إصابة المدنيين بسوء ،وحسن معاملة الأسرى ،ولا يجوز قتلهم ،ولا جرحهم ،ولا تعذيبهم ،ولا إساءة معاملتهم أو تحقيرهم ،ولقد استقى القانون الدولي هذا من الإسلام،فالإسلام سبق القوانين الدولية بأحد عشر قرناً في وضع قوانين للأسرى بحسن معاملتهم ،وعدم تعذيبهم ،وعدم قتلهم ،وإطلاقهم بالمن عليهم أو فدائهم بينما نجد لم تظهر اتفاقيات أو معاهدات دولية لتنظيم معاملة الأسرى إلاَّ في أواخر القرن الثامن عشر ،وبالتحديد في سنة 1875م .
كل هذا يدركه الغرب تماماً ولسماحة الإسلام وعدالته ،حارب الغرب الإسلام ،والحروب الصليبية التي شنها على الإسلام مدى قرنين من الزمان أكبر دليل على هذا ،وعندما فشلت هذه الحروب في تحقيق أهدافها ،احتضنت الكنيسة الاستشراق الذي استمر على مدى ثمانية قرون يهاجم الإسلام ،وينال من التشريعات القرآنية ،ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن النبي الكريم ،لتشويه الإسلام ،وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم للحيلولة دون إسلام النصارى ،ولتنصير المسلمين ،وللسيطرة على المسلمين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واحتوائهم علمياً وفكرياً،ولا تزال الحركة الاستشراقية مستمرة حتى يومنا هذا ،وقد تغير مسماها ،إذ أصبحت تحمل مسمى الدراسات الشرق الأوسطية ملقية بمصطلح ” الاستشراق” في مزبلة التاريخ بعدما كُشفت أغراضه وأهدافه مركزة على هذه المنطقة التي تضم المقدسات الإسلامية ،وباعتبارها محور الصراع .
والإسلام ظل وسيظل مخيفاً لأعدائه الذين يخططون للقضاء على كل ما هو إسلامي ،ويرهبهم الجهاد في سبيل الله للدفاع عن الأوطان وتحريرها ،فعملوا على تغييب الجهاد ،واعتبروه إرهاباً ،وملاحقة المجاهدين في فلسطين ولبنان كإرهابيين للقضاء عليهم وتصفيتهم ،والحملة الحالية الموجهة ضد الإسلام ،وضد المملكة ليست وليدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر ،وإنَّما مخطط لها منذ سنين طويلة ،فلقد أعلن بابا الفاتيكان في المجمع المسكوني عام 1965م أنهم سوف يستقبلون الألفية الثالثة بلا إسلام ،ففي شهر مايو عام 1992م صرَّح نائب الرئيس الأمريكي في حفل الأكاديمية البحرية الأمريكية بولاية ماريلاند أنَّهم قد أخيفوا في هذا القرن بثلاث تيارات هي : الشيوعية والنازية والأصولية الإسلامية ،وقد سقطت الشيوعية والنازية ،ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية،فما أعلنه الرئيس الأمريكي أنَّ حرب الإرهاب هي حرب صليبية على الإسلام لم تكن زلة لسان ،وكل الأحداث التي حدثت ،والمخطط لها تؤكد أنَّ هناك حرباً شرسة على الإسلام على مختلف الجبهات ،وعلى كل الأصعدة.
والغربيون يدركون تماماً أنّ الدين الإسلامي والتاريخ الإسلامي يخلو من الحقد الديني الذي يمتلئ به التاريخ الأوربي ،وتلمود اليهود وتشريع التوراة المحرفة ،وتاريخ اليهود الصهاينة في فلسطين.
والذي يؤكد ما أقوله إنَّ التلمود يبيح دماء وأعراض وأموال غير اليهود ،ويسب سيدنا عيسى عليه السلام ويشتمه ،وإسرائيل قائمة على أساس الدين بكل ما تحمله عقيدتهم من استعلاء على الشعوب ،وأنَّهم شعب الله المختار ، وإسرائيل بكل ما تقوم من حرب إبادة لشعب بأكمله ،وهو أعزل ،وتضربه بالطائرات والصواريخ والدَّبابات ،وتجرف الأراضي ،وتهدم المنازل ،وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ ،وتروع الآمنين ،وتمثل بجثث القتلى من الأطفال ،وتنزع منها أعضاؤها،هذا كله لا يعد إرهاباً في نظر الغرب ،بل اعتبروا جهاد الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال الصهيوني إرهاباً ،مع أنهم قاوموا هم من احتل أراضيهم ،فأمريكا قاومت الاستعمار البريطاني ،وفرنسا قاومت الاحتلال النَّازي لأراضيها.
والواضح أنَّ نجاح انتفاضة الأقصى فيما ألحقته من خسائر لإسرائيل جعلت الصحف الإسرائيلية تتحدث الآن عن انهيار إسرائيل ،وقد أصبح الآن عدد النازحين من إسرائيل من اليهود أكثر من المهاجرين إليها ،إضافة إلى الخسائر المالية التي تكاد تشل اقتصاد إسرائيل ،فهذا ضاعف من جنون الغرب ،ـولا سيما أمريكاـ الموجه حملاته ضد الإسلام ،وكل ما هو إسلامي ،وتجفيف منابع الجمعيات الخيرية التي تدعم الشعب الفلسطيني بصورة خاصة لإجهاض الانتفاضة والقضاء عليها .
وينبغي ألا ننسى أنَّ هذه الحملات التي يحركها ويصعدها الصهيونية العالمية لأنهم مستفيدون منها إلى حد كبير ،والصهيونية كما لا يخفى على الجميع مدى سيطرتها على وسائل الإعلام الغربية من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما ومسرح ،وشركات إعلان ،وكذلك على مصادر الخبر ،وهي وكالات الأنباء ،وجريدة النيويورك التايمز التي تقود حملة شعواء على المملكة صاحبها يهودي،والكاتب الصحفي بها المتحامل على الإسلام يهودي صهيوني.
وهذا يجعلنا ندرك أبعاد هذه الحملة.
الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد
suhaila_hammad@hotmail.com