د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر جريدة المديتة في 15 سيتمبر 2022م
           الدولة الفاشلة من المصطلحات السياسية الحديثة التي دخلت ساحة السياسة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وما تبعها من سيطرة الأحادية  القطبية على النظام الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
    وكان من ضمن مخطط إدارة الرئيس الأمريكي  أوباما  ما سمي بثورات الربيع العربي إسقاط أنظمة الحكم في البلاد التي اندلعت فيها وتسليمها إمّا لإيران (العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي) وللإخوان(مصر وليبيا وتونس والمغرب والجزائر) مع إشاعة الفوضى فيها، وتحويلها إلى دول فاشلة.
  وللأسف الشديد تمكّن المُخطّطون من تنفيذ مخططهم وتحوّلت بعض تلك الدول إلى دول فاشلة، وهي لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا، والعناية الإلهية ثم تلاحم الشعوب مع قياداتها، ويقظتهم في السعودية  وباقي دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وتونس والمغرب والجزائر لم يتمكّن المخططون من تنفيذ مخططهم فيها.
  ولا شك للمؤامرة دور كبير في إفشال الدولة، ولكن لا يتم تنفيذها مالم تسهم فئة فاسدة وعميلة ممن ينتمون للدولة، ويحملون جنسيتها في تنفيذ المؤامرة، من حيث إخضاع بلادهم إلى تبعيتها لدول إقليمية ودول خارجية بتنفيذ أجنداتها في المنطقة، مع تغييرهم لنتائج الانتخابات لصالح أجندات الدول التابعين لها، مع تعطيلهم تكوين حكومة كفاءات وطنية بعيدًا عن المحاصصة الطائفية والمذهبية، وكذلك تعطيلهم انتخاب رئيس دولة، مع انتشار المليشيات والسلاح المنفلت، وضعف الجيش وانهيار العملة المحلية للدولة وأنظمتها الاقتصادية والصحية والتعليمية وزيادة نسبة البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، وسرقة أموال المودعين في البنوك، وتحويلها إلى الخارج، وفقدان القضاء استقلاليته، وصعوبة توفر الدواء للمرضى، وكذا مصادر الطاقة، ممّادى إلى كثرة الهجرات غير الشرعية، وغرقهم في قوارب الموت، مع هجرة الكفاءات في مختلف المجالات بحثًا عن العيش في أمن وأمان تفاديًا للجوع والفقر والمرض.  
  أمّا الدولة القوية الناجحة، فهي تلك التي تتوفر فيها  مجموعة من المقومات الأساسية التي تشكل الدولة بالشكل الصحيح، وهي:
1.   أن تكون ذات شعب  الذي يعد اللبنة الأساسية التي تقوم عليها الدولة، ولا دولة بلا شعب، مع الحفاظ على دياناته إن كان متعدد الديانات، وهويته الوطنية ولغته وتاريخه وحضارته وتراثه وتاريخ وتاريخ أمته .
2.   أن يكون  لها وطن  ذات  السيادة على كامل حدوده بدون أي استثناء، وتحقيق الأمن والأمان لشعبها والمقيمين على أرضها، وسيادة القانون، وحماية حقوق الأفراد.
3.    أن تتمتع بكامل استقلاليتها في أنظمتها وقراراتها وعدم تبعيتها على كل المستويات الداخلية والإقليمية والخارجية.
4.   تكوين حكومة تعتمد على الكفاءات بعيدًا عن  المحاصصة الطائفية والمذهبية لتتمكّن من تقديم الخدمات المطلوبة منها لمواطنيها بالدرجة الأولى، وأن تكون لديها إدارة قوية لمواجهة الأزمات والجوائح والكوارث الطبيعية والبيئية.
5.   أن تكون لديها قوة عسكرية لمواجهة وردع أي خطر يهدد أمنها وسلامتها، من خلال امتلاكها جيش متكامل بقواته البرية والبحرية والجوية، وامتلاكها الأسلحة الحديثة المتطورة للدفاع عن نفسها.
6.   كما أنّ الدولة القوية لابد أن تملك اقتصادًا قويًا، ويساعد في تحقيق الاكتفاء في استثمار خيرات البلاد وثرواتها دون منح أي امتياز لدولة أو منظمة دولية بذلك، مما يشكل عامل قوة ونجاح للدولة، ويزيد من قوتها إن كانت تمتلك الدولة لموقع جغرافي استراتيجي يساعدها على التواصل مع أكبر وأهم قارات العالم، أو تحكمّها في طريق تجاري.
