جريدة المدينة الثلاثاء 1881432هـ1972011م
إنّ مقتل الطفل أحمد البالغ من العمر أربع سنوات على يدي زوجة أبيه، ومن قبله غصون ابنة التسع سنوات التي قُتلت من تعذيب والدها وزوجة أبيها، وشرعاء التي قُتلت على يد والدها


، وقبلها أريج التي كانت في حضانة والدها الذي كان يعذبها بمشاركة زوجته، وقد قدمت والدتها شكوى للقضاء طالبة حضانتها لتعذيب والدها وزوجته لها، ولكن القاضي أصدر حكمًا بإعادة أريج لوالدها الذي قتلها بالفعل عام 2007م، والذي يستوقفنا هنا حكم القاضي بعودة أريج لحضانة والدها، رغم ثبوت تعذيبه لها مع زوجته، وهذا ينافي الأهداف من الحضانة فالحضانة تعني القيام بحفظ الصغير، أو الصغيرة، أو المعتوه الذي لا يميز، ولا يستقل بأمره، وتعهده بما يُصلحه، ووقايته ممَّا يؤذيه ويضره، وتربيته جسميًا ونفسيًا وعقليًا، كي يقوى على النهوض بتبعات الحياة والاضطلاع بمسؤولياتها، وهي حق للصغير لاحتياجه إلى من يرعاه، ويحفظه، ويقوم على شؤونه، ويتولى تربيته، ولأمه الحق في احتضانه، ولكن للأسف الشديد كثير من قضاتنا يحكمون بالحضانة للأب دون التأكد من :أهو أصلح للحضانة الأم، أم الأب، فالقاضي الذي حكم بعودة أريج لأبيها مع علمه بأنّ أباها يمارس عنفا ضدها هو وزوجته، فأعادها إليه حتى قتلها، يتحمل مسؤولية باعتباره سلمها لقاتلها ؟ وكذلك القاضي الذي سيحكم بحضانة ريتاج لأبيها بعد مقتل أحمد؛ بعد ثبوت عدم أهليته للحضانة؛ لا يعفى من المسؤولية، فلا يُعقل أنّه لم يتنبّه إلى ما يتعرض له أحمد وأخته من عنف، وكيف يُحرمان من رؤية أمهما على مدى ثلاث سنوات، بل كيف يُنتزع أحمد من حضن أمه، وهو لايزال رضيعًا، ؟ ،وإن تزوجت الأم، فهذا لا يمنع من حضانتها له، فكما يقول ابن حزم في المحلى:» الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض، أو الاحتلام، أو الانبات مع التمييز، وصحة الجسم ـ سواء كانت أَمَة، أو حرة ،تزوجت أو لم تتزوج، رحل الأب عن ذلك البلد أو لم يرحل» [ابن حزم : المحلى في الآثار ،10/ 143.] وكان الحسن البصري:» يقول المرأة أحق بولدها وإن تزوجت وقضى بذلك يحيى بن حمزة، ولكن للأسف كثير من قضاتنا الذين يحكمون بانتزاع الأطفال من أحضان أمهاتهم إن تزوجن، ولو كانوا في سن الرضاعة مستندين على أحاديث ثبت ضعفها، ومخالفة للسنة الفعلية، كحديث « أنتِ احق به مالم تُنكحي» ؟ 
فعن طريق أبي داود محمود بن خالد السلمي عن أبي عمرو الأوزاعي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو» أنَّ امرأة طلقها زوجها وأراد انتزاع ولده منها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنت أحق به مالم تُنكحي « قال عنه ابن حزم « وهذه صحيفة لا يُحتج بها»، والصحيفة – لغة: اسم مفعول من التصحيف وهو الخطأ في الصحيفة ، واصطلاحاً : تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظاً أو معنى. [ابن حزم : المحلى بالآثار ،10/ 147.] وعن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ امرأة خاصمت زوجها في ولدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكره « و كذلك رواه عبد الرزاق في « مصنفه « عن المثنى بن الصباح، والمثنى بن الصباح ضعيف .
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال :» خاصمت امرأة عمر إلى أبي بكر، كان طلقها ، فقال أبو بكر: هي أعطف و ألطف و أرحم و أحن و أرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج « وهذا ليس بحديث ، ومع كونه موقوفًا ، فهو مرسل، وقد روي من وجوه أخرى مرسلًا في» الموطأ « و» المصنف « لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولًا بإسناد ضعيف منقطع. 
ويستدل ممّا سبق عدم صحة حديث « أنت أحق به ما لم تنكحي» بدليل أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قضى للخالة بحضانة ابنة أختها وهي متزوجة فمن باب أولى أن تكون الحضانة للأم، وهي متزوجة؛ إذ كيف تسقط حضانة الأم بزواجها، ولا تسقط حضانة الأب بزواجه، وإن اشترطنا حضانة الأم بعدم زواجها، فهذا يتنافى مع شرع الله، فالله لم يحرِّم على المطلقة الزواج حتى نحرمها منه إن أرادت حضانة أولادها الذين سينتزعون من حضنها إن بلغ الولد سبع سنوات والبنت تسع سنوات، وبذلك حرمت من الزواج وتكوين أسرة جديدة وحُرمت من أولادها، هل هذا ينطبق مع عدل الخالق جل شأنه؟ 
إنَّها أحكام بشرية ذكورية منحازة كل الانحياز للرجل، مبنية على اجتهادات بعض الفقهاء.
ثمّ أين هو دور الأم في التربية وأهميته ،وضرورة بقائها في بيتها من أجل تربية أولادها الذي يردده دومًا خطابنا الديني لكي لا تعمل ولا تشارك في الحياة العامة، ولكن سرعان ما يتبخر هذا الدور عندما تُطلق، فيُنزع أطفالها من حضنها حتى ولو كانوا في سن الرضاعة بحكم قضائي ليسلموا إلى زوجة الأب التي غالبًا ما يخلو قلبها من الرحمة، دون اعتبار لمن هو أصلح للحضانة، وتحري الدقة في الحكم ليتحقق مفهوم الحضانة.
لابد من وضع نهاية لمسلسل تعذيب الأطفال وقتلهم من قبل زوجات آبائهم وآبائهم؛ لذا أدعو المجامع الفقهية أن تراجع الأحكام الفقهية المبنية على أحاديث ضعيفة تحرم أطفال المطلقات من أمهاتهم ،وتحرم أمهاتهم منهم، وأن يراعى هذا في مدونة الأحوال الشخصية، مع تكوين لجان في محاكمنا بها متخصصون ومتخصصات في علمي النفس والاجتماع لدراسة البيئة الأصلح لحضانة الطفل، مع الإسراع في إنشاء محاكم الأحوال الشخصية لسرعة البت في قضايا الحضانة، وتُدمج النفقة بالحضانة كقضية واحدة.
Suhaila_hammad@hotmail.com
 المصدر : جريدة المدينة
http://www.al-madina.com/node/316368

Leave a Reply