د. سهيلة زين العابدين حمّادنُشر في جريدة المدينة في 11/ 8/ 2022م. التشريع الإلهي تشريع مقدّس مُنزّل من عند الله خالق الكون ومن فيه ومُدبِّره، مُنّزّه عن الخطأ واجب الالتزام به، ويؤثم من خالفه، أمّا التراث الفقهي فهو استنباطات العلماء من فقهاء وأصوليين ومفسرين ومحدثين ومتكلمين لنصوص قرآنية وأحاديث نبوية الصحيح منها والضعيف والشاذ والموضوع، أو تراث يؤخذ منه ويترك، فهو اجتهادات بشريه في تفسير ما أنزله الله، وفي ما روي من مرويات حديثية على اختلافها واستنباط الأحكام الفقهية منها، وهي قابلة للصواب والخطأ، وإن أصاب المجتهد فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، واجتهادات المفسرين والفقهاء تخضع للموروثات الفكرية والثقافية لصاحبها ومواقفه وآرائه وثقافته الشخصية. وكُثر أولئك الذين يخلطون بين التشريع الإلهي المُنزّل من عند الله وبين التراث الفقهي البشري، فيُنزلون التراث الفقهي منزلة التشريع الإلهي، ويقُدِّسونه ويقدسون أصحابه ويعتبرونه ضمن التشريع الإلهي، ويقولون هذا شرع الله، وإذا بيّن شخص ما مخالفة حكم فقهي لما جاء في القرآن الكريم، وأنّ ما استند عليه من أحاديث ليؤكد صحة ما ذهب إليه هي ذاتها أحاديث ضعيفة أو موضوعة، أو شاذة، أو مفردة، يُهاجم ويُتهم بالجهل، ويقلل من شأنه قائلًا من أنت حتى تنقد مفسرًا مثل : فلان .. أو فقيهًا مثل : فلان .. وقد يصل الأمر إلى التشكيك في عقيدته وتكفيره وهدر دمه! وهذا التوجه للأسف بات يمثل خطابنا الديني المُقدِّس لكتب التراث وكتّابه وفتاويهم؛ إذ تمتلئ تلك الكتب بفتاوى التكفير ورفض الآخر وهدر الدماء والتطرّف، وفرض الجزية على غير المسلمين، وتضييق دوائر الحلال، وتوسيع دوائر الحرام، وامتهان المرأة، وانتقاص أهليتها، مع الاستدلال بأحاديث موضوعة وضعيفة وشاذة ومفردة، وتقديس بعض العلماء وتنزيههم عن الخطأ وكأنّهم أنبياء، رغم أنّهم بشر، والبشر خطّاؤون، وأخطاؤهم واضحة للعيان، ولكن لا يسمح لأحد انتقادهم، وبيان أخطائهم، وهذه الكتب تُدرس في مدارسنا وجامعاتنا، ولكن عندما طُبقِّ ما فيها على أرض الواقع ظهرت لنا بشاعة وخطورة محتوياتها، فلقد رسخ في الضمير الديني للمنتمين لبعض المؤسسات الدينية والتعليمية قداسة التراث ورجاله بكل ما فيه رغم مناقضة بعضه للقرآن الكريم ومقاصد الشريعة الإسلامية، واحتواء بعضه الآخر على أحاديث ضعيفة وموضوعة، والاستناد عليها في فتاويهم التكفيرية، ونبذ الآخر، وأحكامهم الفقهية التي فيها ظلم للمرأة والطفل، وأخذت المؤسسات الدينية في عالمنا العربي والإسلامي تعالج قضايا العصر بفكر وروح عصور خلت مرددة أقوال وفتاوى محفوظة عن ظهر قلب لعلماء وفقهاء عاشوا من قبل أكثر من ألف عام دون التمعن في أبعادها، والوقوف على ما فيها من أخطاء، والتمحيص والتدقيق في صحة الأحاديث التي بُنيْت عليها تلك الفتاوى، أو الأحكام الفقهية، ومدى ملاءمتها لعصرهم ومجتمعهم، مع إدراكهم اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان، ولم يكتفوا بهذا بل نجدهم يُصِّرون على تضمنيها بنصوصها في المناهج الدراسية للكليات والمعاهد والمدارس الدينية، وكذلك لمختلف المراحل الدراسية بما فيها المرحلة الابتدائية، ممّا أدّى إلى تشويه صورة الإسلام، بأنّه دين عنصري يميز بين المسلم وغير المسلم، وبين السني وغير السني، وبين الرجل والمرأة، دين قائم على قتال من لا يؤدي فريضة من الفرائض، بل إن تخلّف عن صلاة الجمعة في المسجد يُباح قتله، وإباحة هدم الكنائس حتى لو أعطي أهلها الأمان عند الفتح الإسلامي، ووجوب استمرار القتال حتى يشهد الجميع أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدًا رسول الله، واعتبروا أنّ نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة لا غير مستندين على حديث ضعيف، ومعتمدين حديث الفرقة الناجية، وهو حديث ضعيف أيضًا، أمّا ما يتعلّق بالمرأة، فإنّ مجرد قولها لزوجها” ما رأيت منك خيرًا قط ” تدخل النار، وأصبح النساء أكثر حطب جهنّم لتكفيرهن