7.   أن يكون لها نظام تعليمي قوي، ويواكب التطور العلمي والتكنولوجي والتقني، مع الحفاظ على لغة وهوية وتاريخ وحضارة وتراث وطنه وأمته .
8.   أن يكون لها نظام صحي قوي ومتطور يوفر العناية الصحية لمواطني الدولة ومقيمها، ويصمد أمام الجوائح وتفشي الأمراض والفيروسات المعدية .
9.   أن تكون لها خطط استراتيجية ذات أهداف تجنّد الدولة إمكاناتها ومؤسساتها لتنفيذ الخطط وتحقيق أهدافها.
10.                  أن تكون لديها منظومة تشريعية كاملة متكاملة.
  ومن فضل الله ونعمه علينا نحن السعوديين أنّ مملكتنا الحبيبة نموذجًا للدولة الناجحة القوية التي توفرّت فيها مقومات الدولة الناجحة، فهي دولة ذات سيادة على جميع أراضيها، ولا تدين بالتبعية لا لدولة إقليمية، ولا أجنبية تملك قرارها موفرة الأمن والأمان لمواطنيها والمقيمين بها والزائرين لها من حجاج ومعتمرين وسياح، كما تملك المملكة جيشًا قويًا، بلغ ترتيبه ال 17 من بين جيوش العالم، وتملك اقتصادًا قويًا فهي ضمن الدول العشرين، وقد أعلن وزير المالية السعودية في 7/ 9/ 2022 م عن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 12.2% في الربع الثاني من عام 2022م مقارنة بالربع المماثل من عام 2021م،  ويعود هذا النمو الاقتصادي بالأساس إلى الارتفاع الكبير الذي حققته الأنشطة النفطية والذي بلغ 22.9%، على أساس سنوي، و4.4%، على أساس ربعي، كما بلغ النمو في الأنشطة غير النفطية 8.2%، على أساس سنوي، و5.4%، على أساس ربعي.
   وذكرت الهيئة العامة للإحصاء أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلغ 1.048 مليار ريال في الربع الثاني من 2022، حققت من خلاله أنشطة الزيت الخام والغاز الطبيعي أعلى نسبة مساهمة بين الأنشطة، حيث بلغت 38.7%، تليها أنشطة الخدمات الحكومية بنسبة 13.9%، ثم نشاط الصناعات التحويلية، ما عدا تكرير الزيت بمساهمة بلغت 7.5%.
   وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 29.819 ريالًا في الربع الثاني من عام 2022م، بارتفاع    نسبته 44.6%، عن الربع الثاني عام 2021م، و10.6%، عن الربع الأول من عام 2022م.
وأعلن صندوق النقد الدولي أنّ اقتصاد السعودية سجل نسبة نمو تصل إلى 7.6% هذا العام، كأعلى نسبة نمو بين جميع اقتصاديات العالم في العام الحالي 2022، و بلغت نسبة التضخم لشهر يوليو 2022، إلى 2.7%، بينما بلغت نسبة التضخم  في نفس الفترة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك  أقوى اقتصاد في العالم 9.1%.
 هذا وقد برزت الجهود المبذولة في تطوير القطاع الصحي، الذي كان يعد أحد الأبعاد الاستراتيجية لبرنامج التحول الوطني، من خلال التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد. وقد كان لـبرامج تحقيق رؤية المملكة 2030 دور هام ومحوري في مواجهة المملكة لآثار الجائحة صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وتجاوز الأزمة بكل تحدياتها.
وقد حقق القطاع الصحي خلال المرحلة السابقة العديد من الإنجازات مثل تحسين جودة وكفاءة الخدمات الصحية وتسهيل الحصول عليها من خلال الاهتمام برقمنة القطاع الصحي، وإطلاق حزمة من التطبيقات (صحتي، موعد) وزيادة تغطية الخدمات لجميع مناطق المملكة.
    وفي ظل تطور الأنظمة الصحية العالمية، سيعمل برنامج التحول الصحي على تمكين التحول الشامل في القطاع وإعادة هيكلته ليكون نظامًا صحيًا شاملًا وفعالًا ومتكاملًا.
   هذا وقد ذكرت الهيئة العامة للإحصاء السعودية لـ”اندبندنت عربية”، إنّ معدّل أعمار السعوديين زاد من عام 2016 من 74 إلى 77 سنة لعام 2020م.