العشير، بل نجدهم سلبوا المرأة أهليتها باعتبارها ناقصة عقل ودين مستندين في ذلك على حديث ضعيف، والزوجة أّمّة مملوكة لزوجها في حال صحتها وعافيتها، ودار مستأجرة في حال مرضها لا يجب على زوجها علاجها، لأنّه لا يستمتع بها أثناء مرضها، استنادًا على فتوى للأئمة الأربعة دون استنادهم على نص قرآني، أو حديث نبوي، بل هي مناقضة للقرآن الكريم والسنة النبوية الفعلية والقولية، ومقاصد الشريعة الإسلامية، والأكثر من هذا قول بعض المذاهب بعدم وجوب على الزوج شراء كفن زوجته إن ماتت، ومع هذا لا يُسمح لأحد انتقاد هذه الفتاوى والأحكام وأصحابها، والأحاديث الضعيفة التي تتضمنها كتب الصحاح، رغم مناقضة بعضها للقرآن الكريم، وبعضها ينال من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وسمعته، ويُكفّر من يقوم بهذا الانتقاد، أو اتهامه بالزندقة، أو تنفيذه لأجندة غربية، وذلك لإخراس أي صوت ناقد، وأي فكر صادق يسعى للإصلاح، وقد ترتب على هذا الخطاب نفور بعض الشباب من الإسلام، وإلحادهم، واعتناق البعض الثاني منهم هذا الفكر المتشدّد، وتمّ تجنيدهم في عمليات إرهابية، وجماعات تكفيرية مسلحة، فتحوّل الصراع من جدال فكري إلى مواجهات فعلية مسلحة. وهكذا نجد كيف خُطف الإسلام منا، وتم تشويهه، وتصويره أنّه دين عنف وإرهاب وعنصري لا إنساني لا يحترم معتقدات الآخرين، بل يبيح قتل من على غير الإسلام، ويمتهن المرأة ويُذلّها،فللأسف الشديد لا تزال مؤسسات دينية متمسكة بهذا الفكر، وتتهم بالجهل والكفر والزندقة والعمالة للغرب من يُبيِّن ضعف بعض أحاديث الصحيحيْن، وكتب التراث التي بها فتاوى تكفيرية، وتغلب عليها الموروثات الفكرية والثقافية الجاهلية المتمثلة في عادات وأعراف وتقاليد منافية للإسلام، وتنسبها للإسلام، وتستدل بأحاديث ضعيفة وموضوعة لتؤيد ما يحملونه من فكر توافق تلك الموروثات الجاهلية، ويلقون بالتهم إلى المذاهب الهدّامة في وصولنا إلى ما وصلنا إليه متجاهلين تمامًا أنّ تبنيهم تكفير ومقاتلة من يترك فريضة من الفرائض، ومن يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وتبنيهم لحديثي الفرقة الناجية والخلافة رغم ضعفهما، وقولهم بوجوب هدم الكنائس، وتحقير المسيحيين أدى إلي الوضع الدامي الملتهب الذي تشهده مصر وسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وتونس والصومال وأفغانستان، وتورط الكثير من شباب الإسلام، وبلادنا جميعها مهددة بالتقسيم على أساس عرقي ومذهبي وطائفي؛ حيث استغل أعداؤنا هذا الفكر التكفيري الدامي، وجّندوا عشّاق السلطة وسفك الدماء من زعماء الأحزاب والجماعات الإرهابية، في تنفيذ مخططاتهم بإيهامهم أنّهم سوف يساعدونهم على إقامة دولة الخلافة. وأود أن أختم مقالي هذا بما جاء في حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلة أتلانتيك الأمريكية الذي نُشر في 3/3/ 2022م في إجاباته عن أسئلة أتلانتيك، بإقدامه على تصويب الخطاب الإسلامي بالعودة إلى الإسلام النقي الذي يمثله العهديْن النبوي والراشدي خير تمثيل، وذلك في قوله:”نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات ، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي. إنّ ما حدث هو أنّ المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم؛ حيث أنّهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفًا، في كلٍّ من العالَمين السني والشيعي.” وقوله عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب:” هو كسائر الدعاة وليس رسولًا، بل كان داعية فقط، ومن ضمن العديد من ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى..”البريد الالكتروني : suhaila_hammad@hotmail.comرابط المقال في جريدة المدينة : https://www.al-madina.com/article/800119/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%82-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%87%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A عدد القراءات 499