 وقد لمسنا كفاءة النظام الصحي في المملكة وجودته وقوته  فترة جائحة كورونا الذي ثبت تفوقه على أنظمة صحية لدول كبرى، فلم يوجد نقص في اللقاحات ولا في الأَسِّرة في المستشفيات، ولا في أجهزة الأوكسجين، ولا في الأدوية.
   أمّا من حيث التعليم فيعتبر نظام التعليم في السعودية متطور وحديث مقارنةً بالدول العربية، ويتوفر على شكلين: تعليم حكومي وتعليم خاص. وتقدر بعض الإحصاءات غير الحكومية نسبة القادرين على القراءة والكتابة في السعودية 89.1% للذكور، و79.4% للإناث. في المقابل تصل نسبة الأمية إلى أقل من 5,6%.، يوفر كذلك التعليم الحكومي  مدارس نظامية لتعليم الكبار ضمن مشروع محو الأمية الذي انطلق منذ عام 1374هـ.
   ويتضمن نظام التعليم في الملكة العربية السعودية حوالي 29 جامعة حكومية، و14 جامعة أهلية والعديد من الكليات والمعاهد الخاصة، وقد دخلت 7 جامعات حكومية في التقييم العالمي، بالإضافة إلى برامج الابتعاث للدراسة في كبريات الجامعات العالمية؛ حيث أعلنت وكالة وزارة التعليم لشؤون الابتعاث، نشرة شهر فبراير 2019 لشؤون الابتعاث، أنّ عدد المبتعثين الحاليين بالخارج نحو 93 ألف مبتعثًا, ومثّل الذكور 66 % من إجمالي المبتعثين بنحو 61.1 ألف مبتعثًا، فيما مثّلت الإناث 34 % وبنحو 31.9 ألف مبتعثًا.
   أمّا عن التعليم العام فيوجد في المملكة  من 33,500 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية ورياض أطفال، ومعاهد ثانوية صناعية.
وتوفر الدولة مجانية التعليم في مراحله الأربع: الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والتعليم الجامعي. مع مجانية وسائل النقل والكتب المدرسية، وصرف مكافأة للطلاب الجامعيين وللملتحقين بالمعاهد المهنية.
   ولقد أجرت المملكة إصلاحات واسعة في السياسة التعليمية تتعلق بالمناهج والتقييم والتطوير المهني للمعلمين، مع التركيز المستمر على نواتج التعلم في جميع المستويات، كما أنّها تلتزم بأجندة 2030 لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو).
  هذا وتعكس منظومة التشريعات المتخصصة الجديدة(المعاملات المدنية، والعقوبات التعزيرية والإثبات وأنظمة الأحوال الشخصية، وحقوق كبير السن ورعايته، والحماية من الإيذاء) حرص الدولة على تحسين جودة الحياة، وتعزيز الحقوق ومكافحة الفساد في إطار منظومة الإصلاحات التي تبنتها رؤية 2030.
   وممّا يميز الدولة الناجحة أنّها لا تترك مواطنيها عالقين بأية دولة في حال الكوارث والأزمات، فمثلًا عندما اجتاحت كرونا العالم عام 2020، وعمّ الإغلاق  دول العالم، علق كثير من السعوديين في مختلف دول العالم، تواصلت المملكة مع  تلك الدول، وأمّنت لمواطنيها فنادق درجة أولى ومصروف يومي نقدي مع تأمين لهم الوجبات الثلاث إلى أن تم نقلهم بطائرات الخطوط السعودية إلى مدنهم في المملكة، وتامين لهم فنادق بها  ليمضوا أسبوعي الحجر الصحي قبل أن يعودوا إلى بيوتهم، وقد تحمّلت الدولة كل النفقات.
 كما تسهم في مساعدة مواطنيها في حال تعرضهم لحوادث خارج بلادهم، فعدما وقع حادثًا مروريًا لحافلة في مدينة ريزا شمال تركيا وبها (23) سعوديًا، قامت السفارة السعودية في حين إخبار السلطات التركية به بالوقوف على الحادث المؤسف لتقديم كافة أشكال المساعدة للمواطنين السعوديين والاطمئنان على حالتهم الصحية، وإنهاء كافة احتياجاتهم اللازمة.
   وهكذا نجد أنّ الدولة القوية الناجحة تعز وتحمي مواطنيها. داخلها وخارجها، فأكبر نعمة أن تكون دولتك ناجحة وقوية، عليك الحفاظ عليها!
البريد الاليكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال في جريدة المدينة https://www.al-madina.com/article/805312/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%AA%D9%83-%D9%86%D8%A7%D8%AC%D8%AD%D8%A9
 

Leave a Reply